رمضان قرب رحيلك

محمد بن سليمان المهوس
1439/09/23 - 2018/06/07 01:47AM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ للهِ ، وَاسِعِ اَلْفَضْلِ وَاَلْإِحْسَانِ ، اَلْكَرِيمِ اَلْمَنَّانِ ، يُضَاعِفُ اَلْحَسَنَاتِ لِأَهْلِ اَلْإِيمَانِ ، وَيَغْفِرُ اَلْذُّنُوبَ لِلتَّائِبِينَ مِنَ اَلْعِصْيَانِ ، أَحْمَدُهُ مِنْ إِلَهٍ ، أَمَرَ بِعِبادَتِهِ وَتَوْحِيِدِهِ  ، وَوَعَدَ مَنْ أَخْلَصَ لَهُ بِالْجِنَانِ
هِلَالُ النُّورِ مَالَ إِلَى الْـمُحَاقِ         وشهرُ الْـخَيْرِ آذَنَ بِالفِرَاقِ
مَضَتْ عَشْرٌ فَعَشْرٌ مُسْرِعَاتٍ        وَعَشْرٌ أَسْرَجَتْ ظَهْرَ البُرَاقِ
مَضَى الثُّلْثَانِ يَا قَلْبَاهُ فَالْـحَقْ       عَلَى الثُّلْثِ الأَخِيرِ مِنْ السِّبَاقِ أَمَامَكَ لَيْلَةٌ عَنْ أَلْفِ شَهْرٍ            مُخَبَّأَةٌ لَدَى العَشْرِ البَوَاقِي
 رَجَوْتُكَ يَا إِلَهَ الْكَوْنِ ثَوْبًا           يُوَارِي سَوْءَتِي يَوْمَ الْـمَسَاقِ 
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / رَمَضَانُ أَذِنَ عَلَى الرَّحِيلِ, وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ مِنْ تَاجِ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ, بَقِيَّةٌ مِنْ عَشْرِهِ الأَوَاخِرِ، وَالَّتِي كَانَتْ جُلَّ اِهْتِمَامِ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ, وَسَلَفَةِ الصَّالِحَيِنِ, تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَتَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :"كَانَ رَسُولُ اللهِ يَجْتَهِدُ فِي رَمَضَانَ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ , وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْهُ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَهَذَا شَامِلٌ بِالاِجْتِهَادِ فِيهَا بِكُلِّ طَاعَةٍ وَكُلِّ عِبَادَةٍ تُقَرِّبُ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا كَتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ, وَالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةِ وَالاِعْتِكَافِ وَالصَّدَقَةِ , وَبَذَلِ الخَيْرِ ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ, وَالإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِ اللهِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ, وَقَدْ كَانَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَتَفَرَّغُ فِي هَذِهِ العَشْرِ لِتِلْكَ الأَعْمَالِ ، فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا الاِقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ, كَمَا يَنْبَغِي العِنَايَةُ بِإِيقَاظِ الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ, وَحَثِّهِمْ وَتَشْجِيعِهِمْ; لِيُشَارِكُوا الْـمُسْلِمِينَ فِي إِظْهَارِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ, وَيَشْتَرِكُوا مَعَهُمْ فِي الأَجْرِ, وَيَتَرَبَّوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُ / يَا مَنْ وَفَّقَكَ اللهُ وَأَعَانَكَ فِيِهِ بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَعَمَلِ الطَّاعَاتِ فَاحْمَدِ الله تَعَالَى أَنْ وَفَّقَكَ وَأعَانَكَ , فَمَا عَمِلْتَ إِلَّا بِتَوْفِيقِ رَبِّكَ, فَلُولَا اللهُ مَا اهْتَدَيَتَ وَلَا صُمْتَ وَلَا صَلَّيَتَ (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) وَاعْلَمْ أَنَّ العِبْرَةَ فِي الأَعْمَالِ لَيْسَتْ بِكَثْرَتِـهَا وَلَا بِصُوَرِهَا بَلْ بِقَبُولِ اللهِ لَهَا وَعَدَمِ رَدِّهَا, فَالخَوْفُ مِنْ حُبُوطِ العَمَلِ وَسُوءِ الحِسَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَاحِدٌ مَنْ أَعْظَمِ أَعْمَالِ القُلُوبِ الَّتِي أَقَضَّتْ مَضَاجِعَ الصَّالِحَيِنَ, وَأَرَّقَتْ مَنَامَ الأَوْلِيَاءِ الْـمُتَّقِينَ, وَسَالَتْ لِأَجَلِهَا دُمُوعُ العَابِدِيِنَ الَّذِينَ وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَهُمْ بِالوَجَلِ, وَزَكَّاهُمْ بِالْـمُسَارَعَةِ إِلَى خَيْرِ العَمَلِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ (الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ ؟ قَالَ : " لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ ، وَيُصَلِّي ، وَيَتَصَدَّقُ ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ "
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ كَثِيِرٍ فِي تَفْسِيِرِهِ
قَالَ الفَضِيلُ بِنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ : "مَنْ خَافَ اللهَ دَلَّهُ الخَوْفُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ" فَسَلُوا رَبَّكُمْ قَبُولَ أَعْمَالِكُمْ ، وَالْعَفْوَ عَنْ زَلَلِكُمْ وَتَقْصِيرِكُمْ, وَشَمَّرُوا عَنْ سَوَاعِدِ الجِدِّ بِاِسْتِغْلَالِ مَا تَبَقَّى مِنْ هَذَا الشَّهْرِ, فَمَنْ فَرَّطَ فِيمَا مَضَى فَقَدْ بَقِيَ فِي الشَّهْرِ بَقِيَّةٌ, وَهِيَ أَفْضَلُ الأَيَّامِ, وَالأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ, بَقِيَتْ لَيَالٍ حَرِيَّةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِنْهَا لَيْلَةُ القَدَرِ, الَّتِي هِيَ كَثِيرَةُ البَرَكَاتِ, عَزِيزَةُ السَّاعَاتِ, القَلِيلُ منَ العَمَلِ فِيهَا كَثِيرٌ, وَالكَثِيرُ مِنْهُ مُضَاعَفٌ ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ )
اَللَّهُمَّ اشْمَلْنَا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ, اَللَّهُمَّ إنا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا، اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمَقْبُولِيِنَ يَا رَبَّ الْعَالَمِيِنَ ، بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ اَلْثَّاْنِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَى إِحْسَانَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيِمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ / اتَّقُوْا اللَّهَ تَعَالَى, وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ, وَاسْتَدْرِكُوا تَقْصِيرَكُمْ فِيِمَا تَبَقَّى مِنْ شَهْرِكُمْ ،وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا شَرَعَ اللهُ لَكُمْ فِي خِتَامِ شَهْرِكُمْ صَدَقَةَ الفِطَرِ لِتَكَوُنَ آيَةً عَلَى الشُّكْرِ، وَسَبَبًا لِتَكْفِيرِ الإِثْمِ وَالْوِزْرِ، وَتَحْصِيلِ عَظِيمِ الأَجْرِ، وَطُعْمَةً لِلمَسَاكِينِ، وَمُوَاسَاةً لِفُقَرَاءِ الْـمُسْلِمِينَ, وَهِيَ تَلْزَمُ كُلَّ مُسْلِمٍ يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوةِ أَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُمْ, وَهِيَ صاعٌ مِنْ طَعَامٍ تـُخْرَجُ عَنِ الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالذِّكَرِ وَالأُنْثَى وَالحَرِّ وَالعَبْدِ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ, وَأَفْضَلُ وَقْتٍ لِإِخْرَاجِهَا قَبْلَ صَلَاةِ العِيدِ, وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ, وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ صَلَاةِ العِيدِ, وَتُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ الثَّمَانِيَةِ .
فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِمَا شَرَعَ لَكُمْ, وَاُكْثِرُوا مِنْ التَّكْبِيرِ لَيْلَةَ العِيدِ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَشُكْرًا لَهُ عَلَى التَّمَامِ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :(وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .
 
المرفقات

رحيله

رحيله

المشاهدات 3107 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا