رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ 10/3/1446هـ

خالد محمد القرعاوي
1446/03/07 - 2024/09/10 22:20PM
 رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ 10/3/1446هـ
الحمدُ للهِ بعثَ لَنا نَبِيَّاً كَريمَاً, أَشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له:وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا. وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسُولُهُ بَعَثَهُ اللهُ بَشِيراً وَنَذِيرَاً, وَدَاعِيَاً إلى اللهِ بِإذنِهِ وَسِراجَاً مُنِيراً, صلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وأتبَاعِهِ بإحسانٍ وسلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيداً. أمَّا بعدُ: .(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيُّها الْمُؤمنونَ: لا عِيشَةَ رَضِيَّة, إلَّا بِتَحقِيقِ الْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ للهِ ولِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ. وَمَحَبَّتُنا لِرَسُولِ اللهِ  طَرِيقٌ لِمَحَبَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ القَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وفي صحيح البخاريِّ رَحِمَهُ اللهُ بِسَنَدِهِ أنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ وَمنها: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا».
أيُّها الْمُحبِّونَ للهِ ولِرَسُولِهِ: كَثِيرٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ تَقُولُ: أنَّ نَبِيَّنَا محمَّداً  وُلِدَ في مِثلِ هَذا الشَّهرِ! وَحَقِيقَةُ الأمْرِ لَمْ يَثْبُتْ لِوِلادَتِهِ تَأْرِيخٌ مُعَيَّنٌ لأنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ لَمْ يَعبَئوا بِتَأْرِيخِ مَولِدِهْ, بَل اهتَمُّوا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ, وَحَافَظُوا عَلى شَرِيعَتِهِ! نَعَمْ لَقَدْ مَولِدُهُ نُورَاً, وَمَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً, ليسَ لأنَّهُ مِيلادٌ بَشَرِيٌّ بَل لأنَّهُ مِيلادٌ دَعَويٌّ! لأنَّهُ مِيلادُ عَقِيدَةٍ, مِيلادُ أُمَّةٍ كَانَتْ وَثَنِّيَةً تَعْبُدُ أصْنَاماً وَأَحْجَاراً! فَجَاءَ اللهُ تَعَالى بِرَسُولٍ نَقَّها مِن الشَّرْكِ. وَصَدَقَ اللهُ:لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. إنَّهُ الْمَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ, وَصَفَ  نَفسَهُ فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ، بِيَدِيَ لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ». رواهُ ابنُ حبَّانَ وغيرُهُ. نَبِيٌّ زَكَّى البَارِي لِسَانَه فلا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, مَا زَاغَ بَصَرَه وَمَا طَغَى! جَاءَتهُ شَهَادَةٌ كُبْرَى مِنَ العَلِيِّ الأعلى:وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.بَعثَهُ اللهُ لَنَا رَحمَةً وَأَمَانَاً فَقَالَ:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.وَقَالَ:«إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهدَاةٌ».
أيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: مَحَبَّةُ رَسُولِنا صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ, وَنَعِيمٌ مُقِيمٌ, فَعَنْ أَنَس بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ  عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا». قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ  :«أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
قَالَ الشَّيخُ السَّعديُّ رحمهُ اللهُ:(محبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، يَتعَيَّنُ تَقدِيمُهما على مَحبَّةِ كُلِّ شَيءٍ، من الآباءِ والأمَّهَاتِ وَأَبْنَاءِ وَإِخْوَانِ النَّسَبِ والعِشيرَةِ وَأَزْوَاجِكُمْ وَقَرَابَاتِكم عُمُوماً وَأَمْوَالٍ ومَسَاكِنَ حَسَنَةٍ, فإنْ كانت هذه الأشياءُ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ؟ فأنتم فَسَقَةٌ ظَلَمَةٌ).
