ستنهاه صلاته-25-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد بن سامر
ستنهاه صلاته-25-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للهِ جعلَ الصلاةَ عمادَ الدِّينِ، وكِتَابًا مَوقُوتًا على المؤمنينَ، حثَّ عليها في الذِّكرِ المُبينِ، فَقالَ أحكَمُ القائِلينَ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، نَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرسولُهُ، النَّاصِحُ الصَّادِقُ الأمينُ، آخِرُ وَصَاياهُ: «الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ، الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّم على مُحَمَّدٍ الأَمِينِ، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ، والتَّابِعينَ لَهم وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدَّينِ، أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها المسلمونَ، اتَّقوا اللهَ كُلَّ وقْتٍ وحينٍ، فَتقَواهُ أفضلُ مُكتَسَبٍ، وَطَاعتُهُ أعلى نَسَبٍ.
تخيلَّوا لو أنَّ مَوضوعًا طُرحَ في مجلسٍ مَلِيءٍ بالرِّجالِ، فَذُكرَ لهم رجلٌ يقضي اللَّيلَ في صلاةٍ وقُرآنٍ وابتهالٍ، ثُمَّ إذا أصبحَ سَرقَ المتاعَ والأنعامَ والمالَ، في قِصَّةٍ وَاقعيةٍ وليستْ ضَربا من الخيالِ، فما الذي سيخطرُ بالبالِ؟ وماذا عسى أن يُقالَ؟
فتعالوا لنسمعَ راويةَ الإسلامِ، وحافظَ الأنامِ، أبا هُريرةَ-رضيَ اللهُ عَنهُ-، وهو يَروي لنا هذا السُّؤالَ العجيبَ، الذي طُرحَ على الرَّسولِ الحبيبِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-في مَجلسٍ من مجالسِ الشَّرفِ والعلمِ، وكلماتٍ من إمامِ العَقلِ والحِلمِ، حينَ يُحيطُ الصَّحابةُ-رضيَ اللهُ عَنهم-بالمُعلمِ الرَّحيمِ، فتُطرحُ عليهِ الأسئلةُ والاستفساراتُ، فيجيبُهم بإجاباتِ الوحيِّ الشَّافياتِ.
يقولُ أبو هُريرةَ-رضيَ اللهُ عَنهُ-: «جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ-صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ-فَقَالَ: إنَّ فُلانًا يُصلي باللَّيلِ، فإذا أصبحَ سَرقَ» ...سبحانَ اللهِ ...موقفٌ تشمَئزُ منه الآذانُ، وتقشّعِّرُ منه الأبَدانُ، هذا ولو كانتْ الصَّلاةُ في المسجدِ مع المسلمينَ، لقلنا: إنه مراءٍ ومنافقٌ من المنافقينَ، وأما صلاةُ اللَّيلِ تحتَ أستارِ الظَّلامِ، لا يسمعُه ولا يراهُ إلا المَلكُ العلَّامُ، فماذا عسى أن يُقالَ في هذا الرَّجلِ الغريبِ الأطوارِ، هل يُوصفُ بعابدِ اللَّيلِ أو سارقِ النَّهارِ؟ ولكن اسمعوا إلى رأي نبيِّ الرَّأفةِ والرَّحمةِ، الذي يرى بعينِ البَصيرةِ والحِكمةِ، قالَ-عليهِ وآلِهِ الصِّلاةُ والسَّلامُ-: «سينهاهُ ما تَقولُ» -أيْ: ستنهاهُ صلاتُه عن السَّرقةِ-.
فتَعالوا نغوصُ في النُّصوصِ الشَّرعيةِ الصَّحيحةِ، لنبحثَ عن أثرِ الصَّلاةِ على الأفعالِ القبيحةِ.
«سينهاهُ ما تَقولُ» من الصَّلاةِ، لأنَّ اللهَ-تعالى-أخبرَ أنَّ الصَّلاةَ تنهى صاحبَها عن المنكرِ، فقالَ-سُبحانَه-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، فالصلاةُ القائمةُ الخاشعةُ التَّامةُ الخالصةُ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، قَولًا من اللهِ حقًّا وصِدقًا، وهذا الذي يُصلي في اللَّيلِ، ويُجاهدُ نفسَه على صلاةِ الفَريضةِ والنَّافلةِ، لا شَكَّ أنَّه سَيَصلُ يومًا ما إلى إقامةِ الصَّلاةِ حقَّ الإقامةِ، كما قَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ-رَحِمَهُ اللهُ-: «جَاهَدْتُ نَفْسِي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَتَلَذَّذْتُ بِهِ عِشْرِينَ سَنَةً أُخْرَى»، وحِينها لا تَسلْ عن أثرِ الصَّلاةِ في مَنعِه من هذا المُنكَرِ، وسيكونُ لها على أخلاقِه وأعمالِه الأثرُ الأكبرُ.
«سينهاهُ ما تَقولُ» من الصَّلاةِ، حِينَ يُحبُّه اللهُ-تعالى-بكثرةِ النَّوافلِ، والتي من أهمِّها قِيامُ اللَّيلِ، فقد قالَ اللهُ-تعالى-في الحديثِ القُدسيِّ: «وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْتُ عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يَسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه»، فإذا أحبَّه اللهُ وسدَّدَه في يَدِه، فهل سَتسرقُ هذِه اليَدُ في يَومٍ من الأيامِ؟ وهل سَتَمتدُ بَعدَ ذلكَ الحُبِّ إلى الحرامِ؟
أَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حَمدًا كَثيرًا طَيبًا مُباركًا فيه، وأَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيدَنا مُحمدًا عَبدُه ورَسولُه-صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلمَ تَسليمًا كَثيرًا-، أَما بَعدُ:
«سينهاهُ ما تَقولُ» من الصَّلاةِ، لأنَّه يُصلي وَقتَ نُزولِ اللهِ-تعالى-إلى السَّماءِ الدُّنيا، حِينَ يَقولُ-سبحانه-: «من يَدعوني فأَستجيبَ لَهُ، من يَسألُني فَأعطيَهُ، مَن يَستغفرُني فَأغفرَ له»، فقد تُصيبُه إحدى هذهِ العَطايا، فتمنعُهُ ما كانَ يفعلُ من خَطايا، ومن أعطاهُ اللهُ واستجابَ دُعاهُ، لم تَمشِ خُطاهُ إلا في رضا اللهِ.
«سينهاهُ ما تَقولُ» من الصَّلاةِ، لأنَّ إقامةَ الصَّلاةِ تُذهبُ السَّيئاتِ، كما قالَ-تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، فكما أنَّها تُذهبُ إثمَها وأثرَها، فكذلكَ يَذهبُ مِن القلبِ حُبُّها، والرَّغبةُ في فِعلِها، حتى يَكونَ من الذينَ قالَ اللهُ-تعالى-فيهم: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، حِينها ستكونُ المعصيةُ أبغضَ شيءٍ إلى قَلبِهِ.
فإيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أن تَترُكَ الصَّلاةَ، بِحُجَّةِ أنَّكَ تفعلُ المَعاصي، فَهذهِ الصَّلاةُ سَوفَ تُغيُّرُ يومًا ما طَريقَ حياتِكَ، وسَتكونُ سَببًا في صَلاحِكَ وهِدايتِكَ، فهي سبيلُ الخيرِ والرَّشادِ، وهي طَريقُ الهُدى والسَّدادِ، (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1643349456_ستنهاه صلاته-25-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1643349457_ستنهاه صلاته-25-6-1443هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf