((سبيل النجاة.))
رمضان صالح العجرمي
مقترح خطبة الجمعة
(( سبيل النجاة ))
1- مقدمة.
2- أهمية وثمرات المحافظة على الأعمال الصالحة.
3- كيف نحافظ على الأعمال الصالحة؟
( الهدف من الخطبة )
شحذ الهمم والتذكير بأهمية وثمرات المحافظة على الأعمال الصالحة وكيف السبيل إلى ذلك مع ربط الموضوع بموسم الخير شهر رمضان
مقدمة ومدخل للموضوع
▪︎أيها المسلمون عباد الله، العمل الصالح سبيل النجاة؛ هذا هو عنوان موعظتنا بإذن الله تعالى.
▪︎فإن الله تعالى جعل دار الدنيا مضمارا للتنافس بين العباد في الإكثار من الأعمال الصالحة؛ فجعل الليل والنهار خزانتين يودع فيهما العبد أعماله؛ وعلى قدر سعيه وجده واجتهاده يكون الجزاء العظيم يوم القيامة؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ{ ، وقال تعالى: {مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا }
▪︎ ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة والأمة كلها على المبادرة بالأعمال الصالحة: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)) (رواه مسلم)
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ )) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِذا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا))
▪︎فكان صلى الله عليه وسلم يوقظ عليا وفاطمة ليلا: ((قوما فصليا ))
▪︎وكان يحث ابن عمر رضي الله عنهما: ((نِعمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا.))
▪︎ولما دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب أمره بصلاة ركعتين.
▪︎وكان يحث على المداومة على الأعمال الصالحة حتى وإن قلت؛ فبالمداومة تعظم عند الله تعالى: ((َحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلّ)) ، وفي صَحيحِ مُسلمٍ عن عَلقمةَ، قال: حسألتُ أمُّ المؤمنين عائشةَ، قال: قلتُ: يا أُمَّ المؤمنين، كيف كان عمَلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ هل كان يَخصُّ شيئًا مِن الأيَّامِ؟ قالتْ: لا، كان عَمَلُه دِيمةً، وأيُّكم يستطيعُ ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يستطيعُ؟!
▪︎ وكانتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها إذا عَمِلَتِ العَملَ لَزِمَتْه.
▪︎ وكان يحذر أشد التحذير من تركها والانقطاع عنها: ((يا عبدَ اللهِ! لا تكُنْ مِثلَ فُلانٍ كان يقومُ من الليلِ، فترَكَ قِيامَ الليْلِ))
الوقفة الثانية:- أهمية وثمرات المحافظة على الأعمال الصالحة.
1- العمل الصالح والتوفيق له كان من أهم دعوات الأنبياء والمرسلين.
▪︎فهذا سليمان عليه السلام: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين}
▪︎وهذا يوسف عليه السلام كان من دعاءه: {..أَنتَ وَلِيِّي فِي الدٌّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسلِمًا وَأَلحِقنِي بِالصَّالِحِينَ}
▪︎وقال الله تعالى عن الرجل الصالح البار بوالديه: {..حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
2- العمل الصالح هو محل نظر الرحمن جل في علاه؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ، ولا إِلى صُوَرِكمْ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم))
3- العمل الصالح هو طريق السعادة في الدنيا وتفريج الكربات؛ كما قال تعالى: {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ}
▪︎فإن العمل الصالح فيه راحة للبال، وطمأنينة للنفس؛ ولذلك لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمرة عمل من الأعمال وهو مجالس الذكر قال: ((وما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ))
▪︎وفى المحافظة على الأعمال الصالحة دفع للهم والحزن؛ فقد روى أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أصاب عبدًا قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدُك، وابنُ عبدِك وابنُ أمتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيّ حكمُك، عدلٌ فيّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسَك، أو علمته أحدًا من خلقِك، أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندك أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذهابَ همي وغمي إلا أذهب اللهُ همَّه وغمَّه وأبدله مكانه فرحًا، قالوا : أفلا نتعلمهن يا رسولَ اللهِ، قال: بل ينبغي لمن يسمعُهن أن يتعلمَهن))
▪︎وتأمل قصة النفر الثلاثة وكيف جعل الله تعالى لهم مخرجا لما توسلوا بأعمالهم الصالحة؛ فدعا كل واحد منهم وتوسل إلى ربه بعمله الصالح: ((اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة))
▪︎والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة فمنها:- قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} ؛ فما هو العلاج؟ {..فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ }
▪︎وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)) (رواه أبو داود)
▪︎ولذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم؛ إذا حزبه أمر يفزع إلى الصلاة، وإذا أتعبه أمر يقول لبلال: ((أرحنا بها يا بلال))
▪︎ولذلك نفقه مشروعية دعاء القنوت فى النوازل، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الخسوف والكسوف وكلها أعمال صالحة.
4- العمل الصالح سبب لزيادة الإيمان؛ كما قال تعالى: {..وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} ، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}
5- العمل الصالح هو مقياس التفاضل بين العباد عند الله تعالى؛ فقد أعلى الله تعالى من شأن أهل الأعمال الصالحة فى كتابه العزيز بالمقارنة مع أهل التكاسل والتفريط؛ فقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
▪︎فلا تستوى صلة الرحم مع القطيعة.
▪︎ولا تستوى قراءة القرآن مع اللغو والفحش من القول.
▪︎ولا تستوى مجالس الذكر مع مجالس الباطل.
▪︎ولا يستوى السواك مع علبة الدخان.
▪︎قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} ، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ} ، وقال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }
6- العمل الصالح هو رفيق العبد إذا انتقل من دار الدنيا إلى إلى الدار الآخرة.
▪︎فأما عند الموت فلن ينتفع إلا بأعماله الصالحة.
▪︎وأما في القبر فجليسه وأنيسه هو عمله الصالح.
▪︎وأما عند الأمر بالنفخ فى الصور فيقوم الناس من قبورهم فترى العجب العجاب؛ فإنه يبعث على مات عليه من الأعمال الصالحة.
7- العمل الصالح والمحافظة والمداومة عليه يضمن للعبد حسن الخاتمة؛ تلك الأمنية التي يتمناها كل مؤمن والتي على ضوؤها يتحدد مصير العبد يوم القيامة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن مات على شيءٍ بعَثَه اللهُ عليه))
▪︎وحسن الختام هو محض توفيق من الله تعالى ودليل اصطفاء للعبد؛ ففي الحديث الصحيح: ((إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عسَله. قيلَ: وما عسَله؟ قال: يُفتَحُ له عملٌ صالِحٌ قبل موتِه فيقبضُهُ عليهِ))
▪︎وحسن الختام هو الذى يتقرر بناء عليه مصير الإنسان فى الآخرة؛ فالعبرة بالخواتيم؛ فبعض الناس يموت وهو يصلى ساجد راكع، والآخر يموت وهو سكران، والبعض يموت وهو يقرأ القرآن ويذكر الرحمن، والآخر يموت وهو يغنى أو يسمع ألحان الشيطان والعياذ بالله.
8- العمل الصالح هو السبيل إلى دخول الجنة؛ فالجنة لها طريق واحد وهو الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح؛ كما قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ} ، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ} ، وقال تعالى: {وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى* جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القدسي: ((قال اللهُ عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر. واقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرةِ أعين جزاءً بما كانوا يعملون)) (رواه البخاري ومسلم)
▪︎فلن ينتفع العبد بكثرة أمواله ولا أولاده بقدر ما ينتفع بأعماله الصالحة؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}
نسأل الله العظيم أن يحسن لنا الخواتيم وأن يوفقنا للأعمال الصالحة
********************
الخطبة الثانية:- مع الوقفة الثالثة: كيف نحافظ على الأعمال الصالحة؟
1- كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى؛ فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ)) ، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يومًا، ثم قال: ((يا معاذ، إني لأحبك، لا تَدَعَنَّ في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))
▪︎وتسأل الله تعالى أيضا حتى بعد العمل أن يتقبله منك وأن يكون خالصا لوجهه الكريم؛ وتأمل دعوة الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان القواعد من البيت: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
2- الصحبة الصالحة فهم خير معين؛ كما قال الله تعالى آمرا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
▪︎وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: ((لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقى)) ، وروى أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))
▪︎بل أنه قد ينتفع بصحبة الصالحين إذا أحبهم في الله؛ كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم (يعني في العمل)؟ وفي رواية: ولا يستطيع أن يعمل بعملهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب))
3- أن تعلم علما يقينيا أن الله عز وجل ليس بغافل عنك وعن أعمالك؛ بل هو مطلع عليك لا تخفى عليه خافية، فاختر لنفسك أى الأعمال تحب أن يطلع عليها ربك ومولاك؛ فقد قال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، وقال تعالى: {وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
4- أن تدرك قيمة النعم وأنها لا تدوم، فحري بك أن تقوم باستغلالها قبل أن تحرم منها؛ فإن كثير من الناس أصبحت هذه النعم عندهم عادة مألوفة تعود عليها ولم يتصور أنه سيأتي يوم يحرم فيه من هذه النعم.
▪︎فلماذا لا يجتهد الشاب فى شبابه قبل أن يكبر ويهرم وتضعف قواه فلا يقوى على الأعمال؟
▪︎اليوم عندك عينان تبصر بهما وتقرأ وتشاهد، وغدا سيضعف هذا البصر.
▪︎اليوم تستطيع أن تقف على أقدامك وتمشي بهما وتسير، وغدا ستعجز.
▪︎اليوم صحيح معافى تستطيع أن تفعل ما تشاء، وغدا ربما ستمرض فتعجز عن العمل.
▪︎قال الله تعالى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍۢ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍۢ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ} ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)) (صحيح الترغيب)
5- أن تعلم وتدرك حاجتك لأجر وثواب هذه الأعمال الصالحة يوم القيامة؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}
▪︎فحينما يوضع العبد فى قبره فإنه ينتفع بأعماله الصالحة؛ كما فى الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ)) ؛ فيأتيه في صورة رجل جميل المنظر طيب الرائحة ويبشره: أنا عملُك الصالح، أنا عملك الصالح.
▪︎وحينما يبعث من قبره ليوم القيامة فإنه يبعث على ما مات عليه من الأعمال الصالحة.
▪︎وحينما توضع الموازين فإن هذه الأعمال سبب رجحان كفة الحسنات.
▪︎وحينما ينصب الصراط على ظهري جهنم فالمرور عليه بقدر ما معك من أعمال صالحة.
▪︎وحينما ينقسم الناس إلى فريقين، فريق فى الجنة وفريق فى السعير فإنه ينتفع بأعماله الصالحة؛ كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ} ، وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}
6- علمك أنك ستندم أشد الندم على التضييع والتفريط، وحينها يتمنى المرء أن يرجع ولو للحظات يفعل فيها الخيرات.
▪︎كما قال الله تعالى عن أحوالهم عند الموت: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
▪︎وقال الله تعالى عن أحوالهم عندما يلقون ربهم جل فى علاه: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}
▪︎وقال الله تعالى عن أحوالهم عندما يرون العذاب: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} ، وقال تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
▪︎وقال الله تعالى عن أحوالهم عندما يقفون على شفير جهنم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
▪︎وأما عن أحوالهم فى النار وأمنياتهم فإليك طرفا منها: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل الأعمال الصالحة.