سبعة يظلهم الله في ظله 1

مبارك العشوان 1
1446/03/30 - 2024/10/03 02:09AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: بِـسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:   { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج  1- 2] وَيَقُولُ تَعَـالَى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }[إبراهيم 48]  وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف47]  وَيَقُولُ تَعَـالَى: { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [غافر  16]  وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا مَعْلَــمٌ لأَحَدٍ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]

يُجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذُهُمُ البَصَـرُ، وَتُدْنَى الشَّمْسُ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا.

وَفِي تِلْكَ الأَهْوَالِ وَالشَّدَائِدِ وَالكُرُوبِ؛ يُظِلُ اللهُ عِبَادًا لَهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ - جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ -

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) [ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]

يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: لَيْسَ هَذَا الفَضْلُ المَذْكُورُ فِي هَذَا الحَدِيثِ خَاصًّا بِالرِّجَالِ، بَلْ يَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ  فَالشَّابَّةُ الَّتِي نَشَأَتْ فِي عِبَادَةِ اللهِ دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا المُتَحَابَّاتِ فِي اللهِ مِنَ النِّسَاءِ دَاخِلَاتٌ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ دَعَاهَا ذُو مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى الفَاحِشَةِ فَقَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا مَنْ تَصَدَّقَتْ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لَا تَعْلَمُ شِمَالُهَا مَا تُنْفِقُ يَمِينُهَا دَاخِلَةٌ فِي ذَلِكَ  وَهَكَذَا مَنْ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا مِنَ النِّسَاءِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ كَالرِّجَالِ، أَمَّا الإِمَامَةُ فَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ، وَهَكَذَا صَلَاةُ الجَمَاعَةِ فِي المَسَاجِدِ تَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ، وَصَلَاةُ المَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ لَهَا كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأَوَّلُ السَّبْعَةِ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ: ( إِمَامٌ عَدْلٌ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( عَادِلٌ )

يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ: صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى، وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ... وَأَحْسَنُ مَا فُسّـِرَ بِهِ الْعَادِلُ: أَنَّهُ الَّذِي يَتَّبِعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ. اهـ

الإِمَامُ العَادِلُ يُقِيمُ العَدْلَ فِي الأَرْضِ، فَيَهْنَأُ العَيْشُ، وَتَصْفُو الحَيَاةُ، وَيَسْتَوفِي كُلُّ إنْسَانٍ حُقُوقَهُ.

الإِمَامُ العَاِدلُ يَسْعَدُ بِرَعِيَّتِهِ وَيَسْعَدُونَ بِهِ، وَيَدْعُو لَهُمْ وَيَدْعُونَ لَهُ؛ يُحِبُّهُمْ وَيُشْفِقُ عَلَيهِمْ، وَيَسْعَى جُهْدَهُ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيهِ.

الإمَامُ العَادِلُ يُمَكِّنُ اللهُ لَهُ وَتَقُومُ لَهُ دَولَتُهُ وَتُحْفَظُ بِإِذْنِ اللهِ.

يَقُولُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: [ قِيلَ: كُلُّ بَلْدَةٍ يَكُونُ فِيهَا أرْبَعَةٌ؛ فَأَهْلُهَا مَعْصُومُونَ مِنَ البَلَاءِ: إمَامٌ عَادِلٌ لَا يَظْلِمُ  وَعَالِمٌ عَلَى سَبِيلِ الهُدَى، وَمَشَايِخُ يَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحَرِّضُونَ عَلَى طَلَبِ العِلْمِ وَالقُرْآنِ  وَنِسَاؤُهُمْ مَسْتُورَاتٌ لَا يَتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ]اهـ

عِبَادَ اللهِ: جَاءَتِ البِشَارَةُ هُنَا لِلْإِمَامِ العَادِلِ: ( يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ ) وَجَاءَتْ بَشَائِرُ أُخْرَى لهُ؛ وَلِكُلِّ عَادِلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ سَوَاءً كَانَ حَاكِمًا، أَوْ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ عَادِلًا مَعَ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]   

فَعَلَى كُلِّ رَئِيسٍ أنْ يَعْدِلَ بَينَ مُوَظَّفِيهِ، عَلَى كُلِّ مُعَلِّمٍ أنْ يَعْدِلَ بَينَ طُلَّابِهِ، عَلَى كُلِّ وَالِدٍ أَنْ يَعْدِلَ بَينَ أَوْلَادِهِ، عَلَى كُلِّ مُعَدِّدٍ مِنَ الزَّوْجَاتِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ، وَعَلَى كُلِّ قَاضٍ أنْ يَعْدِلَ بَينَ الخُصُومِ عِنْدَهُ، لَا يُحَابِي قَرِيبًا لِقَرَابَتِهِ، وَلَا وَجِيهًا لِوَجَاهَتِهِ، وَلَا ضَعِيفًا لِضَعْفِهِ، وَلَا يَظْلِمُ أحَدًا لِكَرَاهَتِــهِ وَعَدَاوَتِهِ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَ لَنَا دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَعُلَمَاءَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا، وَأَنْ يُظِلَّنَا جَمِيعًا فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56 ]

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1727910510_سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ 1 إِمَامٌ عَادِلٌ 1446.pdf

1727910547_سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ 1 إِمَامٌ عَادِلٌ 1446.docx

المشاهدات 671 | التعليقات 0