زواج مسيـــار

علي القرعاني
1431/07/21 - 2010/07/03 08:16AM
زواج المسيار


الدكتور زيد بن محمد الرماني
قصة وسيناريو اقتصادي!!

في نهاية القرن الماضي ومع مطلع القرن الجديد شهد المجتمع الدولي تظاهرة اجتماعية عالمية تمثلت في مناسبة زواج بهيج، حضره لفيف من الأقارب والأصدقاء والجيران والأشقَّاء وجَمعٌ من الأحباب، وممن هم في الجوار.

يتقدم الحضور عاقد الأنكحة، شيخ المأذونين، وإمام هذا العصر، وحجة الاقتصاديين، ومنقذ البؤساء، وأمل التعساء، وحلم الفقراء، العَلَم العلاَّمة الفَهَّامة الجهبَذ، وحيد عصره، وفريد زمانه وأوانه، ومعه الزوجان بأبهى حُلَّتهما وزينتهما، والشهود المعتبرون فضلاً وقدرًا وعلمًا وعالمًا، وعلية المدعوين من أهل الرياسة والوجاهة، والمكانة الاجتماعية والسياسية، والثقافية والإعلامية والاقتصادية.

ويحمل عددٌ من الأطفال باقات من الزهور والورود وسلاَّت مملوءة بالحلوى والحلويات، يدورون على المدعوين والحضور يُتحفونهم بلذيذ الحلوى وعطر الزهور بهذه المناسبة الفريدة في زمانها ومكانها ومراسم الاحتفالات بها.


الزوج وهو في أبهى حُلَّة وأجمل ملبس وأعطر طيب، يتباهى ويختال متبخترًا جيئة وذهابًا يُحيِّي هذا، ويُرحب بذلك، ويبتسم لهذه ويَبشُّ لتلك، وكأن الزمان قديمًا وحديثًا ليس به عريسٌ إلا هو، وكأن ليس ليلة الزفاف أقيمت إلا له.

والزوجة المزركشة لبسًا والمعطَّرة ذات الحُلي والذهب والماس، تشمخ على الحاضرات بجمالها، ومالها، تضنُّ بالكلام على صديقاتها وصويحباتها، وكأنْ ليس في الوجود عروس إلا هي! وكأن ليس الحُلّي والمجوهرات صُنعت إلا لها.

أخي، إنسان هذا القرن، لعلك تسأل نفسك يا تُرى مَن هذا الزوج؟ ومَن تكن هذه الزوجة؟ وأين أقيمت هذه المناسبة العظيمة، ومتى؟ وغير ذلك من الأسئلة الكثيرة والملحَّة على ذهنك المكدود، ونفسك المتطلعة، والوثَّابة إلى معرفة الأمر واستجلاء حقيقته، وسبر غوره، والاطلاع على كنهه؛ رغبة في معرفة كل غامض، وبيان كل مستور وإرضاء كل فضول.

أخي، إنسان هذا القرن، اسمع، أقل لك الحكاية من أولها إلى آخرها، من البداية إلى النهاية!!

أما الزوج، فهو النظام العالمي الجديد، والزوجة هي الجات، وولي الزوجة هو منظمة التجارة العالمية الملقّب بـwto، والشهود هم العالم الصناعي الغربي والعالم النامي العربي، وعاقد الأنكحة هو المأذون المعروف بالعولمة، ويُدعى عند بعضهم بالكوكبية، وهو أشهر مأذون وعاقد أنكحة في العالم المعاصر.

وقد اتفق العروسان على أن يكون الزواج زواج مسيار لمزاياه وإيجابيَّاته المتعددة، واتِّباعًا للموضة والتقليعات الجديدة؛ ولأن هذه الصيغة تُسهِّل على الزوج الارتباط بأخرى دون تبعات أو تكاليف أو التزامات تثقل كاهله، ويمنح الزوجة الحرية المطلقة.


