رمضان فرصة للتغيير مختصرة من كتاب للشيخ الهبدان مع تصرف وصياغة بما يناسب الخطبة

عبدالرحمن اللهيبي
1436/09/16 - 2015/07/03 03:15AM
الحمد لله الذي هيأ لعباده أسباب الهداية ، ويسر لهم دروب الخير والاستقامة ،وفتح لهم أبواب رحمته ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد :
أيها المسلمون: هاهو رمضان قد أقبل بنوره وعطره ، وجاء بخيره وطُهره ، جاء ليربي في الناس قوة الإرادةِ على الخير , والعزيمةَ على الرشد، والقدرةَ على كسر الشهوات , ويربي فيهم ملكةَ الصبر ، ويعودُهم على احتمال الشدائد ، والوقوفِ أمام حدود الله .
فرمضان يا مسلمون مدرسة تربوية يتدرب فيها المسلم المؤمن على تقوية الإرادة في تعظيم الحرمات ، والتسليمِ لحكم رب الأرض والسموات ، محققا بذلك التقوى التي أرادها الله من صيام هذا الشهر, ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))
إن شهر رمضان فرصة عظيمة ، للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات ، واستدراك ما هو آت ، قبل أن تحُلَ الزفرات ، وتبدأ الآهات ، وتشتد السكرات. كيف لا وفي هذا الشهر تصفد شياطين الجن , وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ويغفر الله الذنوب, ويعتق الله الرقاب من النار , فأسباب التغيير لأنفسنا في هذا الشهر مهيأة ، والأبواب مشرعة ,وما بقي إلا العزيمة الصادقة ، والإرادة الجادة , والصحبة الصالحة , والاستعانة بالله .
• أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مفرطاً في صلاته ، فلا يصليها مطلقاً ، أو يؤخرها عن وقتها , أو يتخلف عن أدائها جماعة في المسجد .
ألا فليعلم المتهاون في صلاته ، أنه يرتكب خطأً قاتلاً ، وتصرفاً مهلكاً ، وإن لم يتدارك نفسه ، فهو آيل لا محالة إلى نهاية بائسة ، وليلٍ مظلم ، وعذابٍ مخيف ، جاء في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي  في الرؤيا قال :" أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " رواه البخاري.
إن التهاون بأمر الصلاة والاستخفاف بها ، خطأ فادح بكل المقاييس ، وجناية مخزية بكل المعايير . لا ينفع معها ندم ولا اعتذار ,وذلك حينما تُسأل فردا بين يدي الواحد القهار .
يا أيها الصائم إني أدعوك ونفسي بكل شفقة وإخلاص ، أدعوك والألم يعتصر قلبي خوفاً عليك ورأفة بك ، أدعوك إلى مراجعة نفسك ، وتأمل أوضاعك قبل فوات الأوان لا يغرك ما أنت فيه من الصحة والعافية والشباب والقوة ، فما هي إلا سراب بقيعة ، يحسبه الظمآن ماءً ، فالصحة سيعقبها السقم ، والشباب يعقبه الهرم ، والقوة آيلة إلى الضعف ، ولكن أكثر الناس لا يتفكرون .
فاستيقظ أيا الصائم من غفلتك ، وتنبه من نومتك ، فالحياة قصيرة وإن طالت ، والفرحة ذاهبة وإن دامت ، واجعل من رمضان فرصة للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة ، فقد وفقك الله في هذا الشهر للصلاة مع الجماعة ، وإلف المساجد والإقبال على الطاعة , فاستعن بالله تعالى ، واعقد العزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بداية للمحافظة على الصلاة مع الجماعة ، والتبكير إليها في أول ساعة يقول الله تعالى في وصــف المؤمنين: { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ } ويقول سبحانه : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ }
• أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله بتعاطي الحرام ، من المخدرات أو الدخان ، لقد امتلك في رمضان تلك العزيمة التي جعلته يمسك طوال ساعات النهار فألله ألله أن يفعل بعد إفطاره ما يخرم هذه العزيمة القوية ، فيهدم في ليله ما بناه في نهاره ويمسح ما كتب من حسناته.
أخي الصائم يا من ابتلاه الله بالتدخين : إني أشجع فيك إيمانك العظيم ، ويقينك بالله الكريم . فمن الذي جعلك تمتنع عن تعاطي هذه السموم في وقت الصيام إلا خوفُك من العظيم الجبار ، ومراقبتُك للواحد القهار . فشعورك بنظر الله إليك ، واطلاعه عليك، صرفك عن تعاطي الحرام في وقت الصيام
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلــوت ولكن قل عليّ رقيب
وإني لأتساءل بصدق . . الإرادة التي استطاعت أن تصوم عن الطعام والشراب الذي لا غنية للجسد عنه لأكثر من اثنتي عشرة ساعة ، أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية في ترك ما لا فائدة للجسد فيه فضلا عن ما فيه من الضرر ؟!! أين العزيمة القوية التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء ، لهذه الفترة الطويلة أثناء النهار . . أتنهار في آخر لحظات الإسفار ، وإرخاء الليل الستار
أين الهمة التي لا تقف أمامها الجبالُ الشامخات ؟ وأين العزيمة التي لا تصدها العاتيات !! استعن بالله يا أُخي على ترك هذا البلاء ، فالنصر صبر ساعة ، والفرج قريب ، وإن الله مع الصابرين (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
• أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن هجر القرآن قراءة وتدبراً ، وحفظاً وعملاً حتى أصبح القرآن نسياً منسياً ، فاجعل من شهر القرآن بداية للتغيير ، رتب لنفسك جزءاً من القرآن ، لا تنفك عنه بأي حال من الأحوال ، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ، وقليل دائم ،خير من كثير منقطع ، ولا تنس الفضل الجزيل لمن قرأ كلام الله الجليل يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " كم أن القرآن يشفع لك يوم القيامة حتى يدخلك الجنة بهذا صح الخبر عن سيد البشر 
ومن المفارقة العجيبة ، أن يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن ، ما لا ندركه ، وأن يعملوا جاهدين على طمس معالمه ، ومحو آثاره في العباد والبلاد ، لخوفهم الشديدَ من عودة الأمة إلى هذا القرآن الذي يؤثر في النفوس ، ويبعث فيها العزة والكرامة
يقول غلادستون : مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين ، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ، ولا أن تكون هي نفسها في أمان ، وكان نشيد جيوش الاستعمار :أنا ذاهب لسحق الأمة الملعونة ، لأحارب الديانة الإسلامية ، ولأمحو القرآن بكل قوتي .
• أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان قليلَ الصبر ، سريعَ الغضب ، أن يتعلم منه الصبرَ والأناة . فأنت الآن تصبر على الجوع والعطش والتعبِ والنصب ساعاتٍ طويلة ، ألا يمكنك - أيضاً - أن ترب نفسك في شهر الصبر . على تحمل سوء أخلاق الناس وفظاظة تصرفاتهم ، وما يفعلونه تجاهك من أخطاء ، ليكن شعـارك الدائم في هذا الشهر .{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء " وفي حديث آخر ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة فليكن هذا الشهر بداية لأن يكون الصبر شعارنا ، والحلم والأناة دثارنا.
• أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله بقسوة القلب ، فلا تدمع له عين ولا يخشع له قلب , أن ينتهز فرصة هذا الشهر الذي تكون للنفوس فيه صولة . . وللقلوب فيه جولة . . فيحرص على ترقيق قلبه ، ومن أعظم ما يحقق ذلك ترك الذنوب التي هي حاجبةُ القلوب عن علام الغيوب . قال عليه الصلاة والسلام : " تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " رواه مسلم .
ولله در القائل :
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذلَّّ إدمانهـا
وترك الذنوب حياةُ القلوب *** وخـير لنفسك عصيانهـا

أيها الصائمون :من أراد رقة القلب والسعادة فليلزم عتبة العبادة ، وليجتنب الإساءة .. يقول الحسن البصري رحمه الله : ( إذا لم تقدر على قيام الليل ، ولا صيام النهار ، فاعلم أنك محروم ، قد كبلتك الخطايا والذنوب ) وليكن لك ما بين فينة وأخرى زيارة للمقابر ، تتأمل في أحوال أصحابها ..فإن القوم فيها صرعى ، والدود في عيونهم يرعى عن الحديث سكتوا ، وعن السلام صمتوا ، الظالم بجانب المظلوم ، والمنتصر بجانب المهزوم ، ذهب الحُسْن والجمال ، والجاه والمال ، وبقيت الأعمال ..أموات يتجاورون ولا يتزاورون .
سكتوا وفي أعماقهم أخبارُ وجافاهم الأصحاب والزوار
وتغيرت تلك الوجوه وأصبحت بعد الجمال على الجُفون غبار
فماذا أعددتم لهذا الموقف يا صائمون ؟ يقول الله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} أقول قولي هذا ............
• أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام بأكله الربا أو التلاعب في البيع والشراء أو بيع المحرمات من دخان ومجلات فاسدة ، أو بيع العباءات المحرمة ، أو الملابس النسائية الفاضحة أو أشرطة غنائية أو أشرطة الفيديو الساقطة أو الأطباق السوداء ، أن يغير من حاله ، وأن يبدل من شأنه ، وأن يدع أكل الحرام . فإن الله تعالى يحاسب على النقير والقطـمير .فحـذار حذار من الله الواحد القهار!! يقول المصطفى المختار: " لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به "رواه ابنُ حبان وصححه.
هل يسرك يا من تغذى جسدُك بالحرام أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم في صلاة التراويح والقيام يدعون الله تعالى ، ويستغيثون به ، ويسألونه من فضله ورحمته وجوده وبره فيستجاب لهم ..وأنت ترد عليك دعوتُك ؟!! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، يا رب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ،فأنى يستجاب لذلك "
• أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مذنباً ومسرفاً على نفسه بالخطايا والموبقات يسمع الأغنيات ، ويشاهد القنوات بصورها الفاضحات ،ويتابع المسلسلات ويسهر على الموبقات ، ويعاقر المنكرات ، أن يسارع إلى الإنابة ، ويبادر إلى الاستقامة قبل زوال النعم ،وحلـول النقم ، فهنالك لا تقـال العثرات ، ولا تستدرك الزلات .. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ويكفي التائبين فخراً وعزاً ورفعة وشرفاً أن الله تعالى قال : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } أليس من فالتوبة ..التوبة ..يا صائمون فهي شعار المتقين ..ودأب الصالحين ..وحلية المؤمنين
فبادر يا رعاك الله بالتوبة النصوح في هذا الشهر المبارك ،وليكن رمضان هذا العام يختلف عن رمضان فيما مضى من الأعوام ,
جعلني الله وإياك ممن فاز بالرضا والرضوان والفوز بالجنان والنجاة من النيران .
المشاهدات 1550 | التعليقات 0