سبحانك ربنا ما أعظمك

عبدالرحمن اللهيبي
1439/04/25 - 2018/01/12 06:46AM

هذه الخطبة أصلها للشيخ فيصل الشدي مع التصرف بالإضافة والاختصار  جعلها الله خالصة لوجهه الكريم

الحمد لله أبداً سرمدا، تبارك واحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا ولا ندا، الحمد لله تلألأت بأجل المحامد أسماؤه، وتوالت بأسنى الهبات آلاؤه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق العلي الكبير، - تعالى - في إلهيته وربوبيته على الشريك والند والنظير، وتقدس في أحديته عن الصاحبة والولد والنصير، وجل في غناهُ وقيوميته عن الُمطعم والمجير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله السراج المنير، والبشير النذير أشد الناس لله تعظيما وخشية ومهابة وإجلالا ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين عظّموا الله إلى يوم الدين . أما بعد ...

أيها المسلمون : الله أهل العظمة والكبرياء.. تفرد بالبقاء..وجل عن الشركاء.. وأتقن صنع كلِ شيء كما يشاء..هو أهل التسبيح والتحميد والتمجيد والتقديس والثناء. - سبحانه ما أعظم شانه.. سبحانه ما أكبر ملكه وسلطانه سبحانه ما أوسع رحمته وغفرانه.. سبحانه سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها والأرض وسكانها، والبحور وحيتانها، والجبال وأحجارها, والأمطار ورعودها، والأشجار وثمارها، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"

سبحانك ربنا كل شيء خاضع لعظمتك وسلطانك ، وكيف لا يذل المخلوق لك ويخضع وأنت له خالق، ولفاقته رازق، وبناصيته آخذ، وقضاؤك فيه نافذ..

إلهنا ومولانا لو سبَّحانك ليلاً ونهاراً وسرا وجهارا ما وفينا حق شكرك ولا أدينا بعض حقك ولا بلغْنا في الثناء مثقال ذرة من عظمتك ومجدك. "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"

عباد الله: إننا نتحدث اليوم عن الجليل جل جلاله لأن القرآن جاء كله بالحديث في عظمته في خلقه في أمره في نهييه في قضائه في تصريفه في تدبيره وفي استحقاقه لعبودية خلقه له جل في علاه.

إننا نتحدث عن عظمة الله لأن تلك العظمة التي لا أول لها ولا منتهى ضعفت في قلوب كثير من الإنس والجن، فاعتدوا على محارم الله وطغوا، وفرطوا في جنب الله وبغوا، وما ذاك إلا لأنه ضعفت في قلوبهم هيبةُ الله، وتناسوا سطوةَ الله، وتغافلوا عن جبروت الله، وما قدروا قوة الله وبطشَ الله،

ها نحن نتكلم عن ربنا اليوم والحياء يملأ وجوهَنا، والخجل يعم قلوبَنا، فمن نحن حتى نمدحَه أو نمجده أو نثنيَ عليه لكننا نقدم العذر بين يديه أننا لا نحصي ثناء عليه ولا نستطيع أن نحيط بعظمته حديثا، ولا نحيط به علما, فحديثنا اليوم ما هو إلا ذرة في عظمته، وقطرة من بحرٍ في جلاله وهيبته. فالله أحق من مدح وأجل من ذكر وأعظم من عُبد: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ - سبحانه وتعالى - عَمَّا يُشْرِكُونَ" روى البخاري عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله - عز وجل - يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ,ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"

فهذا الكون كله جباله ووديانه، يابسه وماؤه، كلٌ هذا الكون إنما هو على إصبع القوي القهار يوم القيامة.

ومن عظمته ما ورد في بعض الآثار الإسرائيلية يقول - عز وجل -: "أيؤمَّلُ للشدائد غيري والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم؟ أيرجى غيري ويطرق بابه ، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ ومن ذا الذي أمّلني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتح له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أليست الدنيا والآخرة بيدي، والكرم والفضل كله لي؟ فما الذي يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعتُ أهلَ السموات والأرضِ ثم أعطيتُ كلَّ واحد منهم أمله، لم ينقصْ ذلك من ملكي ذرة، كيف ينقص ملكٌ أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي ..

وأما علمه - سبحانه - فعِلْمُ من اطلع على السرائر، وكشف ما في الضمائر، وأحاط بالأول والآخر، والباطن والظاهر.. "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ". - سبحانه - عَلَمَ ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون

سبحانه ما أعلمه - الورقة تسقط بعلمه، الهمسة تنبس بعلمه، النية تعقد بعلمه، والقطرة تنزل بعلمه....

فيا عبد الله لن تستطيع أن تستخفي عن ربك بشي أبدا "يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً".

أما عظمته في كمال خلقه وملكه: فسبحان من سجد لعظمته العظماء، ووجل من خشيته الأقوياء، وقامت بقدرته الأرض والسماء،

يا الله أي عظمة تلك في خَلْقك لملائكتك، جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة العرش قرناه عند عرش الرحمن، ورجلاه تخطان في الأرض السابعة، وما بين أذنه ومنكبه مسيرةَ سبعمائة عام".

يا لله هذا مَلَكٌ من ملائكته عبد من عبيده فكيف بخالقه جل في علاه؟ جاء في الحديث: "خلق الله الملائكةَ أصنافاً وإن منهم لملائكةً قياماً صافّين من يومَ خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلّى الله تبارك وتعالى، ونظروا إلى وجه الكريم، فقالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك".  فماذا يقول المقصرون أمثالنا .. غير أننا نرجوا رحمة ربنا ونخشى عذابه ربنا فاعف عنا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الرحمين

أقول قولي هذا ................

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله القائل "قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" وصلى وسلم على خير من عظمه وأجله ووقره وعبده حق عبادته..أما بعد

أيها المسلمون: الله صمد يقصده العبد إذا اضطربت الأمور، ووقع المحذور، وضاقت بالحوادث الصدور. الله صمد ترتفع إليه أكفُ الضارعين تطلبه الغيثَ إذا تأخر نزولُه، وتسأله الرزق إذا أبطأ حلولُه، وترجوه رفع الضر إذا خيّم بظلاله، ومن للمبتلى إذا اشتدت بليته وأدلهمت كربته، وانعقدت غمته، من له غير الصمد يشكو إليه، من له غير الصمد يفضي إليه، من للمريض على فراشه إذا بارت الحيل، وانقطعت السبل، وضعف الأمل، وقال الطبيب لا مفر قد حان الأجل، من له عندها إلا العظيم الصمد، فيصمد العبد إليه ويبكى بين يديه، ويلح عليه، فإذا بالصمد يشفيه، ومن المرض يعافيه، وصدق وربي يوم أن قال: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".

الله صمد يصمد إليه الفقير إذا أُوصدت أمامَه الأبواب، وأسدل دون حاجته الحجاب، وألصق بطنه بالتراب، فيأتي الفرج من الصمد، فيكتب غناه بقلم القدَر، ويغنيه عن كل البشر، "وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".

صمد تصمد البرايا إليه *** وأنيس الضمائر الموحشات

خالق رازق سميع مجيب *** ويداه تفيض بالأعطيات

عباد الله : املؤا قلوبكم بعظمة الله, انظروا إلى السماء وهيبتها، والنجومِ وفتنتها، والشمس وحسنها، والكواكب وروعتها، والبدر وإشراقه، والفضاء برحابته، لترى جمالاً لا ينفد، وحسناً لا ينتهي، "فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ ".

بل انظر إلى نفسك التي بين جنبيك، فيا سبحان من خلقك، وعلى ما شاء ركبك، وأسمعك وأبصرك، وأضحكك وأبكاك، وأضعفك وقواك، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ".

ألا فاتقوا الله عباده وعظموا ربكم حق عظمته أخمصوا البطون عن المطاعم الحرام تعظيماً لله، وأغمضوا الجفون عن مناظر الآثام تعظيماً لله، واجتنبوا قبائح الأفعال والكلام تعظيماً لله. أقبلوا عليه بالطاعات وجانبوا المعاصي والسيئات ولن تخفى على ربكم الخفيات

فاللهم املأ قلوبنا بعظمتك واجعلنا نخشاك كأنا نراك..

المشاهدات 5519 | التعليقات 0