أما هذا التجمع والزواج، فكان بمناسبة نهاية ألفية ومَقْدِم ألفية جديدة، وكانت المناسبة على كوكب الأرض مكانيًّا، وفي مطلع الألفية الثالثة الميلادية زمانيًّا.
أما الحضور، فقد كان بهيجًا ضمّ لفيفًا من المشاهير، وكان من بينهم الخصخصة، وزوجها القطاع الخاص، والدولرة، وزوجها النظام النقدي، والكارتل، وزوجته الترست، والكوميكون، وزوجته السوق الأوروبية المشتركة، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وأخوها مجلس التعاون العربي.

وقد غاب عن الحضور مجلس التعاون الخليجي، والأوبك، والأوابك؛ لظروفهم الخاصة.

ووزعت البطاقات بهذه المناسبة، بطاقة الماستر كارد، والأمريكان أكسبريس، والفيزا، وبطاقات ائتمانية دولية عالية القيمة.


كما وزعت باقات الزهور، زهور رقمية وورود ذكية ذات روائح سائلة.

وكذلك أطباق الحلوى لم تغب عن المناسبة؛ إذ كانت هناك حلوى الرسوم، والضرائب، والإتاوات، والقيود الجمركية، والتعريفات.


واستمع بذلك الحضور المهيب، الذي ضمَّ إلى جانب أولئك المشاهير داو جونز، ونيكاي، واليورو، وإيمو، وبورصة نيويورك، وبورصة طوكيو، والإنترنت، وضريبة الكربون، وثقب الأوزون، وإيفاد وأيبك، وإفتا، وأونكتاد، وإيدا، وبريتون، وودز، وبنلوكس، وجرين بيس.

وقد تجاذب الحضور أطراف الحديث عن المواقف السلبية من العولمة والمصادقة على اتفاقية الجات، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتوحُّد في كوكب واحد وقرية كونية واحدة.

وكان الحديث على أشده عن ثورة المعلوماتية والتقنيات المعاصرة، وجوانب من الدولرة، والخصخصة، والدولنة، والأنسنة، والعقلنة، والأمركة، واللبررة، والحضرنة.
واقترح بعض الحضور عقد منتديات ولقاءات موسعة؛ لمناقشة كيفية التحول إلى اقتصاد السوق، وفرض سياسات التبعية والاستعمار الاقتصادي في المناطق الفقيرة.


أما موضوعات المجاعة والفقر والتلوث والتصحُّر والمخدرات وغسيل الأموال القذرة والجريمة، فلم يناقشها إلا قلة من الحضور.


وتجدر الإشارة إلى أن التكنولوجية، والبورجوازية، والبلوتوقراطية، والإمبريالية، والديمقراطية، والارستقراطية لم تتخلف عن هذه المناسبة، ذلك لأنها بالنسبة إليهم تعتبر فرصة للظهور والفخر والخيلاء والمباهاة، وكذا فرصة للهيبة والجلالة، ولوي الأعناق وفرض التبعية.

كانت هذه هي البداية.
أخي، إنسان هذا القرن القصة لم تنته؟!

المصدر: موقع الألوكة
المشاهدات 2321 | التعليقات 1

بئس هذا الزواج زواجًا وبئس الزوجان من زوجين !!
ولا حبذا تلك الوليمة ولا من حضرها ولا ما نوقش فيها !!

ونأمل بالفعل أن يكون هذا هو شأن العولمة وما جاءت به ، نأمل أن تكون زواج مسيار يبوء بالفشل قريبًا ويتفرق فيه الزوجان سريعًا .
وتالله إن في كل منهما من الخلل ما لا يقبله عاقل منصف فضلاً عمن أكرمه الله بالدين واتباع سيد المرسلين ، فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .
اللهم هيئ للحق قوة تظهره وتنصره ، وتخذل الباطل وتفضحه ، اللهم عليك بالكفرة والمشركين ومن حاد الله ورسوله والمؤمنين ، اللهم احصهم عددًا ، واقتلهم بددًا ، ولا تغادر منهم أحدًا .