رسالة للمغردين من منبر الحرم
صالح العويد
1434/05/02 - 2013/03/14 19:29PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لله دره من خطيب وموضوع حساس نحتاجه في هذاالوقت
الحمد لله ذي العز القاهر ، والسلطان الظاهر ، سبحانه عز مجده ، وعلا سلطانه ، عَلِم فَسَتر ، وقدِر فغَفَر ، أحمده سبحانه وأشكره ، أَسْبَغَ النعمةَ ، وأجزل المنة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً تقود إلى رضوانه والجنة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، أفضل خلق الله ، وأهداهم إليه سبيلًا ، وأدلُّهم عليه طريقًا ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله السادةِ الأبرار ، وأصحابه الميامين الأخيار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، ما تعاقب الليلُ والنهار ، وسلم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله رحمكم الله ، فـ«الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهََََِ»(1) الأمانيَّ، في مرور الأعوام تصرُّم الأعمار ، فما أسرعَ انقضاء الليالي والأيام ! {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 ، 93] .
جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره ، وحسن عمله ، وغُفِر ذنبُه ، وثقل ميزانه .
أيها المسلمون! وإن من أعظم ما يستوقف الناظرَ ، ويبحث على المحاسبة الجادة ، قولُ نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في الحديث الصحيح: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-(2) ؛ إنها المحاسبة الجادة ، والفحص الدقيق .
معاشر المسلمين! للكلمة أثرها ، وللصورة مفعولها ، في أي وسيلة ، في خطبة أو مقالة ، أو محاضرة أو تغريدة ، من خطيب أو متحدث ، أو كاتب أو داعية ، وفي أي وسيلة من وسائل الإعلام والتواصل ، وفي هذا الزمن في تقنياته واتصالاته وتدويناته وتغريداته ، ومواقعه وشبكاته ، وإعلامه وقنواته ، وسيلته كلها الكلمة والصورة ، فويل للمتهاونين من المغردين والمتابعين ، فكم هي العواقب التي تكلف الكثير والكثير من الأنفس والأموال والجهود .
معاشر الأحبة! إن تهاون الناس ولا سيما الفتيان والفتيات بما ينعتونه بالثرثرة الجماعية من خلال المجاميع التي ينظمونها أو ينتظمون فيها في هواتفهم وأجهزتهم ، بل يتسارعون لإحراز قصب السبق في نشر المعلومات أو تلقيها ، بقطع النظر عن صحتها أو دقتها ، أو خطرها ، بل الخطر فيما تؤول إليه من نتائج خطيرة على الدين والعقيدة ، وعلى البلاد وأهلها ، وعلى الأمن والاستقرار ، مما ينشر الإرباك والاضطراب ، بل الخوف والإرهاب .
ويزداد الخطر والخوف وسوء العواقب حين لا تُعرف مصادر هذه الأخبار والإشاعات ، ولا أغراض نشرها وهدفهم ، فلا مصداقية ولا موثوقية ، «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» .
هذه الوسائل والمواقع وَسَطُ خِصْب ، وبيئةٌ للإشاعات والأخبار المختَلِفة والمخْتَلَقة ، والآراء والرؤى غير المسؤولة .
ناهيكم بأن كثيرًا ممن يشتغل بنقل هذه الكلمات والصور والأخبار الخطيرة هم الفارغون البطَّالون ، الذين ليس لديهم ما يشغلون به أوقاتهم من الخير والنفع لهم ولدينهم وأمتهم وأوطانهم .
ويعلم المتابع العاقل فضلا عن المتخصص أنهم لا في العير ولا في النفير ، فالواحد منهم متكئ على أريكته وملازم للوحته وعاكف على جهازه يلقي الكلام على عواهنه هنا وهناك .
كم كلمة أو تغريدة قالت لصاحبها: دعني ، وكم تدوينة تهوي بقائلها في نار جهنم ابعد ما بين المشرق والمغرب ، كلمات تخرج كالسهام من أفواه البنادق ، يقتل بها نفسه ، ويهلك أهله ، ويجرئ الأعداء ، ويمكن للخصوم ، ويبذر بذور الفرقة ، وينفخ في أبواق الفتنة ، زاحم البنان عنده اللسان ، ليوغل في التعقيب والتصنيف ، والهدم والإفساد ، في كلمات وصور ومقاطع تستهزئ وتسخر من مكونات مجتمعه ، وكأنه قد تطوع ليسود صورته أمام الآخرين ، ويوثقها صوتا وصورة ، وكأنه مأجور ليدمر نفسه ، ويهدم بيته ، ويتنكر لهويته ، إذا سمع خبرا طار به كل مطار ، ينشره ويبثه ، يفاخر بأنه حاز السبق في نشره ، والكلمة تبلغ الآفاق متخطية حواجز الزمان والمكان في أجزاء من الثواني بلمسة بنان ، أو غمزة أزرار .
بل حقه أن يحاسب نفسه قبل أن يطلق لسانه ، أو يغمز بنانه ، أو يخط مقاله ، أو يغرد تغريدته ، أين الحقيقة؟ وأين المصلحة؟ وأين الديانة؟ وأين الأمانة؟
يا ترى: هل هؤلاء يوسعون الآفاق؟ أو يحفرون الأنفاق؟
هل هم يبنون أو يهدمون؟
هل هم يجمعون أو يفرقون؟
هل يزرعون الأمل أو يقودون لليأس؟
هل يرفعون من مقام أهلهم وأوطانهم أو يحقرون الذوات ، ويسحقون النفوس؟
إن ما يفسده هؤلاء المساكين الأغرار في لحظات قد لا يمكن علاجه سنوات ، وقد يكلف أموالا نفوسا ، وقد يستعصي على العلاج ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
معاشر المسلمين! «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» ، «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»(3) .
وقد أخبرنا نبينا محمد –صلى الله عليه وعلى آله سلم- كما في الحديث الصحيح فيما رآه من أحوال الآخرة أنه يرى الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق فينشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه (4) ، فما أشده من عذاب ، وما أطوله من زمان .
معاشر الأحبة! هذه قضية ، وثمة قضية أخرى مرتبطة بها ، وهي أكبر وأخطر ، بل تكون أثرا من أثرها ، أو هدفا من أهدافها ، إنها أمن المعلومات ، بل الأمن على الدين وثوابته ووصوله ، والأمن على الأوطان ووحدتها وتماسكها ، هذه التقنيات والآلات والوسائل والمواقع جعلت المسؤولية أعظم ، وجعلت مفهوم الحرية أدق ، فالحر هو المسيطر على نفسه ، الضابط لها بضوابط العقل والدين والعلم .
الحرية هي التخلص من قيود الشهوات ، وسجون الرغبات ، الحر هو المسؤول الذي يفكر بانضباط لا انفلات ، إن هذه التقنيات فضحت بعض الذين يودون التفلت من عيون الرقيب ، وناهيكم برقيب الدين والضمير والأخلاق والمبادئ .
الإيمان دين صحيح ، والمواطنة عقل راشد ، والمسؤولية أمانة وثبات ، وسعي في المصالح العليا والدنيا ، وسير في دروب الخير والرشاد ، والحث عليها .
أيها العقلاء! الهدم سهل ، والانحدار إلى الهاوية لا يكلف ، عياذا بالله ، تأملوا في بعض جيراننا الذين يصبحون على عبوات ناسفة ، ويمسون على قذائف مدمرة ، تستهدف المنازل والمتاجر ، والمعابد والمكاتب والطوائف .
إن المراقب لبعض القوى الإقليمية والدولية الذي يحاولون أن يذكوا الصراعات الطائفية والقبيلة والمذهبية والمناطقية بمنطقتنا يحاولون أن يذكوا الصراع ثم يوظفوه ليقطعوا الدول ويبعثروا الشعوب ويشردوا الناس ، ليتوزعوا الغنائم ، ولا يهمهم البتة ولا يكترثون لمصالح شعوب المنطقة وأهلها ، أماتوا جوعا ، أو تفرقوا شيعا ، أو تناثروا طوائف ، أو تقطعوا أحزابا ، والسائل الحكيم من وعظ بغيره .
معاشر الإخوة والأحبة! نحن في هذه البلاد الطاهرة ، لقد ترك لنا الآباء والأجداد وطنا موحدا وآمنا ، بلدا كريما عريضا واسعا ، مترامي الأطراف ، عليه ولاة أمر جادون حازمون ، في المحافظة على هذه الوحدة ، وعلى هذه الأمة تحت راية لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وخدمة الحرمين الشريفين ، ورعايتهما ، فيجب أن تقدر هذه النعمة الكبرى، وان يحافظ عليها ، وأن تورث للأبناء ثم الأجيال من بعدهم بإذن الله ؛ لينعموا بما ننعم به من أمن وإيمان وخير وفضل .
الحذر ثم الحذر من خطباء الفتنة والتحريض ، ودعاة تمزيق الأوطان ، والعبث بوحدتها ، السعاة إلى تأجيج الفتنة وإثارة الفرقة ، في تهم باطلة ، وطعون ظالمة ، وناصية خاطئة كاذبة ، يصفون أوطانهم وأهليهم بأقذع الأوصاف ، بأسلوب فج ، وسوء من القول ، يقوم قائم مأفون هو الأغش للأمة والأئمة والأشد على جماعة المسلمين ليهدم الشوكة ويضعف القوة ، ويخدم الأعداء ، يزعم أنه يطالب بحقول ، ولن يكون نيل الحقوق بفحش القول والتحريض وامتطاء مطية العنصرية والطائفية والاستقواء بالسماعين والدول الأجنبية ، وأعداء الأمة ، يثير الفتن ، ويجر الأغرار ويتقوى بالخارج ، وهذه خيانة ظاهرة ، وتفريط بالبلاد ومقدراتها وأهلها ، ومثل هذا لا بد من الحزم معه ، وأطره على الحق وإلزامه جادة الصواب ، وحفظ أمن البلاد والعباد ، ووحدة الصف والكلمة .
أيها المسلمون! إن من مسؤولية الدولة وواجبها أن تضرب بيد من حديد على كل من يقترب من هذه الثوابت ؛ ليهزها أو ينال منها ، إنه عبث غير مسؤول ينال من الدين والوطن ، الدولة مسؤولة عن أمن الناس وصيانتهم وحماية حقوقهم وممتلكاتهم ، وتنظيم شؤونهم في أسواقهم وبيوتهم ومرافقهم ، الدولة بأجهزتها القضائية والتنظيمية والتنفيذية مسؤولة عن أمن الناس ، واستقرارهم وتحقيق العيش الكريم لهم ، مسؤولة عن العدل وتهيئة أسباب الحياة الطيبة.
وبعد! عباد الله ، فالحقوق متكافئة ، والحياة منظمة ، والمصالح معتبرة ، ولا يتحقق ذلك إلا في وطن قوي هادئ ، مستقر آمن ، تحكمه دولة قوية مهيمنة بقضائها ، وأجهزتها وعدالتها.
وليحذر المسلم أن يكون مطية للإفساد ، وبث روح الفرقة والخذلان لدينه ، والخيانة لوطنه ولأهله .
الحذر ثم الحذر ، أن يكون الإنسان من حيث يشعر أو لا يشعر وقودا أو حطبا لمثل هذه الدعوات الفئوية الضيقة التي لا تأخذ حسابا لأهلها وبلدها ، وأمنها وسلامتها ، فالضرر سيلحق بالجميع ، والنار ستحرق الجميع ، ومن يتقاعس عن التصدي لهؤلاء الشذاذ والمرجفين والمتطرفين أو يحاول إيجاد أعذار أو مسوغات لهم ، أو ينقدهم بضعف أو استحياء فهو شريك في إضعاف الوطن وهز كيانه .
وحدة الأوطان وسلامتها والحفاظ على دينها وأمنها لا يجوز المساس به أو العبث به بأي حال وتحت أي مسوغ .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 25- 26] .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبهدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ، من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله ، أنار بالإيمان قلوب أهل السعادة ، فأقبلت على طاعة ربه منقادة ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأعيد على الشكر بالزيادة ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أعظم بها من شهادة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله ، المخصوص بالاصطفاء والاجتباء والسيادة ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، صدقوا في الإيمان وأحسنوا العبادة ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما بقيت دعائم الدين مرفوعة ، وراياته مشادة ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد .
فيأيها المسلمون! المطالبة بالحقوق حق ، وباب التناصح مشروع ومُشْرع ، وللناس حقوقهم ومطالبهم ، والنقص يجب أن يُسدد ، والمطالب ترفع وتسمع ، ومسالك النقد والمطالبة بالإصلاح حقوق مشروعة ، إذا سلك بها المسالك الصحيحة ، فحق النقد والتعبير والرأي كل ذلك مشروع مكفول ، ويجب أن يكون مبذولا ومتاحا ما دام ملتزما بالثوابت من المحافظة على الدين بأصول ، والوطن بوحدته ، والأمة بمكوناتها .
من المقبول أن يقسوَ الناقد والمصلح بعض القسوة ، في ألفاظه وعرضه ، ولكن لا يمكن أن يُقبل الاستقواء بالأغراب ، واستعداء الأعداء ، وامتطاء مطية الكذب والتلبيس والتدليس .
