رسائل في أيام الحصاد
عاصم بن محمد الغامدي
1438/04/15 - 2017/01/13 08:19AM
[align=justify]الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
وتقوى الله أن تجعلَ بينكَ وبين عذابه وقايةً باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
أيها المسلمون:
من أكبرِ نعَمِ اللهِ عَلى الإنسانِ، نعمةُ الولدِ الصالحِ، قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". [رواه مسلم].
الولدُ فرحةُ والديهِ صغيرًا، وعونُهما كبيرًا، وذخرُهما بعد وفاتهما.
والولد في اللغة والشريعة يشمل الذكر والأنثى، وليس مقصورًا على الأبناء.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الولدَ الصالحَ هو المؤمنُ، الذي يتَّبِعُ أوامرَ اللهِ، ويجتنبُ المعصيةَ ويبتعدُ عنها، ومع أنَّ دعاءَ المسلمِ لأخيهِ الميِّتِ ينفعُه، إلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خصَّ الولدَ بالذكرِ تنبيهًا له؛ كيلا ينقطعَ دعاؤه لوالديه.
وإن من أبرزِ ما يعين على صلاح الأولاد، تنشئتُهم على حبِّ العلمِ النافع، والحرصِ عليه، فبالعلمِ يرتقي الإنسانُ في مراتبِ الفلاح، وتسلكُ أقدامُه طريقَ النجاحِ، وبالعلمِ تزولُ الغِشاوةُ، ويقلُّ الجهلُ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وفي هذه الأيامِ، تبدأ اختباراتُ الطلابِ والطالباتِ، ويتمُّ فيها حصادُ ما زرعَ في الأيامِ الخالياتِ، وتُستنفر الجهودُ في المنازل والمدارس والجامعات، فكانت هذه الرسائلَ العاجلات.
يا معشر الطلاب:
تقوى الله طريقُ الفلاحِ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
ومن لوازم التقوى، أن تعرفَ الله تعالى في الشدةِ واللينِ، والعسرِ واليسرِ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ". [رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح].
أيها الطالب الموفق:
إن مما يعينُك على النجاح، حسنَ التوكل على الله تعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ". [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وحسنُ التوكلِ لا يعني تركَ الأخذِ بالأسباب، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فمن أرادَ الولدَ فعليه الزواجُ، ومن أرادَ الشَّبَعَ أكلَ الطعام، ومن رغب في الشفاء تعاطى الدواء.
ألم تر أن الله أوحى لمريم *** وهزي إليك الجذع تسَّاقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها *** جنته ولكن كل شيء له سبب
ومن حسن التوكلِ أن تستغل أوقاتَ البركةِ في المذاكرةِ والتحصيلِ، ومن أهمها وقت الصباح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». [رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني].
أيها الطالبُ النجيب:
إقبالك في هذه الأيامِ على المساجد، ومحافظتك على صلاة الجماعة والفجرِ خاصةً، من الأمور الحسنة، ولكن لا يليق بك، وقد جمَّلك الله بهذا، أن ينتهيَ إقبالُك بنهاية الاختبارات، واحذر أن تكون من الذين قال الله تعالى عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
ومن الأمور التي لا ينبغي إغفالها، أن تتذكر أنك تتعامل مع الخالق العظيم، الذي يحيي العظام وهي رميم، فاحذر أن يفقدك حيث أمرك، أو يجدك حيث نهاك، ولا تطلب الفلاح في معصيته، أو النجاة في مخالفته، ومن المخالفات الغِشُّ والتزويرُ والخداعُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». [رواه مسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". [رواه البخاري ومسلم].
حُكِيَ أن مهندسًا في شركة مقاولات تقدم بطلب التقاعد، فطلبت منه الشركةُ الإشرافَ على بناء منزل، كآخر مَهَمَّةٍ لهُ، فلم يحسن البناء ولا التنفيذ، وأنهاه كيفما اتفق كما تعوَّد، وبعد انتهائه سلمته الشركة مفاتيح المنزل، ذاكرة أنه هدية التقاعد.
فتعوّدُ الإنسانِ على النجاح بالخداع، ليس في صالِحهِ ولا صالحِ أمتِه، ومن نجا من عقاب الدنيا، ولم يتب توبةً صادقةً قبل وفاتِه، فأين يفر من عقاب الله يوم القيامة؟
ولا تنس أيها الطالب استغلالَ أوقات الإجابة بالتضرع إلى الله، وكثرة دعائه، والالتجاء إليه، ارفع كفك إلى السماء وقل: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي}، وإذا أشكلت عليك إجابة سؤال أو استعصى عليك فهمه، فأكثر الاستغفار، وادعُ بدعاء النبي صلَّى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلًا إِذَا شِئْتَ». [رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني].
اللهم وفق جميع الطلاب والطالبات، ونوِّر بصائرهم، واهد عقولهم، واحفظهم بحفظك يا كريم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله ر ب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد فالرسالة الثانية للآباء والأمهات وأولياء الأمور:
رفقًا بأولادكم، خذوهم بالعطف والحنان، وافتحوا لهم قلوبكم، يفتحوا لكم عقولهم، وأعينوهم على هموم الامتحانات بالدعاء المستمر، وشحذ الهمم والتشجيع.
وحذروهم من رفقة السوء، التي تنتشر بعد الاختبارات بين الطلاب، بعضهم يروج للمخدرات، وبعضهم يستدرجهم للتفحيط والمخالفات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». [رواه البخاري ومسلم].
والرسالة الأخيرة للمعلمين والمعلمات:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فارحموا طلابكم، وافتحوا لهم صدوركم، {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} واحذروا الظلم فإن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، ولا تحملكم إساءة طالبٍ على الانتقام، فإن الأب الشفيق يحتمل إساءة ابنه، ويعفو عن جهله.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
فاللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
[/align]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
وتقوى الله أن تجعلَ بينكَ وبين عذابه وقايةً باتباع ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
أيها المسلمون:
من أكبرِ نعَمِ اللهِ عَلى الإنسانِ، نعمةُ الولدِ الصالحِ، قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". [رواه مسلم].
الولدُ فرحةُ والديهِ صغيرًا، وعونُهما كبيرًا، وذخرُهما بعد وفاتهما.
والولد في اللغة والشريعة يشمل الذكر والأنثى، وليس مقصورًا على الأبناء.
وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الولدَ الصالحَ هو المؤمنُ، الذي يتَّبِعُ أوامرَ اللهِ، ويجتنبُ المعصيةَ ويبتعدُ عنها، ومع أنَّ دعاءَ المسلمِ لأخيهِ الميِّتِ ينفعُه، إلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خصَّ الولدَ بالذكرِ تنبيهًا له؛ كيلا ينقطعَ دعاؤه لوالديه.
وإن من أبرزِ ما يعين على صلاح الأولاد، تنشئتُهم على حبِّ العلمِ النافع، والحرصِ عليه، فبالعلمِ يرتقي الإنسانُ في مراتبِ الفلاح، وتسلكُ أقدامُه طريقَ النجاحِ، وبالعلمِ تزولُ الغِشاوةُ، ويقلُّ الجهلُ، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
وفي هذه الأيامِ، تبدأ اختباراتُ الطلابِ والطالباتِ، ويتمُّ فيها حصادُ ما زرعَ في الأيامِ الخالياتِ، وتُستنفر الجهودُ في المنازل والمدارس والجامعات، فكانت هذه الرسائلَ العاجلات.
يا معشر الطلاب:
تقوى الله طريقُ الفلاحِ، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
ومن لوازم التقوى، أن تعرفَ الله تعالى في الشدةِ واللينِ، والعسرِ واليسرِ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: "احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ". [رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح].
أيها الطالب الموفق:
إن مما يعينُك على النجاح، حسنَ التوكل على الله تعالى، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ". [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وحسنُ التوكلِ لا يعني تركَ الأخذِ بالأسباب، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فمن أرادَ الولدَ فعليه الزواجُ، ومن أرادَ الشَّبَعَ أكلَ الطعام، ومن رغب في الشفاء تعاطى الدواء.
ألم تر أن الله أوحى لمريم *** وهزي إليك الجذع تسَّاقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها *** جنته ولكن كل شيء له سبب
ومن حسن التوكلِ أن تستغل أوقاتَ البركةِ في المذاكرةِ والتحصيلِ، ومن أهمها وقت الصباح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا». [رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني].
أيها الطالبُ النجيب:
إقبالك في هذه الأيامِ على المساجد، ومحافظتك على صلاة الجماعة والفجرِ خاصةً، من الأمور الحسنة، ولكن لا يليق بك، وقد جمَّلك الله بهذا، أن ينتهيَ إقبالُك بنهاية الاختبارات، واحذر أن تكون من الذين قال الله تعالى عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
ومن الأمور التي لا ينبغي إغفالها، أن تتذكر أنك تتعامل مع الخالق العظيم، الذي يحيي العظام وهي رميم، فاحذر أن يفقدك حيث أمرك، أو يجدك حيث نهاك، ولا تطلب الفلاح في معصيته، أو النجاة في مخالفته، ومن المخالفات الغِشُّ والتزويرُ والخداعُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». [رواه مسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". [رواه البخاري ومسلم].
حُكِيَ أن مهندسًا في شركة مقاولات تقدم بطلب التقاعد، فطلبت منه الشركةُ الإشرافَ على بناء منزل، كآخر مَهَمَّةٍ لهُ، فلم يحسن البناء ولا التنفيذ، وأنهاه كيفما اتفق كما تعوَّد، وبعد انتهائه سلمته الشركة مفاتيح المنزل، ذاكرة أنه هدية التقاعد.
فتعوّدُ الإنسانِ على النجاح بالخداع، ليس في صالِحهِ ولا صالحِ أمتِه، ومن نجا من عقاب الدنيا، ولم يتب توبةً صادقةً قبل وفاتِه، فأين يفر من عقاب الله يوم القيامة؟
ولا تنس أيها الطالب استغلالَ أوقات الإجابة بالتضرع إلى الله، وكثرة دعائه، والالتجاء إليه، ارفع كفك إلى السماء وقل: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي}، وإذا أشكلت عليك إجابة سؤال أو استعصى عليك فهمه، فأكثر الاستغفار، وادعُ بدعاء النبي صلَّى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلًا إِذَا شِئْتَ». [رواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني].
اللهم وفق جميع الطلاب والطالبات، ونوِّر بصائرهم، واهد عقولهم، واحفظهم بحفظك يا كريم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله ر ب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد فالرسالة الثانية للآباء والأمهات وأولياء الأمور:
رفقًا بأولادكم، خذوهم بالعطف والحنان، وافتحوا لهم قلوبكم، يفتحوا لكم عقولهم، وأعينوهم على هموم الامتحانات بالدعاء المستمر، وشحذ الهمم والتشجيع.
وحذروهم من رفقة السوء، التي تنتشر بعد الاختبارات بين الطلاب، بعضهم يروج للمخدرات، وبعضهم يستدرجهم للتفحيط والمخالفات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». [رواه البخاري ومسلم].
والرسالة الأخيرة للمعلمين والمعلمات:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فارحموا طلابكم، وافتحوا لهم صدوركم، {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} واحذروا الظلم فإن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، ولا تحملكم إساءة طالبٍ على الانتقام، فإن الأب الشفيق يحتمل إساءة ابنه، ويعفو عن جهله.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
فاللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
[/align]