زَكُّــــــوا أموالَكُمْ وأنفُسَــــــكُمْ
راشد بن عبد الرحمن البداح
إنَّ الحمدَ للهِ؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا. من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ:
فاتقُوا ربَكُم؛ فإنكم في شهرٍ تُعَظَّم فيه التقوَى. وافرحُوا وافخرُوا بدينِكم العظيمِ، الذي يدعُو المؤمنينَ للتآخيْ والتكافُلِ. قَالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». أما الكفارُ؛ فلا نفعَ إلا بمصالحَ، ولا تكافلَ بل تفككٌ أسريٌ واجتماعيٌ في أحطِ دركاتهِ.
فالحمدُ للهِ على نعمةِ الإسلامِ، الذي من مَحاسنه هذه الزكاةُ التي هيَ حقٌ للفقيرِ، ليسَ للغَنيِ فيها مِنةٌ على الفقيرِ؛ فالمِنةُ للهِ وحدَه. فأدُّوها يا أصحابَ الجِدَةِ قبلَ أن {يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}[التوبة35]. وبادِرُوا بإخراجِها لمستحِقِها، فالرواتبُ بعيدةُ الأمَدِ. واحذرُوا إعطاءَها المتسوِلِينَ.
أيُها المسلمونَ: لنتفقَّهْ بأحكامِ الزكاةِ، وإليكمْ أربعةَ عشرَ سؤالاً وجوابُها مختصرًا:
1. يقولُ: لا أعرفُ المساكينَ، فمَن أعطيْها؟ الجوابُ: أعطِها الجهاتِ الرسميةَ المصرحَ لها، كجمعياتِ البرِ، وكمنصةِ إحسانٍ، ومنصةِ "فرجتْ" و"جودٍ للإسكانِ".
2. هل الأفضلُ أن أُخبرَه أنها زكاةٌ؟ الجوابُ: إذا كانَ من عادتهِ أن يأخذَ الزكاةَ فلا يَنبغي أن تخبرَه؛ لأن اللهَ تعالى يقولُ: (لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى).
3. هل يجوزُ أن أعطيَ زكاتيْ لأخيْ المديونِ العاجزِ، أو بِنتيْ المتزوجةِ المحتاجةِ؟
الجوابُ: يجوزُ، بلْ هوَ الأفضلُ؛ لأنه-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرَ أن الزكاةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ([1]). ومن العجيبِ المؤسفِ أن تَرَى امرأةً فقيرةً تأخذُ زكواتِ الناسِ، وأولادُها موظفُونَ.
4. له أولادٌ، وراتبُه قليلٌ، فهلْ أعطِيهِ زكاتِي؟ إن كانَ آخرَ الشهرِ يَستدينُ فأعطِه.
5. لي دينٌ على فقيرٍ، فهل يجوزُ أن أُسْقِطَه، وأنويَه زكاةً؟ الجوابُ: (لا يجوزُ؛ لأن الزكاةَ أخذٌ وإعطاءٌ، كما قالَ تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ]
6. له عشرُ سنواتٍ لم يُسدِّدْني، فهلْ أزكيْ عنِ المالِ؟
الجوابُ: (لا تزكِّها إلا عن سنةٍ واحدةٍ فقطْ، إذا قبضتَها)([2])
7. رجلٌ لا يُحسنُ التصرفَ في المالِ، فهل أشتريْ له احتياجاتِه؟!
الجوابُ:(لا يجوزُ إلا بتوكيلٍ من الفقيرِ، أو أعطِهِ بطاقاتٍ مسبقةَ الدفعِ)([3]).
8. رواتبُنا الشهريةُ كيفَ نحسِبُ زكاتَها؟ فيُقالُ: (إن كان يَبقى منها كلَّ شهرٍ، فحدِّدْ شهرًا واحسِبْ ما برصيدِك، وأخرجْ زكاتَه)([4]).
9. اشتريتُ أرضًا؛ لتحفظَ فُلوسيَ، ولو احتجْتُ بعتُها. الجوابُ: ليسَ فيها زكاةٌ([5]).
10. عندَها ذهبٌ لا تَلبسُه، فهلْ تزكِّي؟ أصحُّ الأقوالِ أنّ حُليَ النساءِ كلَه لا زكاةَ فيهِ.
