رسالة إلى مدخّن
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1432/03/20 - 2011/02/23 23:13PM
رسـالة إلى مدخّـن
بسم الله الرحمان الرحيم. الحمد لله ربّ العالمين، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللهم فصلّ و سلّم و بارك عليه، و على آله و صحبه، و على كلّ من اهتدى بهديه، و استنّ بسنّته، و اقتفى أثره إلى يوم الدين، و بعد:
أخي في الله، أكتب لك هذه الرسالة و كلّي أمل في أن تقرأها و تعطي محتوياتها، ما تستحقّ، و تحاول أن تطبّق ما فيها.
أنا أعلم أنّك ابتليت ببلوى عنيدة، لا تقدر على تجنبها بسهولة، و لكن عليك بالاستعانة بالله و العزم الصّادق على معالجة نفسك، و لتكن إرادتك إرادة أبطال، و بإذن الله ستحقّق هدفك.
أخي في الله، يا من ابتليت بالتدخين، يا من تجرّعت تلك السّموم الثلاثة ( التبغ 90 بالمائة، قطران 10 مغ، و النيكوتين ,80 مغ )، هذه المعلومات استقيناها من الوكالة الوطنية التّونسية للتبغ و الوقيد..
أتسمح لي بالغوص معا في جولة في عمق التجارب الحياتية اليومية لنعلم خلالها أسرار السجائر، مضارها، إنعكاساتها، و كيفيّة التخلّص منه.
و هذه الجولة نذكّر بها الغافل، و نعلّم بها الجاهل، و نخوّف بها الضّال عن الطريق القويم. جولة نريد بها اتّباع الحقّ و النصح لله تبارك و تعالى، و التعاون على البرّ و التقوى.. فلنبدأ من البداية و لتكن مع أحد الأطباء الصادقين المقتدرين، ليبيّن لنا مضار التدخين بمختلف أنواعه.
الأضرار الصحيّــة
استطاع الأطباء بمختلف تخصّصاتهم أن يتوصّلوا إلى أنّ الإصابة بالأمراض سببها التدخين و الإدمان عليه، و من أهمّها:
أ – الأمراض الباطنية:
للتدخين علاقة وثيقة مع جهاز الهضم، حيث يصاب المدخّن بفقدان الشهيّة للطعام أو الإسهال أو اضطرابات الغدد الهاضمة، و يضيف الدكتور الأستاذ زهير القلاّل: كما أنّ التدخين يسبّب قرحة المعدة و حسب الإحصائيات فإنّ 87% من المصابين بهذه القرحة هم عادة من المدمنين على التدخين، كما أنّه يسبّب سرطان المعدة و قرحة الأمعاء الدقيقة، كما يؤثّر على إفراز الغدد اللعابية، فيزيد من إفرازها و يتغيّر تركيب اللعاب كميائيّا، و تقلّ فيه المادّة الهاضمة للنشويات و هذا يسبّب اضطرابا في الهضم، كما أنّ عملية التهاب الطحان المتكرّرة هي أكثر انتشارا بين المدخنين.
أمّا تأثير التدخين على الأسنان و اللثّة، فيؤكد لنا الدكتور محمّد شكيب بوقطف الاختصاصي في جراحة و تمريض الأسنان، أنّه أكثر تأثير عليهما معا حيث أنّ المواد السامّة الموجودة في التبغ تؤثّر على طبقة المينا التي تغطّي الأسنان فتتآكل و يحدث بها شقوق مما يتيح دخول البكتريا و الفطريات و الميكروبات إلى طبقة العاج ممّا يسبّب تسوّس الأسنان و سقوطها مبكّرا.
ب – أمراض القلب و الشرايين:
في هذا المجال كان لقاؤنا بالدكتور حُسِين الزرقوني الاختصاصي في أمراض القلب و الشرايين، جدّ مثمر حيث أفادنا بأنّ تأثير التدخين على القلب و تصلّب الشرايين يرجع إلى مادتين هما: النيكوتين، و أوّل أكسيد الكربون، و تأثير النيكوتين على القلب و الجهاز الدوري يتركّز فيما يلي:
1) زيادة عدد ضربات القلب.
2) انقباض الشرايين بما فيها شرايين القلب.
3) زيادة التصاق الصفائح المسؤولة عن تكوّن الجلطات.
و يضيف الدكتور الزرقوني: إنّ ارتباط التدخين بتصلّب الشرايين و خاصّة شرايين السّاقين، أشدّ حتّى من ارتباط التدخين بجلطات القلب، و أكّدت الإحصائيات أن 95% من مرضى شرايين السّاقين هم من المدمنين على التدخين، و أنّ 5% فقط هم من غير المدخّنين، كما أنّ الإصابة تتضاعف بالنسبة للمصابين بمرض السكّري المدخنين.
ج – أمراض الجهاز التنفسي:
يعدّ التدخين من أهمّ أسباب تأزّم و تطوّر أمراض الجهاز التنفسي بأكمله، و مرجع ذلك، حسب أحد الأطبّاء المتخصّصين، أنّ المواد السّامة الموجودة في دخان السجائر تدخل إلى الجسم البشري عبر الأنف و الفمّ، ثم البلعوم فالحنجرة، فالقصبة الهوائية، فالشعب الهوائية، فالحويصلات الهوائية، و منها إلى الدم الذي يتولّى توزيع هذه السموم على بقيّة أعضاء الجسم.
ماذا يمكن أن تعرف عن سرطان الرئة ؟ : يعتبر التدخين بجميع أنواعه أهمّ سبب لسرطان الرئة، حيث يحتوي على مادّة القار و المكوّن من مواد مسبّبة للسرطان من أهمّها: الهيدروكربون، النيتروامين، البنزبايرين، و يعتبر وجود جزء واحد على الألف مليون من تلك المكوّنات في الهواء خطرا على صحّة الإنسان.
إنّ من يدخّن السجائر يواجه خطر سرطان الرئة في كلّ لحظة من عمره، أضعاف ذلك الذي لا يدخّن، و قد قام الأطباء و العلماء بأخذ كميّة من دخّان السجائر المترسّب و وضعوها على جلود الحيوانات في المختبر، و سرعان ما أصيبت تلك الحيوانات بسرطان الجلد، و أعادوا التجربة مرّة أخرى و جعلوا الحيوانات تستنشق هذا الدخان فأصيبت بسرطان الرئة.
د – أمراض الجهاز العصبي:
ينقسم الجهاز العصبي للإنسان إلى قسمين:
1) القسم المركزي: و يتألّف من الدّماغ الموجود داخل الجمجمة و يتكوّن من:
المخّ و المخيخ و النخاع المستطيل " الحبل الشوكي " وهو يمتدّ داخل العمود الفقري.
2) القسم الطرفي: وهو يتكوّن من الأعصاب المتّصلة بالقسم المركزي.
يؤثّر دخان التبغ تأثيرا بالغا على القسم المركزي ممّا يؤدّي إلى إصابة المدخّن بالآتي:
أ – الصداع و الدوران و ضعف الذّاكرة.
ب – عدم القدرة على التوازن خاصّة عند المدمن.
ج – الأرق المرير و الطّويل الذي يمتدّ إلى صباح اليوم التّالي.
د – يضعف الذّاكرة و يوهن النشاط الذهني، و إنّ النشاط الذّهني الذي يعتقده المدخّن لدى تدخينه سيجارته ما هو إلاّ وهم من الخيال.
أمّا تأثير التدخين على القسم الطرفي فهو على النحو التالي:
أ – ضعف الأعصاب.
ب- شلل الأعصاب الجزئي.
ج- إذا كان المدخّن من المفرطين فإنّه يكون عصبي المزاج سريع الإثارة، يغضب بسرعة و يرتبك في المواقف الحرجة.
و يتّضح تأثير التدخين على حواس الإنسان في ما يلي:
أ – حاسّة التذوّق: يفقد المدخّن إحساسه بتذوّق الأطعمة.
ب- حاسّة الشمّ: يفقد أيضا إحساسه بشمّ الروائح و التمييز بينها.
هـ - أمراض الجهاز البولي:
التدخين هو أحد الأسباب الرئيسية لإصابة الجهاز البولي المكوّن من ( الكلية، الحالبين، المثانة، قناة مجرى البول )، بكثيرٍ من الأمراض، من أهمّها و أخطرها: سرطان الكلى، أورام المثانة الحميدة و السرطانية، التسمّم البولي، قرحة المثانة.. و قد وجد الباحثون أنّ المواد السرطانية الموجودة في التدخين يفرزها الدّم إلى الكلى، و منها مع البول إلى المثانة، و ببقاء هذه المواد السرطانية في المثانة كلّ يوم لمدّة ساعات، فإنّ جدار المثانة يصاب بالسرطان، و المتأمّل للمدخّن في هذه الآونة يجد أنّه يعاني من أمراض ينوء بها كاهله و يعجز هو عن صراعها بسبب ضعف جهاز المناعة لديه..
و- أمراض العيــون:
إنّ حاسّة الأبصار هي إحدى نعم الله على الإنسان وهي منحة جليلة ونعمة جزيلة أعطانا الله إياها، و لكنّنا تركنا النفس لهواها تدمّر نعم ربّها، و لم نوف جزءًا يسيرًا من حقّ شكرها..
إنّ أهمّ الأمراض التي يسبّبها التدخين هي: تصلّب شرايين العين، ضمور العصب البصري، انفصال الشبكيّة، الماء الأبيض و الماء الأزرق، إصابة الشعيرات الدمويّة التي تغذّي العين بالدّم بالتجلّط ممّا يؤدّي إلى العمى..
ز- أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة:
لقد وجد أنّ الأمراض التي تصيب ذلك الجزء الحيوي من الجسم مرجعه التدخين.. و من أهمّ هذه الأمراض: التهاب الأغشية المخاطية المبطنة للأنف، ضمور في العصب السمعي و ضعف السّمع قد يؤدّي إلى الصمم، التهاب طبلة الأذن، التهاب الأحبال الصوتية و انحباس الصوت..
ي – التدخين و الجنس:
إنّ أثر التدخين على النّاحية الجنسية عند الإنسان، معروف و ثابت علميا، فقد أجرى الباحثون دراسات عديدة على الرجال و النساء، تبيّن لهم أنّ دخان التّبغ يضعف المقدرة الجنسية عند الرجال و يخفّف الرغبة الجنسية عند النساء..
الأمراض النفسيّـة
1) هبوط مستوى الذّكاء.
2) المزاج العصبي و القلق و الشرود عند المدخّن.
3) حبّ التسلّط عند المدخّن.
4) ملامح شخصية المدخّن غير متميّزة بل هي متذبذبة.
* الأضرار الاجتماعيّة و الاقتصاديّة:
1) من خلال إحصائية داخلية في أمريكا، تبيّن أنّ ما يصرفه 60 مليون مدخّن هناك، يساوي 4 مليارات دولار في السنة..
2) كما وجد في العالمين العربي و الإسلامي أنّ ما ينفق من مالٍ فيه إسراف و تبذير في معصية الله تبارك و تعالى..
3) معظم الحرائق تقع بسبب تحرّك بقايا السجائر..
4) كما تبيّن أنّ رائحة السيجارة تؤذي الناس الّذين لا يدخّنون و تضايقهم، خصوصا في الأماكن العمومية و الفضاءات المشتركة..
صديقي العزيز، قبل التوجّه إلى العلم و رجاله لمعرفة حكم التدخين، نقرأ هذين التقريرين:
التقرير الأوّل: " التدخين سبب أكبر وفيات في العالم ".
كشف تقرير أعدّه أحد مراكز البحوث في الغرب، عن أنّ التدخين يؤدّي إلى أعلى نسبة وفيات في العالم بالمقارنة للحروب و المجاعات و الكوارث الطبيعيّة.
و يبلغ عدد المتوفّين كلّ عام بسبب التدخين 2،5 مليون شخص في العالم، أي 5 بالمائة من إجمالي عدد المتوفّين سنويّا، في حين تخصّص منظمة الصحّة العالميّة 1 بالمائة فقط من ميزانيتها لمكافحة التدخين..
و يعتبر العالم الثالث أكثر المناطق إقبالا على التدخين، لدرجة أنّه تزايد بشكلٍ كبيرٍ في الأعوام الأخيرة التي شهدت تقلّبات مثيرة في أجزاء متفرّقة من الكرة الأرضية. كما أنّ عدد المدخّنين قد ارتفع بنسبة 75 بالمائة في العالم كلّه في العقدين السّابقين، ممّا يعني تزايد المصابين بسرطان الرئة بنسبة مرتفعة في بداية هذا القرن..
التقرير الثاني: " عدد الوفيات في تزايد مفزع ".
أعدّ فريق من العلماء و المتخصّصين و الأطّباء في تونس، دراسة عن مضار التدخين، قالت: إنّه عامل قاتل للبشرية أكثر من المجاعات و الحروب و الكوارث.. وهو نفس محتوى التقرير الذي أعدّه أحد مراكز البحوث في الغرب.. و دعت هذه الدراسة إلى اتّخاذ إجراءات عملية متطوّرة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.. و قالت أنّ عدد الوفيات التي يسبّبها التدخين سيزداد بنسبة 50 بالمائة في بداية القرن الحالي، ما لم تُتّخذ الوسائل الكفيلة بالحدّ منه..
صديقي في الله، بعد الانتهاء من جولتنا الصحيّة مع العلماء و الأطباء و المختصّين و آرائهم حول التدخين و مضاره، تنقلنا هذه الرسالة إلى العلماء و الفقهاء الصّادقين المخلصين ليبيّنوا لنا حكم التدخين و المتاجرة به..
أ – ما حكم التدخين و ما حكم الاتّجار به ؟
الدّخان محرّم لكونه خبيثا و مشتملا على أضرارٍ كثيرة، و الله تبارك و تعالى إنّما أباح لعباده الطيّبات من المآكل و المشارب و غيرها، و حرّم عليهم الخبائث، قال عزّ و جلّ: " يسألُونَكَ ماذا أَحَلَّ لهُم قُلْ أَحَلَّ لكم الطيّبات ". و قال تبارك و تعالى في وصف نبيّه محمّد صلى الله عليه و سلم في سورة الأعراف: " يأمرهُمْ بالمعْرُوفِ و يَنْهَاهُمْ عنِ المُنْكَرِ و يحلّ لهم الطيّباتِ و يُحَرِّمُ عليهم الخبائثَ ".
و الدّخان بأنواعه كلّها ليس من الطيّبات، بل هو من الخبائث و هكذا جميع المسكّرات، كلّها من الخبائثِ، و الدّخان لا يجوز تعاطيه ( شربه ) و لا بيعه و لا المتاجرة فيه كالخمر، و الواجب على من كان يتعاطيه أو يتاجر فيه، أن يعلن التوبة و الإنابة إلى الله تبارك و تعالى، و الندم على ما مضى، و العزم الصّادق على ألاّ يعود إلى المعصية، و من تاب توبة صادقة نصوحا تاب الله تعالى عليه و أعانه على اجتنابه مصداقا لقول الحقّ تبارك و تعالى: " و توبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون ". و قوله سبحانه: " و إنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ و آمَنَ و عَمِلَ صالحًا ثم اهتدى ". ( سورة طه الآية: 82 )
و التدخين حرام على ما يقتضيه ظاهر الكتاب، و السنّة الشريفة، و الاعتبار الصحيح.. أمّا القرآن فقوله تعالى: " و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".( سورة البقرة الآية: 195 ) أي: لا تفعلوا سببا يكون فيه هلاككم.. و وجه دلالتها: أنّ التدخين من الإلقاء بيد المدخّن إلى التهلكة..
و أمّا ما جاء في السنّة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنّه نهى عن إضاعة المال في غير مصلحة، إضاعة المال في شراء السجائر يعتبر صرف له في غير مصلحة، و إنّما صرف له في ما فيه مضرّة.. و الدليل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم: " لا ضرر و لا ضرار ". فالضرر منفيّ شرعا، سواء كان في البدن، أو في العقل، أو في المال نفسه، و من المسلّم به أنّ التدخين ضرر في البدن، و في المال..
و أمّا الاعتبار الصحيح الذي يدلّ على تحريم التدخين، في كونه أنّ المدخّن يوقع نفسه في ما فيه مضرّة و قلق و تعب بدني و نفسي، و العاقل لا يرضى لنفسه بذلك، و لا تسأل عن حالة المدمن، و ضيق صدره إذا فقد السجائر، و ما أثقل العبادات و خاصّة الصيام عليه لأنّه يحول بينه و بين التدخين.. بل ما أثقل المجالسة للصّالحين الذي لا يمكن أن يدخّن أمامهم، فإنّك تجده قلقا من الجلوس معهم و من مصاحبتهم.. و كلّ هذه الاعتبارات تدلّ على أنّ التدخين محرّم، فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بالتدخين، أن يستعينوا بالله عزّ و جلّ، و يعقدوا العزم على تركه و التخلّص منه إلى الأبد، و في العزيمة الصّادقة مع الاستعانة بالله تبارك و تعالى، و رجاء ثوابه باتباع أوامره، و الهرب من عقابه بترك معاصيه، ففي ذلك كلّه معونة على الإقلاع عنه، و من المعونة على الإقلاع عنه أن يبتعد الإنسان المدخّن عن الجلوس مع متعاطيه حتّى لا تسوّل له نفسه الأمّارة بالسّوء أن يعود إلى التدخين، و أن يدخّن مع المجموعة، و سيجد الإنسان الذي أقلع بمعاودة التدخين نشاطا في جسمه، و حيوية و متعة لا يجدها إلاّ عندما يطلق دخان السيجارة في الهواء..
من بين الأطباء الذين تحاورنا معهم، من يدمن على التدخين و شرب القهوة، و منهم من هو ملتزم محافظ على أداء صلاة الفجر في وقتها و في المسجد، و منهم من لا يعرف طريق المساجد.. و قد تساءل أحدهم قائلا: إنّنا لا نجد النصّ في القرآن الكريم و سنّة الرسول صلى الله عليه و سلم، الذي يحرّم التدخين بعينه، فالجواب على هذا السؤال صريح، هو أنّ نصوص الكتاب و السنّة على نوعين:
الأوّل: نوع تكون أدلّة عامّة كالضوابط و القواعد التي يدخل تحتها جزئيات كثيرة إلى يوم القيامة..
الثاني: نوع آخر تكون دالة على الأمر بعينه..
مثال الأوّل: ما أشرنا إليه من الآية القرآنية و الحديثين الشريفين، التي تدلّ بعمومها منها على تحريم التدخين، و إن لم ينص عليه بعينه..
مثال الثاني: قوله تعالى: " حُرِّمَت علَيْكُم الميْتَةُ و لَحْمُ الخِنْزِيرِ و ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ".( سورة المائدة الآية: 3 ). و قوله تعالى: " يا أيُّها الّذينَ آمنوا إِنَّما الخَمْرُ و المَيْسِرُ و الأنْصَابُ و الأزْلامُ رِجْسٌ من عملِ الشيطانِ فاجْتَنِبُوهُ لعلّكم تفلحون ".( المائدة الآية: 90 ) .
و سواء كانت النّصوص من النّوع الأول أو من النوع الثاني فإنّها ملزمة لعباد الله بما تقتضيه من الدّلالة..
* * * *
ما هي البراهين التي تثبت علاقة التدخين بسرطان الرئة ؟
1) البرهان الأوّل :
التدخين بأنواعه المختلفة، آفة صحيّة من آفات هذا العصر على مستوى الأفراد، و أحد المشاكل الرئيسيّة المباحة التي أرهقت بلادنا و التي لا يعاقب عليها القانون.. و التدخين يسبّب أنواعا عديدة من السرطان، أهمّها سرطان الرئة..
لقد كان سرطان الرئة مرضا نادرا قبل الخمسينات حيث كان عدد الإصابات غير ملفت للنظر، و قد ارتفع هذا العدد في العشرية الثانية للاستقلال بشكل ملحوظ، و ليس هناك من شكّ أنّ أهمّ الأسباب التي أدّت إلى هذه الزيادة في الإصابات هو التدخين و انتشار الشيشة في كلّ مكان..
