رمضان فرصة للتغيير ( خطبة قصيرة ومشكلة )

الشيخ نواف بن معيض الحارثي
1444/09/09 - 2023/03/31 00:02AM

خطبة رمضان فرصة للتغيير

الحمدُ للَّـهِ غافرِ الذنبِ، وقابِلِ التَّوْبِ، شديدِ العقابِ، ذي الطَّوْلِ لا إله إلَّا هو، إليه المَصيرُ، والصَّلَاةُ والسَّلَامُ على السِّرَاجِ المُنِيرِ، والبشيرِ النَّذِيرِ، وعلى آلِه وصحبِه الأبرارِ، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ القَرَارِ.

  أَمَّا بعدُ: فأوصيكم ونفسي ....

 إخوةَ الإيمان: التغيُّر والتغييرُ سُنةٌ كونيَّة، وإرادةٌ إلهيَّة؛ فطبيعةُ الحياةِ في تقلُّبٍ وتبدُّل، وتغيرٍ وتلوُّن، وسُنَّةُ التغيُّرِ في بني الإنسان هي واقعٌ مشهود ،      وحالٌ منشود، فأنتَ أنت -يا عبدَ الله- لستَ أنت قبلَ خمسِ سنواتٍ، وأنتَ اليومَ لستَ أنتَ بعد سنين، وصدقَ الحقُّ في علاه (لتركبنَّ طبقاً عن طبق) أي :حالاً بعدَ حالٍ، فالإنسانُ في دنياه متغيِّرٌ من حالٍ إلى حال( اللهُ الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعدِ قوةٍ ضعفاً وشيبةً) والكلُّ في هذه الحياةِ يسعى؛ إما إلى الأحسنِ، وإمَّا إلى الأسوأ، : كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا أَوْ مُعْتِقُهَا. يقول ابنُ القيم : "ليس في الشريعةِ ولا في الطبيعةِ توقُّفٌ البتَّة،

 فإذا شَغلَ العبدُ وقتَهُ بعبودية، تقدَّمَ إلى ربِّه، وإن شغلَهُ هوى أو راحةٌ أو بطالةٌ، تأخَّر؛ فالعبدُ لا يزالُ بين تقدُّمٍ وتأخُّر؛ قال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) . أ.هـ.

 عباد الله: إنَّ تغييرَ ما بالنَّفْسِ من المَعاصي سببٌ لخيرِ الدُّنيا والآخـرةِ، فإذا غيَّرَ المَرءُ ما بنفسِه من المَعاصي غيَّر اللَّـهُ حالَه من الشَّقاءِ إلى السعادةِ والسُّرُورِ، وقد وعَدَ اللَّـهُ عبادَه بذلك، فقال(إِنَّ ٱللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم)

  وإنَّ رمضانَ فرصةٌ سانِحَةٌ لتغييرِ ما بالنَّفْسِ، وذلك لأسبابٍ عديدةٍ: منها: أنَّ أبوابَ الجَنَّةِ تُفَتَّحُ فيه، وأبوابَ النَّارِ فيه تُغَلَّقُ، وهذا يُغْرِي المَرءَ بالإقبالِ على نعيمِ الجَنَّةِ بعَمَلِ الصالحاتِ، والإدبارِ عن عذابِ النَّارِ باجتنابِ السيِّئاتِ. 

ومن الأسبابِ المُعِينةِ على تغييرِ ما بالنَّفْسِ في رمضانَ: أنَّ الشياطينَ تُقَيَّدُ فيه، تلكمُ الشياطينُ التي لطالَ ما زيَّنت للنَّفْسِ الشَّرَّ، فتقييدُها في رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ لتغييرِ ما بالنَّفْسِ من شَرِّها.

 ومن الأسبابِ المُعِينةِ على تغييرِ ما بالنَّفْسِ في رمضانَ: أنَّ الصيامَ يقي صاحبَه شهوةَ الفَرْجِ المُحرَّمةَ؛ بل يقي مَن أقامَه حقيقةً من جميعِ الشهواتِ، قال ﷺ: «الصيامُ جُنَّةٌ» متفقٌ عليه.

ومن الأسبابِ المُعِينةِ على تغييرِ ما بالنَّفْسِ في رمضانَ: كثرةُ العاملينَ فيه، والمَرءُ يَنْشَطُ إلى الخيرِ إذا رأى كثرةَ المُقْبِلِين عليه، والسَّاعِين إليه .

معاشرَ المُؤمنين: إنَّ هذه الأسبابَ-وغيرَها من الأسبابِ- تجعلُ رمضانَ أعظمَ فرصةٍ لتغييرِ ما بالنَّفْسِ من السُّوءِ، والتوبةِ إلى اللَّـهِ.

 فمَن لم يتغيَّر في رمضان، متى يتغيَّر؟! ومَن لم يتبْ في مَوْسم الغفران، فمتى عساه أن يتوب؟! ومَن لم يُقبِل على ربِّه في شهر الرحمات، فمتى يُقبل؟! ومَن لم يَرْجِعْ في رمضانَ، فمتى عساه أن يَرْجِعَ ويَؤُوبَ ؟!

يا ذا الذي ما كفاه الذَّنْبُ في رَجَبٍ * حتى عصى ربَّه في شهرِ شَعْبَانِ

لقد أظلَّك شَهْرُ الصَّوْمِ بعدَهما * فلا تُصَيِّرْه -أيضاً- شهرَ عصيانِ

عبادَ اللَّـهِ: أولُ ما نبدأُ به في تغييرِ النفس (تصحيحُ النية)، أن نُغيِّر أوضاعَنا، ونُصحِّحَ أحوالنا؛

ابتغاءَ مرضاتِ الله، ورجاءَ نوالِه وأعطياتِه  وإذا صَحَّح العبدُ نيتَه، وأراد وجهَ ربِّه، أُجِرَ على هذه النيةِ الخَيِّرة، والبدايةِ الصالحة، وهذه النيَّـةُ الطيِّبةُ لها دَورُها في إصلاح النفس، وأثرُها في تكفير الخطايا وإن كَبُرتْ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنوعُ الواحدُ من العملِ قد يفعُله الإنسانُ على وجهٍ يكملُ فيه إخلاصُه وعبوديتُه لله، فيغفرُ اللـهُ به كبائرَ الذنوب؛ كما في حديث البطاقة".

أيها الصائمون: كم واحدٌ منا يتمنَّى أن يُغيِّرَ حالةَ الشقاءِ التي يعيشُها، وشؤمِ المعصيةِ التي جثمتْ على حياته، كم فكَّر وفكَّر، أن يُغيِّر وضعَه ويتغيَّر، فيلْحَقُ بركْبِ الطائعين،ويُذلِّلُ وجهَه لله مع القانتينَ الساجدين! كم تمنَّى أن ينامَ قريرَ الجَفْن، وقد أدَّى حقَّ اللهِ تعالى عليه! كم تمنَّى أن يُحافظ على الفرائضِ المكتوبات، ويستكثرَ من نوافل العبادات، ويعيشَ الحياةَ الطيِّبةَ المرغوبة! إنَّها أمنياتٌ وأمنيات، تدلُّ على أنَّ في النفوس بقايا من الخير، وخبايا من الإيمان، وما مِنَّا مِن أحدٍ إلَّا وهو مُقَصِّرٌ، فمُستقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ، ورمضانُ فرصةٌ للجميعِ لإصلاحِ أنفسِهم،

وقد دعا اللَّـهُ المُؤمنين جميعَهم -صالحَهم وطالحَهم- إلى التوبةِ، وجعلَ الفلاحَ مآلَ التائبين (وَتُوبُواْ إِلَّى ٱللَّـهِ جَمِيعاً أَيُّهَا ٱلمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ).

معاشرَ المُسلمين:ربَّما قال بعضُهم: ليس الإشكالُ -عندي- في رمضانَ، فالأمرُ فيه سَهْلٌ عَلَيَّ؛ ولكنَّ الإشكالَ -عندي- بعدَ رمضانَ، كيف أَثْبُتُ بعدَه عـلى ما كنتُ عليـه فيه؟! وهذا يجعلُني لا أَنْشَطُ إلى تغييرِ ما بنفسي من السُّوءِ في رمضانَ.

فيُقالُ لَمَن لُبِّسَ عليه بمِثْلِ هذا: اعلم -علَّمك اللَّـهُ- أنَّ الواجبَ عـلى المَـرءِ أن يتوبَ إلى اللَّـهِ،

 من غيرِ تَخَيُّلِ افتراضاتٍ قد لا تَقَعُ، ثمَّ ما يُدْرِيك أنك تَعِيشُ إلى ما بعدَ رمضانَ؟! إنَّك تُؤَمِّلُ كثيراً ؟! ثمَّ اعلم -بعدَ ذلك- أنَّ مُدَّةَ شهرِ رمضانَ مُدَّةٌ كافيةٌ لتَعَوُّدِ النَّفْسِ على الخيرِ، فإذا تَعَوَّدت نَفْسُك على الخيرِ أَصبح مَأْلُوفاً لها، سَهْلاً عليها؛ حتى بعدَ رمضانَ ، والأمرُ موقوفٌ -بعد توفيق اللهِ -على الصِّدْقِ في الثباتِ على الخيرِ، فلو صدقوا اللَّـهَ لكان خيراً لهم.   

تَعَوَّدْ صالحَ الأخلاقِ إنِّي * رأيتُ المَرءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعَادَا

فاتقوا الله عباد الله واغتنموا رمضان لتغيير نفوسِكم وتهذيبِ أخلاقِكم، والقربِ من ربكم فكلُّ محفِّزاتِ التغيير وإصلاحِ النفس قد حلَّتْ في هذا الشَّهْر الكريم فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) بارك الله لي....  

 

 

 

 

الخطبةُ الثانيةُ

الحَمْدُ للهِ ...                                    أمَّا بعدُ: فمعاشرَ المُسلمين: لمَّا كان رمضانُ فرصةً سانِحَةً للتوبةِ إلى اللَّـهِ، التي هي سببٌ لغفرانِ اللَّـهِ: كان مَن لم يَغْتَنِمْ هذه الفرصةَ مُعَرَّضاً لوعيدٍ شديدٍ، تَنْخَلِعُ له قلوبُ الذين يخشون ربَّهم، فقد صَعِدَ النَّبيُّ ﷺ مِنْبَرَه المُكَوَّنَ من ثلاثِ دَرَجَاتٍ، فَقَالَ: «آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدتَّ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّـهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ...) أحمدُ وغيره

فما ظنُّكم بدعاءٍ دعا به خيرُ المَلائكةِ، وأَمَّنَ عليه خيرُ الرُّسُلِ، أليس خليقاً بأن يستجابُ؟!            فاللـهَ اللـهَ في التوبةِ إلى اللهِ ...   

ثم صلوا وسلموا ....

 

 

المشاهدات 1926 | التعليقات 0