رفقة ظلال العرش
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى: ( 22/ 8 / 1443 هـ ) رفقة ظلال العرش
عباد الله: ما أكرَمَ اللهَ وما أعظمه! وما أرحمه وما أجوده! وما أرأفه وما أصبره وما أعلَمَه! شرع لنا دينًا قويمًا، وجعله توحيدًا وأحكامًا، وقصصًا وعبرًا، ووعدًا ووعيدًا، حثَّنا على فعل الخير ورتَّب عليه عظيم الأجور، ما جعل الله علينا فيه من حَرَجٍ، شريعة سمحة ودين وسط، كشف لنا فيه غيبًا كثيرًا عظيمًا في حياتنا الآن، وفي البرزخ والقبور، ويوم البعث والنشور، وما ذاك إلا دليلٌ على أنه صدق وعدل وحق؛ حتى نستعد، حتى نعمل، حتى نصدِّق ونؤمن، حتى لا يكون لأحد عذرٌ يوم القيامة ممن فرَّطوا وضيَّعوا، وخالَفوا وعصَوا.
وفي حديثٍ عظيم من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، أخبَرَه الله به، وأخبَرَ به أُمَّتَه صلى الله عليه وسلم، تأمَّلوا كم هو عظيم هذا الحديث، وأحاديثه كلُّها عظيمة، تأمَّلوا كم فيه من المعاني، وكم فيه من العِبَر، وكم فيه من الأحداث.
قال ابن عبد البر - رحمه الله -: "هذا أحسن حديث يروى في فضائل الأعمال، وأعمها وأصحها إن شاء الله، وحسبك به فضلا؛ لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف". قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللهِ، اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))؛ أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم.
سبعِ خصالٍ، ، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وثبت أنه ظل عرش الرحمن.
سبعة أصناف من أمَّتِه صلى الله عليه وسلم بشَّرهم بهذه البشارة العظيمة، من جاء بواحدة يوم القيامة جعَلَه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّ الله، هذه الخصال السبعة ليست مقتصرة على سبعة أفراد؛ بل قد يفوز بها ملايين؛ بل قد يجمع الشخص الواحد أكثر من خصلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فمن لم يتيسر له خصلة تيسَّرَت له أخرى، فأين المُشمِّرون، أين المُستعدُّون، أين الخائفون، أين أولي الحزم والعزم، أين أولي النهى ، سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وثبت أنه ظل عرش الرحمن؛ لأن يوم القيامة ليس فيه ظل إلا ظل الله، لا أشجار، لا غرف نوم، لا استراحات، لا صالات، لا مكيفات لا كهوف، كلها لا وجود لها يوم القيامة، الشمس دانيةٌ من الرؤوس، بيننا وبينها مقدار ميل، وراوي الحديث لا يدري هل هو ميل المسافة أم ميل المكحلة، والناس حفاة عُراة في صعيد واحد ينفُذُهم البصرُ ويُسمِعُهم الداعي كلهم جميعًا أولهم وآخرهم، وصغيرهم وكبيرهم، وذَكَرهم وأنثاهم، الأنبياء والرسل، الملوك والوزراء، والأغنياء والفقراء، والضعفاء والأقوياء، والكفار والمنافقين والمسلمين والمؤمنين كلهم جميعًا،﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ ، يوم العَرَق، يوم الرشح، يبلغ العَرَق من الناس على قدر أعمالهم، وهؤلاء السبعة الأصناف يأتي بهم الله تعالى ثم يجعلهم في ظله حتى يحكم بين العباد، ثم يدخلون الجنة بحمده وفضله.
قال ابن القيم - رحمه الله - :والجامع بين هؤلاء السبعة مخالفة الهوى ، وسوف نتكلم في كل جمعة عن واحد من هؤلاء السبعة جعلنا الله وإياكم منهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله ،،،
الخطبة الثانية :
عباد الله : أول السبعة هو الإمام العادل : وما أدراك ما الإمام العادل، قال ابن حجر: "وأحسن ما فسر به العادل، أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه، من غير إفراط ولا تفريط". قال: "وقدمه في الذكر لعموم النفع به". قال ابن رجب - رحمه الله -: "وَهُوَ أقرب النَّاس من الله يوم القيامة، وَهُوَ عَلَى منبر من نور عَلَى يمين الرحمن - عز وجل -..
العدل من أهم دعائم السعادة التي يسعى إليها الإنسان في حياته؛ وذلك ليكون مطمئناً على حقوقه؛ آمناً في مجتمعه، وقد أمر الله تعالى عباده بالعدل، فقال:[إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ].
إن ولي الأمر المسلم، إذا ارتضته أمته بعقد بيعة شرعية، أو باختيار بأغلبية، وكان يقيم الشريعة فيهم، ويجتهد في التمكين لدين الله، فيقيم فيهم الصلاة، ويفتح في وجوههم المساجد، وينشر بينهم دين الله، ولا يأمر بمعصية ظاهرة، فضلا عن أن يظهر منه الكفر البواح، وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه بأي أنواع الخروج، سواء بتمرد وعصيان، أو بانقلاب وثورة، أو بكيد ومكر وخيانة، أو بإعانة الفتانين والمارقين، لورود النهي عن ذلك.
حتى إذا رأت الرعية منه ما لا يوافقونه عليه، كانت حماية بيضة المسلمين، وجمع شملهم، ونبذ الفرقة والاختلاف بينهم مقدمة على التمرد والعصيان، لما فيهما من المفاسد العظيمة، والمصائب الجسيمة. قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ" متفق عليه.
فكيف إذا كان هذا الأمير من الموحدين، الذين يناصرون دين الله، وينافحون عن شرعه، ويبذلون ما في وسعهم لنشره؟
كأمثال ولاة أمرنا وملوكنا وأمراءنا من لدن عهد المؤسس رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين أيده الله ووفقه وأعانه ...
فصونوا هذه النعمة واشكروا الله عليها واعتبروا بما جرى لغيركم ثم صلوا وسلموا،،،