ساعة وساعة

د عبدالعزيز التويجري
1442/10/29 - 2021/06/10 20:06PM
الخطبة الأولى: ساعة وساعة             1/11/1442هـ
الحمد لله الذي من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وأسبغ علينا من النعم وأعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو حسُبنا ومولانا، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُالله ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليما كثيراً.
 أما بعد:
حقيقة يقررها رب العزة والجلال  يغيب مفهومها عن الأذهان {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
هذه هي حقيقة الحياة الدنيا لهو ولعب حينما تكون هي الغاية العليا للناس ، حينما يكون متاعها هو الغاية في الحياة ، هذه هي الحياة في عمومها حينما لا ينظر فيها إلى الآخره ..
إذا كان اللعب والترفيه هو الغاية ، وكانت المتعة واللهو هي أكبر الطموح واعلاه .. فما يكون نصيب الآخرة ؟ وما لحوادث الزمان ومنتهى المقام ؟
   كَمْ لابنِ آدَمَ من لهوٍ ، وَمن لَعبٍ  ** وللحوادِثِ من شدٍّ وإقدامِ
    يا ساكِنَ الدّارِ تَبْنيها ، وَتَعمُرُها  ** والدارُ دارُ منيَّاتٍ وأسْقامِ
   لا تَلْعَبَنّ بكَ الدّنيا وَخُدْعَتُها  ** فكَمْ تَلاعَبَتِ الدّنْيا بأقْوامِ
لا يعاب الإنسان أن يستمتع مما أحل الله له، أو أن يترفه بما يُجم به نفسه مما له في الشريعة مندوحه {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} قال حنظلة يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» أخرجه مسلم
هذه هي ميزان الحياة، وهذه مندوحة الترفيه والانبساط في الشريعة سَاعَةً وَسَاعَةً .. ساعة في الترويح والترفيه، لكن لا تكون أسيرة له، ولا مكبلة بأبوابه، ولا حديث أيامه وكل اهتمامه ، وإنما ساعة ، لتفرغ لساعة الآخرة ..
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " أجموا هذه القلوب والتمسوا لها طرق الحكمة ، فإنها تمل كما تمل الأبدان .. وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يمازح أصحابه، ويسابق عائشة .
ترويح وترفيه لا يخدش حياءً ولا ينزع حجابًا، ولايصد عن ذكر أو يضيح حقا ،
ترويح وترفيه لا يكون غاية المُنى، أو يأخذ بعقول ذوي الحِجى ..
  لا تقبلوا الضيم واحموا منه محارمكم  **  إن المحارم مما تمَنع العرب
   إني أرى أمــم الغبراء يشغلهـــــا        **  جد الأمور فلا لهوٌ ولا لعب
لا أمعةً إن سمع هيعة طار لها ، عين على كل منشور، وأذن لك دعاية مأكول.
حَجَّ النَّبِيُّ r فقال: "اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ" .. دعوة ودعاء لكل مسافر يقول " اللهم سفرةُ لا أثم فيها ولا مراءاة  ولا تضييعًا لصلوات "
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ودود .
 
 
 
 
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ المُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:
الاستجمام والتنزه والترويح لايعني السير بلا هدف، وإهدار زهرة العمر في الترف والترفيه ،، وإنما ساعة وساعة .. أجعل لنفسك ساعات ترتقى بها في منازل الابرار ، واوقات ترفع من قيمة نفسك،  ومن اتكل على غيره ، ونظر إلى الأسفل على الدوام لا يستشرف علواً ، ولا يتطلع إلى ما يسمو ويرتفع ، الذي لا يرجو رقياً سينزل .
    إذا كنتَ لا تُرْجَى لدفعِ مُلِمَّةٍ  **  ولا كان للمعروفِ عندكَ مطمعُ
    ولا كنتَ ذا جاهٍ يعاش بجاهِه   **  ولا أنت يومَ الحشْرِ فِيمنْ يَشْفَعُ
   فعَيْشُكَ في الدُنيا وموتُكَ واحِدٌ  **  وعُوْدُ خِلالٍ عَن وِصَالِكَ أنْفَعُ
استغل ساعات من فراغك وشارك أهلك ومن حولك في برنامج قرآني أو دعوي أو اجتماعي ..  تهيب من سؤال عصيب يقال يوم القيامة {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) وحذر من حياة فئام رحلوا دون أن يكون لهم تأثير يذكر، أو خير يؤثر.
 والعاقل الحصيف الذي يتأمل بنظرٍ حكيمٍ ويشعر بأنه لا بد أن يجعل له طموحاً يقوده إلى خير الدنيا وينفعه في الآخرة .
    إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى  **  وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا
   نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِهِ    **   وأنكَ لمْ ترصدْ لما كانَ أرصدا
  
.اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...
المرفقات

1623355577_ساعةً وساعةً.pdf

المشاهدات 1303 | التعليقات 0