رمضان، الربح والخسارة
عبدالكريم الخنيفر
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومنْ يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إلهَ إلا الله وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا…
عبادَ الله، أوصيكم بتقوى الله، ولئنْ كانت التقوى بأداءِ الواجباتِ واجتنابِ المنهيَّات، فإنَّ من أعظمِ سُبلِِها وأدنى قطوفِها الصيام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
أيها المسلمون، هاهو نسيمُ الروحِ يَسْفِي، وبشيرُ الخيرِ يَلْفي، زمانُ السكينةِ والزَّكاء، وموسمُ البركةِ والعطاء، الهِبَةُ الرَّبَّانيةُ الكريمة، والفرصةُ السنويةُ العظيمة، والقدرةُ التغييريةُ المتينة، فأهلا برمضان، ومرحبًا بالصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآن، وهنيئا لنا أن مدَّ الله بأعمارِنا لنُدرِكَك، فننهلَ من معينِك، ونتقلَّبَ في نعيمِك، ولئن كان الصومُ جُنَّة، فإنه جَنَّةٌ وارفةُ الظِّلال، ذاتُ نسيمٍ عليل، وصوتٍ رتيل، وقَطْفٍ ذليل.فأيُّ خيرٍ تأتي به يا رمضان؟!
وأيُّ حرمانٍ لمن لم يستبشرْ قدومَك، أو يستشعرْ مقامَك، أيُّ حسرةٍ لمن كان حظُّه منك الجوعُ والعطش، وتأثُّرهُ منك سوءُ المزاجِ وكثرةُ النوم.
أيُّ خسارةٍ لمن رَبِح فيك ثلاثيَن حلقةً من مسلسل، وثلاثين جلسةً في استراحة، وثلاثينَ وجبةً كلَّ يوم، وساعاتٍ في قفا الساعات على وسائل التواصل والأجهزةِ والجوالات.
فيا ضَيْعَةَ الأوقات، ويا حسرةً على الأزمنةِ الفاضلةِ إذ تمرَّ هباءً دونَ انتهازٍ لها واستغلالٍ لأوقاتها.
عبادَ الله، إنَّ الإنسانَ الفَطِنَ ليُدركُ أنَّ شهرَ رمضانَ مِنَّةٌ إدراكُه، وواجبٌ استغلالُه، وخيبةٌ وخيمةٌ تضييعه وإهمالُه.
فلنتهيأْ من جُمْعَتِنا هذه لاستقبالِ رمضانَ بالتوبةِ النَّصوحِ والدعاءِ الصادقِ أن يُعيننَا -سُبحانه- على الصيامِ والقيامِ وصالحِ الأعمال، وأن يجعلَنا من المقبولين في هذا الشهرِ الكريم، وأن يُزكِّيَ نفوسَنا فنُقبلَ على الطاعاتِ وننفُرَ عن المعاصي والمحظورات، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، أنتَ وليُّها ومولاها.
أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه أما بعد،
عباد الله، ها نحن نسيرُ في صحراءَ قَفْرٍ من هذه الدنيا، قد شعَّثتنا الذنوب، وأرهقتنا الهموم، حتى قست القلوبُ ويبِست الأرواح.
وإنَّ الصيامَ غذاءُ الروح، وتلاوةَ القرآن شَرَابُها، والتَّلازمُ بين الصيامِ والقرآنِ بيِّنٌ ظاهر؛ قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، فغذُّوا أرواحَكم بالصيامِ الخاشع، وارووها بالتلاوةِ المتدبِّرة، تغنموا الأجرَ الوفير، وتنعموا بالعيش الرغيد، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
اللهم وفَّقنا في شهر رمضان للصيام والقيام وتلاوة القرآن على أكمل وجهٍ وأحسنه، اللهمَّ أعنَّا فيه على اغتنام الطاعات واغتنام الليالي المباركات، واجعلنا ممن صام رمضانَ وقامَه إيمانًا واحتسابًا.
اللهم وفَّقنا لتلاوة القرآنِ وتدبُّرِه وفَهْمِ معانيه والعملِ بما فيه، واجعله لنا نورًا وضياءً في الدنيا والآخرة.
اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا لما تحبُّ وترضى، وخذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وارزقه البطانة الصالحةَ الناصحة.
اللهمَّ وفقهُ ونائبَه لما فيه خير البلاد والعباد.
سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
1618123190_خطبة رمضان.pdf