11. كيفَ أحسِبُ زكاةَ ماليْ؟ اقسِمِ المبلغَ على (أربعينَ) والناتجُ هو زكاتُك.
12. كمِ المبلغُ الذي تجبُ عليَّ فيه الزكاةُ؟ مَن عندَه ألفُ ريالٍ فعليهِ الزكاةُ.
13. وُكلتُ بتوزيعِ زكاةٍ لمستحقِيها، فهلْ أنا مأجورٌ، وهلْ آخُذَ منها إنْ كنتُ فقيرًا؟
أبشِرْ أنَّ لكَ مثلُ أجرِ المتصدقِ.قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ، الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ"([6]). لكن لا تأخذْ منها لنفسِكَ أو وَلَدِكَ حتى تستأذنَ صاحبِ الزكاةِ.
14. طفليْ الصغيرُ عنده ألفٌ وثمانُ مئةِ ريالٍ، جمَعَها قبل سنةٍ، فهلْ يُزكيْ؟
نعمْ يجبُ زكاتُها، ومَنْ عندَه مجنونٌ فكذلكَ. لأن الزكاةَ تتعلقُ بالمالِ لا بالشخصِ.
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ مصطفَى، أما بعدُ:
فقد بقيَتْ زكاةٌ مهمةٌ جدًا نحنُ عنها غافلونَ، زكاةٌ يدفعُها حتى الفقيرُ! أتدْرونَ ما هيَ؟! إنها زكاةُ نفوسِنا لننالَ فلاحَنا، فربُّنا قالَ في آيةٍ نسمعُها كلَّ تراويحٍ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}. فلنتفقَّد قلوبَنا في رمضانَ لتتزكَى، ولنكثرْ من الدعاءِ قائلينَ: اللهم أصلِح فسادَ قلبيَ. ومن قولِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.
والدعاءُ في رمضانَ نحنُ عنه زاهِدُونَ. فيا أيُّها الصائمُ لربِّك: أتدعُوه قُبيلَ إفطارِكَ بدقائقَ، أم منهمكٌ بجوالِك؟ أتستغفرُه عند سحورِك؟ أتدعُوه بين الأذانِ والإقامةِ؟ ألم تعلمُ أن دعاءَك بين الأذانِ والإقامةِ أفضلُ من قراءتِك للقرآنِ؟
اللهمَ أصلحْ فسادَ قلوبِنا، وأقبِلْ بقلوبِنا في رمضانَ.
اللهمَ إن الصلاةَ والصومَ لك وحدَك. وكلُّنا وما مَلَكْنا مُلكُك لا شريكَ لك.َ فتقبلْ بفضلِكَ صومَنا بل ونومَنا، وصلواتِنا وصدقاتِنا وما قدمْنا لأنفسِنا من خيرٍ. واعفُ اللهمَ عن تقصيرِنا، فأنتَ –بفضلِكَ–أعنتَنا عليها، وستجزيْنا عليها الجزاءَ الأوفى.
اللَّهُمَّ لك الحمدُ على انحسارِ الْوَبَاءِ. ولك الحمدُ على تبدلِ رمضانَ من حَجْرِ ومن تباعُدٍ إلى رمضان تقارُبٍ وتفطيرٍ.
اللهمَ احفظْ أمنَنا وإيمانَنا ودينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، ودنيانا التي فيها معاشُنا.
اللهم {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}
اللهمَ اكفِنا كيدَ مَن كادَ بنا. واحفظْ مرابطِينا.
اللهمَ وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَ عهدِه لما فيهِ عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ.
اللهمَ صلِ وسلِّمْ على محمدٍ.
([1]) سنن الترمذي (658) وقال الترمذي: حسن. وانظر مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين ( ص 161)
([2]) الضياء اللامع من الخطب الجوامع (1 /351)
([3]) انظر: لقاءات الباب المفتوح (219 / 7) وثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين د. أحمد القاضي ( ص 61)
([4]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (18 / 118)
([5]) اللقاء الشهري (71 / 4) و (54 / 17)
([6])صحيح البخاري (1438) صحيح مسلم (1023)
المرفقات
1649334162_زكُّوا أموالَكم وأنفسكم.doc
1649334162_زكُّوا أموالَكم وأنفسكم.pdf