سعيد بن زيد ... مشهور في السماء!
د. محمد بن سعود
....
الحمد لله، الحمد لله عمَّت رحمتُه، أحمده -سبحانه- وأشكره، فهو الأحق أن تُشكرَ نعمتُه، وتُخشى سطوتُه، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، المرتجى والمؤملُ جنتُه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خُتمتْ بالنبوات نبوتُه، وتمَّت بالرسالات رسالتُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، خيرُ الآل عترتُه، وخيرُ الأصحاب صحابته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليما كثيرًا لا منتهى لمدته، ولا حصر لعِدته .أما بعد:-
فاتقوا الله الذي لا بد لكم من لقائه، ولا مفرَّ من حسابه، واعلموا أن تقوى الله خَلَفٌ من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، وقد تكفَّل اللهُ -عز وجل- لأهلها بالنجاة مما يحذرون، والرزقِ من حيث لا يحتسبون )ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب(
رأيتُ المجدَ في التقوى جليًّا ***وفيها العز في دار النشور
فنعم الزادُ تقوى اللهِ زادا *** ونعم الذخر في اليوم العسير
عباد الله: تشرَّف هذا المنبر بتشنيف الآذانِ بذكر سيرةِ خير الخلق، وسادةِ الأمة في الدنيا والآخرة، فالحمد لله أولا وآخرا ظاهرا وباطنا.
واليومَ بإذن الله، نُطرب الآذان بسيرة تاسعِ العشرة المبشرين، وأحدِ سادة الصحابة المعظَّمين، هو مِنَ الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ، هو من مشاهير السماء، ومعاييرُ الأرض ليست هي دومًا معاييرُ السماء، وما كُتب لك في نظر الناس قد يكون مكتوبًا لك خلافُه في صُحف العرصات
تجدُ الفتى تشتهيه الأرض والبَشر *** وما له في السماء لو ذرةً قدْرُ
تطفو وجاهته في الأرض منزلةً *** وفي القيامة قد هشّت له سَقرُ
هذا الرجل العظيمُ بلا مقدمات: هو سَعِيْدُ بنُ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ ابْنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ رِيَاحِ بنِ قُرْطِ بنِ رَزَاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غَالِبٍ، القُرَشِيُّ، العَدَوِيُّ.
أسلم t قديما قبل دخول دار الأرقم، شَهِدَ المَشَاهِدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -r- وَشَهِدَ حِصَارَ دِمَشْقَ، وَفَتْحَهَا، فَوَلاَّهُ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ نِيَابَةَ دِمَشْقَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّة. وهذا سبق تعجز عن كتابته الموسوعاتُ الأجنبية.
ورثوا المكارم كابرا عن كابر *** إن الخيارَ همُ بنو الأخيارِ
هُوَ ابْنُ عَمِّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأُخْتُهُ عَاتِكَةُ زَوْجَةُ عُمَرَ، وَأُخْتُ عُمَرَ فَاطِمَةُ زَوْجَةُ سَعِيدٍ. أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ، وَهَاجَرَا،
كَانَ وَالِدُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرٍو مِمَّنْ فَرَّ إِلَى اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَسَاحَ فِي أَرْضِ الشَّامِ يَتَطَلَّبُ الدِّيْنَ القَيِّمِ، فَرَأَى النَّصَارَى وَاليَهُوْدَ، فَكَرِهَ دِيْنَهُمْ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلَكِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِشَرِيْعَةِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَمَا يَنْبَغِي، وَلاَ رَأَى مَنْ يُوْقِفُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ، فَقَدْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ: (يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَه).
قالت أَسْمَاءُ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: لَقَدْ رَأَيْتُ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ قَائِماً، مُسْنِداً ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، يَقُوْلُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! وَاللهِ مَا فِيْكُمْ أَحَدٌ عَلَى دِيْنِ إِبْرَاهِيْمَ غَيْرِيْ. وَكَانَ يُحْيِي المَوْؤُوْدَةَ، يَقُوْلُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: مَهْ، لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيْكَ مُؤْنَتَهَا، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيْهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مُؤْنَتَهَا.
