سارعو إلى الحج قبل الفوات
محمد البدر
1433/11/11 - 2012/09/27 19:27PM
[align=justify]الخطبة الأولى :
أما بعد: قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }وقال الله جلَّ وعلا{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمرَ رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ محمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)، وفي حديث جبريل الطويل لَمَّا سَأَلَهُ عن الإِسْلام قال صلى الله عليه وسلم( وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ومعلوم بالضّرورةِ مِنْ دينِ الإسلامِ أن الحجَّ واجِبْ ولا يجْحَدُهُ إلاَّ كافر .
وللحَجِّ - مَعَ كَوْنِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلام - فَضْلٌ عَظِيمٌ ، وَأَجْرٌ كَبيرٌ ، سَنُورِدُ في هذا المقام بعضَ ما جَاءَ عن الحَبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحَاديثِ في ذلك فمنها :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم(أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « حَجٌّ مَبْرُورٌ » متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه -رضي الله عنه- قال :سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ حَجَّ ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .
قال الإمام الأزهري : الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المَرْأَةِ .
وعن أم المؤمنينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت : قلتُ يا رسول الله ! نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ فقالَ (لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ )رواه البخاري . وفي لفظٍ قالت : يا رسولَ الله هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قال (عَلَيْهُنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فيهِ، الحَجُّ والعُمْرَةُ ) صححه الألباني .
وعن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ »رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الحَّاجِّ رِجْلاً ، وَلاَ تَضَعُ يَداً ، إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بهَا حَسَنَةً ، أَوْ مَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً ، أَوْ رَفَعَهُ بها دَرَجَةً )رواه البيهقي وحسّنه الألباني .
هذه بَعْضُ الأَحَادِيثِ في فَضْلِ الحَجِّ لا حَرَمَنَا اللهُ مِنْهُ ، وفيها بَيَانُ مَا لِلْحَاجِّ مِنَ الأَجْرِ العَظِيمِ الذي لاَ يُفَرِّطُ فيهِ إِلاَّ مَحْرُومٌ ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (اسْتَمْتَعُوا بِهَذَا الْبَيْتِ فَقَدْ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ) صححه الألباني ) ، وينبغي للمُسْلِمِ أَنْ يُبَادِرَ بِالحَجِّ مَتَى اسْتَطَاعَ إِلى ذَلِكَ سَبِيلاً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم(يقولُ الله عز وجل : إِنَّ عَبْداً صَحَحْتُ لَهُ جِسْمَهُ ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ في المَعِيشَةِ ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إليّ ؛ لَمَحْرُومٌ ) رواه ابن حبان وصححهُ الألباني .
عباد الله: كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه، كيف يبخل على نفسه في أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من أمواله فيما تهواه نفسه، وكيف يخاف على نفسه من التعب وهو يرهق نفسه في أمور دنياه وكيف يتثاقل عن فريضة الحج وهو لا يجب في العمر سوى مرة واحدة، وكيف يتراخي ويؤخر أداءه وهو لا يدرى لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه، فإلى كل من فرط في أداء فرضه وقصر، وإلى كل من تيسر له الوصول إلى البيت فسوف وأخر، عما قليل سوف يسارع المشمرون ويتركونكم، ويمضي المجدون ويخلفونكم، ويرتحل حجاج بيت الله العتيق وأنتم تبقون أسارى قيود التعويق، فهل قعدت بكم الهمم الفاترة، وهل آثرتم المساكن الطيبة والمراتب الفاخرة، هل رغبتم في عرض الدنيا، ونسيتم الآخرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ }(التَّوْبِةِ : 38)
أقول ما تسمعون عباد الله واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم .
الخطبة الثانية :
عباد الله : ومَعَ هَذِهِ الأُجُورُ العَظِيمَةُ فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ لِهَذِهِ العِبَادَةِ الكَبِيرَةِ حِكْمَةٌ في مَشْرُوعِيَّتِها وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا حَكِيمٌ عَلِيمٌ بمَصَالِحِ عِبَادِهِ ، فَشَرَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا في العِبَادَاتِ التي أَمَرَهُمْ بها كَالحَجِّ ، وَصَلاَةِ الأَعْيَادِ ، وَصَلاَةِ الجُمْعَةِ ، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ التَّعَارُفِ وَالتَّوَادُدِ والتَّآلُفِ والتَّسَانُدِ والتَّنَاصُرِ بين المُسْلِمِين ، وَعَقْدِ أَوَاصِرِ المَحَبَّةِ وَالإِخَاءِ ، وَتَبَادُلِ النَّصَائِحِ والتَّوْجِيهَاتِ السَّنِيَّةِ ، وَتَبَادُلِ الآرَاءِ ، بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالمَصْلَحَةِ العَّامَّةِ وَالخَاصَّةِ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
ولِمَا في هذه العباداتِ مِنْ طاعَةِ اللهِ ، وتوحيدِهِ، وإفرادِهِ بالعبادَةِ ، ولِمَا يَتَرَتَّبُ على ذَلِكَ مِنْ مُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ ، وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ كَمَا سَلَفَ ذِكْرُهُ .
وخَاصَّةً الحَجُّ فَهْوَ أَعْظَمُ مُجْتَمَعٍ وَمُؤْتَمَرٍ إِسْلاميٍّ عَالَمِيٍّ، هُوَ المجتَمَعُ المَيْمُونُ المُبَارَكُ، هُوَ الحَشْدُ الهَائِلُ والجُمُوعُ المُتَدَفِّقَةُ عَلى صَعِيدِ عَرَفَاتْ ، والمُلْتَفَّةُ حَوْلَ الكعبةِ المُشَرَّفَةِ.
فالحجُّ لِقَاءٌ بينَ الأَبْدَانِ وَالقُلُوبِ وَالأَرْوَاحِ . يَلْتَقِي فيهِ المُسْلِمُونَ بِإِخْوَانِهِمْ الوَافِدِين مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الأَرْضِ ، مَعَ اخْتِلاَفِ الجِنْسِ وَاللُّغَةِ وَاللَّوْنِ . لِقَاءٌ كَرِيم في زِيٍّ مُوَحَّدٍ هُوَ : الإِزَارُ وَالرِّدَاءُ .
لِقَاءٌ مَنْطِقُهُ واحِدٌ :لا إله إلا الله ، محمدٌ رسول الله ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
لقاءٌ عَظِيمٌ ومَشْهَدٌ رَائِعٌ ، هُوَ مِنْ عَنَاوِينِ وَحْدَةِ المُسْلِمِين التي تَجْمَعُهُمْ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتُفَرِّقُهُمْ الأَهْوَاءُ وَالبِدَعُ.
لقاءٌ مِنْ أَجْلِ طَاعَةِ الله عز وجل وطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَمِنْ أَجْلِ شُهُودِ المَنَافِعِ ، مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ لأُمَّةِ الإسلام . مَنَافِعُ عامَّةٌ وخَاصَّةٌ، منافع دينِيَّةٌ ودُنْيَوِيَّةٌ ، ومنافع عَقَدِيَّةٌ، ومَنَافِعُ أَخْلاَقِيَّةٌ، واقتصادية، وسياسية، وغيرِ ذلكَ مِمَّا يَعُودُ عَلَى المسلمينَ بِالنَّصْرِ وَالعِزِّ والشَّرَفِ والفَخْرِ والخَيْرِ والسعادة . وفّق الله المسلمين رُعَاةً ورَعِيَّةً ، وزُعَمَاء ومَزْعُومِين إلى مَا فيهِ عِزُّهُم وفَخْرُهُمْ وصَلاحُهُمْ في دينِهِم ودُنْيَاهُم .
ولنْ يَتَحَقَّقَ للمُسْلِمِينَ النَّصْرُ والعِزُّ والسَّعَادَةُ ، إِلاَّ إِذَا عَمِلُوا بِشَريعَةِ الإِسلام ، فِعْلاً وقولاً ، عقيدةً وعِبَادَةً، وَأَحْكَاماً وَأَخْلاَقاً . وإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا فَقُلْ عَلَى الحَيَاةِ العَفَاءُ ، وعلى أُمَّةِ الإِسْلامِ السَّلاَمُ. ألا وصلو ....
[/align]
أما بعد: قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }وقال الله جلَّ وعلا{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمرَ رضي الله عنه وعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( بُنِيَ الإِسْلاَمُ على خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ محمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضَانَ)، وفي حديث جبريل الطويل لَمَّا سَأَلَهُ عن الإِسْلام قال صلى الله عليه وسلم( وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ومعلوم بالضّرورةِ مِنْ دينِ الإسلامِ أن الحجَّ واجِبْ ولا يجْحَدُهُ إلاَّ كافر .
وللحَجِّ - مَعَ كَوْنِهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلام - فَضْلٌ عَظِيمٌ ، وَأَجْرٌ كَبيرٌ ، سَنُورِدُ في هذا المقام بعضَ ما جَاءَ عن الحَبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَحَاديثِ في ذلك فمنها :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم(أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « حَجٌّ مَبْرُورٌ » متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه -رضي الله عنه- قال :سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ حَجَّ ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .
قال الإمام الأزهري : الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المَرْأَةِ .
وعن أم المؤمنينَ عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت : قلتُ يا رسول الله ! نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ فقالَ (لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ )رواه البخاري . وفي لفظٍ قالت : يا رسولَ الله هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ قال (عَلَيْهُنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فيهِ، الحَجُّ والعُمْرَةُ ) صححه الألباني .
وعن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ »رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الحَّاجِّ رِجْلاً ، وَلاَ تَضَعُ يَداً ، إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بهَا حَسَنَةً ، أَوْ مَحَا عَنْهُ سَيِّئَةً ، أَوْ رَفَعَهُ بها دَرَجَةً )رواه البيهقي وحسّنه الألباني .
هذه بَعْضُ الأَحَادِيثِ في فَضْلِ الحَجِّ لا حَرَمَنَا اللهُ مِنْهُ ، وفيها بَيَانُ مَا لِلْحَاجِّ مِنَ الأَجْرِ العَظِيمِ الذي لاَ يُفَرِّطُ فيهِ إِلاَّ مَحْرُومٌ ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (اسْتَمْتَعُوا بِهَذَا الْبَيْتِ فَقَدْ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ) صححه الألباني ) ، وينبغي للمُسْلِمِ أَنْ يُبَادِرَ بِالحَجِّ مَتَى اسْتَطَاعَ إِلى ذَلِكَ سَبِيلاً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم(يقولُ الله عز وجل : إِنَّ عَبْداً صَحَحْتُ لَهُ جِسْمَهُ ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ في المَعِيشَةِ ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لاَ يَفِدُ إليّ ؛ لَمَحْرُومٌ ) رواه ابن حبان وصححهُ الألباني .
عباد الله: كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه، كيف يبخل على نفسه في أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من أمواله فيما تهواه نفسه، وكيف يخاف على نفسه من التعب وهو يرهق نفسه في أمور دنياه وكيف يتثاقل عن فريضة الحج وهو لا يجب في العمر سوى مرة واحدة، وكيف يتراخي ويؤخر أداءه وهو لا يدرى لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه، فإلى كل من فرط في أداء فرضه وقصر، وإلى كل من تيسر له الوصول إلى البيت فسوف وأخر، عما قليل سوف يسارع المشمرون ويتركونكم، ويمضي المجدون ويخلفونكم، ويرتحل حجاج بيت الله العتيق وأنتم تبقون أسارى قيود التعويق، فهل قعدت بكم الهمم الفاترة، وهل آثرتم المساكن الطيبة والمراتب الفاخرة، هل رغبتم في عرض الدنيا، ونسيتم الآخرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ }(التَّوْبِةِ : 38)
أقول ما تسمعون عباد الله واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم .
الخطبة الثانية :
عباد الله : ومَعَ هَذِهِ الأُجُورُ العَظِيمَةُ فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ لِهَذِهِ العِبَادَةِ الكَبِيرَةِ حِكْمَةٌ في مَشْرُوعِيَّتِها وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا حَكِيمٌ عَلِيمٌ بمَصَالِحِ عِبَادِهِ ، فَشَرَعَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا في العِبَادَاتِ التي أَمَرَهُمْ بها كَالحَجِّ ، وَصَلاَةِ الأَعْيَادِ ، وَصَلاَةِ الجُمْعَةِ ، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ التَّعَارُفِ وَالتَّوَادُدِ والتَّآلُفِ والتَّسَانُدِ والتَّنَاصُرِ بين المُسْلِمِين ، وَعَقْدِ أَوَاصِرِ المَحَبَّةِ وَالإِخَاءِ ، وَتَبَادُلِ النَّصَائِحِ والتَّوْجِيهَاتِ السَّنِيَّةِ ، وَتَبَادُلِ الآرَاءِ ، بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالمَصْلَحَةِ العَّامَّةِ وَالخَاصَّةِ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
ولِمَا في هذه العباداتِ مِنْ طاعَةِ اللهِ ، وتوحيدِهِ، وإفرادِهِ بالعبادَةِ ، ولِمَا يَتَرَتَّبُ على ذَلِكَ مِنْ مُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ ، وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ كَمَا سَلَفَ ذِكْرُهُ .
وخَاصَّةً الحَجُّ فَهْوَ أَعْظَمُ مُجْتَمَعٍ وَمُؤْتَمَرٍ إِسْلاميٍّ عَالَمِيٍّ، هُوَ المجتَمَعُ المَيْمُونُ المُبَارَكُ، هُوَ الحَشْدُ الهَائِلُ والجُمُوعُ المُتَدَفِّقَةُ عَلى صَعِيدِ عَرَفَاتْ ، والمُلْتَفَّةُ حَوْلَ الكعبةِ المُشَرَّفَةِ.
فالحجُّ لِقَاءٌ بينَ الأَبْدَانِ وَالقُلُوبِ وَالأَرْوَاحِ . يَلْتَقِي فيهِ المُسْلِمُونَ بِإِخْوَانِهِمْ الوَافِدِين مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الأَرْضِ ، مَعَ اخْتِلاَفِ الجِنْسِ وَاللُّغَةِ وَاللَّوْنِ . لِقَاءٌ كَرِيم في زِيٍّ مُوَحَّدٍ هُوَ : الإِزَارُ وَالرِّدَاءُ .
لِقَاءٌ مَنْطِقُهُ واحِدٌ :لا إله إلا الله ، محمدٌ رسول الله ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
لقاءٌ عَظِيمٌ ومَشْهَدٌ رَائِعٌ ، هُوَ مِنْ عَنَاوِينِ وَحْدَةِ المُسْلِمِين التي تَجْمَعُهُمْ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتُفَرِّقُهُمْ الأَهْوَاءُ وَالبِدَعُ.
لقاءٌ مِنْ أَجْلِ طَاعَةِ الله عز وجل وطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ، وَمِنْ أَجْلِ شُهُودِ المَنَافِعِ ، مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ لأُمَّةِ الإسلام . مَنَافِعُ عامَّةٌ وخَاصَّةٌ، منافع دينِيَّةٌ ودُنْيَوِيَّةٌ ، ومنافع عَقَدِيَّةٌ، ومَنَافِعُ أَخْلاَقِيَّةٌ، واقتصادية، وسياسية، وغيرِ ذلكَ مِمَّا يَعُودُ عَلَى المسلمينَ بِالنَّصْرِ وَالعِزِّ والشَّرَفِ والفَخْرِ والخَيْرِ والسعادة . وفّق الله المسلمين رُعَاةً ورَعِيَّةً ، وزُعَمَاء ومَزْعُومِين إلى مَا فيهِ عِزُّهُم وفَخْرُهُمْ وصَلاحُهُمْ في دينِهِم ودُنْيَاهُم .
ولنْ يَتَحَقَّقَ للمُسْلِمِينَ النَّصْرُ والعِزُّ والسَّعَادَةُ ، إِلاَّ إِذَا عَمِلُوا بِشَريعَةِ الإِسلام ، فِعْلاً وقولاً ، عقيدةً وعِبَادَةً، وَأَحْكَاماً وَأَخْلاَقاً . وإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا فَقُلْ عَلَى الحَيَاةِ العَفَاءُ ، وعلى أُمَّةِ الإِسْلامِ السَّلاَمُ. ألا وصلو ....
[/align]
المشاهدات 2696 | التعليقات 2
ماشاء الله
جميلة
:)
محمد البدر
مرفق الخطبة
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/9/سارعوا%20إلى%20الحج%20قبل%20الفوات.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/9/سارعوا%20إلى%20الحج%20قبل%20الفوات.doc
تعديل التعليق