رفيقة العمر

حسين بن حمزة حسين
1446/03/07 - 2024/09/10 15:25PM
قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )، قال ابن كثير رحمه الله " لا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين "، قال تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)، في البيوت أفراح وأتراح، آمال وآلام، لا تخلو البيوت من منغّصات، والعيش بمطالبة بيوت خالية من الخلافات نوع من المستحيل، في الأسرة عتابٌ ومودّة، سخطٌ ورضا، والرجُلُ يرفعُه الأدب ويزكّيه العقل، يعفو عن الخطأ، يتجاوز عن الزلل، والمرأة الكريمةُ تَرْضَى بقَسْم اللهِ لها، فتُرضي ربها، وتُرضي زوجَها، وتعينُ زوجَها على نفسها وماله وولده ونوائِب الدهر، فتسْكنّ النفوس، وتهدأ القلوب، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، قال الذهبي رحمه الله : " وإذا كانت المرأة مأمورةٌ بطاعة زوجها وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمورٌ بالإحسان إليها، واللطفِ بها، والصبرِ على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره، وإيصَالهَا حقها من النفقة والكُسوةِ والعشرةِ الجميلة لقول الله تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ) " اهـ،  فالزوجُ والزوجةُ يعيشون في بيت واحد، أقربُ شريك، وأحبُّ صديق، توأمُ روح، رُفقاء عُمُر ، شُركاء حياة، فبمدارات الزوجين الآخر، ومعرفةُ قدْر كلٍّ منهما للآخر، مع التسليم للزوج بالقوامة تكامل وارتقاء، بذلك تستقيم وتهنأ الحياة، وتنقلب المنغصات والمحن إلى منح وسعادة بتوفيق الله، المطالبة بزوجة تابعةٍ لا رأي لها ولا احترام، إهمالٌ لحقّها وهضمٌ لعقلها ومكانتها، وخصوصاً في هذه الأيام وقد اُعطيت المرأةُ من التمكين والقوّة ما تجاوزت به كثيراً من الرجال، فتقلّدت المناصب الكبيرة في الأدب والعلم والتعليم والتربية، فقوامةُ الرجلِ تعظيمٌ لحق الزوجة ورفعٍ لمكانتِها، وحفظٍ للودّ والاحترام، لا تعني سلْبَ زوجته فِكرَها، وإغفالٍ لرأيها، لا تعني العُنْف والاستبداد، فهنّ شقائق الرجال، وكم نال خيراً الأزواج حتى أُشْتُهِر وراء كلّ رجل عظيم امرأة ، وقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهنّ، بل وكم استفاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مشورته لزوجاته، فَلِم لا تُراجَع أيّها الشهم، وتستمع كالعظماء إلى نقْد زوجتِك بصدْر رحِب، وبشاشةِ خلُق، فلعلّ الخير والرأي السديد معها، من كَرُم أصلُه لان قلبُه، وحسُنَت عِشرتُه، وعَرَف قدْر زوجته ورفيقة عمره، فحُسْنُ الخلق مع الزوجة من علامات كمال الإيمان، فتعيش الزوجة تحت ظِلّ زوجها حياةَ عزٍّ وكرامة، حياة طُهْرٍ وعفاف، وستر وحياء، منيعة الجانب، رفيعة القدر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله)) رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكمْ خيْركم لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي)) ، وما دمَّر البيوتَ وسلَبَ السعادةَ شيئاً ما سلبَه الاستبداد والعناد، فيَجْني الجاهلُ على نفسه وأهله، ويدمّر حياتَه بطوعه واختياره، حين يستبدلُ المحبَة والمودَة والرَحمة والعشْرة الحسنة مع رفيقة عمره وشريكة حياته بالعناد والتحدي والاستبداد، فالعنف في البيت نذيرُ شؤْم، وخطرٌ عظيم، فالخلافات الصغيرة تُصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو بالّلين والصّبر صغيرة ،  وما رُزِق أهلُ بيتٍ رزقاً ما رُزقوا اللين والرفق، ومفهومُه ما رُزق أهلُ بيتٍ شراً من الشدّة والغِلْظة، المرأة خُلِقَت من ضَلَع أعوج، وبمداراتها والصبرِ على ما يُكْرَهُ منها تستقيم الأمور، ما لم يكن في معصية لله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا) رواه البخاري، لا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرَت منها، ولا تلْمزْها بتلك الزلاّت والمعايب، واخْف مشاكلَ الزوجين عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضبُ أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنّسه لحظه غضب عارمة، وآثرَ السكوتِ على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت) والكرم بالنفقة على أهل بيتك من غير تبذير أفضل البذْل، وتكرمهم وتسعد معهم وأنت حي معافى أفضل من يتوسّعوا بالمال من بعد موتك، ومن علوّ النفس أن لا يأخذ الزوجُ من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالُها مُلك لها، وتذكّر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فارعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، ولا تَعُدْ إلى دارك كالح الوجه عابس المحيّا، فزوْجتُك وأولادك بحاجة إلى عطفك وقربك وحديثك، ألِن لهم جانبَك، أنشر بين يديهم أبوّتك، دعهم يفرحون بنصائحك، وحسن إنصاتك، والقيام بأعباء المنزل ومساعدة الزوجة من شيم الأوفياء، ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الموطؤون أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ) رواه الطبراني وحسنه الألباني الخطبة الثانية : الحمد لله ... المرأة الصالحة إن رأت زوجها جنح ذكّرته بالله، وإن رأته يكدح للفانية، ذكرته بالآخرة الباقية، تعينُه على نوائب الدهر، لا تُفشي له سراً، لا تَعصي له أمراً في غير معصية الله، تطلب رضا ربها برضا زوجها، لا تتتبّع هفواته، ولا تُظهر زلّاته، حافظةٌ له في الغيب والشهادة، إن حضَر أكرمته، وإن غاب صانتْه، لا ُتثْقل على زوجها في النفقة، لا تَرفعُ عليه صوتا، بشَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب اللؤلؤ لا صَخَبَ فيه ولا نصب، قال ابن كثير: "لا صخب فيه ولا نصب ،لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تُتْعبْه يوماً من الدهر، ولم تسخط عليه يوماً، ولا آذته أبداً". وقد أوصت حكيمة من العرب ابنتها عند زواجها بقولها: "يا بُنيّة، إنك لن تَصِلي إلى ما تحبّين منه حتى تُؤْثري رضاه على رضاك، وهواهُ على هواك فيما أحببْت وكَرِهْت" يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجبَ من حق الزوج" اللهم أصلحنا واصلح لنا أزواجنا وذرياتنا ما أبقيتنا ياذا الجلال والإكرام
المشاهدات 485 | التعليقات 0