رمضان ميدان العمل
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الحَمْدُ للهِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ، الغَنِيِّ الكَرِيمِ؛ يُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِالخَيْرَاتِ، وَيَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابَ البَرَكَاتِ، وَيُعِينُهُمْ عَلَى فِعْلِ الحَسَنَاتِ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الحَمْدِ؛ فَالخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَى وَأَسْدَى؛ فَعَطَايَاهُ فِي خَلْقِهِ لَا تُعَدُّ، وَأَفْضَالُهُ لاَ تُحَدُّ؛ خَلَقَ عِبَادَهُ مِنَ العَدَمِ، وَأَمَدَّهُمْ بِالنِّعَمِ، وَهَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ، وَجَزَاهُمْ عَلَيْهِ بِالإِحْسَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ اللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ ظَرْفًا لِأَعْمَالِ العِبَادِ، وَكُلُّ عَامِلٍ يَجِدُ ثَمَرَةَ عَمَلِهِ أَمَامَهُ؛[فَمَن يَعۡمَلۡ
مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ]{الزَّلزلة:7-8}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِرَمَضَانَ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، وَيَجْتَهِدُ فِيهِ بِالطَّاعَاتِ، وَيَلْزَمُ المَسْجِدَ مُعْتَكِفًا فِي عَشْرِهِ الأَخِيرَةِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقْبِلُوا هَذَا الشَّهْرَ الكَرِيمَ بِتَجْدِيدِ التَّوْبَةِ وَكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، وَاعْمُرُوهُ بِأَفْضَلِ أَعْمَالِكُمْ، وَحَقِّقُوا فِيهِ مَا شُرِعَ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ التَّقْوَى؛[يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ
عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ
لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ] {البقرة: 183}.
أَيُّهَا النَّاسُ: فِي قَانُونِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا يَجِدُ كُلُّ عَامِلٍ أَثَرَ عَمَلِهِ، وَيَجْنِي ثَمَرَةَ كَدِّهِ وَسَعْيِهِ، وَالَّذِي لاَ يَعْمَلُ لاَ يَجْنِي شَيْئًا، وَالَّذِي يَرْتَزِقُ بِالجَرِيمَةِ يُعَاقَبُ بِجُرْمِهِ، وَالَّذِي يُحْسِنُ فِي عَمَلِهِ يَفْرَحُ بِكَسْبِهِ، وَيَجِدُ لَذَّةَ عَيْشِهِ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]كُلّ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{الإسراء:20}.
وَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ قَانُونَ النَّجَاحِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا مُعَلَّقًا بِأَسْبَابِ العَمَلِ وَالإِنْتَاجِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الفَلاحَ فِي الآخِرَةِ مُعَلَّقًا بِأَسْبَابِ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلا فَوْزَ فِي الآخِرَةِ بِلاَ إِيمَانٍ وَعَمَلٍ، بَلْ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ، وَالعَذَابُ الأَلِيمُ؛[مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءٗا يُجۡزَ بِهِۦ
وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا ١٢٣ وَمَن
يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ
فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا]{النساء:123-124}.
إِنَّ القُرْآنَ مَلِيءٌ بِالآيَاتِ الكَرِيمَةِ الَّتِي فِيهَا تَرْتِيبُ الجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ، وَأَنَّ عَمَلَ العَبْدِ سَبَبٌ لِرِبْحِهِ أَوْ خَسَارَتِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَجْنِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كَسَبَتْ يَدُهُ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَٱلۡيَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡٔٗا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{يس:54}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{المدَّثر:38}.
وَفِي القُرْآنِ تَصْرِيحٌ بِالجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ؛ سَوَاءٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَمْ فِي حَقِّ أَهْلِ النَّارِ:
فَفِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]لِّيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{سبأ:4}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:[فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ
ٱلۡمُحۡسِنِينَ] {المائدة:85}.
إِنَّهُمْ قَوْمٌ زَكُّوا قُلُوبَهُمْ بِالإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ، وَزَكُّوا جَوَارِحَهُمْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكَانَتِ الجَنَّةُ جَزَاءَ تَزْكِيَتِهِمْ؛ [جَنَّٰتُ عَدۡنٖ
تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ]{طه:76}.
وَجَزَاؤُهُمْ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ جَزَاءٌ كَبِيرٌ عَظِيمٌ، لَمْ تَرَهُ عَيْنٌ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ تَسْمَعْ بِهِ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُن[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٖ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{السجدة:17}.
وَقَدْ يَغْتَرُّ المُسْتَغْنُونَ بِأَمْوَالِهِمُ، المُسْتَقْوُونَ بِأَوْلادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنَفَى اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ إِلاَّ الإِيمَانُ وَالعَمَلُ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ يُجَازَى بِأَضْعَافِ مَا كَانَ يَعْمَلُ؛ فَضْلاً مِنَ اللهِ تَعَالَى وَكَرَمًا؛ [وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ
عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ جَزَآءُ
ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمۡ فِي ٱلۡغُرُفَٰتِ ءَامِنُونَ] {سبأ:37}؛ ثُمَّ زَادَهُمْ فَأَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا عَمِلُوا؛ [جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً
حِسَابٗا]{النَّبأ:36}.
وَالنِّيَّةُ الصَّالِحَةُ مَعَ العَمَلِ هِيَ السَّبَبُ لِبُلُوغِ هَذَا الأَمَلِ، وَهُوَ الأَمَلُ فِي رِضَا اللهِ تَعَالَى وَجَنَّتِهِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَنْ عَمِلَ لِلنَّاسِ وُكِلَ إِلَيْهِمْ لِيَجْزُوهُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَنْ يَجْزُوهُ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى جَزَاءَ الطَّائِعِينَ ذَكَرَ مِنْ أَوْصَافِهِمْ إِطْعَامَ الطَّعَامِ، وَلَكِنَّ إِطْعَامَهُمْ لَيْسَ لِأَجْلِ ثَوَابِ البَشَرِ؛ أَوْ لِيُقَالَ: مَا أَغْنَاهُمْ! وَمَا أَكْرَمَهُمْ! وَمَا أَجْوَدَهُمْ! بَلْ هُوَ للهِ تَعَالَى:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{الإنسان:9}، وَتَكْثُرُ فِي رَمَضَانَ أَوْجُهُ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، فِي مَدِّ مَوَائِدِ الإِفْطَارِ، فَلْيَحْذَرْ مَنْ يَبْذُلُونَ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاءِ، فَلاَ جَزَاءَ إِلاَّ بِإِخْلاصٍ.
وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى يُجْعَلُ الصَّبْرُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الطَّاعَةِ وَالكَفَّ عَنِ المَعْصِيَةِ يَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ؛[أُوْلَٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ
وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا] {الفرقان:75}،/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةٗ وَحَرِيرٗا[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{الإنسان:12}.
فَإِحْسَانُهُمْ لاَ يُضَيِّعُهُ اللهُ تَعَالَى:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{الزُّمر:34}، وَيَجْرِي فِيهِمْ قَانُونُ المُجَازَاةِ عَلَى الإِحْسَانِ:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ[/font][/color][font=al-quranalkareem][font=times new roman{الرَّحمن:60}.
وَالجَزَاءُ عَلَى الأَعْمَالِ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي أَصْحَابِ النَّارِ، فَلَمْ يَظْلِمْهُمُ اللهُ تَعَالَى حِينَ عَذَّبَهُمْ، بَلْ عَامَلَهُمْ بِعَدْلِهِ وَهُوَ الحَكَمُ العَدْلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَجَازَاهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا؛[وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ
يَعۡمَلُونَ]{الأعراف:147}، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ جَزَاءَهُمْ مُقَابِلٌ لِكُفْرِهِمْ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]جَزَآءٗ وِفَاقًا[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{النَّبأ:26}؛ أَيْ: جَزَيْنَاهُمْ جَزَاءً وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي المُنَافِقِينَ:[ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ
يَكۡسِبُونَ]{التوبة:95}.
وَلَمَّا قَالَ الشَّيْطَانُ فِي آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ:[أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي
كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ
ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا] {الإسراء:62}، قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُ:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٱذۡهَبۡ فَمَن تَبِعَكَ مِنۡهُمۡ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمۡ جَزَآء[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] مَّوۡفُور[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا[/font][/color][font=al-quranalkareem][font=times new roman {الإسراء:63}.
وَكَمَا جُزِيَ أَهْلُ الإِحْسَانِ بِإِحْسَانِهِمْ، فَكَذَلِكَ جُزِيَ أَهْلُ السُّوءِ بِإِسَاءَاتِهِمْ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs] وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّئَِّاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۢ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِم[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٖ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَع[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][/color][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ[/font][/color][font=al-quranalkareem][font=times new roman {يونس:27}.
وَفِي الجَمْعِ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ:[ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي
ٱلۡأَرۡضِ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ
بِٱلۡحُسۡنَى] {النَّجم:31}.
وَمِنْ قَانُونِ جَزَاءِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ يَكُونُ كَرِيمًا مَعَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ فَيَجْزِيَهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَحْسَنُ أَعْمَالِهِمْ هُوَ تَوْحِيدُهُ سُبْحَانَهُ؛ /font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَئَِّاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{العنكبوت:7}.
وَمِنْ عَدْلِهِ مَعَ الكَافِرِينَ أَنَّهُ لاَ يَجْزِيهِمْ إِلاَّ بِأَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ لِشِدَّةِ مَقْتِهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، يَجْزِيهِمْ بِأَسْوَأِ أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ الكُفْرُ بِهِ سُبْحَانَهُ؛/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابٗا شَدِيدٗا وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{فصِّلت:27}.
فَاللهُ تَعَالَى مُحْسِنٌ إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ فِي الجَزَاءِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ إحْسَانًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِالْأَمْرِ بِهَا؛ وَالْإِرْشَادِ إلَيْهَا، وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ إحْصَائِهَا ثُمَّ تَوْفِيَةِ جَزَائِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ؛ إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ.
وَلَيْسَ جَزَاؤُهُ لِعِبَادِهِ بِالجَنَّةِ ثَمَنًا لِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الجَنَّةَ لاَ ثَمَنَ لَهَا؛ وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ عَلَى العِبَادِ فِي الدُّنْيَا نِعَمًا تَرْبُو عَلَى أَعْمَالِهِمْ مَهْمَا بَلَغَتْ، وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ سُبْحَانَهُ اقْتَضَتْ أَنْ تَكُونَ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ سَبَبًا لِرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، الَّتِي يَنَالُهَا أَهْلُهَا بِرَحْمَتِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَهُمْ، وَلاَ يَنَالُونَهَا بِمُجَرَّدِ أَعْمَالِهِمْ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُغْدِقَ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْ يَشْمَلَنَا بِعَفْوِهِ، وَأَنْ يَسَعَنَا بِرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ، إِنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا؛ فَإِنَّكُمْ مَجْزِيُّونَ بِأَعْمَالِكُمْ؛[إِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقًّاۚ إِنَّهُۥ
يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجۡزِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ
ٱلصَّٰلِحَٰتِ بِٱلۡقِسۡطِۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ شَرَابٞ مِّنۡ حَمِيمٖ
وَعَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡفُرُونَ] {يونس:4}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: رَمَضَانُ مَيْدَانٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فَسِيحٌ، وَسُوقٌ لِلْآخِرَةِ كَبِيرٌ، وَأَرْبَاحُهُ مَضْمُونَةٌ، وَالأَعْمَالُ فِيهِ مَحْفُوظَةٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَإِنَّمَا تُفَتَّحُ فِي رَمَضَانَ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَتُغَلَّقُ أَبْوَابُ النَّارِ، بِسَبَبِ مَا يَقُومُ بِهِ العِبَادُ مِنْ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ تُرْضِي اللهَ تَعَالَى، فَيَرْضَى سُبْحَانَهُ عَنْ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ فِيهِ.
إِنَّ رَمَضَانَ مَيْدَانٌ لِجُمْلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَصِيَامُهُ فَرِيضَةٌ، وَالصَّوْمُ مِنْ أَجَلِّ الأَعْمَالِ؛ إِذْ يَدَعُ الصَّائِمُ شَهَوَاتِهِ للهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ:«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»؛رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ الصَّدَقَةُ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ».
وَمِنَ الصَّدَقَةِ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَسَقْيُ المَاءِ، «وَمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ»؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ.
وَهُوَ شَهْرُ القُرْآنِ بِنَصِّ القُرْآنِ:/font][/font][color=black][font=kfgqpc uthmanic script hafs]شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ[/font][/color][font=times new roman][font=al-quranalkareem{البقرة:185}، وَكَانَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- يُدَارِسُ فِيهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّةِ قِرَاءَةِ القُرْآنِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفِي لَيْلِهِ تَعُجُّ مَسَاجِدُ المُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِالقُرْآنِ، يُصَلُّونَ التَّرَاوِيحَ.
وَلِقِيَامِ رَمَضَانَ مَيْزَةٌ عَلَى سَائِرِ لَيَالِي العَامِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَفِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ القَدْرِ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ قَامَهَا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ.
وَالعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ لَيْسَتْ كَالعُمْرَةِ فِي غَيْرِهِ؛ إِذْ تَعْدِلُ العُمْرَةُ فِيهِ حَجَّةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَكُلُّ هَذِهِ الأَعْمَالِ الكَبِيرَةِ بِأُجُورِهَا العَظِيمَةِ لَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَمَضَانَ مَيْدَانٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمَوْسِمٌ مِنْ مَوَاسِمِ اللهِ تَعَالَى، يُفِيضُ فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَلا يُضَيِّعُهُ إِلاَّ ضَائِعٌ، وَلاَ يُفَرِّطُ فِيهِ إِلاَّ جَاهِلٌ، فَاسْتَقْبِلُوهُ خَيْرَ اسْتِقْبَالٍ، وَأَرُوا اللهَ تَعَالَى فِيهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، وَاعْمُرُوهُ بِالطَّاعَاتِ، وَاجْتَنِبُوا مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَالغَفْلَةِ وَالشَّاشَاتِ؛ فَإِنَّهَا تَسْرِقُ أَوْقَاتَ النَّاسِ وَأَعْمَالَهُمْ، وَتَأْكُلُ حَسَنَاتِهِمْ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
[جَزَاءً_بِمَا_كَانُوا_يَعْمَلُونَ].doc
[جَزَاءً_بِمَا_كَانُوا_يَعْمَلُونَ].doc
خط حفص.zip
خط حفص.zip
المشاهدات 3996 | التعليقات 5
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
جزاك الله يا شيخ إبراهيم ونفع الله بما كتبت والله إننا نستفيد من خطبكم فائدة عظيم
أسأل الله أن لا يحرمكم الأجر ..
لكن هناك ملاحظة في تنسيق الموضوع ..
وهي في كتابة الآيات تكون غير واضحة ويبدو أن السبب بتغيرك لنوعية الخط
فلعل الأمر يتدارك في الخطب القادمة و تكون واضحة .
جزاك الله تعالى خيرا أخ شبيب على مرورك وتقبل دعاءك..
وجزاك الله تعالى خيرا أبا اليسر على مرورك وتقبل دعاءك..
وبالنسبة لملاحظتك أبا اليسر هي بسبب أني اعتمدت الرسم العثماني الصادر من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة بخط حفص ولعله ليس في جهازك، لذا لا تخرج الآيات بشكل سليم، وحاولت أن أرفق ملفا بالخطبة وهي غير مشكولة وتكون الآيات بخط المصحف المساعد لكن ما استطعت ذلك ولعل أحد الشيخين الكريمين ماجد أو مازن يرفقان هذا الملف وقد وصلهما، ويضعان رابط تحميل خط حفص ومعه مصحف المدينة فإن ذلك من خدمة الخطباء والتيسير عليهم، وهما لا يدخران وسعا في هذا المجال أجزل الله تعالى لهما المثوبة وجزاهما عن الخطباء خير الجزاء.. آمين
وإياك أخي الكريم الشمراني، ونفع الله تعالى بك..
الشمراني الشمراني
تعديل التعليق