إن في أوطاننا وبلداننا كتابًا وخطباء ونقادا يكتبون وينتقدون بجرأة وقوة وعقل ويطالبون ، لكنهم لا يتجاوزون ثوابت دينهم ، ومصالح بلدانهم ، ولاؤهم لأهلهم ، لا يساومون ولا يداورون ، والقصور وارد ، والكمال عزيز ، والاجتهادات تخطئ وتصيب .
يجب أن يكون الفرق واضحا بين حرية التعبير وحرية الرأي ، والتحريض والتحريش ودق معاول الهدم والتفريق ، فرق بين النقد البناء والدعوة للإصلاح وبين زرع بذور الفتن الطائفية والقبلية والمناطقية .
أصحاب الحقوق والمظالم والمطالب المشروعة حق أن يُسمع لهم ، وأن تستنهض كل المؤسسات المختصة الرسمية وغير الرسمية ليُستمع إليهم ، وينظر في مطالبهم ، فما ثبت من حق فيجب المسارعة إلى تحقيقه ، حسب إمكانات الزمان والمكان والقدرات ، وما كان غير ذلك فيكون الرد بالحسنى وتقدير حق المطالبة .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والحكيم من نظر في العواقب ، هذا واصلي وأسلم على الرحمة المهداة ، وعلى النعمة المسداة ، نبيكم محمد رسول الله ، فقد أمركم بذلك ربكم فقال في محكم تنزيله ، وهو الصداق في قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ، نبينا محمد الحبيب المصطفى ، والبشير المجتبى ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين .
وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك ، يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واخذل الطغاة والملاحدة ، وسائر أعداء المنة والدين .
اللهم أمننا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا ، وولاة أمورنا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم وفق إمامنا، وولي أمرنا بتوفيقك ، وأعزه بطاعتك ، وأعل به كلمتك ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين ، وألبسه لباس الصحة والعافية ، وأمد في عمره على طاعتك .
وإننا نحمدك اللهم على ما أنعمت به عليه من الشفاء والعافية ، فهو ولي أمرنا ، وراعي أمتنا ، ووالدنا ، خادم الحرمين الشريفين ، الملك الصالح لربه ، الواثق بفضله وإحسانه ، ونسأل الله أن يتم عليه نعمة الصحة والعافية ، وأن يمد في عمره ، ويبارك في عمله .
وأن يحفظ بلادنا، وأن يرزقها الثبات على التقوى في ظل هذه القيادة المباركة ، لقد أتم الله علينا نعمة الفرح والسرور ، وبشرى الفرحة والبهجة تغمر كل المحبين ، نابعة بعد فضل الله ومنته من مواقف قائدنا الثابتة الصادقة ، وأياديه البيضاء وصفاء قلبه ، وشفافية مسلكه ، ذلكم هو جسر العلاقة بينه وبين أبناء شعبه وأمته ، فالحقائق والشفافية والعقل والاتزان هي النهج الذي ينتهجه ويوجه إليه ، حفظه الله .
فلا عجب أن يتبوأ مكانة أكثر الشخصيات الإسلامية تأثيرا في سنوات متتاليات ، فالحمد لله على فضله ونعمائه ، ولا عزاء لأسرى الشائعات ، ولا نامت أعين المتقولين .
اللهم أدم عليه نعمة الصحة والعافية ، ووفقه ونائبه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى ، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى .
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين ، واجمع كلمتهم على الحق والهدى ، يا رب العالمين .
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز به أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم احفظ إخواننا في سوريا ، اللهم احفظ إخواننا في سوريا ، وفي بورما ، اللهم اجمع كلمتهم واحقن دماءهم ، اللهم اشف مريضهم ، وارحم ميتهم ، وآو شريدهم ، اللهم اجمع كمتهم ، وأصلح أحوالهم ، اللهم واجعل لهم من كل أمر فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ومن كل بلاء عافية ، اللهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم عليك بالطغاة الظلمة ، في سوريا وفي بروما ، اللهم إنهم قد طغوا ، وبغوا ، وغالوا وأفسدوا ، وغالوا في الطغيان ، اللهم عليك بهم ، فإنهم لا يعجزونك ، اللهم فرق جمعهم ، وشتت شملهم ، واجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز .
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}
لله دره من خطيب وموضوع حساس نحتاجه في هذاالوقت
الحمد لله ذي العز القاهر ، والسلطان الظاهر ، سبحانه عز مجده ، وعلا سلطانه ، عَلِم فَسَتر ، وقدِر فغَفَر ، أحمده سبحانه وأشكره ، أَسْبَغَ النعمةَ ، وأجزل المنة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً تقود إلى رضوانه والجنة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، أفضل خلق الله ، وأهداهم إليه سبيلًا ، وأدلُّهم عليه طريقًا ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله السادةِ الأبرار ، وأصحابه الميامين الأخيار ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ، ما تعاقب الليلُ والنهار ، وسلم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله رحمكم الله ، فـ«الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهََََِ»(1) الأمانيَّ، في مرور الأعوام تصرُّم الأعمار ، فما أسرعَ انقضاء الليالي والأيام ! {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 ، 93] .
جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره ، وحسن عمله ، وغُفِر ذنبُه ، وثقل ميزانه .
أيها المسلمون! وإن من أعظم ما يستوقف الناظرَ ، ويبحث على المحاسبة الجادة ، قولُ نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في الحديث الصحيح: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-(2) ؛ إنها المحاسبة الجادة ، والفحص الدقيق .
معاشر المسلمين! للكلمة أثرها ، وللصورة مفعولها ، في أي وسيلة ، في خطبة أو مقالة ، أو محاضرة أو تغريدة ، من خطيب أو متحدث ، أو كاتب أو داعية ، وفي أي وسيلة من وسائل الإعلام والتواصل ، وفي هذا الزمن في تقنياته واتصالاته وتدويناته وتغريداته ، ومواقعه وشبكاته ، وإعلامه وقنواته ، وسيلته كلها الكلمة والصورة ، فويل للمتهاونين من المغردين والمتابعين ، فكم هي العواقب التي تكلف الكثير والكثير من الأنفس والأموال والجهود .
معاشر الأحبة! إن تهاون الناس ولا سيما الفتيان والفتيات بما ينعتونه بالثرثرة الجماعية من خلال المجاميع التي ينظمونها أو ينتظمون فيها في هواتفهم وأجهزتهم ، بل يتسارعون لإحراز قصب السبق في نشر المعلومات أو تلقيها ، بقطع النظر عن صحتها أو دقتها ، أو خطرها ، بل الخطر فيما تؤول إليه من نتائج خطيرة على الدين والعقيدة ، وعلى البلاد وأهلها ، وعلى الأمن والاستقرار ، مما ينشر الإرباك والاضطراب ، بل الخوف والإرهاب .
ويزداد الخطر والخوف وسوء العواقب حين لا تُعرف مصادر هذه الأخبار والإشاعات ، ولا أغراض نشرها وهدفهم ، فلا مصداقية ولا موثوقية ، «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» .
هذه الوسائل والمواقع وَسَطُ خِصْب ، وبيئةٌ للإشاعات والأخبار المختَلِفة والمخْتَلَقة ، والآراء والرؤى غير المسؤولة .
ناهيكم بأن كثيرًا ممن يشتغل بنقل هذه الكلمات والصور والأخبار الخطيرة هم الفارغون البطَّالون ، الذين ليس لديهم ما يشغلون به أوقاتهم من الخير والنفع لهم ولدينهم وأمتهم وأوطانهم .
ويعلم المتابع العاقل فضلا عن المتخصص أنهم لا في العير ولا في النفير ، فالواحد منهم متكئ على أريكته وملازم للوحته وعاكف على جهازه يلقي الكلام على عواهنه هنا وهناك .
كم كلمة أو تغريدة قالت لصاحبها: دعني ، وكم تدوينة تهوي بقائلها في نار جهنم ابعد ما بين المشرق والمغرب ، كلمات تخرج كالسهام من أفواه البنادق ، يقتل بها نفسه ، ويهلك أهله ، ويجرئ الأعداء ، ويمكن للخصوم ، ويبذر بذور الفرقة ، وينفخ في أبواق الفتنة ، زاحم البنان عنده اللسان ، ليوغل في التعقيب والتصنيف ، والهدم والإفساد ، في كلمات وصور ومقاطع تستهزئ وتسخر من مكونات مجتمعه ، وكأنه قد تطوع ليسود صورته أمام الآخرين ، ويوثقها صوتا وصورة ، وكأنه مأجور ليدمر نفسه ، ويهدم بيته ، ويتنكر لهويته ، إذا سمع خبرا طار به كل مطار ، ينشره ويبثه ، يفاخر بأنه حاز السبق في نشره ، والكلمة تبلغ الآفاق متخطية حواجز الزمان والمكان في أجزاء من الثواني بلمسة بنان ، أو غمزة أزرار .
