زخرف القول (المصطلحات وتزييف الوعي)
مركز حصين للدراسات والبحوث
عناصر الخطبة
1- الزخرف: التمويه الخادع. 2- ألوانٌ من زخرف القول. 3– كيف تُحتلّ العقول؟ 4- العلم بالوحي والعمل به سبيل النجاة.
الحمدُ للهِ الذي أرسَلَ رسولَهُ بالهدى والنّور، وجعلَ كتابَهُ فرقانًا بينَ الحقِّ والزّور، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، شهادةً نلقاهُ بها يومَ النُّشور، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أدَّى الأمانةَ وبلَّغَ الرسالة، وجاهدَ بالحقِّ أهلَ الكُفرِ والفُجور، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ، فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنجوى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
عِبادَ الله:
ألم تسمعوا عن (شجرةِ الخُلد)؟!
لقد منَّ اللهُ على آدمَ عليه السلامُ وزوجِهِ بسُكنى الجنة، وأذِنَ لهما بكلِّ نعيمِها، إلّا شجرةً واحدة، نهاهما اللهُ عن الاقتراب منها لئلّا يكونا مِنَ الظالمين.
جاءَ الشيطانُ يُوَسْوِسُ لآدَم، لِيَعْصِيَ ربَّهُ ومولاهُ، ولِيُخْرِجَهُ من دارِ النعيمِ إلى دارِ الشقاء.
فماذا يفعلُ الشيطانُ ليُجَرِّئَ آدمَ على العصيان؟
كانَ لا بدَّ من تزيينِ الأمرِ، وزَخْرَفتِهُ بما يُخفي حقيقته، ووصفِهِ بغيرِ ما هوَ عليه.
لقد اختارَ الشيطانُ اسمًا برّاقًا غايةً في الزينةِ، قائلًا: ﴿يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾؟ [طه: 120].
من ذا الذي لا يُحبُّ الخُلْد؟ من يَكرَهُ المُلْكَ الذي لا يَبْلى؟
كانتِ النتيجةُ كما قال تعالى: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121].
لقد لخَّصَ الشيطانُ مُهِمَّته في الإضلال فقال: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر: 39].
إنه الزُّخرف، البيانُ الساحر، والتمويهُ الخادع، ولَبْسُ الحقِّ بالباطل، وقَلْبُ المفاهيم، والتَّدليسُ في المصطلَحات، وتزييفُ الحقيقة، وتسميمُ العقول.
لقد فطرَ اللهُ الناسَ يُحِبُّون الحقَّ ويُبغضون الباطلَ، وحتى يتمكَّنَ الشَّيطانُ وأعوانُه -شياطينُ الإنس- مِن إضلالِ الخلق، كانَ لا بُدَّ منِ احتلالِ العقول، ثم إعادةِ إنتاجِ الواقعِ حتى تنطمِسَ الصُّورة، ويَنْطَفِئَ السِّراج، فيرى القلبُ الحقَّ باطِلًا والباطِلَ حقًّا، لكن بصورةٍ لا تجعَلُه ينفِرُ من تركِ الحقِّ، ولا يتوانى عن فعلِ الباطل.
يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: 112].
الزُّخْرف: تزيينُ الباطل، وتقبيحُ الحقِّ، بالبياناتِ السَّاحرة، ومساحيقِ الزّورِ الباهرةِ.
فِي زُخْرُفِ الْقَوْلِ تَزْيِينٌ لِبَاطِلِهِ
وَالْحَقُّ قَدْ يَعْتَرِيهِ سُوءُ تَعْبِيرِ
ألم يقفْ فرعونُ بينَ قومهِ متحدِّثًا بلسانِ المُصلِحين، مُبْدِيًا خوفَهُ عليهم منَ الفاسدين، مُسَوِّغًا قتلَ موسى عليهِ السلامُ بقوله: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26]؟!
