رسالة إلى المرضى وأهل البلاء
طلال شنيف الصبحي
1437/06/19 - 2016/03/28 06:17AM
رسالة إلى المرضى وأهل البلاء 23 / 3 / 1435 ه
الحمد لله الذي بحكمته أنزل الداء، ومن عدله وحكمته وفضله جعل لكل داء دواء. علمه من علمه، وجهله من جهله. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يريد بها النجاة من عذاب الله يوم لقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى, ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله
أيها المسلمون، الدنيا دارُ عمل وابتلاء، لا يسلم العبد فيها من سقم يكدِّر صفوَ حياته، أو مرض يوهن قوته وحاله، والبلاء نعمةٌ، والمرض والشدة بشارة، وربنا سبحانه يرحم بالبلاء ويبتلي بالنعماء، ومرارة الدنيا للمؤمن هي بعينها حلاوة الآخرة، وكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمةٍ حرمانُه شفاؤه، وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ .والبلاء عنوان المحبة، وطريق الجنة، يقول النبي : ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) والعافية من أجلِّ نعم الله على عباده وأجزل عطاياه عليهم، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) وهي من أول ما يحاسب عليه العبد في الآخرة، يقول المصطفى : ((أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك، ونروِّك من الماء البارد؟!)) وإن من أشد التمحيص سلب العافية أو اعتلالها، وصفوة البشر عليهم الصلاة والسلام ابتُلوا بالأمراض، دخل ابن مسعود رضي الله عنه على النبي وهو يُوعَك فقال: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً! قال: ((أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)). وأحاط المرض بأيوب عليه السلام سنين عدداً. في المرض رفع للدرجات وحطٌّ للأوزار، ((ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تُحط الشجرة ورقها)) متفق عليه
والمريض يُكتب له ما كان يعمل من النوافل في حال صحته، وفي المرض يكثر الدعاء وتشتد الضراعة، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء، ومستخرج الشكر بالعطاء. في مرض المؤمن زيادةٌ لإيمانه وتوكله على ربه وحسن ظنه بمولاه، وكل مُصيبة في غير الدين عافية.
أيها المسلمون، لا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى سواه، والراقي والرقية, والطبيب والدواء, أسباب ييسِّر الله بها الشفاء، فافعل الأسباب وتداوى بالمباح، ولا تُقبل على الطبيب بالكلية، فالمداوي بشر لا يملك نفعاً ولا ضراً، وتوكل على ربك وفوِّض أمرك إليه، فهو النافع الضار، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ،والتجئ إليه فليس كل دواء ينفع، ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)). وأنفع الأدوية حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به. والرقية بالقرآن وما جاء في السنة أنفع الأسباب لزوال العلل، وكذا الدعاء بقلب خاشع وذل صادق ويقين خالص، والإكثار من الصدقة من خير الأدوية، وما ابتلى الله عباده بشيء إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء، وفي ديننا أدويةُ يقينية قطعية إلهية صادرة عن الوحي ومشكاة النبوة. تمر عجوة المدينة وقاية من السم والسحر، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره [ذلك اليوم] سم ولا سحر)) رواه مسلم. والماء دواء للحمى، في الحديث: ((الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)) متفق عليه. والعسل لم يُخلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريباً منه. والحجامة خيرُ الأدوية، يقول عليه الصلاة والسلام: ((خير ما تداويتم به الحجامة)) متفق عليه. وفي عجوة عالية المدينة شفاء. والحبة السوداء شفاء من الأسقام كلها، يقول النبي : ((عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام)) أي الموت. متفق عليه.ومن الأمراض ما لا شفاء له إلا بالقرآن والأدعية النبوية كإبطال السحر وإخراج الجان وإبطال أثر العين.وعند المسلمين ماء مبارك هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً، ينبع من أرض مباركة في بيت الله الحرام، ماء زمزم هو طعام طُعم وشفاء سُقم. وتلك الأدوية النبوية الشافية إنما ينتفع بها من تلقاها بالقبول، واعتقد الشفاء بها. وبكثرة الاستغفار تزول الأمراض ويقل أثرها قال عز وجل: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ .
عباد الله: من الثبات والكمال الصبر والرضا بالمقدور، فارض ـ أيها المريض, وارض أيها الأب وارض أيها الأخ وارضي أيتها الأم ـ بما قدره الله عليكم وابتلاكم به، واصبروا واحتسبوا, فعاقبة الصبر إلى خير، وعلى قدر الإيمان يكون الصبر والتحمل، والصبر خير لأهله، وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّـٰبِرينَ ، ومن صبر ورضي فله الرضى, وما عند الله خير وأبقى, وما ابتلاك ربك إلا ليطهِّرك ويرفع درجتك، ويعلي منزلتك. أصيب عروة بن الزبير بفقد ولده، فقال: (اللهم لك الحمد, لئن ابتليتَ فقد عافيتَ، ولئن أخذتَ فقد أبقيتَ). والجزع لا يرد المرض ولا يشفي المريض، بل يزيد الألم ويذهب الأجر، وإذا أُصبت بمصيبة فاحمد الله أنك لم تصب بأكبر منها، وأحسن مناجاة الله في الخلوة، وتعلق بحبل الله, وتضرع إليه بالدعاء, ولا تنس ذكر الله شكراً على العطاء، وصبراً على البلاء، وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأقبل على الله بالتوبة الصادقة، فهو سبحانه الرحيم بخلقه، الرؤوف بعباده، الدافع لكل بلوى، والسامع لكل شكوى. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
عباد الله: خير ما يُداوى به المريض أدواءَه هو الاعتماد على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه، والإنطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب، يقول ابن القيم رحمه الله: "هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم الأطباء... قال: وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية". ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل ...
الحمد لله الذي بحكمته أنزل الداء، ومن عدله وحكمته وفضله جعل لكل داء دواء. علمه من علمه، وجهله من جهله. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يريد بها النجاة من عذاب الله يوم لقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى, ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله
أيها المسلمون، الدنيا دارُ عمل وابتلاء، لا يسلم العبد فيها من سقم يكدِّر صفوَ حياته، أو مرض يوهن قوته وحاله، والبلاء نعمةٌ، والمرض والشدة بشارة، وربنا سبحانه يرحم بالبلاء ويبتلي بالنعماء، ومرارة الدنيا للمؤمن هي بعينها حلاوة الآخرة، وكم من نعمة لو أعطيها العبد كانت داءه، وكم من محروم من نعمةٍ حرمانُه شفاؤه، وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ .والبلاء عنوان المحبة، وطريق الجنة، يقول النبي : ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) والعافية من أجلِّ نعم الله على عباده وأجزل عطاياه عليهم، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) وهي من أول ما يحاسب عليه العبد في الآخرة، يقول المصطفى : ((أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمك، ونروِّك من الماء البارد؟!)) وإن من أشد التمحيص سلب العافية أو اعتلالها، وصفوة البشر عليهم الصلاة والسلام ابتُلوا بالأمراض، دخل ابن مسعود رضي الله عنه على النبي وهو يُوعَك فقال: يا رسول الله، إنك توعك وعكاً شديداً! قال: ((أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)). وأحاط المرض بأيوب عليه السلام سنين عدداً. في المرض رفع للدرجات وحطٌّ للأوزار، ((ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به من سيئاته كما تُحط الشجرة ورقها)) متفق عليه
والمريض يُكتب له ما كان يعمل من النوافل في حال صحته، وفي المرض يكثر الدعاء وتشتد الضراعة، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء، ومستخرج الشكر بالعطاء. في مرض المؤمن زيادةٌ لإيمانه وتوكله على ربه وحسن ظنه بمولاه، وكل مُصيبة في غير الدين عافية.
أيها المسلمون، لا شافي إلا الله، ولا رافع للبلوى سواه، والراقي والرقية, والطبيب والدواء, أسباب ييسِّر الله بها الشفاء، فافعل الأسباب وتداوى بالمباح، ولا تُقبل على الطبيب بالكلية، فالمداوي بشر لا يملك نفعاً ولا ضراً، وتوكل على ربك وفوِّض أمرك إليه، فهو النافع الضار، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ،والتجئ إليه فليس كل دواء ينفع، ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)). وأنفع الأدوية حسن التوكل على الله والالتجاء إليه وحسن الظن به. والرقية بالقرآن وما جاء في السنة أنفع الأسباب لزوال العلل، وكذا الدعاء بقلب خاشع وذل صادق ويقين خالص، والإكثار من الصدقة من خير الأدوية، وما ابتلى الله عباده بشيء إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء، وفي ديننا أدويةُ يقينية قطعية إلهية صادرة عن الوحي ومشكاة النبوة. تمر عجوة المدينة وقاية من السم والسحر، يقول عليه الصلاة والسلام: ((من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره [ذلك اليوم] سم ولا سحر)) رواه مسلم. والماء دواء للحمى، في الحديث: ((الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)) متفق عليه. والعسل لم يُخلق لنا شيء في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريباً منه. والحجامة خيرُ الأدوية، يقول عليه الصلاة والسلام: ((خير ما تداويتم به الحجامة)) متفق عليه. وفي عجوة عالية المدينة شفاء. والحبة السوداء شفاء من الأسقام كلها، يقول النبي : ((عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام)) أي الموت. متفق عليه.ومن الأمراض ما لا شفاء له إلا بالقرآن والأدعية النبوية كإبطال السحر وإخراج الجان وإبطال أثر العين.وعند المسلمين ماء مبارك هو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً، ينبع من أرض مباركة في بيت الله الحرام، ماء زمزم هو طعام طُعم وشفاء سُقم. وتلك الأدوية النبوية الشافية إنما ينتفع بها من تلقاها بالقبول، واعتقد الشفاء بها. وبكثرة الاستغفار تزول الأمراض ويقل أثرها قال عز وجل: وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ .
عباد الله: من الثبات والكمال الصبر والرضا بالمقدور، فارض ـ أيها المريض, وارض أيها الأب وارض أيها الأخ وارضي أيتها الأم ـ بما قدره الله عليكم وابتلاكم به، واصبروا واحتسبوا, فعاقبة الصبر إلى خير، وعلى قدر الإيمان يكون الصبر والتحمل، والصبر خير لأهله، وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّـٰبِرينَ ، ومن صبر ورضي فله الرضى, وما عند الله خير وأبقى, وما ابتلاك ربك إلا ليطهِّرك ويرفع درجتك، ويعلي منزلتك. أصيب عروة بن الزبير بفقد ولده، فقال: (اللهم لك الحمد, لئن ابتليتَ فقد عافيتَ، ولئن أخذتَ فقد أبقيتَ). والجزع لا يرد المرض ولا يشفي المريض، بل يزيد الألم ويذهب الأجر، وإذا أُصبت بمصيبة فاحمد الله أنك لم تصب بأكبر منها، وأحسن مناجاة الله في الخلوة، وتعلق بحبل الله, وتضرع إليه بالدعاء, ولا تنس ذكر الله شكراً على العطاء، وصبراً على البلاء، وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وأقبل على الله بالتوبة الصادقة، فهو سبحانه الرحيم بخلقه، الرؤوف بعباده، الدافع لكل بلوى، والسامع لكل شكوى. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ بارك الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
عباد الله: خير ما يُداوى به المريض أدواءَه هو الاعتماد على الله والتوكل عليه والالتجاء إليه، والإنطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب، يقول ابن القيم رحمه الله: "هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم الأطباء... قال: وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية". ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل ...
المرفقات
رسالة إلى المرضى.docx
رسالة إلى المرضى.docx