رمضان فرصة للإصلاح والتغيير ولحياة جديدة في العلاقة مع الله

عبدالرحمن اللهيبي
1445/09/12 - 2024/03/22 09:12AM
هذه الخطبة تم اختصارها وتهذيبها من رسالة للدكتور الهبدان بعنوان: رمضان فرصة للتغيير
 

الحمد لله الذي هيأ لعباده أسباب الهداية ، ويسر لهم دروب الخير والاستقامة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوثُ رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد : 
أيها المسلمون: ها هو رمضان قد تغشاكم بنوره وعطره ، وكساكم بخيره وطُهره ، فقد جاء رمضان ليربي في الناس قوة الإرادةِ على الخير , والعزيمةَ على الرشد، والقدرةَ على كسر الشهوات ، جاء رمضان ليربي في المؤمنين ملكةَ الصبر على الطاعات ، والعزيمة على ترك السيئات

فرمضان يا مسلمون مدرسة تربوية يتدرب فيها المسلم على تقوية الإرادة في تعظيم الحرمات ، والتسليمِ لحكم رب الأرض والسموات ، محققا بذلك التقوى التي أرادها الله من صيام هذا الأيام المباركات ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) قال ابن القيم: ما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصوم

 

لذا يا مسلمون فشهر رمضان فرصة عظيمة للتغيير، ولفتح صفحة جديدة مع الله ، رمضان فرصة للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات ، واستدراك ما هو آت ، قبل أن تحُلَ بنا الزفرات ، وتشتد علينا السكرات.

رمضان فرصة للتغيير فالشياطين فيه تصفد, وأبواب الجنان فيه تفتح ، وأبواب النيران تغلق ...

رمضان فرصة للتغيير فالذنوب فيه تغفر، والرقاب تعتق وأسباب التغيير في هذا الشهر مهيأة ، والأبواب فيه مشرعة ، وما بقي إلا النية الصالحة ، والعزيمة الصادقة ، والإرادة الجادة ، والاستعانة بالله ، فإلى متى يا عباد الله نبقى على حالنا مع التقصير في حق ربنا ، والعمر يجري بنا ، والصالحون من حولنا يتنافسون على الترقي في درجات الجنان ، ونحن نتنافس على لعاعة الدنيا وما فيها من الحطام..

أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير لمن كان مفرطاً في صلاته ، لمن يؤخرها عن وقتها ، أو ينام عنها ، أو ينقرها بلا طمأنينة نقر الغراب.. ألا فليعلم المتهاون في صلاته ، أنه يرتكب في حق نفسه خطأً جسيما ، وظلما عظيما ، وإن لم يتدارك نفسه ، فهو والله على خطر عظيم إن لم يتداركه الله برحمته، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي ﷺ في الرؤيا التي رآها قال :" أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " رواه البخاري
فيا أيها الصائم إني أدعوك ونفسي بكل شفقة وإخلاص أدعوك ونفسي إلى مراجعة النفس ، وتصحيح المسار

فاستيقظ أيها الصائم من غفلتك ، وتنبه من نومتك ، فالحياة قصيرة وإن طالت ، والفرحة زائلة وإن دامت ، والساعة قريبة وإن رأيتها بعيدة (إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) ، فاستعن بالله تعالى ، واعقد العزم من الآن أن يكون هذا الشهر المبارك بدايةً جادة للمحافظة على الصلاة ، والتبكير إليها ، وحسن الإقبال فيها، فقد وفقك الله في هذا الشهر للمحافظة عليها ، وإلف المساجد وارتيادها, والله تعالى يقول في وصــف المؤمنين: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ } 
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن ابتلاه الله بتعاطي الحرام ، من المخدرات أو الدخان ، ألم تملكت في رمضان تلك العزيمة التي جعلتك تمسك طوال ساعات النهار؟ وأنت تفعل ذلك طاعة لله وطلبا لرضوان الله

فمن الذي جعلك تمتنع عن تعاطي هذه السموم في وقت الصيام؟ أليس خوفُك من العظيم الجبار ، ومراقبتُك للواحد القهار . وشعورك بنظر الله إليك ، واطلاعه عليك، وإني لأتساءل بصدق . . تلك الخشية في الغيب من الله ، وتلك الإرادة الصادقة التي دفعتك لأن تصوم عن الطعام والشراب لأكثر من اثنتي عشرة ساعة ، أتعجز عن مواصلة مسيرتها الإصلاحية في ترك ما لا فائدة فيه للجسد فضلا عن ما فيه من الإثم والبلاء والضرر

أين خشية الرحمن بالغيب ؟ وأين العزيمة القوية التي صمدت عن تعاطي هذا البلاء ، لهذه الفترة الطويلة أثناء النهار . . فكيف لها أن تنهار في آخر لحظات الإسفار ، وعند إرخاء الليل للستار .. وعند شكر لله للطائعين الأبرار بعتق الرقاب من النار ..
فاستعن بالله يا أُخي على ترك هذا البلاء ، وأبشر بعظيم الأجر والجزاء ، عليك الصدق والمجاهدة وأبشر من الله بالهداية فالله يقول: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
أيها الصائمون : إن رمضان فرصة للتغيير .. لمن هجر كلام الرحمن ، واعتلى الغبار في بيته على القرآن ، فاجعل من شهر القرآن بداية للتغيير ، رتب لنفسك كل يوم جزءاً من القرآن طوال العام ، لا تنفك عنه أبدا بأي حال من الأحوال ، فالأمر والله يسير ، والوقت المبذول فيه قصير ، ولا تنس ذلك الفضل الجزيل لمن قرأ كلام الله الجليل يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

" من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف "  وأبشر أيضا بشفاعة القرآن لك فإنه سيأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه حتى يدخلهم الجنة وبهذا صح الخبر عن سيد البشر ﷺ

أقول قولي هذا ............

 

 

 

 

 

أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان يأكل الحرام .. بأكله الربا ، أو التلاعب في البيع والشراء ،   أو من يأكلون حقوق العمال والأجراء ، أو يعتدون على حقوق الآخرين في الميراث وغيره ، فرمضان فرصة لأن يغير هذا العبد من حاله ، وأن يستغفر الله من ذنبه ، وأن يبدل من شأنه ، وأن يدع أكل الحرام .

فإن الله سيحاسبك على مثقال الذرة ، وعلى مثل النقير والقطـمير..

فحـذار حذار من القوي القهار!! يقول المصطفى المختار: " لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به " رواه ابنُ حبان وصححه.
فهل يسرك يا من تغذى جسدُك بالحرام أن أهل المال الحلال يؤخذ بهم إلى الجنان وأنت يساق بك إلى النيران؟ هل يسرك أن أهل الإيمان يرفعون أيديهم في صلاة القيام يسألون الله من فضله ورحمته وجوده فيستجاب لهم ..وأنت ترد عليك دعوتُك؟  فقد: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ، يا رب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك " 
أيها الصائمون : رمضان فرصة للتغيير .. لمن كان مسرفاً على نفسه بالخطايا والموبقات ، من آثام اللسان في الغيبة والنميمة وسائر الآفات، ومن النظر إلى النساء السافرات المتبرجات ، ومن الاستماع إلى ما لا يحل من الوقيعة في أعراض الناس واستماع المعازف والقينات ..  بأن يسارع العبد إلى التوبة والإنابة ، ويبادر إلى الهداية والاستقامة قبل أن لا تقـال العثرات ، ولا تستدرك الزلات ..

{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

فبادر يا رعاك الله بالتوبة النصوح في هذا الشهر المبارك وليكن رمضان هذا العام بداية جادة للإصلاح والتغيير ولفتح صفحة جديدة في العلاقة مع الله ، تشرق بنور التوبة والإنابة ، جعلني الله وإياك ممن فاز بالرضا والرضوان ، والفوز بالجنان ، والعتق من النيران .

المشاهدات 749 | التعليقات 0