زهد الرسول صلى الله عليه وسلم
د. ماجد بلال
1437/04/19 - 2016/01/29 09:01AM
خطبة زهد النبي
ماجد بلال شربه / جامع ابن باز بالمهرجان بتبوك / 19/4/1437هـ
أما بعد:
يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
أيها المؤمنون:
لنعش مع الحبيب المصطفى هذه الجمعة وننعم بسيرته العطرة وننظر في حياته كيف كانت وكيف كان يتعامل مع الدنيا وزخرفها
كيف كان لباسه؟ ماهو مركوبه؟ ما هو شكل بيته؟ ما طعامه ؟ وما شرابه؟ كم هي ثروته؟
ذكر ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك ، ولا نعطي أحداً من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله ، فقال : اجمعوها لي في الآخرة ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا } (الفرقان : 10) ، وخُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً ، فاختار أن يكون عبداً رسولاً .
ما هو مركوب النبي هل كان مركوب شهرة ورياء وسمعة حتى يرى الناس ثراءه أو يسمع الناس بصيته ؟
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شهرةٍ منَ الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وحسنه الالباني في مشكاة المصابيح (2/ 1246)
ركب الرسول على الفرس وعلى الحمار( ) ، والبغلة( )وهو أكرم الناس وأشرفهم ؟
كان يلبس الصوف( ) والغليظ من الثياب( ) وكان يرقع ثوبه بنفسه ويلبسه وكان يصلح حذاءه بنفسه ويلبسه.
بيته ماذا كانت صفته؟ هل كان قصراً منيفاً؟
وقال الحسن بن أبي الحسن: كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلامٌ مراهق، فأنال السقف بيدي( )
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ، فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا»، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ )صحيح البخاري (1/ 86)
ولكم بعد هذا الوصف أن تقدروا مساحة هذا البيت الذي خرج منه النور الى العالم أجمع.
ليس له راتب او مخصصات ماليه لنفسه، بل كان يقول "جعل رزقي تحت ظل رمحي"
اشتكت ازواجه الفقر واجتمعن يسألن الرسول النفقة والتوسعة في المعيشة، وضاق النبي بهذا الطلب، واتى أبو بكر ليضرب عائشة واتى عمر ليضرب حفصة، حتى انزل الله فيهن قرآناً يخيرهن بين الاستمرار في هذا الزهد وشظف العيش والموت على هذا حتى يكن أزواجه في الجنة، أو بين الطلاق والحصول على متاع الدنيا الزائل، فاخترن الله وسوله على ما سواه
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]
ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهوديّ مقابل شيءٍ من الشعير .
عن أَبي الدَّرْدَاءِ سمعت الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولَ: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وحسنه الالباني في مشكاة المصابيح (1/ 74)
طعامه
وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة ، وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل - وهو رديء التمر - ما يملأ به بطنه ، يأتيه الجوع في بيته ولا يجد شيئاً يأكله، فيخرج من بيته لعله يجد شيئا فيلقى أبا بكر وعمر، فيسألهما مالذي أخرجكما هذه الساعة فيقولان والله ما أخرجنا إلا الجوع، فيقول وأنا كذلك والله ما أخرجني إلا الجوع، وكان الصحابة يربطون على بطونهم الحجر من الجوع، وكان يربط حجرين على بطنه وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز برٍّ حتى قبض ، وكان أكثر خبزه من الشعير ، وما أُثر عنه أنه أكل خبزاً مرقّقا أبدا ، ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام من طاولة ونحوها- حتى مات ،
كيف كان فراشة ومنامه ؟
يدخل عمر -رضي الله عنه- ذات يوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو على حصير، قال عمر: فجلست، فإذا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع في ناحية الغرفة، وإذا إهاب معلق، فابتدرَتْ عيناي، فقال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟" فقال يا نبي الله! ومالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك؟ قال: "يا ابن الخطاب! أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟".
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:20-21].
الخطبة الثانية:
عباد الله التعلق بالدنيا
1- معرفة حقيقة الدنيا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا»( ) سنن ابن ماجه (2/ 1376)
وعَمْرَو بْنَ عَوْفٍ، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َّ قَالَ: " فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» صحيح البخاري (5/ 84)
2- تذكر أن نهايتها الخسارة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9].
3- فمن ذلك: ما أرشدنا إليه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان"انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى مَن فوقَكُم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
4- تذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " صحيح مسلم (3/ 1255)
5- أن تعرف حقيقة هذا المال وأنه ليس ملكك وإنما هو أمانة وعارية تديره بأمر الله ثم تتركه للورثة وترحل ، مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قَالَ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟ "، صحيح مسلم (4/ 2273)، أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» صحيح البخاري (2/ 110)
6- يقول ابن القيم: "وَيَكْفِي فِي قِصَرِ الْأَمَلِ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ - ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ - مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 448)
7- وعلى المسلم أن يدعوا بدعاء الرسول اذا رأى شيئاً من بهرج الدنيا قال «لَبَّيْكَ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَهْ" مسند أحمد مخرجا (20/ 459)
وكذلك كان من دعائه " ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا" تخريج الكلم الطيب (ص: 167)
ماجد بلال شربه / جامع ابن باز بالمهرجان بتبوك / 19/4/1437هـ
أما بعد:
يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
أيها المؤمنون:
لنعش مع الحبيب المصطفى هذه الجمعة وننعم بسيرته العطرة وننظر في حياته كيف كانت وكيف كان يتعامل مع الدنيا وزخرفها
كيف كان لباسه؟ ماهو مركوبه؟ ما هو شكل بيته؟ ما طعامه ؟ وما شرابه؟ كم هي ثروته؟
ذكر ابن كثير في تفسيره عن خيثمة أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك ، ولا نعطي أحداً من بعدك ، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله ، فقال : اجمعوها لي في الآخرة ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا } (الفرقان : 10) ، وخُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً ، فاختار أن يكون عبداً رسولاً .
ما هو مركوب النبي هل كان مركوب شهرة ورياء وسمعة حتى يرى الناس ثراءه أو يسمع الناس بصيته ؟
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شهرةٍ منَ الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وحسنه الالباني في مشكاة المصابيح (2/ 1246)
ركب الرسول على الفرس وعلى الحمار( ) ، والبغلة( )وهو أكرم الناس وأشرفهم ؟
كان يلبس الصوف( ) والغليظ من الثياب( ) وكان يرقع ثوبه بنفسه ويلبسه وكان يصلح حذاءه بنفسه ويلبسه.
بيته ماذا كانت صفته؟ هل كان قصراً منيفاً؟
وقال الحسن بن أبي الحسن: كنت أدخل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلامٌ مراهق، فأنال السقف بيدي( )
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلاَيَ، فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا»، قَالَتْ: وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ )صحيح البخاري (1/ 86)
ولكم بعد هذا الوصف أن تقدروا مساحة هذا البيت الذي خرج منه النور الى العالم أجمع.
ليس له راتب او مخصصات ماليه لنفسه، بل كان يقول "جعل رزقي تحت ظل رمحي"
اشتكت ازواجه الفقر واجتمعن يسألن الرسول النفقة والتوسعة في المعيشة، وضاق النبي بهذا الطلب، واتى أبو بكر ليضرب عائشة واتى عمر ليضرب حفصة، حتى انزل الله فيهن قرآناً يخيرهن بين الاستمرار في هذا الزهد وشظف العيش والموت على هذا حتى يكن أزواجه في الجنة، أو بين الطلاق والحصول على متاع الدنيا الزائل، فاخترن الله وسوله على ما سواه
{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]
ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهوديّ مقابل شيءٍ من الشعير .
عن أَبي الدَّرْدَاءِ سمعت الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولَ: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وحسنه الالباني في مشكاة المصابيح (1/ 74)
طعامه
وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال ، ثلاثة أهلة ، وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، وإنما هما الأسودان التمر والماء ، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل - وهو رديء التمر - ما يملأ به بطنه ، يأتيه الجوع في بيته ولا يجد شيئاً يأكله، فيخرج من بيته لعله يجد شيئا فيلقى أبا بكر وعمر، فيسألهما مالذي أخرجكما هذه الساعة فيقولان والله ما أخرجنا إلا الجوع، فيقول وأنا كذلك والله ما أخرجني إلا الجوع، وكان الصحابة يربطون على بطونهم الحجر من الجوع، وكان يربط حجرين على بطنه وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز برٍّ حتى قبض ، وكان أكثر خبزه من الشعير ، وما أُثر عنه أنه أكل خبزاً مرقّقا أبدا ، ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام من طاولة ونحوها- حتى مات ،
كيف كان فراشة ومنامه ؟
يدخل عمر -رضي الله عنه- ذات يوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو على حصير، قال عمر: فجلست، فإذا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع في ناحية الغرفة، وإذا إهاب معلق، فابتدرَتْ عيناي، فقال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟" فقال يا نبي الله! ومالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك؟ قال: "يا ابن الخطاب! أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟".
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:20-21].
الخطبة الثانية:
عباد الله التعلق بالدنيا
1- معرفة حقيقة الدنيا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا»( ) سنن ابن ماجه (2/ 1376)
وعَمْرَو بْنَ عَوْفٍ، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َّ قَالَ: " فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» صحيح البخاري (5/ 84)
2- تذكر أن نهايتها الخسارة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9].
3- فمن ذلك: ما أرشدنا إليه حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان"انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى مَن فوقَكُم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
4- تذكر حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " صحيح مسلم (3/ 1255)
5- أن تعرف حقيقة هذا المال وأنه ليس ملكك وإنما هو أمانة وعارية تديره بأمر الله ثم تتركه للورثة وترحل ، مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، قَالَ: " يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ، يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟ "، صحيح مسلم (4/ 2273)، أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» صحيح البخاري (2/ 110)
6- يقول ابن القيم: "وَيَكْفِي فِي قِصَرِ الْأَمَلِ قَوْلُهُ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ - ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ - مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 448)
7- وعلى المسلم أن يدعوا بدعاء الرسول اذا رأى شيئاً من بهرج الدنيا قال «لَبَّيْكَ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَهْ" مسند أحمد مخرجا (20/ 459)
وكذلك كان من دعائه " ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا" تخريج الكلم الطيب (ص: 167)
المرفقات
خطبة زهد النبي.pdf
خطبة زهد النبي.pdf
خطبة زهد النبي.docx
خطبة زهد النبي.docx