رسائل رمضانية 1439/08/25

رسائل رمضانية[1]
الحمدلله الذي تفضَّل علينا بجوده وإحسانه, وأنعم علينا بالنعم التي نعجز عن إحصائها عدَّا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحاط بكل شيء علماً, وأحصى كل شيء عدداً, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله أيُّها المؤمنون واغتنموا مواسم الخيرات بالأعمال الصالحات.
معاشر المسلمين: إنَّ من نعم الله العظيمة على عبده أن يُبلِّغه رمضان, فيجتهد فيه بنوافل الطاعات ما لا يجتهد في غيره من الشهور, فيا من بلغ هذا الشهر لا تفرِّط في ساعةٍ فيه فتصرفها في اللهو والسهو, فإنَّ أوقات رمضان غالية لا تُقدَّر بثمن.
معاشر المسلمين: إليكم رسائل رمضانية فيها حثٌّ وترغيب, وبشائر وتذكير, فأصغِ سمعك حفظك الله واعقِل ما يقال وفقك الله.
الرسالة الأولى: تَعلم يا عبد الله أنَّك إنَّما خلقت لعبادة الله, فكن كما أراد الله منك, واسمع له وأطع, فمن سمع وأطاع الله فهو الفائز والغانمُ الأجر والجزاء, قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (إنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ لِيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ أَطَاعَهُ جَازَاهُ أَتَمَّ الْجَزَاءِ، وَمِنْ عَصَاهُ عَذَّبَهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمْ، بَلْ هُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، فَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ)[2].
الرسالة الثانية: عبد الله إنَّ بلوغك رمضان الذي هو أشرف الشهور وأفضلها, إنَّما هو من توفيق الله لك, فكم من متمنٍ بلوغه لم يبلغه حال دونه الموت, أناسٌ صاموه معنا العام الماضي لم يصوموه هذه السنة, فاقدروا لهذا الشهر فضله, واجتهدوا فيه بالطاعات وتوبوا إلى الله من الذنوب والسيئات, وحافظوا على الصلوات المكتوبات وصلاة التراويح في المساجد, وكونوا في الفرائض وفي نوافل العبادات ما بين راكعٍ وساجدٍ وتالٍ لكتاب الله ومستغفرٍ وتائب, كونوا في رمضان من الذاكرين الله كثيراً لا من الغافلين اللاهـيـن, فإنَّ الغفلة واللهو ندامة وحسرة تكون على أهلها يوم القيامة, فما ينفع النفس حينها إن قالت: ياليتني لم أغفل عن طاعة ربي, ياليتني ما سهـوت ولا لهـوت لحظة من اللحظات, ياليتني اغتنمت الأوقات بكثرة الذكر والطاعات, فما تنفع ليت وقد فرَّطت في دنياك وأعطيتها ما تشتهي من أصناف الغفلات, ألا من مُتَّعظٍ يتزود من حاله إلى مآله, ويعمل في دنياه إلى آخرته, ويسابق إلى الخيرات قبل الفوات, ويتدارك بقيَّة عمره قبل الممات, فمتى يصحو قلبٌ أماتته الذنوب, ولفَّت عليه طبقة الران لفَّا؟ متى يصحو قلبٌ استهان بالمعاصي فانغمس فيها, إن لم يَصْحُ في رمضان فمتى؟ فخَفْ من ذنوبك خوفَك من السَّبُع الجائع, قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: (إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تحت جبلٍ يخافُ أَنْ يقعَ عليه، وإِنَّ الفاجرَ يرى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنفهِ) فَقَالَ بِهِ هَكَذَا، قَالَ أَبُو شِهَابٍ: بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ.[3] أخرجه البخاري. فلا تستهن بما اقترفته من ذنوب, فإنَّ ذلك من صفات أهل الفجور عياذاً بالله من حالهم.
معاشر المسلمين: من الناس من يقول: كيف أتوب وقد فعلت وفعلت؟ كيف يتوب الله علي بعد كل ذلك, فيقال له: إنَّ الله توَّابٌ رحيمٌ يغفر الذنوب جميعاً, بل يفرح بتوبة عبده قال صلى الله عليه وسلم: ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِـنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِـنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ)[4] أخرجه مسلم. وقال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 53 - 56]
الرسالة الثالثة: عبد الله جاهد نفسك واصبر وصابر واجتهد في الطاعات ومفارقة المعاصي والسيئات, فإنَّ الله يحبُّ من عبده أن يتقرَّب إليه بالطاعات, قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قال: (ومَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)[5] أخرجه البخاري. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي امْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)[6]. أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني.
الرسالة الرابعة: عبد الله: كن بوالديك باراً, ولا تظن أنَّ البر ينقطع بموت الوالدين أو أحدهما, فقد بقي الدعاء لهما والاستغفار لهما والتصدَّق عنهما ووصل صديقهما, وأمَّا من متَّعه الله بحياة أبويه أو أحدهما فليجاهد في برهما وخدمتهما وصلتهما وإدخال الفرح والسرور عليهما, وافتح صفحة جديدة من صفحات البر والخدمة واللزوم لهما, فخدمة الأم والأب شرف لا يناله إلا الموفقون من عباد الله, جعلني الله وإياكم منهم.
الرسالة الخامسة: إنَّ شهر رمضان, هو شهر القرآن فاجعل ختمك له عِدَّة ختمات, فكلَّما ازددت من ذلك, فقد سابقت المتسابقين إلى الخيرات وفزت بالأجور والحسنات. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا...
الرسالة السادسة: إن كان لديك فضل مال, فكن به جواداً, تلمَّس حاجات المحتاجين, وتفقَّد الفقراء والمساكيـن, وفطِّر الصائمين, وجُد على الأيتام والأرامل, فإنَّ مالَك ما قدَّمت ومال وارثك ما أخَّرت, ولقد كان الجود من صفات النبي الكريم, قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)[7]متفق عليه.
الرسالة السابعة: أوجهها إلى كل مكروب ومحزون ومريض, أبشروا فإنَّ الشفاء والراحة والطمأنينة والسعادة وتفريج الكروب, إنَّما تكون بكثرة ذكر الله تعالى والاستغفار والدعاء, وهاهو رمضان موسم مبارك أكثروا فيه من ذلك.
الرسالة الثامنة: إنَّ شهر رمضان هو شهر الانتصارات على الأعداء, فقد نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين نصرهم في هذا الشهر في غزوة بدر الكبرى, فنسأل الله أن ينصرنا وأهلنا في اليمن على أعدائنا الحوثيين وأعوانهم.
الرسالة التاسعة: أهمية تعلم أحكام الصيام وإنَّ العلم هذا الزمن انتشر وأصبح الوصول إليه سهلاً, فتعلموا أحكام الصيام وعلموها أبناءكم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] تم إعدادها يوم الأربعاء 23/08/1439هـ ليوم الجمعة 25/08/1439هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
[2] تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 425).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات, باب التوبة برقم (6308).
[4] أخرجه مسلم في كتاب التوبة, باب في الحض على التوبة والفرح بها برقم (2744).
[5] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق, باب التواضع برقم (502).
[6] أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (8681) والترمذي في أبواب صفة القيامة برقم (2466) وقال: هذا حديث حسن غريب, وأخرجه والحاكم في المستدرك برقم (3657) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في الصحيحة برقم (1359).
[7] أخرجه البخاري في صحيحه في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (6) ومسلم في كتاب الفضائل, باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير برقم (2308).
المرفقات

رمضانية-3

رمضانية-3

المشاهدات 2026 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


وإياك.


.