* إنّ سرطان الرئة مرض نادر بين غير المدخنين، وهو أكثر السرطانات انتشارا مع سرطان الجهاز الهضمي..
* إنّ نسبة الإصابات في تصاعد رهيب و مستمرّ بازدياد عدد السجائر المستهلكة و ازدياد مدّة التدخين، و تقلّ هذه النسبة تدريجيّا عند الإقلاع عن التدخين ممّا يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ، العلاقة المباشرة بين التدخين و سرطان الرئة. و من ثمّة فإنّ هذا النوع من السرطان يشكّل أحد الأمراض الهامة المستعصية على الطبّ الموجودة في العالم..
* إنّ الأبحاث العلمية المتواصلة أظهرت أنّ التدخين بجميع أنواعه، يسبّب أمراضا سرطانية عديدة في أنواع مختلفة من الحيوانات..
* إنّ لسرطان الرئة أنواع مختلفة، و أنّ احتمال الإصابة بها يزداد نتيجة الزيادة الحاصلة في الأنواع التي يسبّبها التدخين، أمّا الأمراض السرطانية الأخرى التي ليست لها علاقة مباشرة بالتدخين فقد بقيت تماما كما كانت قبل ظهور " عصر أمراض التدخين ".
2) البرهان الثاني :
التدخين هو أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى أمراض الرئة المزمنة و غير السرطانية. إنّه لمن الواضح علميا أنّ التدخين يسبّب تغييرات في القصبات الهوائية، و الرئة تتطوّر تدريجيا حتّى تسبّب التهاب القصبات المزمن. يبدأ هذا المرض كسعال بسيط في الصباح، لا يعيره المدمن على التدخين اهتماما ( سعلة السجائر )، و السعلة هي الكحّة، ثم تتطوّر هذه الأخيرة إلى ضيق التنفّس و النزلات الصدرية المتكرّرة، و الصفير عند التنفّس، و في الحالات المتقدّمة يصعب على المصاب القيام بأيّ مجهود بدني..
* ما هي الموادّ التي تسبّب السرطان ؟
إنّه من الصعب التحقّق من ماهية هذه المادّة. و لكن العلم أكّد أنّ امتصاص السيجارة و ابتلاع الدخان المحترق يؤدّي إلى ظهور موادّ عضوية منها ما يتسبّب مباشرة في وقوع المرض و على رأس هذه الموادّ: النتروزامين و البينزوبيران. و يعتقد الأطباء أنّ هذه الموادّ تسبّب ضررا كبيرا داخل القصبات الهوائية، و النسيج الرئوي، فتفقد بالتالي خاصّية الانقسام المنضبط، و تدخل في عملية انقسام مضطرب، فتقع الإصابة بالسرطان.
و يمكن للجسم في البداية إذا أقلع الإنسان عن التدخين، إصلاح الأضرار التي أحدثتها أربعة أنواع من الموادّ الكيمياوية التي أفرزها احتراق التبغ، وهي الموادّ المكوّنة للسيجارة وهي حسب الأهمية و قيمة الضرر:
1) النيكوتين. 2) غاز أوكسيد الفحم.
3) الموادّ السرطانيّة.
4) المواد الإضافية الأخرى المعقّدة.
لقد أثبتت دراسات علمية قامت بها الجمعية التونسية لمكافحة السرطان، على المراهقين أنّ أمراض الرئة المزمنة قد تنشأ بعد تدخين 5-10 سجائر في اليوم لمدّة عام أو عامين.. كما أنّ وجود المصفاة ليس بضمان وإنّما من الاحتياطات المتّخذة عند الاضطرار لمواصلة التدخين، كتفضيل السجائر التي تكون نسبة القطران فيها ضعيفة..
* هل يصيب المرض أعضاء أخرى ؟
نعم، زيادة على الأمراض الرئوية المزمنة التي يسبّبها الدّخان، فهو يزيد بعض الأمراض و يلحق الضرر بالأعضاء التي هي باتّصال مع دخان التبغ، فتتدهور حالتها شيئا فشيئا إلى أن تصبح سرطانيّة: الفم و اللّسان، الحنجرة و المري و ألرغامي و قصبات الرئة، كما يصيب المثانة عند إخراج المواد المسمّمة عن طريق البول. و من أهمّ أعراض الإصابة البحّة و ظهور تقرّح طفيف على اللّسان يتطوّر يوما بعد يوم.
هذه السرطانات خطيرة و تستعصي أغلبها على العلاج، و غالبا ما تؤدّي بالمصاب إلى الموت خلال بضعة شهور..
* البرهان الثالث:
التدخين يسبّب انسدادا في شرايين القلب، و هذا بدوره يؤدّي إلى الذبحة القلبية.. حول هذه المسألة أفادنا الدكتور حسين الزرقوني، أنّ الأبحاث الطبية أظهرت بشكل غير قابل للجدل، التأثير السيّئ للتدخين على القلب و الشرايين، إنّ هذا الضرر يبدأ من تدخين السيجارة الأولى حتّى ولو لم يخزن ( يبلع ) المدخن الدّخان، إذ أنّ مادّة النيكوتين تذوب في اللّعاب و تُمتصّ بواسطة الدّم، و تسبّب تقلّصا واضحا في قطر شرايين القلب و باقي شرايين الجسم..
تأثير الدّخان على القلب و الشرايين:
يقول الدكتور الزرقوني: لا يختلف اثنان في أنّ الشرايين هي الأوعية الدموية التي يسلكها الدّم حاملا الغذاء و الأوكسجين إلى جميع أعضاء الجسم، و أهمّها القلب و المخّ.. و عليه فإنّ سلامة هذه الأوعية ضرورية حتّى لا يصعب تدفّق الدّم، الذي يمكن أن يؤدّي إلى ظهور خلل دائم أو مؤقت في عمل و تكوين الأوعية..
الملاحظ اليوم أنّ للتبغ تأثيرا سلبيا على الشرايين، إذ تتصلّب و يتقلّص قطرها و يصعب على الدّم المرور عبرها ممّا يؤدّي إلى سدّ الشرايين و ظهور الذبحة أو السكتة القلبية..
أمّا بالنسبة للقلب، يقول الدكتور الزرقوني: يواجه القلب تأثيرا آخر لا يقلّ خطورة عن تأثير التدخين على الشرايين، و ذلك بأن يزيد النيكوتين في نبضات القلب، أي تزيد إلى عمله الطبيعي عبئا آخر مع نقص متزايد في كميّة الدّم التي تحتاج إليها نظرا لانسداد الشاريين.. و تكون النتيجة ظهور آلام في الصدر تتفاقم و تتطوّر إن لم يعالج المريض بالمؤسّسات المختصّة، إلى آلام شديدة حتّى في وقت الرّاحة، ثم تظهر الذبحة الصدرية أو حتّى السكتة القلبية..
* بحث أمّنه:
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب
بسم الله الرحمان الرحيم. الحمد لله ربّ العالمين، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللهم فصلّ و سلّم و بارك عليه، و على آله و صحبه، و على كلّ من اهتدى بهديه، و استنّ بسنّته، و اقتفى أثره إلى يوم الدين، و بعد:
أخي في الله، أكتب لك هذه الرسالة و كلّي أمل في أن تقرأها و تعطي محتوياتها، ما تستحقّ، و تحاول أن تطبّق ما فيها.
أنا أعلم أنّك ابتليت ببلوى عنيدة، لا تقدر على تجنبها بسهولة، و لكن عليك بالاستعانة بالله و العزم الصّادق على معالجة نفسك، و لتكن إرادتك إرادة أبطال، و بإذن الله ستحقّق هدفك.
أخي في الله، يا من ابتليت بالتدخين، يا من تجرّعت تلك السّموم الثلاثة ( التبغ 90 بالمائة، قطران 10 مغ، و النيكوتين ,80 مغ )، هذه المعلومات استقيناها من الوكالة الوطنية التّونسية للتبغ و الوقيد..
أتسمح لي بالغوص معا في جولة في عمق التجارب الحياتية اليومية لنعلم خلالها أسرار السجائر، مضارها، إنعكاساتها، و كيفيّة التخلّص منه.
و هذه الجولة نذكّر بها الغافل، و نعلّم بها الجاهل، و نخوّف بها الضّال عن الطريق القويم. جولة نريد بها اتّباع الحقّ و النصح لله تبارك و تعالى، و التعاون على البرّ و التقوى.. فلنبدأ من البداية و لتكن مع أحد الأطباء الصادقين المقتدرين، ليبيّن لنا مضار التدخين بمختلف أنواعه.
الأضرار الصحيّــة
استطاع الأطباء بمختلف تخصّصاتهم أن يتوصّلوا إلى أنّ الإصابة بالأمراض سببها التدخين و الإدمان عليه، و من أهمّها:
أ – الأمراض الباطنية:
للتدخين علاقة وثيقة مع جهاز الهضم، حيث يصاب المدخّن بفقدان الشهيّة للطعام أو الإسهال أو اضطرابات الغدد الهاضمة، و يضيف الدكتور الأستاذ زهير القلاّل: كما أنّ التدخين يسبّب قرحة المعدة و حسب الإحصائيات فإنّ 87% من المصابين بهذه القرحة هم عادة من المدمنين على التدخين، كما أنّه يسبّب سرطان المعدة و قرحة الأمعاء الدقيقة، كما يؤثّر على إفراز الغدد اللعابية، فيزيد من إفرازها و يتغيّر تركيب اللعاب كميائيّا، و تقلّ فيه المادّة الهاضمة للنشويات و هذا يسبّب اضطرابا في الهضم، كما أنّ عملية التهاب الطحان المتكرّرة هي أكثر انتشارا بين المدخنين.
أمّا تأثير التدخين على الأسنان و اللثّة، فيؤكد لنا الدكتور محمّد شكيب بوقطف الاختصاصي في جراحة و تمريض الأسنان، أنّه أكثر تأثير عليهما معا حيث أنّ المواد السامّة الموجودة في التبغ تؤثّر على طبقة المينا التي تغطّي الأسنان فتتآكل و يحدث بها شقوق مما يتيح دخول البكتريا و الفطريات و الميكروبات إلى طبقة العاج ممّا يسبّب تسوّس الأسنان و سقوطها مبكّرا.
ب – أمراض القلب و الشرايين:
في هذا المجال كان لقاؤنا بالدكتور حُسِين الزرقوني الاختصاصي في أمراض القلب و الشرايين، جدّ مثمر حيث أفادنا بأنّ تأثير التدخين على القلب و تصلّب الشرايين يرجع إلى مادتين هما: النيكوتين، و أوّل أكسيد الكربون، و تأثير النيكوتين على القلب و الجهاز الدوري يتركّز فيما يلي:
1) زيادة عدد ضربات القلب.
2) انقباض الشرايين بما فيها شرايين القلب.
3) زيادة التصاق الصفائح المسؤولة عن تكوّن الجلطات.
و يضيف الدكتور الزرقوني: إنّ ارتباط التدخين بتصلّب الشرايين و خاصّة شرايين السّاقين، أشدّ حتّى من ارتباط التدخين بجلطات القلب، و أكّدت الإحصائيات أن 95% من مرضى شرايين السّاقين هم من المدمنين على التدخين، و أنّ 5% فقط هم من غير المدخّنين، كما أنّ الإصابة تتضاعف بالنسبة للمصابين بمرض السكّري المدخنين.
ج – أمراض الجهاز التنفسي:
يعدّ التدخين من أهمّ أسباب تأزّم و تطوّر أمراض الجهاز التنفسي بأكمله، و مرجع ذلك، حسب أحد الأطبّاء المتخصّصين، أنّ المواد السّامة الموجودة في دخان السجائر تدخل إلى الجسم البشري عبر الأنف و الفمّ، ثم البلعوم فالحنجرة، فالقصبة الهوائية، فالشعب الهوائية، فالحويصلات الهوائية، و منها إلى الدم الذي يتولّى توزيع هذه السموم على بقيّة أعضاء الجسم.
ماذا يمكن أن تعرف عن سرطان الرئة ؟ : يعتبر التدخين بجميع أنواعه أهمّ سبب لسرطان الرئة، حيث يحتوي على مادّة القار و المكوّن من مواد مسبّبة للسرطان من أهمّها: الهيدروكربون، النيتروامين، البنزبايرين، و يعتبر وجود جزء واحد على الألف مليون من تلك المكوّنات في الهواء خطرا على صحّة الإنسان.
إنّ من يدخّن السجائر يواجه خطر سرطان الرئة في كلّ لحظة من عمره، أضعاف ذلك الذي لا يدخّن، و قد قام الأطباء و العلماء بأخذ كميّة من دخّان السجائر المترسّب و وضعوها على جلود الحيوانات في المختبر، و سرعان ما أصيبت تلك الحيوانات بسرطان الجلد، و أعادوا التجربة مرّة أخرى و جعلوا الحيوانات تستنشق هذا الدخان فأصيبت بسرطان الرئة.
د – أمراض الجهاز العصبي:
ينقسم الجهاز العصبي للإنسان إلى قسمين:
1) القسم المركزي: و يتألّف من الدّماغ الموجود داخل الجمجمة و يتكوّن من:
المخّ و المخيخ و النخاع المستطيل " الحبل الشوكي " وهو يمتدّ داخل العمود الفقري.
2) القسم الطرفي: وهو يتكوّن من الأعصاب المتّصلة بالقسم المركزي.
يؤثّر دخان التبغ تأثيرا بالغا على القسم المركزي ممّا يؤدّي إلى إصابة المدخّن بالآتي:
أ – الصداع و الدوران و ضعف الذّاكرة.
ب – عدم القدرة على التوازن خاصّة عند المدمن.
ج – الأرق المرير و الطّويل الذي يمتدّ إلى صباح اليوم التّالي.
د – يضعف الذّاكرة و يوهن النشاط الذهني، و إنّ النشاط الذّهني الذي يعتقده المدخّن لدى تدخينه سيجارته ما هو إلاّ وهم من الخيال.
أمّا تأثير التدخين على القسم الطرفي فهو على النحو التالي:
أ – ضعف الأعصاب.
ب- شلل الأعصاب الجزئي.
ج- إذا كان المدخّن من المفرطين فإنّه يكون عصبي المزاج سريع الإثارة، يغضب بسرعة و يرتبك في المواقف الحرجة.
و يتّضح تأثير التدخين على حواس الإنسان في ما يلي:
أ – حاسّة التذوّق: يفقد المدخّن إحساسه بتذوّق الأطعمة.
ب- حاسّة الشمّ: يفقد أيضا إحساسه بشمّ الروائح و التمييز بينها.
هـ - أمراض الجهاز البولي:
التدخين هو أحد الأسباب الرئيسية لإصابة الجهاز البولي المكوّن من ( الكلية، الحالبين، المثانة، قناة مجرى البول )، بكثيرٍ من الأمراض، من أهمّها و أخطرها: سرطان الكلى، أورام المثانة الحميدة و السرطانية، التسمّم البولي، قرحة المثانة.. و قد وجد الباحثون أنّ المواد السرطانية الموجودة في التدخين يفرزها الدّم إلى الكلى، و منها مع البول إلى المثانة، و ببقاء هذه المواد السرطانية في المثانة كلّ يوم لمدّة ساعات، فإنّ جدار المثانة يصاب بالسرطان، و المتأمّل للمدخّن في هذه الآونة يجد أنّه يعاني من أمراض ينوء بها كاهله و يعجز هو عن صراعها بسبب ضعف جهاز المناعة لديه..
و- أمراض العيــون:
إنّ حاسّة الأبصار هي إحدى نعم الله على الإنسان وهي منحة جليلة ونعمة جزيلة أعطانا الله إياها، و لكنّنا تركنا النفس لهواها تدمّر نعم ربّها، و لم نوف جزءًا يسيرًا من حقّ شكرها..
إنّ أهمّ الأمراض التي يسبّبها التدخين هي: تصلّب شرايين العين، ضمور العصب البصري، انفصال الشبكيّة، الماء الأبيض و الماء الأزرق، إصابة الشعيرات الدمويّة التي تغذّي العين بالدّم بالتجلّط ممّا يؤدّي إلى العمى..
ز- أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة:
لقد وجد أنّ الأمراض التي تصيب ذلك الجزء الحيوي من الجسم مرجعه التدخين.. و من أهمّ هذه الأمراض: التهاب الأغشية المخاطية المبطنة للأنف، ضمور في العصب السمعي و ضعف السّمع قد يؤدّي إلى الصمم، التهاب طبلة الأذن، التهاب الأحبال الصوتية و انحباس الصوت..
ي – التدخين و الجنس:
إنّ أثر التدخين على النّاحية الجنسية عند الإنسان، معروف و ثابت علميا، فقد أجرى الباحثون دراسات عديدة على الرجال و النساء، تبيّن لهم أنّ دخان التّبغ يضعف المقدرة الجنسية عند الرجال و يخفّف الرغبة الجنسية عند النساء..
الأمراض النفسيّـة
1) هبوط مستوى الذّكاء.
2) المزاج العصبي و القلق و الشرود عند المدخّن.
3) حبّ التسلّط عند المدخّن.
4) ملامح شخصية المدخّن غير متميّزة بل هي متذبذبة.
* الأضرار الاجتماعيّة و الاقتصاديّة:
1) من خلال إحصائية داخلية في أمريكا، تبيّن أنّ ما يصرفه 60 مليون مدخّن هناك، يساوي 4 مليارات دولار في السنة..
2) كما وجد في العالمين العربي و الإسلامي أنّ ما ينفق من مالٍ فيه إسراف و تبذير في معصية الله تبارك و تعالى..
3) معظم الحرائق تقع بسبب تحرّك بقايا السجائر..
4) كما تبيّن أنّ رائحة السيجارة تؤذي الناس الّذين لا يدخّنون و تضايقهم، خصوصا في الأماكن العمومية و الفضاءات المشتركة..
صديقي العزيز، قبل التوجّه إلى العلم و رجاله لمعرفة حكم التدخين، نقرأ هذين التقريرين:
التقرير الأوّل: " التدخين سبب أكبر وفيات في العالم ".
كشف تقرير أعدّه أحد مراكز البحوث في الغرب، عن أنّ التدخين يؤدّي إلى أعلى نسبة وفيات في العالم بالمقارنة للحروب و المجاعات و الكوارث الطبيعيّة.
و يبلغ عدد المتوفّين كلّ عام بسبب التدخين 2،5 مليون شخص في العالم، أي 5 بالمائة من إجمالي عدد المتوفّين سنويّا، في حين تخصّص منظمة الصحّة العالميّة 1 بالمائة فقط من ميزانيتها لمكافحة التدخين..
و يعتبر العالم الثالث أكثر المناطق إقبالا على التدخين، لدرجة أنّه تزايد بشكلٍ كبيرٍ في الأعوام الأخيرة التي شهدت تقلّبات مثيرة في أجزاء متفرّقة من الكرة الأرضية. كما أنّ عدد المدخّنين قد ارتفع بنسبة 75 بالمائة في العالم كلّه في العقدين السّابقين، ممّا يعني تزايد المصابين بسرطان الرئة بنسبة مرتفعة في بداية هذا القرن..
التقرير الثاني: " عدد الوفيات في تزايد مفزع ".
أعدّ فريق من العلماء و المتخصّصين و الأطّباء في تونس، دراسة عن مضار التدخين، قالت: إنّه عامل قاتل للبشرية أكثر من المجاعات و الحروب و الكوارث.. وهو نفس محتوى التقرير الذي أعدّه أحد مراكز البحوث في الغرب.. و دعت هذه الدراسة إلى اتّخاذ إجراءات عملية متطوّرة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.. و قالت أنّ عدد الوفيات التي يسبّبها التدخين سيزداد بنسبة 50 بالمائة في بداية القرن الحالي، ما لم تُتّخذ الوسائل الكفيلة بالحدّ منه..
صديقي في الله، بعد الانتهاء من جولتنا الصحيّة مع العلماء و الأطباء و المختصّين و آرائهم حول التدخين و مضاره، تنقلنا هذه الرسالة إلى العلماء و الفقهاء الصّادقين المخلصين ليبيّنوا لنا حكم التدخين و المتاجرة به..
أ – ما حكم التدخين و ما حكم الاتّجار به ؟
الدّخان محرّم لكونه خبيثا و مشتملا على أضرارٍ كثيرة، و الله تبارك و تعالى إنّما أباح لعباده الطيّبات من المآكل و المشارب و غيرها، و حرّم عليهم الخبائث، قال عزّ و جلّ: " يسألُونَكَ ماذا أَحَلَّ لهُم قُلْ أَحَلَّ لكم الطيّبات ". و قال تبارك و تعالى في وصف نبيّه محمّد صلى الله عليه و سلم في سورة الأعراف: " يأمرهُمْ بالمعْرُوفِ و يَنْهَاهُمْ عنِ المُنْكَرِ و يحلّ لهم الطيّباتِ و يُحَرِّمُ عليهم الخبائثَ ".
و الدّخان بأنواعه كلّها ليس من الطيّبات، بل هو من الخبائث و هكذا جميع المسكّرات، كلّها من الخبائثِ، و الدّخان لا يجوز تعاطيه ( شربه ) و لا بيعه و لا المتاجرة فيه كالخمر، و الواجب على من كان يتعاطيه أو يتاجر فيه، أن يعلن التوبة و الإنابة إلى الله تبارك و تعالى، و الندم على ما مضى، و العزم الصّادق على ألاّ يعود إلى المعصية، و من تاب توبة صادقة نصوحا تاب الله تعالى عليه و أعانه على اجتنابه مصداقا لقول الحقّ تبارك و تعالى: " و توبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون ". و قوله سبحانه: " و إنّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ و آمَنَ و عَمِلَ صالحًا ثم اهتدى ". ( سورة طه الآية: 82 )
و التدخين حرام على ما يقتضيه ظاهر الكتاب، و السنّة الشريفة، و الاعتبار الصحيح.. أمّا القرآن فقوله تعالى: " و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".( سورة البقرة الآية: 195 ) أي: لا تفعلوا سببا يكون فيه هلاككم.. و وجه دلالتها: أنّ التدخين من الإلقاء بيد المدخّن إلى التهلكة..
و أمّا ما جاء في السنّة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنّه نهى عن إضاعة المال في غير مصلحة، إضاعة المال في شراء السجائر يعتبر صرف له في غير مصلحة، و إنّما صرف له في ما فيه مضرّة.. و الدليل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم: " لا ضرر و لا ضرار ". فالضرر منفيّ شرعا، سواء كان في البدن، أو في العقل، أو في المال نفسه، و من المسلّم به أنّ التدخين ضرر في البدن، و في المال..
و أمّا الاعتبار الصحيح الذي يدلّ على تحريم التدخين، في كونه أنّ المدخّن يوقع نفسه في ما فيه مضرّة و قلق و تعب بدني و نفسي، و العاقل لا يرضى لنفسه بذلك، و لا تسأل عن حالة المدمن، و ضيق صدره إذا فقد السجائر، و ما أثقل العبادات و خاصّة الصيام عليه لأنّه يحول بينه و بين التدخين.. بل ما أثقل المجالسة للصّالحين الذي لا يمكن أن يدخّن أمامهم، فإنّك تجده قلقا من الجلوس معهم و من مصاحبتهم.. و كلّ هذه الاعتبارات تدلّ على أنّ التدخين محرّم، فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بالتدخين، أن يستعينوا بالله عزّ و جلّ، و يعقدوا العزم على تركه و التخلّص منه إلى الأبد، و في العزيمة الصّادقة مع الاستعانة بالله تبارك و تعالى، و رجاء ثوابه باتباع أوامره، و الهرب من عقابه بترك معاصيه، ففي ذلك كلّه معونة على الإقلاع عنه، و من المعونة على الإقلاع عنه أن يبتعد الإنسان المدخّن عن الجلوس مع متعاطيه حتّى لا تسوّل له نفسه الأمّارة بالسّوء أن يعود إلى التدخين، و أن يدخّن مع المجموعة، و سيجد الإنسان الذي أقلع بمعاودة التدخين نشاطا في جسمه، و حيوية و متعة لا يجدها إلاّ عندما يطلق دخان السيجارة في الهواء..
من بين الأطباء الذين تحاورنا معهم، من يدمن على التدخين و شرب القهوة، و منهم من هو ملتزم محافظ على أداء صلاة الفجر في وقتها و في المسجد، و منهم من لا يعرف طريق المساجد.. و قد تساءل أحدهم قائلا: إنّنا لا نجد النصّ في القرآن الكريم و سنّة الرسول صلى الله عليه و سلم، الذي يحرّم التدخين بعينه، فالجواب على هذا السؤال صريح، هو أنّ نصوص الكتاب و السنّة على نوعين:
الأوّل: نوع تكون أدلّة عامّة كالضوابط و القواعد التي يدخل تحتها جزئيات كثيرة إلى يوم القيامة..
الثاني: نوع آخر تكون دالة على الأمر بعينه..
مثال الأوّل: ما أشرنا إليه من الآية القرآنية و الحديثين الشريفين، التي تدلّ بعمومها منها على تحريم التدخين، و إن لم ينص عليه بعينه..
مثال الثاني: قوله تعالى: " حُرِّمَت علَيْكُم الميْتَةُ و لَحْمُ الخِنْزِيرِ و ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ".( سورة المائدة الآية: 3 ). و قوله تعالى: " يا أيُّها الّذينَ آمنوا إِنَّما الخَمْرُ و المَيْسِرُ و الأنْصَابُ و الأزْلامُ رِجْسٌ من عملِ الشيطانِ فاجْتَنِبُوهُ لعلّكم تفلحون ".( المائدة الآية: 90 ) .
و سواء كانت النّصوص من النّوع الأول أو من النوع الثاني فإنّها ملزمة لعباد الله بما تقتضيه من الدّلالة..
* * * *
ما هي البراهين التي تثبت علاقة التدخين بسرطان الرئة ؟
1) البرهان الأوّل :
التدخين بأنواعه المختلفة، آفة صحيّة من آفات هذا العصر على مستوى الأفراد، و أحد المشاكل الرئيسيّة المباحة التي أرهقت بلادنا و التي لا يعاقب عليها القانون.. و التدخين يسبّب أنواعا عديدة من السرطان، أهمّها سرطان الرئة..
لقد كان سرطان الرئة مرضا نادرا قبل الخمسينات حيث كان عدد الإصابات غير ملفت للنظر، و قد ارتفع هذا العدد في العشرية الثانية للاستقلال بشكل ملحوظ، و ليس هناك من شكّ أنّ أهمّ الأسباب التي أدّت إلى هذه الزيادة في الإصابات هو التدخين و انتشار الشيشة في كلّ مكان..
* إنّ سرطان الرئة مرض نادر بين غير المدخنين، وهو أكثر السرطانات انتشارا مع سرطان الجهاز الهضمي..
* إنّ نسبة الإصابات في تصاعد رهيب و مستمرّ بازدياد عدد السجائر المستهلكة و ازدياد مدّة التدخين، و تقلّ هذه النسبة تدريجيّا عند الإقلاع عن التدخين ممّا يثبت بما لا يدع مجالا للشكّ، العلاقة المباشرة بين التدخين و سرطان الرئة. و من ثمّة فإنّ هذا النوع من السرطان يشكّل أحد الأمراض الهامة المستعصية على الطبّ الموجودة في العالم..
* إنّ الأبحاث العلمية المتواصلة أظهرت أنّ التدخين بجميع أنواعه، يسبّب أمراضا سرطانية عديدة في أنواع مختلفة من الحيوانات..
* إنّ لسرطان الرئة أنواع مختلفة، و أنّ احتمال الإصابة بها يزداد نتيجة الزيادة الحاصلة في الأنواع التي يسبّبها التدخين، أمّا الأمراض السرطانية الأخرى التي ليست لها علاقة مباشرة بالتدخين فقد بقيت تماما كما كانت قبل ظهور " عصر أمراض التدخين ".
2) البرهان الثاني :
التدخين هو أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى أمراض الرئة المزمنة و غير السرطانية. إنّه لمن الواضح علميا أنّ التدخين يسبّب تغييرات في القصبات الهوائية، و الرئة تتطوّر تدريجيا حتّى تسبّب التهاب القصبات المزمن. يبدأ هذا المرض كسعال بسيط في الصباح، لا يعيره المدمن على التدخين اهتماما ( سعلة السجائر )، و السعلة هي الكحّة، ثم تتطوّر هذه الأخيرة إلى ضيق التنفّس و النزلات الصدرية المتكرّرة، و الصفير عند التنفّس، و في الحالات المتقدّمة يصعب على المصاب القيام بأيّ مجهود بدني..
* ما هي الموادّ التي تسبّب السرطان ؟
إنّه من الصعب التحقّق من ماهية هذه المادّة. و لكن العلم أكّد أنّ امتصاص السيجارة و ابتلاع الدخان المحترق يؤدّي إلى ظهور موادّ عضوية منها ما يتسبّب مباشرة في وقوع المرض و على رأس هذه الموادّ: النتروزامين و البينزوبيران. و يعتقد الأطباء أنّ هذه الموادّ تسبّب ضررا كبيرا داخل القصبات الهوائية، و النسيج الرئوي، فتفقد بالتالي خاصّية الانقسام المنضبط، و تدخل في عملية انقسام مضطرب، فتقع الإصابة بالسرطان.
و يمكن للجسم في البداية إذا أقلع الإنسان عن التدخين، إصلاح الأضرار التي أحدثتها أربعة أنواع من الموادّ الكيمياوية التي أفرزها احتراق التبغ، وهي الموادّ المكوّنة للسيجارة وهي حسب الأهمية و قيمة الضرر:
1) النيكوتين. 2) غاز أوكسيد الفحم.
3) الموادّ السرطانيّة.
4) المواد الإضافية الأخرى المعقّدة.
لقد أثبتت دراسات علمية قامت بها الجمعية التونسية لمكافحة السرطان، على المراهقين أنّ أمراض الرئة المزمنة قد تنشأ بعد تدخين 5-10 سجائر في اليوم لمدّة عام أو عامين.. كما أنّ وجود المصفاة ليس بضمان وإنّما من الاحتياطات المتّخذة عند الاضطرار لمواصلة التدخين، كتفضيل السجائر التي تكون نسبة القطران فيها ضعيفة..
* هل يصيب المرض أعضاء أخرى ؟
نعم، زيادة على الأمراض الرئوية المزمنة التي يسبّبها الدّخان، فهو يزيد بعض الأمراض و يلحق الضرر بالأعضاء التي هي باتّصال مع دخان التبغ، فتتدهور حالتها شيئا فشيئا إلى أن تصبح سرطانيّة: الفم و اللّسان، الحنجرة و المري و ألرغامي و قصبات الرئة، كما يصيب المثانة عند إخراج المواد المسمّمة عن طريق البول. و من أهمّ أعراض الإصابة البحّة و ظهور تقرّح طفيف على اللّسان يتطوّر يوما بعد يوم.
هذه السرطانات خطيرة و تستعصي أغلبها على العلاج، و غالبا ما تؤدّي بالمصاب إلى الموت خلال بضعة شهور..
* البرهان الثالث:
التدخين يسبّب انسدادا في شرايين القلب، و هذا بدوره يؤدّي إلى الذبحة القلبية.. حول هذه المسألة أفادنا الدكتور حسين الزرقوني، أنّ الأبحاث الطبية أظهرت بشكل غير قابل للجدل، التأثير السيّئ للتدخين على القلب و الشرايين، إنّ هذا الضرر يبدأ من تدخين السيجارة الأولى حتّى ولو لم يخزن ( يبلع ) المدخن الدّخان، إذ أنّ مادّة النيكوتين تذوب في اللّعاب و تُمتصّ بواسطة الدّم، و تسبّب تقلّصا واضحا في قطر شرايين القلب و باقي شرايين الجسم..
تأثير الدّخان على القلب و الشرايين:
يقول الدكتور الزرقوني: لا يختلف اثنان في أنّ الشرايين هي الأوعية الدموية التي يسلكها الدّم حاملا الغذاء و الأوكسجين إلى جميع أعضاء الجسم، و أهمّها القلب و المخّ.. و عليه فإنّ سلامة هذه الأوعية ضرورية حتّى لا يصعب تدفّق الدّم، الذي يمكن أن يؤدّي إلى ظهور خلل دائم أو مؤقت في عمل و تكوين الأوعية..
الملاحظ اليوم أنّ للتبغ تأثيرا سلبيا على الشرايين، إذ تتصلّب و يتقلّص قطرها و يصعب على الدّم المرور عبرها ممّا يؤدّي إلى سدّ الشرايين و ظهور الذبحة أو السكتة القلبية..
أمّا بالنسبة للقلب، يقول الدكتور الزرقوني: يواجه القلب تأثيرا آخر لا يقلّ خطورة عن تأثير التدخين على الشرايين، و ذلك بأن يزيد النيكوتين في نبضات القلب، أي تزيد إلى عمله الطبيعي عبئا آخر مع نقص متزايد في كميّة الدّم التي تحتاج إليها نظرا لانسداد الشاريين.. و تكون النتيجة ظهور آلام في الصدر تتفاقم و تتطوّر إن لم يعالج المريض بالمؤسّسات المختصّة، إلى آلام شديدة حتّى في وقت الرّاحة، ثم تظهر الذبحة الصدرية أو حتّى السكتة القلبية..
* بحث أمّنه:
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
الإمام الخطيب