وَكَانَ يَعِيْبُ عَلَى قُرَيْشٍ، وَيَقُوْلُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُوْنَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ. رواه البخاري.
رَشَدْتَ وَأَنْعَمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا *** تَجَنَّبْتَ تَنُّوْراً مِنَ النَّارِ حَامِيَا
وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ *** وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِيْنَ وَادِيَا
كان سعيد t عظيمًا منذ أسلم؛ و لما كتب معاوية t إِلَى مَرْوَانَ بنِ الحكم وَالِي المَدِيْنَةِ لِيُبَايِعَ ليَزِيْدَ بنِ معاوية. قَالَ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِ الشَّامِ: مَا يَحْبِسُكَ؟ قَالَ: حَتَّى يَجِيْءُ سَعِيْدُ بنُ زَيْدٍ فَيُبَايِعُ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ البَلَدِ، وَإِذَا بَايَعَ بَايَعَ النَّاسُ.
ولَمَّا أُصِيْبَ عمرُ t جَعَلَ الأَمْرَ شُوْرَى فِي السِّتَّةِ. ولم يجعل منهم ابنَ عمه سعيدَ بنَ زيد؛ قال العلامة الذهبي: (لَمْ يَكُنْ سَعِيْد مُتَأَخِّراً عَنْ رُتْبَةِ أَهْلِ الشُّوْرَى فِي السَّابِقَةِ وَالجَلاَلَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُمَرُ -t- لِئَلاَّ يَبْقَى لَهُ فِيْهِ شَائِبَةُ حَظٍّ، لأَنَّهُ خَتَنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي أَهْلِ الشُّوْرَى لَقَالَ الرَّافِضِيُّ: حَابَى ابْنَ عَمِّهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا وَلَدَهُ وَعَصَبَتَهُ. فَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ العَمَلُ لِلِّهِ). انتهى كلامه.
لكم قدم لا ينكر الناس أنها *** مع الحسب العالي طمّت على البحرِ
أستغفرَ الله لي ولسعيد بنِ زيد، فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على نعمائه شكرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أُعدها ليومِ العرض ذُخرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، دعا إلى دين الله سِرًّا وجَهْرًا، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أعلى لهم ربُّهم ذِكْرًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليما كثيرا عشية وبكرا. أما بعد:-
فالصحابة هم أفصل الخليقة بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وهم الصفوة من هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمُها على الله. وسعيدُ بنُ زيد من المقدّمين فيهم، ورغم ذلك كان مثلَهم زاهدا في الدنيا ومناصبها، فلم يغضب حين لم يذكره عمر t في أهل الشورى، وَلَمْ يَتَوَلَّ سعيد بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r وِلَايَةً حَتَّى مَاتَ. ولسانه حاله t:
خطبَتْني الدنيا فقلت لها ارجعي *** إني أراك كثيرة الأزواج
عباد الله: ادعت أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ أَنَّ سَعِيْدَ بنَ زَيْدٍ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى الوالي، فَقَالَ سَعِيْدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا. فَمَا مَاتَتْ حَتَّى عَمِيَتْ، وَبَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ. رواه مسلم. نعم أيها الإخوة استجاب الله دعاء الولي الصالح على من ظلمتْه، فاتق الله أيها الظالم؛ فإن دعوة المظلوم لا ترد.
واحذر من المظلوم سهما صائبا *** واعلم بأن دعاءه لا يُحجبُ
مات سعيد بنُ زيد سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ من الهجرة، وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَقُبرِ بِالمَدِيْنَةِ، وقد غسّله سعد بن أبي وقاصy أجمعين.
ثم الهجوا بالصلاة والسلام على خير الورى بدرا باهرا، مَنْ دبَّج بالتآلُف نجومًا زواهرًا، صلاةً تعبُق شذًى وأزاهرًا، قال ربكم جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
.....
المرفقات
بن-زيد
بن-زيد