عبادَ اللهِ: حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ  تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً, ومِن جِهَةٍ أُخرَى, طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ, وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ. وإذا كانَتِ الْمَحَبَّةُ قَلبِيَّةً! فَلابُدَّ مِن ظُهورِ ذلِكَ على الجَوَارِحِ قَولاً وَعَمَلاً ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, كَمَا كانَ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ رَضيَ اللهِ عنهم يُبَايِعُونَهُ  على إتِّبَاعِهِ في مَنْشَطِهِم وَمَكْرَهِهِم, بَاذِلِينَ أَموَالَهم وأَنفُسَهم فِي سَبِيلِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ. فَمَنْ قَدَّمَ هَديَ النَّبِيِّ  على رَغَبَاتِ نَفْسِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ, مَنْ تَحَاكَمَ إلى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ, مَنْ حَقَّقَ الطَّاعةَ وَلَزِمَ الجَمَاعَةَ وَسَلَكَ سَبِيلَ الْمُؤمِنينَ فَهُوَ مُحِبٌّ لِلهِ وَلِرَسُولِهِ ولِلمُؤمنينَ, مَنْ تَأَسَّ بِأخلاقِهِ وَآدَابِهِ وَمُعَامَلاتِهِ وعِبَادَاتِهِ فَهُوَ مُحِبٌّ لِرَسُولِ اللهِ  فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. فَاللهمَّ ارزقنا حُبَّ نَبِيِّنَا  واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِنَاً. أقولُ مَا سَمعْتُمِ، وَأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم وَللمسلمين مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاستَغفِروهُ وتُوبُوا إليهِ إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية/ الحمدُ للهِ مَنَّ علينا بِالْمَكرُمَاتِ, أَشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ الأَرضِ والسَّمَواتِ, وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه الرَّحمَةُ الْمُهداةُ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأِصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهجِهِم بِإحسَانٍ إلى يَومِ الْمَمَاتِ. أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ لعَلَّكُم تَهتَدُونَ.
مَعاشِرَ الْمُؤمنينَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ، فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي ومَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ. فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ  حَتَّى نَزَّلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا  ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا.
حَقَّاً لَقد كَانَ حُبَّاً صَادِقَاً بَعَثَ فِي قُلوبِهِم إِيمَانَاً وَنُورَاً, ومعَ الأسَفِ الشَّدِيدِ بَعضُ مَنْ يَنتَسِبُ للإسلاَمِ غَالَوا في حُبِّهِمْ حتى خَرَجُوا عن حُدودِ الشَّرِيعَةِ وَوَقَعُوا في بَرَاثِنِ الشَّركِ والإخلالِ بالعقيدَةِ. لِذا حَرِصَ رَسُولُنا  على حِمَايَةِ جَنَابِ التَّوحيدِ وَخَافَ على أُمَّتِهِ من الضَّلالِ والغُلُوِّ وَالْغِوَايَةِ فَقَالَ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ».
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَصَلَ الْحَالُ لِبَعْضِ من ينتَسِبُ للإسلامِ أَنَّهُمْ يدَّعُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ  يَعلَمُ الغَيبَ! وَيَكشِفُ الضُّرَ! وَيَجلِبُ النَّفْعَ! وَذَلِكَ واللهِ شِرْكٌ عَظيمٌ وَتَكْذِيبٌ لِرَبِّ العالَمِينَ القائِلِ في كِتَابِهِ الْمُبينِ:قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.وَإنَّ مِن أَعظَمِ الفِرَى وأَشَّدِ الْمُنكَرَاتِ, مَا بُلِيت بِهِ كَثِيرٌ مِن بِلادِنا الإسلامِيَّةِ, مِن إقَامَةِ لَيالِي الْمَوالِدِ, وإنشادِ الْمَدَائِحِ والقَصَائِدِ, التي وَصَلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ باللهِ, وَكُلَّمَا اشْتَدَّ الجَهْلُ وُجِدَ الغُلُوُّ وَالانْحِرَافُ! عِبَادَ اللهِ: تَحقِيقُ الْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ تكُونُ بِاتِّبَاع سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ  وَالأَخْذِ بِوصِيَّتِهِ حينَ قَالَ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». فاللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدَاً, اللهمَّ اهدِنا لأحسن الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ واصرفْ عَنَّا سَيِّئَهَا ياربَّ العالَمينَ. اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والْمسلمين في كلِّ مكانٍ . اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ، الذينَ يُفسِدونَ في الأرضِ ولا يُصلِحونَ. اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى, وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ. اللهم احمِ حُدُودَنا وانْصُر جُنودَنا وبلادَ الْمسلمينَ. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والْمسلمينَ أجمعينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
 
المشاهدات 1403 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا