سعد بن معاذ رضي الله عنه ليكن لك قدوة

علي القرني
1444/04/16 - 2022/11/10 21:33PM
معاشر المؤمنين الكرام في ظل وسائل التواصل المختلفة أصبح الناس يتناقلون القصص والاخبار التافهة التي لاتسمن ولا فائدة من إعادة إرسالها واستغنوا عن سير السلف الصالح الذين سطروا في أخبارهم أروع معاني الشجاعة والأخلاق الحسنة: حديثنا اليوم عن رجلٍ بهر الناسَ بشجاعته، وفاق الكثير بحنكته وحسن قيادته، ورأيه وحكمته، يعشق العزة، ويأبى الضيم، قائدٌ همامٌ وأسدٌ ضرغام،  تسابقت الملائكة للصلاة عليه، واهتزَّ لموته عرش الرحمن، وأيد الله  حكمه في الخونة من يهود بني قُريظة مات ولمَّا يبلغ الأربعين، إنه الصادق الصدوق، عدوُّ اليهود، وسيد الأوس: سعد بن معاذ الأشهليُّ الأوسي الأنصاري، البطل الشهير، وصاحب العقل الكبير، الأمير القائد، والبطل المجاهد، الذي خرج من رعيلٍ قال عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((الأنصار لا يُحِبُّهم إلا مؤمنٌ، ولا يبغضهم إلا منافقٌ، فمن أحَبَّهـم أحَبَّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله)) متفق عليه، إنهم القوم الذين تبوؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثِرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، من كانوا للدين حماةً بررة، وللنبي صلى الله عليه وسلم بطانة وأنصارًا، من دعا لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعائه المبارك: ((اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار)). ذكر ابن إسحاق أن أسعد بن زُرارة رضي الله عنه، وهو ممن أسلم في بيعة العقبة الأولى، خرج بمصعب بن عمير رضي الله عنه الداعية الكبير وسفير الإسلام الأول، يريد به دعوة بني عبد الأشهل، فدخل به حائطًا من حوائطهم فجلسا فيه، واجتمع إليهم رجالٌ ممن أسلم يتدارسون شيئًا من القرآن، فأقبل عليهم سعد بن معاذ مغضبًا، يلوح الشرُّ في وجهه، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: أيْ مصعبُ، جاءك والله سيدُ قومه، إنْ يتبعك لا يتخلَّفْ عنك منهم اثنان، فلما وقف عليهما قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نَكرَهُ؟! فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع؟ فإنْ رضيتَ أمرًا ورغبت فيه قَبِلتَه، وإن كرهته كفَفْنا عنك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركَزَ حرْبَتَه وجلس، فعرض عليه مصعبٌ الإسلامَ، وقرأ عليه القرآن، قال: فعرَفْنا والله في وجهه الإسلامَ قبل أن يتكلم؛ لإشراقة وجهه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أردتم الدخول في هذا الدين؟ قال: تغتسل وتتطهَّر وتطهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، وما أن أسلم رضي الله عنه حتى تحوَّل إلى داعية، توجَّه مباشرةً إلى قومه فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدُنا، وأيمنُنا نقيبة، قال: فإنَّ كلامكم عليَّ حرامٌ رجالكم ونساؤكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأةٌ إلا وأسلَموا.  وفي معركة بدرٍ الخالدة، وقبل المواجهة، استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسَنَ، ثم قام عمر رضي الله عنه وقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فتكلم وأحسن، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))، ففطن قائد الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه لمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: ((أجل))، قال: فقد آمَنَّا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئتَ به هو الحقُّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرَضتَ بنا هذا البحرَ فخُضته لَخُضناه معك، ما تَخلَّفَ منا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينُك، فسِرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ، ونشطه ذلك ثم قال: ((سيروا وأبشروا؛ فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)). الله أكبر! لقد سطر سعدٌ رضي الله عنه بهذه الكلمات الطيبة البيعة الصادقة، واليقين الثابت لنصرة دين رسوله صلى الله عليه وسلم مهما كلف الأمر.      لقد غطَّت قوة الإيمان على الحسابات العسكرية والخطط الإستراتيجية، التي إذا بولغ فيها زعزعت العقيدة، وأورثت الوهن والجبن والخذلان، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ    بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم.      
 
 
الخطبة الثانية الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه., وبعد. معاشر المؤمنين الكرام: وفي يوم الخندق يصاب سعد بن معاذٍ رضي الله عنه بسهم في ذراعه، فيقطع أكحله فينزف دمًا غزيرًا، وتدنو لحظات موته، لكنه لا يفقد الأمل، ولا يتذرَّع بالوجع، بل يصنع الطموح في وقت الألم والجروح، فيدعو بدعاء عجيب: اللهم إن كنت أبقيتَ من حرب قريشٍ شيئًا فأَبْقِني لها، فإنه لا قوم أحب إليَّ من أن أجاهدهم فيك من قوم آذَوا نبيَّك وكذَّبوه وأخرَجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تُمِتْني حتى تقر عيني من بني قُرَيظة. وقد أخرج البخاري ومسلم أن بني قريظة حين نقضوا العهد وحاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، نزلوا على حُكمِه، فأرسل إلى سعد رضي الله عنه، فجيء به محمولًا  وهو متعبٌ من جرحه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أَشِرْ عليَّ في هؤلاء))، قال سعد: إني أعلم يا رسول الله أن الله قد أمرك فيهم بأمرٍ أنت فاعله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أجل، ولكن أَشِرْ))، قال سعد: لو وليتُ أمرهم لقتلتُ مُقاتِلتَهم، وسَبَيْتُ ذَراريَّهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لقد أشرتَ عليَّ فيهم بالذي أمرني الله به . ويشتدُّ بسعد المرضُ، فيجعل له النبي صلى الله عليه وسلم قُبَّةً في المسجد؛ ليعوده فيها من قريب، ويزداد الجرح وتنفجر الدماء حتى سالت من وراء الخيمة، فمات رضي الله عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه ويسرع في مشيته، والصحابة يَتعادَوْن من حوله، وهو يقول صلى الله عليه وسلم: ((أخاف أن تسبقنا المـــلائكة إليه))، فسار صلى الله عليه وسلم في جنازته، فلما وُضع في قبره تغيَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سبَّح ثلاثًا، فسبَّح الصحابة الذين معه، ثم كبَّر فكبَّروا حتى ارتج البقيع، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((هذا العبد الصالح الذي اهتزَّ عرش الرحمن لمــوته، وفُتحت له أبواب السماء، ونزل سبعون ألفًا من الملائكة لتشييعه! لقد ضُمَّ عليه القبر ضمةً، لو نجا منها أحدٌ لنجا منها سعد)).  لقد عاش سعدٌ في الإسلام سبع سنوات فقط، فاهتز لموته عرش الرحمن، ونزل لموته رضي الله عنه سبعون ألف ملَكٍ ما وطئوا الأرض قبلها، كما جاء في الأثر،  ترى ما السر العظيم الذي أدرك به سعدٌ رضي الله عنه هذه المناقبَ العظمية؟ لا شك يا عباد الله: أنه الصدق مع الله، أنه الإخلاص لله، واليقين الثابت بموعود الله، وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. هؤلاء هم القدوات الصحابة الكرام الذين صنعوا المجد مع الرسول الكريم     ثم صلوا وسلموا..........
المشاهدات 840 | التعليقات 0