رمضان والقيام-12-9-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد محمد
رمضان والقيام-12-9-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عليهِ، وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ-لا خَوْفَ عليكَ ولا ضَرَرَ-، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا أُمُنا حَفْصَةُ-رضيَ اللهُ عنها-عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ"، فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا.
هكذا كانَ ميزانُ مدحِ الرِّجالِ عندَهم، "نِعْمَ الرَّجُلُ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ"، ولذلكَ كانوا يرونَ أنَّ تركَ قيامِ الليلِ خَصلةٌ مذمومةٌ، فيُحذِّرونَ منها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ".
ولا تعجبْ، فاللهُ ذكرَ مِنْ صفاتِ عبادِ الرَّحمنِ وعاداتـِهم: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبـِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ-عادةُ-الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ"، وقالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
وَمِن صِفَاتِ أهلِ الجنَّةِ: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فلم تـَهْنَأْ جنوبـُهم بالنومِ، لأنَّـهم يرجونَ ما عندَ اللهِ-تعالى-مِنَ الأَجرِ، (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّـهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِـمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، أخفَوا عملَهم في ظُلماتِ الليلِ، فأخفى اللهُ لهم الأجرَ الجزيلَ.
يا أهلَ الإيمانِ: هل تريدونَ محبةَ اللهِ-تعالى-؟ هل تريدونَ أن يضحكَ إليكم ويستبشرَ بكم؟ قَالَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ-عَزَّ وَجَلَّ-، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ"، وذكرَ منهم: "وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ"، علمَ أنَّ اللهَ لا يَنَامُ، فاشتغلَ لَهُ بالذِّكرِ والقيامِ.
إخواني: الشَّرفُ الحقيقيُ في الدُّنيا والآخرةِ في قيامِ الليلِ، جَاءَ جِبْرِيلُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-إِلَى النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ"، ثُمَّ قَالَ: "واعلمْ يا مُحَمَّدُ أنَّ شَرَفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّه استغناؤُهُ عن النَّاسِ".
فكيفَ كانَ قيامُ النَّبيِّ-صلى اللهُ عليه وسلمَ-؟ عن حُذَيْفَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بها في رَكْعَةٍ، فَمَضَى فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بها، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا-هَادِئًا مُتَمَهِلًا مُرَتِّلًا بلا سرعةٍ ولا استعجالِ-، إذا مَرَّ بِآيَةٍ فيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ.
أكثرُ من خمسةِ أجزاءٍ في ركعةٍ واحدةٍ، قراءةُ ترتيلٍ مع تسبيحٍ وسؤالٍ واستعاذةٍ.
عَنْ أُمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ-تتشققَ-قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: "أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا".
عن أسلمَ مولى عمرَ بنِ الخطابِ-رضي اللهُ عنهما-: أنَّ عمرَ-رضيَ اللهُ عنه-كانَ يُصلي مِنَ الليلِ ما شاءَ اللهُ أن يُصليَ، حتى إذا كانَ آخرُ الليلِ، أَيقظَ أهلَه وهو يَقولُ: الصَّلاةَ، الصَّلاةَ، ثُمَّ يتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
وهذا عُثمانُ بنُ عفانَ-رَضيَ اللهُ عنه-لما اجتمعَ عليه المُجرمونَ وأرادوا قَتلَه، قالتْ امرأتُه: إنْ تَقتلوه فإِنَّه كانَ يُحيي الليلَ كلَّه في ركعةٍ، يَجمعُ فيها القرآنَ.
قالتْ ابنةٌ لجارِ منصورِ بنِ المعتمرِ بعدَ وفاةِ منصورٍ: يا أَبتِ أينَ الخشبةُ التي كانتْ في سَطحِ منصورٍ قائمةً؟ قَالَ: يا بُنيَّةُ: ليستْ خشبةً، بلْ ذاكَ منصورٌ كانَ يقومُ الليلَ.
قالَ رَجلٌ للحسنِ: يا أبا سَعيدٍ، إني أَبيتُ مُعافى، وأُحبُّ قِيامَ الليلِ، وأُعدُّ طَهوري، فما بالي لا أَقومُ؟ فقالَ له الحَسنُ: قَيَّدتَك ذنوبُكَ.
اللهم اغفرْ لنا وللمسلمينَ ذنوبًا قيَّدتنا عن لذةِ القيامِ لك يا ربَّ العالـمينَ، واجعلنا والمسلمينَ من عبادِكَ الصّالحينَ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
ففي رمضانَ، شهرِ القيامِ والقٌرآنِ، يجتمعُ النَّاسُ في التَّراويحِ، يتعاونونَ على قيامِ الليلِ؛ لما فيه مِنَ الأجرِ العظيمِ، من اللهِ الغنيِ الكريمِ، قالَ النبيُ-عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"، فلا يخرجُ رمضانُ إلا وقد اعتادَ العبدُ القيامَ، فيفوزُ بخيري الدُّنيا والآخرةِ.
فينبغي للعبدِ أنْ يجعلَ هذا الشَّهرَ بدايةَ الانطلاقِ لمنافسةِ أهلِ الخيرِ أهلِ الليلِ، وأن يَصْبِرَ ويـُجاهِدَ نَفْسَهُ، فاللهُ-سبحانَه وتعالى-يقولُ: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)، يَقولُ ثَابتٌ البُناني-رحمَه اللهُ-: "جاهدتُ نفسي على قيامِ الليلِ عِشرينَ سنةً، ثم تلذذتُ به عِشرينَ سنةً"، وقالَ أبو سليمانَ الدَّاراني-رحمَه اللهُ-: "أهلُ الليلِ في ليلِهم ألذُ من أهلِ اللَّهوِ في لـَهْوِهِم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاءَ في الدُّنيا!"، فَأَجْمِلْ بها من لذةٍ! أسألُ اللهَ أنْ يـَمُنَّ علينا وعلى المسلمينَ بِـمِثْلِها.
اعلم يا خاطبَ الحورِ الحِسانَ، أنَّ المهرَ في رَكعاتٍ وآياتٍ من القرآنِ، قالَ مالكُ بن دينارٍ-رحمَه اللهُ-: كانَ لي أحزابٌ أقرؤُها كلَّ ليلةٍ، فنمتُ ذاتَ ليلةٍ، فإذا أنا في المنامِ بجاريةٍ ذاتِ حُسنٍ وجمالٍ، وبيدِها رِقعةٌ، فقالتْ: أتحسنُ أن تقرأَ؟ فقلتُ: نعم، فدفعت إلي الرِّقعةَ، فإذا فيها مَكتوبٌ:
لهاكَ النَّومُ عن طَلبِ الأماني*
وعن تِلكَ الأوانسِ في الجِنانِ
تعيشُ مـُخَلَّدًا لا موتَ فيها*
وتَلهو في الخِيامِ مع الحِسانِ
تَنبَّه من منامِك إِنَّ خيرًا*
من النَّومِ التَّهجدُ بالقُرانِ
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ ربَّنا تقبلْ منا والمسلمينَ، وتبْ علينا والمسلمينَ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1711032099_رمضان والقيام-12-9-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1711032099_رمضان والقيام-12-9-1445ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf