زواج من فوق سبع سماوات
أيمن عرفان
1434/01/09 - 2012/11/23 15:11PM
[align=justify]
الكثير من الأحكام الأُسرية نتعلمها من امرأة واحدة كانت حياتها علامة بارزة في تاريخ التشريع الإسلامي، هذه المرأة هي أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، ولذلك أحببت أن أعيش معكم اليوم في رحاب سيرة أمنا الطاهرة العابدة الزاهدة الزكية زينب بنت جحش رضي الله عنها.
زينب بنت جحش كانت من سيدات نساء مكة، جمع الله عز وجل لها العديد من المميزات من الحسب والنسب والجمال، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، أخوالها حمزة أسد الله وسيد الشهداء، والعباس أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، أخوها عبد الله بن جحش صاحب أول راية رفعت في الإسلام، وعبد الله بن جحش كان من المسلمين الأوائل الذين آمنوا بالله ورسوله في مكة، وسرعان ما حمل الدعوة إلى أهل بيته فدخلت زينب في الإسلام وعانت ما كان يعاني منه المسلمون الأوائل من الاضطهاد والظلم في مكة، ولما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة هاجرت زينب مع أخيها عبد الله إلى المدينة، فعاشت زينب في المدينة المنورة صوامة قوامة ملاذا للمساكين والمحتاجين، إلى أن أراد الله عز وجل لها أمرا.
زيد بن حارثة كان ينتمي إلى طائفة الموالي، وهم الذين كانوا عبيدا ثم اُعتقوا، فزيد كان عبدا أغارت قبيلة من القبائل على قافلة كانت فيها أمه وهو صغير فأخذوه من أمه وياعوه في سوق العبيد، اشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فأهدته السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقضى مع النبي فترة من الزمن يرى من النبي صلى الله عليه وسلم حسن الأخلاق وكريم المعامله، ثم عرف أبوه وعمه مكانه فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستردوه، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يرجع إلى أهله أو أن يبقى مع رسول الله، فاختار زيد أن يبقى عبدا عند رسول الله على أن يعود حرا مع أبيه وعمه، هذا الموقف العظيمن زيد استحق المكافأة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه وكان ينادى زيد بن محمد إلى أن ألغى الإسلام مبدأ التبني ونزل قول الله عز وجل {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ}.
المجتمع الجاهلي كان مجتمعا طبقيا، وهناك أسياد وهناك عبيد، واستمرت بعض أثار هذه الطبقية في نفوس بعض الناس بعد الإسلام، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحطم هذه الطبقية الموروثة في قلوب الناس، وأن يرد الناس إلى عدالة الإسلام وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأراد أن يفعل ذلك بنفسه في أسرته، فهذه الفوارق الطبقية من العمق والعنف بحيث لن يحطمها إلا فعلا واقعيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الحسيبة النسيبة من أشراف قريش، ليزوجها من زيد بن حارثة ابنه بالتبني والذي ينتمي لطائفة الموالي، طبعا في بداية الأمر كان هناك رفض من زينب ومن أخيها عبد الله، كيف للشريفة الحسيبة النسيبة أن تتزوج من مولى من الموالي، إن زيدا كان بالأمس عبد من العبيد، واليوم يتزوج شريفة من أشراف قريش! فنزل قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب 36]. فقالت زينب: قد رضيته لي يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: "إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي". وتزوجت زينب بنت جحش من زيد بن حارثة، وفي هذا الزواج حكما شرعيا، فعلى الرغم من أن مالك والشافعي قالا بضرورة الكفاءة في الأحساب عند الزواج، إلا أن هذا الحدث نصا صريحا على أن المقصود بالكفاءة الكفاءة في الدين وليس الحسب والنسب، بل أن هناك العديد من الموالي تزوجوا من الحرائر والأشراف في زمن الصحابة، سالم مولى أبي حذيفة تزوج من فاطمة بنت الوليد بن عتبة وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف.
استمر زواج السيدة زينب زيد بن حارثة قرابة السنة، ثم بدأت الخلافات الزوجية تدب بين الزوجين، ويذهب زيد بن حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي: يا رسول الله، زينب تتكبر علي، تعصى أوامري، تؤذيني بلسانها. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، اتق الله فلا تقل على زينب هذا الكلام، وأمسك عليك زوجك فلا تطلقها، وهنا وقع النبي صلى الله عليه وسلم في حرج عظيم، فقد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن زيد سيطلق زوجته وأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوجها. أين الحرج؟ الحرج من جهتين، فمن جهة سيخالف أعراف العرب، فالعرب كانوا لا يتزوجون أزواج أدعيائهم، زيد كان يسمى زيد بن محمد، فهو يدعى إليه، هو في عرف العرب بمثابة ولده، ربنا تبارك وتعالى أراد أن يلغي هذا العرف الذي تعارفت عليه العرب ، أراد أن يخبرهم أن التبني في الإسلام لا يجوز ولا يحرم بسببه النسب ولا يستحق بسببه ميراث، ولأن هذا الأمر متأصل فيهم كان لابد من واقعة قوية لتمحو هذا التشريع، ولكن الناس ستتكلم، من هنا جاء الحرج، سيقول الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم خالف أعراف العرب وتزوج من زوجة دعيه، بل ومن جهة أخرى ربما يعتقد البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أجبر زيد بن حارثة على أن يطلق زوجته حتى يتزوجها هو، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لزيد أمسك عليك زوجك تحرجا وخوفا من كلام الناس، سبحان الله حتى في زماننا الآن يوجد البعض ممن لا يفهمون معنى العصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحاولون إثارة هذه المسألة للكيك في رسول الله، أن رسول الله رآها فأعجبته فطلقها من زيد وتزوجها، كلام أصلا لا يتفق مع العقل والمنطق، هي ابنة عمته، يعني أنها كانت أمام عينيه طوال الوقت، كما أنه ذهب إليها وحاول أن يقنعها بقبول الزواج من زيد فرفضت ونزل القرآن فقبلت طاعة لله ورسوله، لو كان يريدها لنفسه هل كان يحاول إقناعها بالزواج من زيد وهي تكره ذلك، وهل من المنطق أنني إذا أردت أن أتزوج من امرأة أجبرها على الزواج من رجل آخر ثم أجبره على طلاقه؟
ربنا تبارك وتعالى يصف لنا هذا الموقف فيقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب 37]، وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" يعني بالإسلام "وأنعمت عليه" بالعتق فأعتقته. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فأنت تقول له أمسك عليك زوجك وأنت تعلم أنه سيطلقها وأنك ستتزوجها، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ، خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له، يعني أنه ينبغي على المؤمن إذا أراد أن يفعل شيئا وهو على يقين من أن هذا الشيء مباح وحلال ولا شيء فيه، فعليه ألا يجعل من كلام الناس مانعا له، فقد عاتب الله عز وجل حبيبه لأنه فعل ذلك، رجل من الصالحين سألوه: لماذا لا تأبه بكلام الناس، فقال: "لقد كنت في بطن أمي وحدي، وخرجت إلى الدنيا وحدي، وأموت وحدي، وأقف بين يدي الله ليحاسبني وحدي، وأمر على الصراط وحدي، وأدخل الجنة أو النار وحدي، فمالي وللناس". هذه الآية وأمثالها من آيات العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم ترد على هؤلاء الذين كانوا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بهذا القرآن من عند نفسه، فهذا دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وأن لا يجوز للنبي أن يكتم منه شيئا، ولو كان للنبي أن يكتم من القرآن شيئا لكتم هذه الآية التي يعاتبه الله عز وجل فيها.
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا، قوله تعالى: "وطرا" الوطر كل حاجة للمرء له فيها همة، والجمع الأوطار. قال ابن عباس: أي بلغ ما أراد من حاجته، يعني الجماع. وقيل: الوطر عبارة عن الطلاق. زَوَّجْنَاكَهَا بنزول هذه الكلمة أصبحت زينب بنت جحش زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي زوجها هو الله، ولذلك كانت زينب تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لهن: " زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى"، ولعلنا نتأمل فنرى كيف أن زينب انقادت لأمر الله عز وجل في البداية ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كارهة، فعوضها الله عز وجل بذلك أن جعلها من أمهات المؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين. فعلى الرغم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بأن يمسك زوجته ولا يطلقها إلا أن الحياة الزوجية وصلت بينهما إلى طريق مسدود، فطلق زيد زينب بنت جحش، ولما انتهت عدتها أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فأرسل من؟، أرسل زيد بن حارثة ليخطبها، تخيل أن زيد بن حارثة يذهب لطليقته التي حدث معها كم هائل من المشكلات الزوجية، يذهب إليها وبكل رضا يخطبها ليزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، نعم إنها ستصبح من أمهات المؤمنين، فلم تعد في نظرة هذه الزوجة التي كان بينه وبينها طلاق فقلت: يا زينب، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت،: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. من هنا استحب العلماء للمرأة إذا جاء من يخطبها أن تصلي صلاة الاستخارة، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين، فقد زوجه الله إياها من فوق سبع سماوات.
[font="]زينب بنت جحش[/font]
زينب بنت جحش كانت من سيدات نساء مكة، جمع الله عز وجل لها العديد من المميزات من الحسب والنسب والجمال، أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، أخوالها حمزة أسد الله وسيد الشهداء، والعباس أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، أخوها عبد الله بن جحش صاحب أول راية رفعت في الإسلام، وعبد الله بن جحش كان من المسلمين الأوائل الذين آمنوا بالله ورسوله في مكة، وسرعان ما حمل الدعوة إلى أهل بيته فدخلت زينب في الإسلام وعانت ما كان يعاني منه المسلمون الأوائل من الاضطهاد والظلم في مكة، ولما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة هاجرت زينب مع أخيها عبد الله إلى المدينة، فعاشت زينب في المدينة المنورة صوامة قوامة ملاذا للمساكين والمحتاجين، إلى أن أراد الله عز وجل لها أمرا.
زيد بن حارثة كان ينتمي إلى طائفة الموالي، وهم الذين كانوا عبيدا ثم اُعتقوا، فزيد كان عبدا أغارت قبيلة من القبائل على قافلة كانت فيها أمه وهو صغير فأخذوه من أمه وياعوه في سوق العبيد، اشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فأهدته السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقضى مع النبي فترة من الزمن يرى من النبي صلى الله عليه وسلم حسن الأخلاق وكريم المعامله، ثم عرف أبوه وعمه مكانه فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستردوه، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يرجع إلى أهله أو أن يبقى مع رسول الله، فاختار زيد أن يبقى عبدا عند رسول الله على أن يعود حرا مع أبيه وعمه، هذا الموقف العظيمن زيد استحق المكافأة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه وكان ينادى زيد بن محمد إلى أن ألغى الإسلام مبدأ التبني ونزل قول الله عز وجل {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ}.
المجتمع الجاهلي كان مجتمعا طبقيا، وهناك أسياد وهناك عبيد، واستمرت بعض أثار هذه الطبقية في نفوس بعض الناس بعد الإسلام، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحطم هذه الطبقية الموروثة في قلوب الناس، وأن يرد الناس إلى عدالة الإسلام وأنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأراد أن يفعل ذلك بنفسه في أسرته، فهذه الفوارق الطبقية من العمق والعنف بحيث لن يحطمها إلا فعلا واقعيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الحسيبة النسيبة من أشراف قريش، ليزوجها من زيد بن حارثة ابنه بالتبني والذي ينتمي لطائفة الموالي، طبعا في بداية الأمر كان هناك رفض من زينب ومن أخيها عبد الله، كيف للشريفة الحسيبة النسيبة أن تتزوج من مولى من الموالي، إن زيدا كان بالأمس عبد من العبيد، واليوم يتزوج شريفة من أشراف قريش! فنزل قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب 36]. فقالت زينب: قد رضيته لي يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". قالت: "إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي". وتزوجت زينب بنت جحش من زيد بن حارثة، وفي هذا الزواج حكما شرعيا، فعلى الرغم من أن مالك والشافعي قالا بضرورة الكفاءة في الأحساب عند الزواج، إلا أن هذا الحدث نصا صريحا على أن المقصود بالكفاءة الكفاءة في الدين وليس الحسب والنسب، بل أن هناك العديد من الموالي تزوجوا من الحرائر والأشراف في زمن الصحابة، سالم مولى أبي حذيفة تزوج من فاطمة بنت الوليد بن عتبة وتزوج بلال أخت عبد الرحمن بن عوف.
استمر زواج السيدة زينب زيد بن حارثة قرابة السنة، ثم بدأت الخلافات الزوجية تدب بين الزوجين، ويذهب زيد بن حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي: يا رسول الله، زينب تتكبر علي، تعصى أوامري، تؤذيني بلسانها. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، اتق الله فلا تقل على زينب هذا الكلام، وأمسك عليك زوجك فلا تطلقها، وهنا وقع النبي صلى الله عليه وسلم في حرج عظيم، فقد نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن زيد سيطلق زوجته وأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوجها. أين الحرج؟ الحرج من جهتين، فمن جهة سيخالف أعراف العرب، فالعرب كانوا لا يتزوجون أزواج أدعيائهم، زيد كان يسمى زيد بن محمد، فهو يدعى إليه، هو في عرف العرب بمثابة ولده، ربنا تبارك وتعالى أراد أن يلغي هذا العرف الذي تعارفت عليه العرب ، أراد أن يخبرهم أن التبني في الإسلام لا يجوز ولا يحرم بسببه النسب ولا يستحق بسببه ميراث، ولأن هذا الأمر متأصل فيهم كان لابد من واقعة قوية لتمحو هذا التشريع، ولكن الناس ستتكلم، من هنا جاء الحرج، سيقول الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم خالف أعراف العرب وتزوج من زوجة دعيه، بل ومن جهة أخرى ربما يعتقد البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أجبر زيد بن حارثة على أن يطلق زوجته حتى يتزوجها هو، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لزيد أمسك عليك زوجك تحرجا وخوفا من كلام الناس، سبحان الله حتى في زماننا الآن يوجد البعض ممن لا يفهمون معنى العصمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحاولون إثارة هذه المسألة للكيك في رسول الله، أن رسول الله رآها فأعجبته فطلقها من زيد وتزوجها، كلام أصلا لا يتفق مع العقل والمنطق، هي ابنة عمته، يعني أنها كانت أمام عينيه طوال الوقت، كما أنه ذهب إليها وحاول أن يقنعها بقبول الزواج من زيد فرفضت ونزل القرآن فقبلت طاعة لله ورسوله، لو كان يريدها لنفسه هل كان يحاول إقناعها بالزواج من زيد وهي تكره ذلك، وهل من المنطق أنني إذا أردت أن أتزوج من امرأة أجبرها على الزواج من رجل آخر ثم أجبره على طلاقه؟
ربنا تبارك وتعالى يصف لنا هذا الموقف فيقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب 37]، وإذ تقول للذي أنعم الله عليه" يعني بالإسلام "وأنعمت عليه" بالعتق فأعتقته. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فأنت تقول له أمسك عليك زوجك وأنت تعلم أنه سيطلقها وأنك ستتزوجها، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ، خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد، وهو مولاه، وقد أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدر من أن خشي الناس في شيء قد أباحه الله له، يعني أنه ينبغي على المؤمن إذا أراد أن يفعل شيئا وهو على يقين من أن هذا الشيء مباح وحلال ولا شيء فيه، فعليه ألا يجعل من كلام الناس مانعا له، فقد عاتب الله عز وجل حبيبه لأنه فعل ذلك، رجل من الصالحين سألوه: لماذا لا تأبه بكلام الناس، فقال: "لقد كنت في بطن أمي وحدي، وخرجت إلى الدنيا وحدي، وأموت وحدي، وأقف بين يدي الله ليحاسبني وحدي، وأمر على الصراط وحدي، وأدخل الجنة أو النار وحدي، فمالي وللناس". هذه الآية وأمثالها من آيات العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم ترد على هؤلاء الذين كانوا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بهذا القرآن من عند نفسه، فهذا دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وأن لا يجوز للنبي أن يكتم منه شيئا، ولو كان للنبي أن يكتم من القرآن شيئا لكتم هذه الآية التي يعاتبه الله عز وجل فيها.
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا، قوله تعالى: "وطرا" الوطر كل حاجة للمرء له فيها همة، والجمع الأوطار. قال ابن عباس: أي بلغ ما أراد من حاجته، يعني الجماع. وقيل: الوطر عبارة عن الطلاق. زَوَّجْنَاكَهَا بنزول هذه الكلمة أصبحت زينب بنت جحش زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي زوجها هو الله، ولذلك كانت زينب تفتخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لهن: " زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى"، ولعلنا نتأمل فنرى كيف أن زينب انقادت لأمر الله عز وجل في البداية ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي كارهة، فعوضها الله عز وجل بذلك أن جعلها من أمهات المؤمنين وزوجة لسيد الأولين والآخرين. فعلى الرغم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بأن يمسك زوجته ولا يطلقها إلا أن الحياة الزوجية وصلت بينهما إلى طريق مسدود، فطلق زيد زينب بنت جحش، ولما انتهت عدتها أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطبها فأرسل من؟، أرسل زيد بن حارثة ليخطبها، تخيل أن زيد بن حارثة يذهب لطليقته التي حدث معها كم هائل من المشكلات الزوجية، يذهب إليها وبكل رضا يخطبها ليزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها. قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، نعم إنها ستصبح من أمهات المؤمنين، فلم تعد في نظرة هذه الزوجة التي كان بينه وبينها طلاق فقلت: يا زينب، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت،: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. من هنا استحب العلماء للمرأة إذا جاء من يخطبها أن تصلي صلاة الاستخارة، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطا في حقوقنا ومشروعا لنا وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين، فقد زوجه الله إياها من فوق سبع سماوات.
[font="] زينب بنت جحش لها مواقف كثيرة تحسب لها، ومن بركاتها أن آية الحجاب نزلت صبيحة عرسها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاشت رضي الله عنها زاهدة عابدة، تعمل بيدها فتدبغ وتخرز وتبيع ما تصنعه وتتصدق به في سبيل الله، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لزوجاته: "أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يدا". يريد بذلك الصدقة والإنفاق في سبيل الله، فكانت زينب أول من لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العشرين من الهجرة.[/font][/align]