رمضـــــــــــــــــــــــــان هلّ هلالــــــــــــــــــــــــه
محمد بن سليمان المهوس
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْصَارِ, كَانُوا مُتَآخِّيِنَ أَيْ جَمَعَتِ الأُخُوَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ بَيْنَهِمْ, فَخَرَجَ أَحَدُهُمْ فِي سَرِيَّةٍ, فَمَات شَهِيدًا, ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَتْرَةٍ خَرَجَ الثَّانِي أَيْضًا فِي سَرِيَّةٍ, وَمَات شَهِيدًا, وَبَقِيَ الثَّالِثُ, فَعَاشَ بَعْدَهُمَا فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ, وَكَانَتْ فَتْرَةً طَوِيلَةً, ثُمَّ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ, فَكَانَ النَّاسُ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ مَاتَ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ شُهَدَاءُ, لَيَكُونُوا عِنْدَ اللّهِ تَعَالَى فِي مَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ اللهَ أَنْ يُرِيَنِي إِيَّاهُمْ فِي الْـمَـــنَامِ, فَرَأَيْتُ عَجَبًا! رَأَيْتُ الَّذِي مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ, يَسْبِقُ الشَّهِيدَيْنِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ ، فَتَعَجَّبْتُ, فَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ :رَأَيْتُ عَجَبًا، وَقَصَّ عَلَيْهِ مَا رَأى, فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّي بَعْدَهُمَا كَذَا وَكَذَا صَلَاةً? أَلَيْسَ قَدْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ?" قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, إِنْ مَا بَيْنَهُمَا لَأَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالمَغْرِبُ" فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الأِخْوَةُ, بِمَاذَا أَدْرَكَ هَذَا الصَّحَابِيُّ تِلْكَ الْـمَنْزِلَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى? أَدْرَكَهَا بَصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ.
فَاُشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ بَلَّغَكُمْ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ, فَمِنْ أَجَلِّ نِعْمَةٍ بَعْدَ نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ, نِعْمَةُ إِدْرَاكِ شَهْرِ رَمَضَانَ, فَكَمْ فِي الْـمَقَابِرِ مِنْ أُنَاسٍ صَامُوا مَعَنَا رَمَضَانَ فِي أَعْوَامٍ مَاضِيَةٍ وَهُمُ الآنَ تَحْتَ الثَّرَى , أَمْهَلَنَا اللهُ لِنُدْرِكَ هَذَا الْـمَوْسِمَ العَظِيمَ لِنَصُومَ أَيَّامَهُ, وَنَقُومَ لَيَالِيَهُ, وَنَتَقَرَّبَ فِيهِ إِلَى اللهِ بِشَتَّى أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ, رَوَى التَّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قالَ " مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ" قَالَ : فأيُّ النّاسِ شَرٌّ؟ قال "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ "
وَالحَدِيثُ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ الله .
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي جَعَلَ اللهُ فِيهِ مَنْ جَلائِلِ الأَعْمَالِ ،وَفَضَائِلِ العِبَادَاتِ, وَخَصَّهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ بِكَثِيرٍ مِنْ الخُصُوصِيَّاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
فَهَنِيئًا لَكُمْ مَعْشَرَ الصَّائِمِينَ هَذَا الشَّهْرَ الْـمُبَارَكَ الَّذِي فِيهِ الأَعْمَالُ تُضَاعَفُ, فَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ, وَالصَّائِمُونَ, أَجْرُهُمْ يَتَعَدَّى الْـمُضَاعَفَةَ, أَجْرُهُمْ لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى وَلَا يُـحَدُّ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ،لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ،وَلَخُلُوفُ فِيهِ - أَيْ فَمُهُ - أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
يَسَّرَ اللهُ لَكُمْ وَلَنَا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ ، وَأَعَانَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ .
أَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَاْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرِ اَلْرَّحِيْمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أمّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ / اتّقُوا اللهَ حقَّ التّقْوَى ، واسْتَمْسِكُوا مِنْ دِينِكُمْ بالعُروةِ الوُثْقَى ، وتَفَطّنُوا ذَلكَ عَلى الْقُلوبِ والأعْظَى ، واحْذَرُوا سَخَطَ الْجَبّارِ فَإِنَّ أجْسامَكُم على النّار لا تَقْوى ، واعْلَمُوا أنّ منْ إكرامِ اللهِ تَعَالَى ، وَتَوْفِيقِهِ لِلعَبْدِ أَنْ يَـمُدَّ اللهُ فِي عُمُرِهِ , ثُمَّ يُهَيِّئَ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَقْبِضُهُ عَلَيْهِ, فَتَكُونُ خَاتِـمَتُهُ حَسَنَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى , وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ " قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ قَالَ : "يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ "
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نُعْمِهِ, فَالسَّعِيدُ مَنِ اْغْتَنَمَ مَوَاسِمَ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ, وَتَقَرَّبَ إِلَى مَوْلَاهِ بِمَا فِيهَا مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَاتِ, فَعَسَى أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ مِنْ تِلْكَ النَّفَحَاتِ, فَيَسْعَدُ بِهَا سَعَادَةً يَأْمَنُ بَعْدَهَا مِنْ النَّارِ وَمَا فِيهَا مَنَ اللَّفَحَاتِ ، هَذَا وَصَلُّوْا عَلَىْ اَلْبَشِيْرِ اَلْنَّذِيْرِ ، وَاَلْسِّرَاْجِ اَلْمُنِيْرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اَلْلَّطِيْفُ اَلْخَبِيْرُ ، فَقَاْلَ جَلَّ مِنْ قَاْئِلٍ عَلِيْمَاً : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) وَفِيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا "
المرفقات
هل
هل
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق