رمضان ..طاعات وغنائم

ابراهيم الهلالي
1439/08/25 - 2018/05/11 00:06AM

الحمدُ للهِ الذي جَعلَ شَهرَ رمضانَ سَيِّدَ الشُّهورِ، أَفاضَ فيه الخيرَ والنُّورَ، يَعيشُ المسلمونَ في ظِلِّهِ بسَعةٍ وحُبورٍ، سبحانَه يغفرُ الذُّنوبَ، ويَستُرُ العُيوبَ، ويُغيثُ المكروبَ، وهو عَلَّامُ الغيوبِ، عمَّ فضلُه الأكوانَ، يقبلُ التَّوبةَ ويَغفرُ العِصيانَ، ويُنزِّلُ رحمتَه على المؤمنينَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، ونَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، فَرضَ علينا الصَّومَ تهذيبًا للنُّفوسِ وتحقيقًا لتقوى القلوبِ بقولِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ونشهدُ أن سَيِّدَنا وقائدَنا وشفيعَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه الصَّادقُ الأمينُ، غَفرَ اللهُ له ذنبَه، وشَرح له صدرَه، ووضعَ عنه وزرَه، ورفعَ له ذكرَه، فكان مُجِدًّا وأكثرُ ما يكونُ ذلك في رمضانَ، وكانَ مجتهدًا وأكثرُ ما يكونُ ذلك في رمضانَ، وكانَ كريمًا وأكثرُ ما يكونُ ذلك في رمضانَ، وكانَ جَوادًا وأكثرُ ما يكونُ ذلك في رمضانَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه الطَّاهرينَ وصحابتِه الغُرِّ الميامينَ، ومن تبعَهم وسارَ على دربِهم إلى يومِ الدِّينِ ...أما بعد:

عباد الله : ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يستعدون ويتهيئون لاستقبال ضيف عزيز وزائر كريم هو شهر رمضان. ولا يكاد المرء يصدق أننا بعد أيام سنستقبل ذلك الضيف العزيز الذي رحل عنا منذ عام تقريبا. ويسأل المرء نفسه: أحقا مر عام من عمري؟ أصدقا مضت سنة من أجلي؟ بهذه السرعة!!

عندها يتراءى أمام ناظري المرء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ: فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ”.

فما أسرع مرور الليالي والأيام، وما أسرع انقضاء السنين والأعوام، والسعيد من أحيا لياليه بالقيام، وأكثر في أيامه من الصيام، واتخذ من تقوى الله زادا لقابل الأيام.

عِبَادَ اللهِ، هَا هِيَ الأَنْفُسُ تَشْرَئِبُّ، وَالْقُلُوبُ تَـخْفِقُ، والأَنْفُسُ الزَّكِيَّةُ تَـهْفُو تَنْتَظِرُ قُدُومَ الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، الَّذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْنَا صِيَامَهُ، وَجَعَلَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ دِينِنَا الْعَظِيمِ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛ حَيْثُ خَاطَبَ اللهُ بِـهَذِهِ الآيَةِ أَهْلَ الإِيـمَانِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّـهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لأَمْرِ اللهِ.

جاءَ الصِّيامُ فجاءَ الخيرُ أَجمعُهُ *** تَرتيلُ ذِكرٍ وتَحميدٌ وتَسبيحُ
فالنَّفسُ تَدأبُ في قَولٍ وفي عَملٍ *** صَومُ النَّهارِ وباللَّيلِ التَّراويحُ

