ساعاتُ العُسْرةِ وهِداياتُ الآيات 19 ــ 4 ــ 1445هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: تَعْصِفُ رِياحٌ وتَهِيْجُ أَمْواجٌ، ويَشْتَدُّ خَطْبٌ ويَقْسُو أَلَم. فَما في الحَياةِ تَرَفٌ يَدُومُ، ولا في الحَياةِ رَخاءٌ يَخْلُد، ولا في الحَياةِ شِدَّةٌ تَبْقَى، ولا في الحَياةِ عُسْرٌ يَمْتَدّ. حَياةٌ.. يَتَقَلَبْ فيها المرءُ بَينَ أَقْدارِ اللهِ.. فَيَومٌ بِهِ المَرْءُ يَبْكِيْ، ويَومٌ بِهِ المرءُ يَضْحَك، وَيَومٌ بِهِ المرءُ يَحْزَنُ، ويَومٌ بِهِ المرءُ يُسَرّ.
وأَكْثَرُ النَّاسِ مَناعَةً أَمام تَقَلُّباتِ الحَياةِ.. مَنْ اهْتَدَى بالقُرآنِ واسْتَرْشَدَ بآياتِه، مَنْ اسْتَمْسَكَ بِتَعالِيْمِهِ واهتدى بِهِداياتِه {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ..}
في ظِلالِ الآياتِ طُمأنِيْنَةٌ، في ظِلالِ الآياتِ سَكِيْنَةٌ، في ظِلالِ الآياتِ عِزٌّ، في ظِلالِ الآياتِ رِضاً {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
* كُلَّما نَزَلَتْ بِالمُؤْمِنِ نازِلَةٌ.. أَنْزَلَها بالقُرآنِ يَسْتَمِدُّ مِن نُورِ الوَحِيِ ضِياء. كُلَّما حَلَّ بالمُؤْمِنِ خَطْبٌ.. فَزِعَ إِلى القُرآنِ.. وفي القُرآنِ للظَّمَأ ارْتِوَاء. * في ظِلالِ الآياتِ تُرْسَمُ مَعالِمُ الحَياة. ومِنْ هِدَايَاتِها تَنْطَلِقُ مَسِيْرَتُها.
* مَا قِيْمَةُ الإِيْمانِ بالقُرآنِ.. إِنْ لَمْ يَكُن القُرآنُ نِبْرَاساً لحَياتِنا، ومُطَمئِناً لِقُلُوبِنا، ومُرِيْحاً لأَرْواحِنا، وهادٍ لِمَسِيْرِنا، ومُرْشِداً لَمْنَهَجِنا؟! * مَا قِيْمَةُ الإِيْمانِ بالقُرآنِ.. إِن لَم تُلَمْلَم بِهِ شَعَثُ النُّفُوسِ وتَداوَى بِهِ جِراحُها، وتُسْتَنْهَضُ بِهِ قُوَّتُها، وتَنْبَعِثُ مِنْهُ طاقَاتُها؟! * مَا قِيْمَةُ الإِيْمانِ بالقُرآنِ.. إِن لَمْ يَكُن إِليهِ مَفْزَعُنا في كُلِّ نازِلَة. مُحْتَكَمُنا في كُلِّ مُعْضِلَة، ومُسْتَراحُنا في كُلِّ نَصَب؟! * في القُرآنِ آياتٌ.. تُخْبِرُنا عَن أَحْدَاثٍ ومَشاهِد، وتُحَدِثُنا عَنْ وَقَائِعَ وسُنَن. في القُرآنِ آياتٌ.. تَقُصُّ عَلَيْنا مِنْ نَبأَ الأَولين. فَنَرَى لِكُلِّ نازِلَةٍ في زَمانِنا. نَظِيْرَةٌ مُشابِهَةٌ لَها في كِتابِنا.
مَواقِفُ العُسْرِ في أَمثالِها عِبَرٌ ** وفي الكِتابِ أَتانا صادِقُ الخَبَرِ
* يُبْصِرُ المؤْمِنُ في آياتِ القُرآنِ.. ما يَدُلُّهُ عَلى عَظَمَةِ اللهِ وقَهْرِه، وعَلى إِحاطَتِهِ وعِلْمِه، وعَلى حِكْمَتِهِ في القَضاءِ، ولُطْفِه. يُبْصِرُ المؤْمِنُ في آياتِ القُرآنِ.. إِمْهالَ اللهِ للظالِمِينَ، ونَصْرَهَ للمَظْلومِين. ومَكْرَهُ بالماكِرِين، واسْتدراجَهُ للمُعانِدِين.
