ريحانة الحياة

شايع بن محمد الغبيشي
1446/04/01 - 2024/10/04 01:07AM

ريحانة الحياة

إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ: فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

إخوة الإيمان حديثنا اليوم عن آية من آيات الله عز وجل الدالة على عظمته وجميل تسخيره، هي شطر الحياة وحسنها وجمالها، وسر من أسرار سعادتها وأنسها، فهل للحياة طعم إلا بها؟ وهل للعيش مذاق إلا في خمائلها؟

فهي الحب السامي، والقلب الحاني، لها في نصوص الوحيين منزلة عليّة، فهي ريحانة الحياة وعطرها وعبيرها وصدقت من وصفتها:

إن النساء رياحيناً خلقن لكم         وكلكم يشتهي شم الرياحين

تأمل قول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فهن جزء من النفس إليها تسكن وبها تسعد فتنعم النفس بالوداد والرحمة. وهن ستر الحياة ولباسها قال تعالى: {هنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} فالزوجة خير ما في هذه الحياة، قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "يَا مُعَاذُ، قَلْبٌ شَاكِرٌ، وَلِسَانٌ ذَاكِرٌ، ‌وَزَوْجَةٌ ‌صَالِحَةٌ ‌تُعِينُكَ ‌عَلَى ‌أَمْرِ ‌دُنْيَاكَ، وَدِينِكَ، خَيْرٌ مَا اكْتَنَزَ النَّاسُ" رواه الطبراني والمنذري وصححه الألباني. وهي سعادة العبد قال صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم: الزوجة الصالحة، والمركب الصالح، والمسكن الواسع "رواه الحاكم وأحمد وصححه الألباني. والبذل لها من خير الصدقات

وقال صلى الله عليه وسلم: "وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة"  وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ ‌أَحَقُّ ‌مَنْ ‌تَصَدَّقْتِ ‌بِهِ ‌عَلَيْهِمْ" رواه البخاري صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكَ ‌لَنْ ‌تُنْفِقَ ‌نَفَقَةً ‌تَبْتَغِي ‌بِهَا ‌وَجْهَ ‌اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي في امْرَأَتِكَ" رواه البخاري هي من أنجب لك الأبناء والبنات وتعبت في ذلك أيما تعب حملتهم وهناً على فهي الأولى بالإكرام والإسعاد قال صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، ‌وَأَنَا ‌خَيْرُكُمْ ‌لِأَهْلِي» رواه الترمذي وصححه الألباني,

قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "في ذلك تنبه على أن أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فالأهل هم الأحقاء بالبشر و حسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر وكثير ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقاً وأشحهم نفساً وأقلهم خيراً وإذا لقي غير الأهل ... لانت عريكته وانبسطت أخلاقه  جادت نفسه  كثر خيره ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل الله السلامة" 

وزوجة المرء عون يستعين بها               على الحياة ونور في دياجيها

مسلاة فكرته إن بات في كدر                  مدت له لتواسيه أياديها

في الحزن فرحته تحنو فتجعله            ينسى بذلك آلاماً يعانيها

والزوج يدأب في الخيرات ينشرها             دأباً ويُجهد منه النفس يشقيها

إن عاد للبيت يلقى ثغر زوجته                   يُبِين عما يسر النفس يحيها

وزوجها ملك والدار مملكة               والصفو والسعد يجري في نواحيها

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 أما بعد: عباد الله تأملوا هذه القصة جاء رجل إلى عُمَر بن الْخَطَّاب رضي الله عنه يشكو زوجته من جهة سوء خلقها معه فوقف بباب عمر ينتظر خروجه فسمَعَ امرأة عمر تستطيل عَلَيْهِ بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عَلَيْهَا فقنع الرجل وانصرف راجعًا قائلاً في نَفْسهُ: إذا كَانَ هَذَا حال أمير الْمُؤْمِنِين مَعَ شدته وصلابته وحزمه فَكَيْفَ حالي أَنَا مَعَ ضعفي. فخَرَجَ عمر قبل أن يبعد الرجل فرأى الرجل مدبرًا موليًا عن بابه. فناداه عمر وَقَالَ له: ما حاجتك يا رجل؟ فَقَالَ: يا أمير الْمُؤْمِنِين جئت أشكو إليك سوء خُلق زوجتي واستطالتها علي فَلَمَّا سمعت زوجتك كَذَلِكَ رجعت وقُلْتُ: إذا كَانَ هَذَا حال أمير الْمُؤْمِنِين مَعَ زوجته فَكَيْفَ حالي.

فَقَالَ عمر: يا أخي إني احتملُها لحقوق لها علي إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مُرضعة لولدي ولَيْسَ ذَلِكَ كله بواجب عَلَيْهَا ويسكن بها قلبي عن الحرام فأنَا أحتملها لذَلِكَ. فَقَالَ الرجل: يا أمير الْمُؤْمِنِين وكَذَلِكَ زوجتي. قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هِيَ مدة يسيرة.

عباد الله ما أحوجنا إلى نصغي إلى هذه الوصية حتى لو كرهت من زوجتك أمراً فاستمع إلى توجيه القرآن قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: « ... الآية وعدًا من الله أن من صبر ابتغاء وجه الله على ما يكرهه، واحتسابًا لثواب الله، بأن يجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، فإنه يتحقق له هذا الوعد» "ومن الخير أيضًا أن يقلب الله أحوالها وصفاتها التي كان يكرهها من أجلها إلى أحوال وصفات يرضاها، وحينئذ يطمئن إليها ويعيش معها عيشة حميدة." ([1])

عباد الله علينا أن نجعل بيوتنا مع أهلينا يسودها المحبة والوداد والبر والإحسان والرحمة، وأن جعل الرفق والصبر شعارنا فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌مَنْ ‌أُعْطِيَ ‌حَظَّهُ ‌مِنَ ‌الرِّفْقِ ‌فَقَدْ ‌أُعْطِيَ ‌حَظَّهُ ‌مِنَ ‌الخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيْرِ» رواه الترمذي وصححه الألباني وقال صلى الله عليه وسلم: "وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ ‌عَطَاءً ‌خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" رواه البخاري

ولذا من عرف طبيعة المرأة صبر عليها واستمتع بالحياة معها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «‌اسْتَوْصُوا ‌بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» رواه البخاري

وقد كان صلى الله عليه وسلم يعمر بيته بالحب فلما سئل من أحب الناس إليك قال: "عائشة" وقال عن خديجة رضي الله عنها وقد ماتت: " إني رزقت حبها" فما أجمل أن نفيض على زوجاتنا من الحب والوداد والمدح و الثناء فإن غياب المشاعر وانعدامها المشاعر، وعدم تعبير الزوج عن عواطفه لزوجه يجعل الحياة يسودها التنغيص والشقاق

أنتما فِي رحلة العمر معـا *** تبنيان العشَّ كالروض الأنيق.
قد نَما بينكما عهد الوفـا *** صادقا فالعهد في الله وثيـق.
تَحملان العبء روحًا ويدًا *** والتقى نعم التقى زاد الطريق.
نفحة تثمر في النفس الرضا*** تَجعل الأيام كالغصن الوريق.
فإذا الدنيـا سراج هادئ *** والمنى تسبح في بَحر طليـق.



([1]) تفسير العثيمين: النساء ( 1/ 157)

المرفقات

1727993244_ريحانة الحياة.pdf

1727993251_ريحانة الحياة.docx

المشاهدات 1235 | التعليقات 0