رسالة إلى إخواني الخطباء ..الشيخ عبدالله الطوالة

الفريق العلمي
1441/08/08 - 2020/04/01 11:14AM

رسالة إلى إخواني الخطباء

 

أيها الخطيب المبارك، السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد:

فأوصيك ونفسي بتقوى الله، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، ثم اعلم وفقك الله أنك في طريق لا طريق أحسن منه ألبتة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، ولكنه طريق طويل، وذو حمل ثقيل، فاستعن بالله واصبر، فمن صبر ظفر، وكل من سار على الدرب وصل بإذن الله:

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

 

أخي الكريم، استفرغ الجهد والطاقة، وتسلح بالخبرة والمهارة، وتزود بالعلم والإيمان، وعليك بعلو الهمة وقوة الإرادة، وسمو النفس؛ قال الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

 

وقال آخر:

ومن تكنِ العلياء همة نفسه *** فكل الذي يلقاه فيها محببُ

 

وقال الشافعي:

بقدر الكد تكتسب المعالي 
ومن طلب العلا سهر الليالي 

ومن رام العلا من غير كدٍّ 
أضاع العمر في طلب المحالِ 

 

وقيل: من كانت له نفس تواقة، طارت به نحو المعالي.

 

وقال أبو القاسم الشابي:

ومن يتهيب صعود الجبال 
يعشْ أبد الدهر بين الحفر 

فكن رجلًا إن أتَوا بعده 
يقولون: مرَّ وهذا الأثر 

 

وقال آخر:

وإذا كانت النفوس كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسامُ

 

واعلم أنك إن لم تزد شيئًا على الدنيا بعطائك، كنت أنت الزائد عليها بعطالتك، وما لم تكن قد وهبت نفسك لأهداف عظيمة وغايات جلية، فحياتك لم تبدأ بعد.

 

واعلم أخي الفاضل أن المنبر رسالة راقية لترقيق القلوب، وهدية مهذبة لتزكية الأخلاق، وبلسم ناجع لعلاج جراحات المظلومين، وزئير يزمجر في وجوه الأعداء والمنافقين، وأن الخطيب الصادق كالغيث المدرار حيثما وقع نفع، وكالمصباح المنير يستضيء به كل من وصله شعاعه، وأن أصحاب الكلمة المؤثرة هم الذين يغيرون مجرى التاريخ، وهم من يصنع الأحداث، ويبني الأمجاد، فسابق نحو العلا، ونافس في المكرمات، وزاحم قوافل العظماء، فباب المجد ما زال على مصراعيه مفتوحًا، ومجال السبق سيظل مسموحًا ومفسوحًا، و﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وعلى قدر المؤونة تأتي من الله المعونة، وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، وكل من سار على الدرب وصل، فأملوا وأبشروا، وتفاءلوا بالخير تجدوه؛ ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].

 

وتيقن أخي الحبيب أنك لست بأقل من غيرك، ولا أبطأ ممن سبقك، ولا أدنى ممن فاقك، وأنك من صنع أفكارك، وأنك كما تفكر تكون، وكما تتوقع يقع، فجهز أدواتك، وحدد أهدافك، وركز تنجز، واجتهد تحرز، واستعن بالله ولا تعجز، وسِرْ على بركة الله، وقم وانطلق إلى حيث تستحق، وهيا لتكون أفضل ما يمكنك أن تكون؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

 

وفقك الله ورعاك، وألهمك رشدك وهداك، وسدد على دروب الخير خطاك.

المشاهدات 576 | التعليقات 0