ألم يعبُدِ الوثنيّونَ الأصنامَ من دونِ اللهِ، ويُلبِسوا هذا الشِّركَ ثوبَ زُورٍ مزخرَفٍ مُنَمَّق، يُحسِّنونَ بهِ الشِّركَ بربِّ العالمينَ، قائلين: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، و:﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18].
ألم تَنفِ الفِرَقُ الضَّالَّةُ صفاتِ اللهِ تحتَ مسمّى التَّنزيه؟
ألم يَنفوا قَدَرَ اللهِ تحتَ مسمّى العَدلِ وحرّيةِ الإرادة؟
ألم تُنشَرِ القبوريةُ تحتَ مسمّى تعظيمِ آلِ البيتِ والأولياءِ؟
أتدري ما الأخطرُ منِ احتلالِ الأوطان؟ إنهُ احتلالُ العقولِ وتبديلُ الأفهام!
إنَّ الاستعمارَ الذي ظلَّ مئاتِ السنينِ يغزو بلادَ الإسلامِ، ويَعيثُ فيها فسادًا وقَتلًا، وسَرقةً وظُلمًا، كانتْ نهايتُهُ في غالبِ الأوطانِ رحيلًا بالخزي والعار، وكُلْفةً مُثْقَلةً من دماءِ جنودهِ.
لقد أدركَ المفتاحَ أخيرًا:
ماذا لو أسمينا الاحتلالَ: (إحلالَ الدّيمقراطيةِ والسلام)؟
ماذا لو كَفَفْنا عن وصفِ الكافرينَ بأعداءِ اللهِ ورسولهِ، إلى وصفِهم بـ(الأصدقاءِ، والشركاء)؟
ماذا لو جعلناهُم يحاربونَ دينَهُم وقِيَمَهُم وأخلاقَهُم معنا تحتَ مصطلحِ (التجديدِ) و(التّقدُّمِ)، و(رفضِ الجمودِ والرجعيةِ)، مصطلحاتٌ لا تَستفِزُّ المشاعر؟
ماذا لو سمّينا الحربَ على الإسلامِ (الحربَ على الإرهابِ)؟
ماذا لو أطلقنا على الغزوِ الثقافيِّ اسمَ (التنويرِ)؟ وعلى الرِّدةِ عن الدينِ اسمَ (التحرّرِ الفكريِّ)؟ وعلى الإلحاد اسم (تصديق العِلم)؟ وعلى نشر الفجور والفواحش اسم (الفنّ والرّقيّ)؟
ماذا لو سمَّينا اللِّواطَ والشُّذوذَ الجنسيَّ (مثليةً)؟ والزِّنى (حريّةً ورومانسيةً)؟ والخمرَ (مشروباتٍ روحيةً)؟
وماذا لو جعلناهُم يشعرونَ بالخجلِ من الفتوحاتِ الإسلاميةِ، بتسميتِها (غزوًا بربريًّا)؟
ماذا لو سمَّينا المدافعينَ عن المسجدِ الأقصى ودينِهم وأعراضِهم (إرهابيّينَ مخرّبينَ)؟ واليهودَ القتَلةَ المغتصبينَ (مواطِنين)؟
ماذا لو أطلقنا على الدعوةِ إلى اللهِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ اسمَ (الوِصايةِ الدينيةِ)؟
وماذا لو سمَّينا الحكمَ بما أنزلَ اللهُ (الدَّوْلةَ الدينيةَ أو الثّيوقراطيةَ) أو نسمّيهِ (الإسلامَ السياسيَّ)؟
ماذا لو سمَّينا الرجوعَ إلى علماءِ الشريعةِ (صناعةَ الكَهَنوتِ)؟
وماذا لو جعلنا الغايةَ من خلقِ الإنسانِ (إعمارَ الكَونِ) و(بناءَ الحضارةِ الماديةِ)؟
هكذا يُصنَعُ مصطلحٌ براقٌ خبيثٌ ليُمرَّرَ من خلالِه الباطلُ، ويُصنَعُ مصطلحٌ آخرُ منفِّرٌ ليكرهَ الناسُ الحقَّ.
عبادَ الله:
كيف يحصُلُ احتلالُ العقولِ وتغييرُ المفاهيمِ وطمسُ الحقائقِ؟
أولًا: يُجهَّلُ الناسُ بالدينِ، ويُجرَّفُ الوَعي، حيث لا يُقدَّمُ للنّاشِئةِ من الدِّينِ إلا وُرَيقاتٌ من دينِ اللهِ على مدارِ حياتهِم، وقَد تكونُ المادّةُ غيرَ إلزاميّةٍ ولا تُضافُ للمَجمُوع، فيكبَرُ الشابُّ وهو لم يعرف عن ربِّه ودينِه ورسولِه ﷺ إلا النَّزر اليسيرَ، وغالبًا ما يكونُ التعليمُ سطحيًّا هَشًّا لا يَبني أصولَ المعرفةِ، ولا أبجدياتِ التفكيرِ السليمِ، فيظلُّ النشءُ ضعيفًا يسهلُ التلاعبُ به وإقناعُه بكلِّ باطلٍ.
ثمّ ثانيًا: تُزيَّفُ الحقائقُ، ويُعادُ إنتاجُ الواقعِ، وفرضُ القناعاتِ الجديدةِ، بحيث يرى الناسُ الأشياءَ كما أرادَهم المبطلونَ أن يروها، ويُكرَّرُ هذا على مسامعِهم بأساليبَ متنوعةٍ ووجوهٍ مختلفةٍ، بأبواقٍ مأجورةٍ وأقلامٍ مشبوهةٍ.
إنّ الأمرَ تمامًا كما قال فرعون: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر: 29].
وهذا التزييفُ يجري بطريقينِ: تقبيحُ الحقِّ، وتحسينُ الباطلِ:
فأُولاهُما: بتغييبِ الحقِّ والتشغيبِ عليه، ووصفِه بالألقابِ الشنيعةِ ليَنفِرَ عنه الناسُ، ورميِ الداعينَ إليه بكلِّ نقيصةٍ.
كما فعلَ المجرمونَ من قبلُ، فكلما جاءَ نبيٌّ ورسولٌ قالوا: ساحرٌ أو مجنونٌ أو شاعرٌ أو مُفترٍ، ووصفوا ما جاءَ به بالسَّفاهَةِ والضَّلالةِ، ووسموا المسلمَ بالصابِئِ والسّفيهِ، وجعلوا القرآنَ إفكًا وأساطيرَ الأولينِ، واتَّهموا أصحابَ الحقِّ أنَّهم عبّادُ الدُّنيا مخربونَ للأوطانِ.
قال الله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: 52].
وأخبر عن فرعون ومَلَئِه أنهم قالوا: ﴿إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: 109-110].
والطريقُ الأخرى للتّزييفِ: إلباسُ الباطلِ ثوبَ الحقِّ، وتسميتُه بغيرِ اسمِه، وتلقيبُه باسمٍ جميلٍ خلّابٍ لا تكرَهُهُ النفوسُ، بل تسعَى إليه، بل وتموتُ في سبيلِه وتَعُدُّهُ قضيةً ساميةً نبيلةً.
عبادَ اللهِ:
إنّ وقوعَ هذا التّزييفِ في الأمّةِ مما أخبرَ به الصادقُ المصدوقُ وحذَّرَ منه، فلقد نبّأنا ﷺ عن أُناسٍ من أمتِه سيشربونَ الخمرَ لكن باسمٍ غيرِ اسمِها، فقال: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ». رواه ابن ماجه([1]).
ولا عجبَ، فإن قولَ الزورِ في دينِنا من أكبرِ الكبائرِ، والافتراءَ على اللهِ وعلى رسولِه ﷺ من أعظمِ الشرورِ.
لذا أخذَ اللهُ الميثاقَ على أهلِ العلمِ ببيانِ الحقِّ دونَ كتمانٍ أو تدليسٍ، وكشفِ الباطلِ دونَ تزويقٍ أو تلميعٍ.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187].
وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 42].
وتوعَّد سبحانه المفترين على الله الكذبَ بالخزيِ والخسار.
فقال جلّ وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل: 116-117].
باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعدُ، فيا عبادَ الله:
إنَّ الواجبَ علينا أن نتعلَّمَ دينَنَا وأن نُعلِّمهُ أولادَنا.
نحن أمةُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ [العلق: 1]، هكذا أولُ كلمةٍ طرقتْ أُذنَ نبيِّنا ﷺ من وحيِ اللهِ إليه.
إنّ الأمّةَ التي تتعلَّمُ دينَها بحقٍّ لا يتلاعبُ بها الدَّجّالونَ المزوّرون.
إن مَحْوَ الأُمِّيَّةِ بنوعَيها، أُمِّيَّةِ القراءةِ والكتابةِ، والأُمِّيَّةِ الدينيةِ، واجبٌ مقدّسٌ، يجبُ على كلِّ وليِّ أمرٍ السعيُ فيه بصدقٍ وجِدٍّ.
الوحيُ المعصومُ، القرآنُ والسنةُ الصحيحةُ، بالفهمِ الصحيحِ، عصمةٌ من زخارفِ الأقوالِ الباطلةِ، لأن القرآنَ قذائفُ الحقِّ التي تُزهِقُ الباطلَ.
قال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18].
لذا كان الوحيُ -القرآنُ والسُّنةُ- وسيظلُّ العاصِمَ من الضلال، مهما حاولوا صرفَ الناس عنه.
قال جلّ وعلا: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: 26].
أي: شغّبوا عليهِ عند قراءتِه، اخلطوهُ بالباطلِ، صِفُوهُ باللغوِ والأوصافِ الرَّذيلةِ، المهمُّ أن يُحالَ بين الناسِ وبين الوحيِ المعصومِ.
لقد حذّرنا اللهُ تعالى من كلمةٍ تلاعبَ بها اليهودُ، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: 104]، كانوا -لعنهم الله- يوهمون أنهم يريدون بـ(راعِنا) المراعاةَ، وهم يريدون الرُّعونةَ، فأمَرَنا الله أن نستعملَ كلمةً واضحةً لا لبسَ فيها وهي (انظُرنا).
لذا كان من الاعتصامِ بالوحي، استعمالُ ألفاظِه المعصومةِ، دونَ الأقوالِ المزخرَفةِ، والتعبيرُ عن الحقائقِ بالألفاظِ الواضحةِ، فينبغي تسميةُ الكفرِ باسمِه، والفاحشةِ باسمِها، والحقِّ باسمِه، والمصلحينَ بأسمائِهم.
ثم من أعظمِ الواجباتِ إعدادُ العلماءِ الربانيينَ وطلبةِ العلمِ المخلِصينَ الذين يقومونَ بواجبِ البيانِ، دونَ زيفٍ أو تدليسٍ أو كتمانٍ.
يقول النبي ﷺ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ». رواه البيهقي([2]).
اللهم ثبّتنا على الإسلام، وبصِّرنا بالحقَّ، ولا تجعلْهُ ملتبِسًا علينا فنضِلّ.
اللهم نجِّ عبادَك المستضعَفين في غزّةَ وفي كلّ مكان، وفرِّج عن المكروبين من المؤمنين، وانصُر عبادَك الموحِّدِين على الصَّهَايِنَةِ الـمُجرمِين.
اللّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمّتَنا وُولاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
([1]) سنن ابن ماجه (4020)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (90).
([2]) السنن الكبرى للبيهقي (21439)، وصححه الإمام أحمد بن حنبل كما في شرف أصحاب الحديث للخطيب (ص29).
المرفقات
1729758178_زخرف القول A5.docx
1729758179_زخرف القول.docx
1729758179_زخرف القول.pdf
1729758179_زخرف القول A5.pdf