بل حقه أن يحاسب نفسه قبل أن يطلق لسانه ، أو يغمز بنانه ، أو يخط مقاله ، أو يغرد تغريدته ، أين الحقيقة؟ وأين المصلحة؟ وأين الديانة؟ وأين الأمانة؟
يا ترى: هل هؤلاء يوسعون الآفاق؟ أو يحفرون الأنفاق؟
هل هم يبنون أو يهدمون؟
هل هم يجمعون أو يفرقون؟
هل يزرعون الأمل أو يقودون لليأس؟
هل يرفعون من مقام أهلهم وأوطانهم أو يحقرون الذوات ، ويسحقون النفوس؟
إن ما يفسده هؤلاء المساكين الأغرار في لحظات قد لا يمكن علاجه سنوات ، وقد يكلف أموالا نفوسا ، وقد يستعصي على العلاج ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
معاشر المسلمين! «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» ، «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»(3) .
وقد أخبرنا نبينا محمد –صلى الله عليه وعلى آله سلم- كما في الحديث الصحيح فيما رآه من أحوال الآخرة أنه يرى الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق فينشر شدقه ومنخره وعينه إلى قفاه (4) ، فما أشده من عذاب ، وما أطوله من زمان .
معاشر الأحبة! هذه قضية ، وثمة قضية أخرى مرتبطة بها ، وهي أكبر وأخطر ، بل تكون أثرا من أثرها ، أو هدفا من أهدافها ، إنها أمن المعلومات ، بل الأمن على الدين وثوابته ووصوله ، والأمن على الأوطان ووحدتها وتماسكها ، هذه التقنيات والآلات والوسائل والمواقع جعلت المسؤولية أعظم ، وجعلت مفهوم الحرية أدق ، فالحر هو المسيطر على نفسه ، الضابط لها بضوابط العقل والدين والعلم .
الحرية هي التخلص من قيود الشهوات ، وسجون الرغبات ، الحر هو المسؤول الذي يفكر بانضباط لا انفلات ، إن هذه التقنيات فضحت بعض الذين يودون التفلت من عيون الرقيب ، وناهيكم برقيب الدين والضمير والأخلاق والمبادئ .
الإيمان دين صحيح ، والمواطنة عقل راشد ، والمسؤولية أمانة وثبات ، وسعي في المصالح العليا والدنيا ، وسير في دروب الخير والرشاد ، والحث عليها .
أيها العقلاء! الهدم سهل ، والانحدار إلى الهاوية لا يكلف ، عياذا بالله ، تأملوا في بعض جيراننا الذين يصبحون على عبوات ناسفة ، ويمسون على قذائف مدمرة ، تستهدف المنازل والمتاجر ، والمعابد والمكاتب والطوائف .
إن المراقب لبعض القوى الإقليمية والدولية الذي يحاولون أن يذكوا الصراعات الطائفية والقبيلة والمذهبية والمناطقية بمنطقتنا يحاولون أن يذكوا الصراع ثم يوظفوه ليقطعوا الدول ويبعثروا الشعوب ويشردوا الناس ، ليتوزعوا الغنائم ، ولا يهمهم البتة ولا يكترثون لمصالح شعوب المنطقة وأهلها ، أماتوا جوعا ، أو تفرقوا شيعا ، أو تناثروا طوائف ، أو تقطعوا أحزابا ، والسائل الحكيم من وعظ بغيره .
معاشر الإخوة والأحبة! نحن في هذه البلاد الطاهرة ، لقد ترك لنا الآباء والأجداد وطنا موحدا وآمنا ، بلدا كريما عريضا واسعا ، مترامي الأطراف ، عليه ولاة أمر جادون حازمون ، في المحافظة على هذه الوحدة ، وعلى هذه الأمة تحت راية لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وخدمة الحرمين الشريفين ، ورعايتهما ، فيجب أن تقدر هذه النعمة الكبرى، وان يحافظ عليها ، وأن تورث للأبناء ثم الأجيال من بعدهم بإذن الله ؛ لينعموا بما ننعم به من أمن وإيمان وخير وفضل .