  • وَجَعَلَ مِنْ ثِـمَارِ الصِّيَامِ التَّقْوَى؛ لِأَنَهُ يَقِيَ الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ.
  • وَمِنْ ثِـمَارِهِ العَظِيمَةِ أنْ يَعْرِفَ الإِنسَانُ نِعمَةَ اللهِ عليهِ؛ فَهُوَ طُوَالَ دَهْرِهِ يَأكُلُ وَيَشْرَبُ، وَيَأتِي أَهْلَهُ مَتَـى شَاءَ، فَلا يَشْعُــرُ بِالحرْمَانِ مِنْ هَذِهِ النَّعَمِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا؛ إِلَّا مَنْ حُرِمَ مِنْهَا. فَعِنْدَمَا يُـحْرَمُ مِنْهَا سُوَيْعَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ لِـمُدَّةِ شَـهْرٍ؛ يَعرِفْ قَدْرَهَا، وَيَشْكُرِ اللهَ عَلَيْهَا.
  • وَمِنْ ثِـمَارِهِ أَنَّ الإِنسَانَ قَدْ لَا يَشْعُرُ بِـحَاجَةِ الْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِيـنِ، وَلَا يَعْرِفُ أَثَرَ الْـجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَرُبَّـمَا قَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْبُخْلِ وَالشُّحِّ، وَإِهْمَالِ الْمُحْتَاجِيـنَ، أَوِ التَّغَافُلِ عَنْهُمْ؛ لِكُونِهِ طُوُالَ دَهْرِهِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَإِذَا حُرِمَ مِنَ الطِّعَامِ وَالشَّرَابِ سُوَيْعَاتٍ فِي الْيَوْمِ مُدَّةَ شَهْرٍ كَامِلٍ؛ شَعَرَ بِـمُعَانَاتِـهِمْ؛ فَقَادَهُ ذَلِكَ إِلَى الْعَطْفِ عَلَيْهِمْ، والإِحْسَانِ إِليهِمْ. وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا تَقِيٌّ. فَالصَّوْمُ يَقُودُ الْمُؤْمِنَ لِلتَّقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، هَا هُوَ الشَّهْرُ الْعَظِيمُ يُقْبِلُ عَلَيْنَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُـخْبِـرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ بِقَوْلِهِ:” قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ “، رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَالشَّيَاطِيـنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ لَا يَـخْلُصُونَ فِيهِ مِنْ إِفْسَادِ النَّاسِ إِلَى مَا يَـخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْـرِهِ، وَذَلِكَ بِـحِفْظِ اللهِ لَـهُمْ، وَانشِغَالِـهِمْ بِقِرَاءَةِ القُرآنِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَمْعِهِمْ للشَّهَوَاتِ. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ هَذَا الشَّهْرَ العَظِيمَ بِالفَرَحِ، والسُّرُورِ، والْغِبْطَةِ، وَشُكْرِ اللهِ الْعَظِيمِ؛ أَنْ نَسَأَ فِي عُمْرِهِ حَتَّـى بَلَّغَـهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، الَّذِي أَكْثَرَ اللهُ فِيهِ مِنَ الْبَـرَكَاتِ.

الصَّومُ جُنَّةُ أقوامٍ من النَّار *** والصَّوم حِصنٌ لمَن يَخشى من النَّارِ
والصَّوم سِترٌ لأهلِ الخيرِ كلِّهمُ *** الخائفينَ مِن الأوزارِ والعارِ
والشَّهرُ شهرُ إلهِ العرش مَنَّ به *** ربٌّ رحيمٌ لثِقلِ الوِزرِ ستَّارِ
فصامَ فيه رجالٌ يَربحونَ به *** ثوابَهم مِن عظيمِ الشَّأنِ غفَّارِ
فأصبحوا في جِنانِ الخُلدِ قد نَزلوا *** مِن بينِ حُورٍ وأَشجارٍ وأَنهارِ

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ للصِّيَامِ فَضَائِلَ عَظِيمَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ»، وَفي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) وَمَعْنَـى (جُنَّةٌ) كَمَا جَاءَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (حِصْنٌ حَصِيـنٌ مِنَ النَّارِ).

يا أيها المبارك: بينك وبين رمضان أيام, فبأي نفوس تستقبله؟ وبأي فكر يحل بك؟

في استقبال رمضان تذكر فضل ما أنت فيه, وشرف زمن أنت تتقلب فيه, لتنشط نفسك وتعرف قدر زمانك, فمن ذا الذي يسمع قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يومًا في سبيل الله زحزَح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفًا".

  وقوله لأبي أمامه حين سأله عن عملٍ: "عليك بالصوم فإنه لا عِدْل له"، وقوله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، وقوله: "لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، وقوله: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه"، وقوله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"، أيُّ نفسٍ تسمع هذا ثم لا تسعد برمضان وبالصوم والطاعة فيه؟!

 في استقبال الشهر كن شحيحاً بأوقاتك محافظاً على صيامك من مكدَّراته, فليس الصوم على البطن والفرج فحسب, بل الجوارح تصوم عن الآثام, ومن لم يدع العصيان قولاً وعملاً, فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.

 في استقبال الشهر اعزم على الخير تُعَن عليه, وانو الإحسان يكتب لك ولو حيل بينك وبينه.

 في استقبال الشهر صحِّح نيتك, فالصيام والقيام تنال ثوابهما إذا كان ذلك العمل إيماناً واحتساباً, وربّ عبدٍ ليس له من صومه إلا الجوعَ والعطش.

 في استقبال الشهر تفقَّه في أحكامه, وتعبَّد في ليله ونهاره, ولا تفت عليك أوقاته, فهي أنفس الأوقات, واستغل أزمانه فهي أشرف اللحظات, وسابق ما قدرت في أبواب القربات.

 اعقد العزم على أن تجعل المسجدَ في رمضان موطنَك, والقرآنَ أنيسَك, والذكرَ حديثَك, والخير رفيقَك, لتذهب الأيام المعدودات يوم تذهب وأنت ممن ربَح فيها وما خاب, وممن فاز فيها وما خسر.

في استقبال الشهر دع عنك ذنوباً بقيت مقارفاً لها زمناً, تمنيت تركها, فجاء شهرك فتخلّ عنها احتراماً لشهرك, وطاعة لربك, وإذا عجزنا عن ترك العصيان في رمضان وهو زمن تصفيد الشيطان فنحن فيما سواه أضعف وأعجز.

في استقبال الشهر سل الله التوفيق, فالناس موفَّق ومحروم, ورب إنسان على الخير يُعان, وآخر يُوكَلُ لنفسه فَيُحرم.

في استقباله اعزم على العمل والتغيير, فكم رمضانٍ مرَّ بك, مضت بطاعاتها وسيئاتها, وانقضت بلذاتها ومشاقها, وربما لن تدرك غير شهرك, وذاك يحدوك لأن تجعل رمضانك مختلفاً؛ مختلفاً في مسابقتك للخير في تعدد أبوابه. 

في استقبال الشهر لا تنسَ الاحتساب في كل أمورك, فيما تحضره لبيتك من طعام وشراب, في صحوك ونومك, وفيما تعمله من أمورٍ تستعد بها لرمضان, ولا تنس في غمرة المطالب أن تسدّ جوعة أسرة يريدون أن يتهيئوا لرمضان.

 في استقبال الشهر تذكر من حِيل بينه وبين التمتع برمضان مع أهله, من أسارى المسلمين, ومَن وراءهم من الأسر والمتضررين, ولا تنسهم من دعائك أن يفرج الله عنهم, ويكشف ما أصابهم.

 في استقبال الشهر أيها المبارك ليكن لأولادك منك نصيب, كن عوناً لهم على الاستفادة من رمضان, لا يذهب عليهم رمضان بين القنوات والإلكترونيات, لا يسرق منهم لذتَه دهاقنة الإعلام والمسلسلات, أحيي في نفوسهم وبينهم التنافس على الخير والحسنات, وحفِّزهم على الطاعات, وكن لقلوبهم قريباً ولأفعالهم رقيباً, فرمضان مفترق طرق للأبناء, ربما هووا في بحور الغفلة, أو ترقّوا في سُلَّم التميز, والدورُ الأكبر يُنتظر منك, وأعيذك بالله من حال آباءٍ لا يدرون عن أبنائهم في رمضان في أي وادٍ هلكوا.وجماع الأمر أنه على قدر الضيف في القلب يستقبل, فافرح به -رعاك الله-, ولا تنس استشعار أجره, وأن لك به فرحة تجدها يوم تلقى ربك ويوفيك أجر صومك, اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن وتقبله منا بعظيم فضلك وإحسانك ورحمتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

********************************

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ.. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.

أخي المسلم: إن بين يديك اليوم كنزًا من الحسنات .. أَقبَلَ عليك شهرُ رمضان .. وتَهَيَّأَتْ لك أسبابُ المغفرة .. فأبواب الجنة مفتوحة.. وأبواب النار مغلقة .. والشياطين مُصَفَّدَةٌ فلا تَخلُصُ إلى ما كانت تَخْلُصُ إليه .. المساجدُ مفتوحة.. والنفوس بالطاعات مشغولة .. الأيامُ تعمر بالصيام.. والليالي تنير بالقيام .. أَفَبَعْدَ هذا يغفل الغافلون؟

لقد رَغَّبَ الله سبحانه وتعالى في استغلال شهر رمضان {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

لقد كان سلفنا الصالح يهتمون لرمضانَ اهتماماً شديدًا.. فيبدؤون بترتيب أوراقهم من شعبان أو قبل ذلك استعدادًا لرمضان.. روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما كما عند النسائي قال: قلت يا رسول الله: لم أَرَكَ تصوم من شهرٍ من الشهورِ ما تصومُ من شعبان؟ قال : (ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأُحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم). قال سلمة بن كهيل رحمه الله: كان يقال شهر شعبان شهر القُرَّاء. وكان عمرو بن قيس رحمه الله إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران. قال أبو بكر البلخي رحمه الله: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

شهر رمضان هو محور السنة عند بعض السلف.. فكانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان .. ثم يدعونه مثلها أن يَتَقَبَلَ منهم.أيها الأخ المبارك .. لم يبق على رمضان إلا أيامٌ قلائل .. فماذا أنت فاعل؟

ادعُ اللهَ من اليومِ أن يُبَلِّغَكَ شهرَ رمضان .. ويُعينَكَ فيه على الصيام والقيام وسائر الطاعات.

كم ممن هو اليوم فوق ظهر الأرض يتنفس, وغدًا سيُصَلَّى عليه ولن يُدرِك رمضان .. وقد نكون أنا وأنت مِنهُم.

يتمنى أهلُ القبورِ أن يُدركِوا يومًا من رمضان ليستغلوه فيما يُقَرِّبُهم لربهم ويَرفعُ درجاتهم .. فَاْسأَلِ اللهَ بلوغَ هذا الشهرَ والعونَ على الطاعة.

أخي الكريم: اجلس مع نفسك دقائق .. وخطط لرمضان هذا العام .. إذا أردتَ سفرًا ناجحًا ألستَ تخطط له التخطيط الدقيق؟ ألستَ اليوم في سفر إلى الآخرة؟ ورمضانُ محطةٌ مهمةٌ للتزودِ لتلكَ الدار؟

ضع لك حدًا أدنى من الطاعات لا يمكن أن تَنقُصَ عنه كل يوم, حدد عددًا معينًا من أجزاءِ القرآن لا تنامُ يوميًا إلا وقت أتممتَ تلاوتَه, ضع من ضِمنِ جدولك أن تُحافظَ على صلاة القيام كاملة مع الإمام كل يوم ليُكتبَ لك قيامُ ليلةٍ كاملة, حَدِّد لكَ وِردًا يوميًا من الصدقةِ والأذكار, عاهِد نفسك أن تُحافظَ على الجلوس في مُصلاكَ حتى تطلعَ الشمسُ كلَّ يوم لتفوزَ بالأجرِ العظيم, وهكذا.. حدد لنفسك وردًا معينًا من الطاعات لا تتنازلُ عنه أبدًا.

كذلك خطط في التخلص من بعض العادات السيئة والمعاصي المستمرة والأخلاق الرديئة, خطط للإقلاع عنها, واستقبل رمضان بتوبةٍ صادقةٍ من جميع الذنوب والآثام .. تَطهُر بها نفسُك, وتُمحى بها ذنوبُك, وتَنقى بها صحيفتُك, واستعن بالله على ذلك.. وتذكر أن الشياطين مصفدة .. فداعي الشر في رمضان أضعف من غيره.. فاستعن بالله ولا تعجز.

عباد الله: تسامحوا قبل دخول رمضان, وأَزيلوا الخصومات, واطرُدُوا الشيطان بينكم, روى مسلم في صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا, أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا, أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا). فَكَم مَرَّ بِكَ من اثنينٍ وخميسٍ وأعمالُ العبادِ تُرفعُ, والله يغفر لهم, إلا أنت.. أما آنَ لك أَنْ تُزيلَ الحاجزَ الذي يمنع من مغفرة ذنوبك؟ قلها الآن : بلى قد آن .. بلى قد آن.

أيها الإخوة: اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.عباد الله:{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 3259 | التعليقات 0