رسائل عاجلة بمناسبة العام الدراسي الجديد: 1440/112/29هـ  

عبد الله بن علي الطريف
1440/12/29 - 2019/08/30 01:05AM
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، والحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد.. منه المبتدأ وإليه المآب وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضلَ من تعبد لله وأناب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.أما بعد.
أيها الإخوة: وتدور الأيامُ دورتَها وتعودُ الحياةُ إلى طبيعتِها، ويتكررُ المنظرُ الجميلُ الدالُ على الجدِ والنشاطِ.. وينطلقُ أبناءُ الأمةِ وبناتُها إلى دُوْرِ التربيةِ والتعليمِ لينهلوا من معينِها، ويَسْتَقُوا مِنْ معارِفِها.. إِنَّهُ منظرٌ يَسرُ الناظرُ لمجدِ أمتِه.. المتطلعِ لعزِ دينِهِ ووطنِهِ.. وهل أمةٌ سادتْ بغيرِ التَعَلُمِ.. وأعلى من ذلِكَ وأَجَل قولُ الـمُعلمِ والمربي الأولِ صلوات ربي وسلامه عليه: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». رواه مسلم وفي رواية عند غيره: «وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ».. ها هي الجموعُ الغاليةُ من فلذاتِ الأكبادِ تعودُ.. والعودُ أحمدُ لتبدأ عاماً دراسياً جديداً، نسأل الله بمنه وكرمه أن يجعله عام خير وبركة وسؤدد..
أحبتي: هذه رسائل سريعة أوجهها لولي الأمر والمعلم وطالب العلم ابناً أو بنتاً.. أيها الأولياء: نستعدُ جميعاً للعامِ الدراسي الجديدِ استعداداً مادياً بشراءِ ما يحتاجُهُ الأولاد من لوازمَ ماديةٍ مدرسيةٍ وغيرِها، وفي خضمِ ذلك ينسى بعضُنا الإعدادَ المعنويَ والنفسيَ للأولادِ للتَعَلُمِ.. وَأَعْنِي بهِ غرسَ الأهدافِ الساميةِ في نفوسِ الناشئةِ، بعد وضوحِها لدينا. إنَّ الطالبَ أو الطالبةِ يقضي كلَ يومٍ ستَ ساعاتٍ في المدرسةِ، ويقضي من عمرِه في التعليمِ العامِ أكثرَ من أربعةَ عشرَ ألفَ ساعةٍ دراسيةٍ.. وهذا يحتمُ علينا إيضاحَ الهدفِ له من الدراسةِ.. والتأكيدَ عليهم بضرورةِ اصطحابِ نيةِ الاحتسابِ في التعلمِ عند الله..
ومن الواجبِ علينا غرسُ مبدأ المساهمةِ في نفوسِهم  للنهوضِ بوطنِهم وأمتِهم لتكونَ بالمقدمِة وأن هذا هدفٌ أصيلٌ في حياتِهم.. وأن يكونوا مصطحبين ومتمثلين بقيمهم الإسلامية منكرين لذواتهم ورغباتهم الخاصة.. وأنهم متى ما حققوا هذه الأهداف طابت حياتهم وتسنموا ذرى المجد..
إن وجودَ الأهدافِ الساميةِ عند شبابِ الأمةِ وجيلِها الصاعدِ ووضوحِها يكادُ يكون معدوماً في هذا الزمان، أما من وضع له هدفاً يسعى لتحقيقه فقليل.. وفي الغالب تكون الأهدافُ دنيويةً قريبةً إلا من رحم الله.. وهذا هو الفرق بين المجتمعِ المنتجِ الحي الذي يربي أبناءه على الوضوح والتطلع لمعالي الأمور، وينأى بهم عن سفسافِها، وبين المجتمعِ المستهلكِ الميت الذي لا هدف له واضحٌ يسعى إليه..
أيها الإخوة: ومما يجبُ علينا نحوَ هذا الجيلِ من أولادِنا وهم مُقبلون على التعاملِ مع طائفةٍ كبيرةٍ من أبناءِ المسلمين الذين يشاركونهم في التَعلمِ، ومعَ عددٍ من معلمِيهم أَنْ نغرسَ في نفوسِهم معنى الإيثارِ بدلَ الأنانيةِ والأثرةِ، وحفظِ اللسانِ عن الغيبةِ والاستهزاءِ والسخريةِ بالآخرين من المعلمين أو المعلمات أو غيرِهم، وأَنْ نرغبَهم بالتسامحِ بدلَ حبِ الذات، وبالتعاون مع الزملاء بدلَ السلبية وعدم تحملِ المسئولية، وأن نُؤكدَ عليهم بأنهم إخوة يسعونَ إلى هدفٍ واحدٍ هو نفعُ أنفسِهم وأمتِهم، والتأكيدَ على ذلك باستمرارٍ خصوصاً عند وجودِ مواقفَ تستدعى ذلك يقُصُها الأولادُ عند عودتِهم من المدارسِ..
وأن نكررَ على مسامعِهم باستمرار أنَّ المدرسةَ إحدى سبل التعلمِ، وليست السُبُلَ كُلَها، وأنْ نُعودَهم على الاعتمادِ على النفسِ، والتنظيمِ وإعدادِ ما يحتاجون ليومِهم الدراسيِ بأنفسِهم مبكرين، وأَنْ نَعلَمَ علمَ يقينٍ أَنَّ الرعايةَ المبالغِ فيها ومبادرتَنا بقضاءِ كلِ حاجاتِهم التي يستطيعونَ القيامَ بها بأنفسِهم؛ وهي من العملِ اليومي لا تَصنَعُ جيلاً مُعتمداً على نفسِه وقُدراتِه بعدَ الله، بل تصنعُ جيلاً من المتواكلينَ الخاملينَ..
وأن علينا معاشرَ الأولياءِ أن نعلمَ أن مُهمةَ التربيةِ والتعليمِ ليستْ مقتصرةً على المدرسةِ بل لنا فيها النصيبُ الأكبر، فنحنُ معاشرَ الآباءِ نتحملُ المسئوليةَ الكبرى في تعليمِ أولادِنا وتربيتِهم، ونحنُ المخاطبونَ بذلكَ أَصلاً قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). [التحريم:6]. قال السعدي: ووقايةُ الأهلِ والأولادِ، بتأديبِهم وتعليمِهم، وإجبارِهم على أمرِ الله، فلا يسلمُ العبدُ إلا إذا قامَ بما أمرَ اللهُ به في نفسِه، وفيمن يدخلُ تحتَ ولايتِه من الزوجاتِ والأولادِ وغيرِهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. أهـ. وقال العلماء: هذه الآية أصلٌ في تعليم الأهلِ والذريةِ. وذكرَ ابنُ كثير رحمه الله عن الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مِنْ قَرَابَتِهِ وَإِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.. ويقررُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن المربيَ والمدرسَ الأولَ للولدِ الأمُ والأبُ بقوله: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ». وفي روايةٍ «أَوْ يُشَرِّكَانِهِ».
أيها المعلمون والمعلمات: "إنكم تجلسونَ من كرسيِ التعليمِ على عُرُوْشِ مَمَالكٍ رعاياها أطفالُ الأمةِ وفتيانُها فسُوسُوهم بالرفقِ والإحسانِ، وتَدرجوا بهم من مرحلةٍ كاملةٍ في التربيةِ إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانةُ اللهِ عندَكم، وودائعُ الأمةِ بين أيديكم، سلمْتُهم إليكم أطفالاً لتردُوهم إليها رِجالاً.. وقدَّمتهم إليكم هياكلَ لتَنْفُخوا فيها الروحَ.. وألفاظاً لتعمروها بالمعاني.. وأوعيةً لتملؤها بالفضيلةِ والمعرفةِ.. التعليمُ بابٌ واسعٌ من أبوابِ نيلِ الحسنات، ورِفعةِ الدرجات، فهنيئاً لكم ما تؤدُونَهُ من واجبٍ، وما تحوزونَه من أجرٍ بتعليمِ الناس الخير، فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ». رواه الترمذي وصححه الألباني والعلم إذا أطلقَ يُرادُ به علمَ الشريعةِ، وإذا لم يُطلق فقد يدخُل فيه كل علم نافع. جعلنا الله ممن يوفق للخير.. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة: لا يقوم عمل إلا بإخلاص، يَقُولُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». متفق عليه. إننا نجد ممَنْ شرفهم الله بهذه الرسالة ربما أضاعوا أجرهم بسبب تركهم للإخلاص، فترى أحدَهم لا يؤدي عمله إلا لأجل المال، ولا يهتم بوقت درسه ولا بفائدة طلابه، ولا يبالي بما يراه من سلوكٍ منحرف أو أخلاق سيئة عند طلابه. والمهمُ عنده أن ينتهي وقت الدوام ليفك نفسه من همِ ذلك اليوم وغمِهِ، ولم يخطر على باله أبداً أنه يؤدي رسالة في مجتمعه، لِيَخْرُجَ من تحت يده من يُعلم الناس، ومن يُعالج المرضى، ومن يذود عن البلاد وغيرهم، فينال هذا المعلم كل ما يُكتب لأولئك من الحسنات إن هو أخلص في عمله ونوى نفع الأمة والمساهمة بتربية أولادها. كما أوصي المعلمين والمعلمات بحسن استقبال الطلاب والطالبات فعن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا: لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْنُوهُمْ». أي عَلِّمُوهُمْ. رواه ابن ماجة وحسنه الألباني. وكان أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا جاء طلاب العلم قال: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. ودرج على الترحيبِ بالمتعلمين وحسنِ استقبالِهم والبشاشةِ والاستئناسِ بهم علماءُ الأمةِ قبولاً لوصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهم، وكتب السير مليئة بأخبارهم من ذلك كان الإمام أبو حنيفة إذا شاهد طلاب العلم يقبلُ عليهم بوجهٍ طلقٍ وبشاشةٍ ورحابةِ صدر ويقول: أنتم مَسَارُّ قلبي وجلاءُ حزني قد أسرجتُ لكم الفقهَ وألجمتُه فإذا شئتم فاركبوا... وعليكم بالرفق واللين في كل شيء حتى في العقوبة فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ». رواه مسلم 
أحبتي: كم ارتفع قدر معلم عند طلابه بالرفق والمعاملة الحسنة، وكم صلحَ حالُ طلابٍ بالرفقِ والمعاملةِ الحسنة..
أيها المعلمون: إذا عاقبتم فلا تعاقبوا بالضرب، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلا امْرَأَةً وَلا خَادِمًا إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم. وأمر حال الحرب ونحن نقاتل الكفار الذين يخالفون ديننا وشريعتنا، أن نتجنب الوجه فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ». رواه البخاري. فما بالنا نقسوا في عقاب أبناء المسلمين.!
ثم اعلموا أن المعاملة الطيبة تُقَوِّم كثيراً من الانحرافات وتدخلُ الناسَ في دين الله عز وجل، وإن من أجل مهمات المعلم تعليم الناس الخير ونصحهم وإرشادهم. أسأل الله تعالى أن يكون هذا العام عام خير وبركة وأن يكتب فيه الخيرَ والفلاحَ لأمتنا وولاة أمرنا وإخواننا في كل مكان إنه جواد كريم.. ثم صلوا وسلموا..
 
المشاهدات 1076 | التعليقات 0