الحذر ثم الحذر من خطباء الفتنة والتحريض ، ودعاة تمزيق الأوطان ، والعبث بوحدتها ، السعاة إلى تأجيج الفتنة وإثارة الفرقة ، في تهم باطلة ، وطعون ظالمة ، وناصية خاطئة كاذبة ، يصفون أوطانهم وأهليهم بأقذع الأوصاف ، بأسلوب فج ، وسوء من القول ، يقوم قائم مأفون هو الأغش للأمة والأئمة والأشد على جماعة المسلمين ليهدم الشوكة ويضعف القوة ، ويخدم الأعداء ، يزعم أنه يطالب بحقول ، ولن يكون نيل الحقوق بفحش القول والتحريض وامتطاء مطية العنصرية والطائفية والاستقواء بالسماعين والدول الأجنبية ، وأعداء الأمة ، يثير الفتن ، ويجر الأغرار ويتقوى بالخارج ، وهذه خيانة ظاهرة ، وتفريط بالبلاد ومقدراتها وأهلها ، ومثل هذا لا بد من الحزم معه ، وأطره على الحق وإلزامه جادة الصواب ، وحفظ أمن البلاد والعباد ، ووحدة الصف والكلمة .
أيها المسلمون! إن من مسؤولية الدولة وواجبها أن تضرب بيد من حديد على كل من يقترب من هذه الثوابت ؛ ليهزها أو ينال منها ، إنه عبث غير مسؤول ينال من الدين والوطن ، الدولة مسؤولة عن أمن الناس وصيانتهم وحماية حقوقهم وممتلكاتهم ، وتنظيم شؤونهم في أسواقهم وبيوتهم ومرافقهم ، الدولة بأجهزتها القضائية والتنظيمية والتنفيذية مسؤولة عن أمن الناس ، واستقرارهم وتحقيق العيش الكريم لهم ، مسؤولة عن العدل وتهيئة أسباب الحياة الطيبة.
وبعد! عباد الله ، فالحقوق متكافئة ، والحياة منظمة ، والمصالح معتبرة ، ولا يتحقق ذلك إلا في وطن قوي هادئ ، مستقر آمن ، تحكمه دولة قوية مهيمنة بقضائها ، وأجهزتها وعدالتها.
وليحذر المسلم أن يكون مطية للإفساد ، وبث روح الفرقة والخذلان لدينه ، والخيانة لوطنه ولأهله .
الحذر ثم الحذر ، أن يكون الإنسان من حيث يشعر أو لا يشعر وقودا أو حطبا لمثل هذه الدعوات الفئوية الضيقة التي لا تأخذ حسابا لأهلها وبلدها ، وأمنها وسلامتها ، فالضرر سيلحق بالجميع ، والنار ستحرق الجميع ، ومن يتقاعس عن التصدي لهؤلاء الشذاذ والمرجفين والمتطرفين أو يحاول إيجاد أعذار أو مسوغات لهم ، أو ينقدهم بضعف أو استحياء فهو شريك في إضعاف الوطن وهز كيانه .
وحدة الأوطان وسلامتها والحفاظ على دينها وأمنها لا يجوز المساس به أو العبث به بأي حال وتحت أي مسوغ .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 25- 26] .
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبهدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين ، من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله ، أنار بالإيمان قلوب أهل السعادة ، فأقبلت على طاعة ربه منقادة ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأعيد على الشكر بالزيادة ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أعظم بها من شهادة ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله ، المخصوص بالاصطفاء والاجتباء والسيادة ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، صدقوا في الإيمان وأحسنوا العبادة ، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان ما بقيت دعائم الدين مرفوعة ، وراياته مشادة ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد .
فيأيها المسلمون! المطالبة بالحقوق حق ، وباب التناصح مشروع ومُشْرع ، وللناس حقوقهم ومطالبهم ، والنقص يجب أن يُسدد ، والمطالب ترفع وتسمع ، ومسالك النقد والمطالبة بالإصلاح حقوق مشروعة ، إذا سلك بها المسالك الصحيحة ، فحق النقد والتعبير والرأي كل ذلك مشروع مكفول ، ويجب أن يكون مبذولا ومتاحا ما دام ملتزما بالثوابت من المحافظة على الدين بأصول ، والوطن بوحدته ، والأمة بمكوناتها .
من المقبول أن يقسوَ الناقد والمصلح بعض القسوة ، في ألفاظه وعرضه ، ولكن لا يمكن أن يُقبل الاستقواء بالأغراب ، واستعداء الأعداء ، وامتطاء مطية الكذب والتلبيس والتدليس .
إن في أوطاننا وبلداننا كتابًا وخطباء ونقادا يكتبون وينتقدون بجرأة وقوة وعقل ويطالبون ، لكنهم لا يتجاوزون ثوابت دينهم ، ومصالح بلدانهم ، ولاؤهم لأهلهم ، لا يساومون ولا يداورون ، والقصور وارد ، والكمال عزيز ، والاجتهادات تخطئ وتصيب .
يجب أن يكون الفرق واضحا بين حرية التعبير وحرية الرأي ، والتحريض والتحريش ودق معاول الهدم والتفريق ، فرق بين النقد البناء والدعوة للإصلاح وبين زرع بذور الفتن الطائفية والقبلية والمناطقية .
أصحاب الحقوق والمظالم والمطالب المشروعة حق أن يُسمع لهم ، وأن تستنهض كل المؤسسات المختصة الرسمية وغير الرسمية ليُستمع إليهم ، وينظر في مطالبهم ، فما ثبت من حق فيجب المسارعة إلى تحقيقه ، حسب إمكانات الزمان والمكان والقدرات ، وما كان غير ذلك فيكون الرد بالحسنى وتقدير حق المطالبة .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، فالسعيد من وعظ بغيره ، والحكيم من نظر في العواقب ، هذا واصلي وأسلم على الرحمة المهداة ، وعلى النعمة المسداة ، نبيكم محمد رسول الله ، فقد أمركم بذلك ربكم فقال في محكم تنزيله ، وهو الصداق في قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ، نبينا محمد الحبيب المصطفى ، والبشير المجتبى ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين .
وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين ، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك ، يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واخذل الطغاة والملاحدة ، وسائر أعداء المنة والدين .
اللهم أمننا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا ، وولاة أمورنا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك ، واتبع رضاك يا رب العالمين .
اللهم وفق إمامنا، وولي أمرنا بتوفيقك ، وأعزه بطاعتك ، وأعل به كلمتك ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين ، وألبسه لباس الصحة والعافية ، وأمد في عمره على طاعتك .
وإننا نحمدك اللهم على ما أنعمت به عليه من الشفاء والعافية ، فهو ولي أمرنا ، وراعي أمتنا ، ووالدنا ، خادم الحرمين الشريفين ، الملك الصالح لربه ، الواثق بفضله وإحسانه ، ونسأل الله أن يتم عليه نعمة الصحة والعافية ، وأن يمد في عمره ، ويبارك في عمله .
وأن يحفظ بلادنا، وأن يرزقها الثبات على التقوى في ظل هذه القيادة المباركة ، لقد أتم الله علينا نعمة الفرح والسرور ، وبشرى الفرحة والبهجة تغمر كل المحبين ، نابعة بعد فضل الله ومنته من مواقف قائدنا الثابتة الصادقة ، وأياديه البيضاء وصفاء قلبه ، وشفافية مسلكه ، ذلكم هو جسر العلاقة بينه وبين أبناء شعبه وأمته ، فالحقائق والشفافية والعقل والاتزان هي النهج الذي ينتهجه ويوجه إليه ، حفظه الله .
فلا عجب أن يتبوأ مكانة أكثر الشخصيات الإسلامية تأثيرا في سنوات متتاليات ، فالحمد لله على فضله ونعمائه ، ولا عزاء لأسرى الشائعات ، ولا نامت أعين المتقولين .
اللهم أدم عليه نعمة الصحة والعافية ، ووفقه ونائبه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى ، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى .
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، صلى الله عليه وسلم ، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين ، واجمع كلمتهم على الحق والهدى ، يا رب العالمين .
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز به أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم احفظ إخواننا في سوريا ، اللهم احفظ إخواننا في سوريا ، وفي بورما ، اللهم اجمع كلمتهم واحقن دماءهم ، اللهم اشف مريضهم ، وارحم ميتهم ، وآو شريدهم ، اللهم اجمع كمتهم ، وأصلح أحوالهم ، اللهم واجعل لهم من كل أمر فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ومن كل بلاء عافية ، اللهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم عليك بالطغاة الظلمة ، في سوريا وفي بروما ، اللهم إنهم قد طغوا ، وبغوا ، وغالوا وأفسدوا ، وغالوا في الطغيان ، اللهم عليك بهم ، فإنهم لا يعجزونك ، اللهم فرق جمعهم ، وشتت شملهم ، واجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز .
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}
صالح العويد
وفقني الله وإياه وإياكم والمسلمين لكل خير
تعديل التعليق