يُبْصِرُ المؤْمِنُ في آياتِ القُرآنِ.. كَيْفَ يَبْتَلِي اللهُ عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ بأَصنافِ البَلاءِ.. ثُمُّ يَجْعَلُ العاقِبَةَ لَهُم. يُبْصِرُ المؤْمِنُ في آياتِ القُرآنِ.. ما يَمْلَأُ قَلْبَهُ إِيْماناً بِرَبِهِ وثِقَةً ويَقِيْناً.. فلا قُنُوطَ ولا يأَس، ولا اسْتِكانَةَ ولا هَوان.
* والأُمَةُ اليَوم.. وهِيَ تُبْصِرُ ضَعْفَها وتَكالُبَ الأَعداءِ عَلِيْها.. تَلْتَفُّ حَولَ القُرآنِ لِتَقْتَبِسَ مِنَ الآياتِ ما يَهِدِيْها لأَسبابِ عِزِّها. ويُرْشِدُها إِلى طَرِيْقِ نَصْرِها، ويأَخذُ بِيَدِها إِلى سَبِيٍلِ الكَرامَةِ والفَلاح. فَلَمْ تَزَل آياتُ القُرآنِ.. تأَخُذُ بِأَيدِي المُؤْمِنِينَ إِلى مَسالِكِ العَزِّ ودُرُوبِ الكَرامة.
لَمْ تَزَل آياتُ القُرآنِ.. تُرْشِدُ الأُمَةَ إلى كُلِّ طَرِيْقٍ ينْهَضُ بِها ويُعْلِيْ مَكانَتَها، ويُصْلِحُ أَمْرَها ويَجْمَعُ كَلِمَتَها، ويُبْقِيْ عِزَّها ويَحفَظَ كَرامَتَها.
أَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى أَن تَعْتَصِمَ بَحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وأَنْ لا تَتَفَرَّقَ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} واعْتِصامُها بِحَبْلِ اللهِ.. اجْتِماعُها عَلى دِينِ اللهِ لا على أَمْرٍ سِواه. فَكُلُّ حَبْلٍ سِوى حَبْلِ اللهِ واهِنْ. وكُلُّ اعْتِصامٍ بِغَيْرِ حَبْلِ اللهِ شَتَات.
أَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى لُزُومِ طَاعَةِ اللهِ ورَسُولِه، فَفَيْ طَاعَتِهِما تَمامُ القُوَّةِ وسَلامَةُ الطَرِيْق. وفي مُخالَفَتِهِما.. طُوْلُ النّزَاعِ ودَوامُ الفَشَلْ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
أَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى أَنْ تَبْقَى مُتآخِيَةً مُتَوالِيَةً مُتَناصِرَة.. أُخُوَّةُ الإِيْمانِ تَعْلُو عَلى كُلِّ أُخُوَّة، وَوَلاءُ الدِينِ يَعْلُو كُلَّ وَلاءَ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وَلاءٌ تَتَحَقَّقُ بِهِ المحبةُ والنُّصْحُ والمُؤازَرَةُ والانْتِمَاءُ والنصرة {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}
* أَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى أَسْبابِ النَّصْرِ على الأَعداءِ ودَعاها إِلى الأَخذِ بِها. وأَعْظَمُ أَسبابِ النَّصْرِ.. نُصْرَتُها لِدِيْنِ اللهِ وقِيامِها بأَمْرِه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} * ثُمَّ بَذْلُ الوسْعِ في إِعدادِ العُدَّةِ، وتَأَمِينِ القُوَّةِ التِي تُواجِهُ بِها كُلَّ عَدُوّ {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}
وأَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. فَعَرَّفَها ِعَدُوَّها.. وحَذَرَها مِنْ كَيْدِه ومَكْرِه وغَدْرِه {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..} وفي شأَن المُنافِقِينَ {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} وبَيَّنَ لَها.. أَنَّ عَدَاوَةَ الكافِرِين باقِيَةٌ ما بَقِيَتِ الأُمَةُ على دِيْنِها {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}
وأَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى تَحْقِيْقِ ولائِها للمؤْمِنِيْنَ، وبَراءَتِها مِنَ الكافِرِين {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}
وأَرْشَدَ القُرآنُ الأُمَةَ.. إِلى اللُّجُوءِ إلَي اللهِ في نَوازِلِها، والفَزَعِ إِليهِ في ونَوائِبها. وحَذَّرَها مِن القَسْوَةِ والغَفْلَةِ والإِعراضِ والصُّدُود {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مَنْ تَدَبَرَ القُرآنَ أَبْصَرَ. مَنْ عَمِلَ بالقُرآنِ أَفْلَح، مَنْ أَخَذَ بالقُرآن هُدِيْ {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} بارك الله لي ولكم..
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: لَنْ تَضِلَّ أُمَةٌ دُسْتُورُها القُرآن. ولَنْ تَشْقَى أُمَةٌ بِكتابِ اللهِ تَعْتَصِم. {..فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}
لَمْ يَزَلِ القُرآَنُ.. يَصْنَعُ الهِدايَةَ في قُلُوبِ المؤْمِنِينَ، ويَمْلؤها سَعادَةً وطُمأَنِيْنَةً وانْشِرحاً.
يُذَكِرُّ القُرآنُ المؤْمِنِينَ.. بِمَواقِفِ البَلاءِ التي مَرَّتْ بِهِم، وبأَيامِ الاستْضعافِ التي كابَدُوها. ثُمَّ يُذَكِّرُهُم بِعَظِيْمِ نِعمَةِ اللهِ عليهم. أَن تَوَلَّى أَمْرَهُمْ فِيها، فَثَبَّتَ قُلُوبَهُم، وقَوَّى ضَعْفَهُم، وجَعَلَ العَاقِبَةَ لَهُم. ولَولا وِلايَةُ اللهِ لَهم لَم ينالُوها {واذْكَرُوا إِذ أَنْتُم قَلِيْلٌ مُسْتَضْعَفُونَ في الأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فآواكُمْ وأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ورَزَقَكُمْ مِنَ الطَيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}
يُذَكِرُّ القُرآنُ المؤْمِنِينَ.. بِمَواقِفِ النِّزَالِ التِيْ شَهِدُوها. وبساحاتِ الوَغَى التِي خاضُوها. ثُمَّ يُذَكِّرُهُم بِمَعِيَّةِ اللهِ ونَصْرِهِ لَهُم. لِيُدْرِكُوا أَنُّهم لَولا اللهِ لَمْ يُطِيْقُوها {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}
يُذَكِّرُ القُرآنُ المُؤْمِنِينَ.. بأَيامِ المِنَنِ التِيْ سَبَقَتْها أَعوامُ المِحَن. وبأَيامِ النَّصْرِ التِي سَبَقَتْها أَعوامُ القَهْر {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
إِنَّها الهِدايَةُ بِهَدي القُرآن.. ولِكُلُّ مُؤْمِنٍ مِن الهِدايَةِ.. بِقَدْرِ ما لَهُ مِن التَدَبُّرِ والإِيمانِ والعَمَل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
وَعَدَ اللهُ المؤْمِنِينَ.. أَكْرَمَ وَعْدٍ. وَوَعْدُ اللهِ لَنْ يُخْلَف {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
ولكِنَّ مِيْقاتَ النَّصْرِ مَخْفِيٌّ بِعِلْمِ الله. ومَوعِدَ تَحَقُّقِهِ يَجْرِيْ وِفْقَ حِكْمَةِ الله. فَلا يُخالِطُ المُؤْمِنَ شَكٌّ إِنْ تأَخَر في تَقْدِيْرِهِ النَصْرُ. ولَا يغشاهُ يأَسٌ إِنْ اسْتَبْطأَ مَجِيءَ الفَرَج.
لَمَّا أَرادَ اللهُ أَنْ يُهْلِكَ فِرْعَونَ.. وأَرادَ أَنْ يَمُنَّ عَلى المُسْتَضْعَفِين بالنَّصْرِ والتَمْكِين. بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فقالَ: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}
ثُمَّ قالَ بَعْدها {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
إِنَّ الهَلاكَ الذي قَدْ قَدَّرَهُ الله عَلى فِرْعَونَ وجُنُودِه.. سَيَكُونُ عَلَى يَدِ هذا الطْفِلِ الرَّضِيْعِ الذي لَمْ يَزَلْ في المَهْد صَبِياً.
لَقَدْ تأَخَرَ النَّصْرُ في أَعيْنِ المُسْتَضْعَفِين، ولَكِنَّه تَحَقَّقَ وِفْقَ حِكْمَةِ اللهِ رَبُّ العالَمِين {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْ اليَهود وأَعوانهم وانْصُر المؤمنين عليهم
المرفقات
1698911882_ساعاتُ العُسْرَةِ.. وَهِدَيَاتُ الآيَات 19 ـ 4 ـ 1445هـ.docx