ردا على مقالة المطرودي التي رد فيها الحديث النبوي

احمد ابوبكر
1434/03/29 - 2013/02/10 05:56AM
ردا على مقالة المطرودي التي رد فيها الحديث النبوي

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب الزميل والجار د.إبراهيم المطرودي، الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مقالة في صحيفة الرياض، يوم الأربعاء 25/3/1434هـ، بعنوان: المرأة بين مبادئ الإسلام وثقافة العرب. رد فيه حديث رسول الله r: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن" الحديث، وشرق فيه وغرب.
وكنت أتمنى أن الكاتب اقتصر فيما يكتب على ما يحسنه، وهو في غنى أن يتحدث فيما لا يحسنه. وقد أتى الكاتب -بصرني الله وإياه بالحق- في مقالته بالعجائب وبالطوام والضلال المبين.
وللأسف فإن الكاتب تجرأ على حديث رسول الله r وصحابة رسول الله y وأئمة المحدثين ممن اصطفاهم الله Y لنقل رسالته وتبليغ دينه.
ولم يرد الكاتب أن يصف الرسول r بالعنصرية والخطأ في كلامه، إجلالاً له، فنسب الخطأ إلى الصحابة والتابعين y الذين ربما يبقى فيهم من الجاهلية ما يجعلهم يحرفون الكلم ويُقَولون رسول الله r ما لم يقله، والعياذ بالله من هذا البهتان العظيم.
وإذا كان الكاتب لا يصحح الحديث -ولا أدري كيف صار جهبذًا من أهل الحديث، يصحح ويضعف ويحاج المحدثين!!!- إذا كان لا يصحح الحديث والأمة قد تلقته بالقبول فلماذا يطعن في الصحابة والتابعين ويُعَرض باختلاقهم الحديث؟! كان يكفيه -تنزلاً- أن يشكك في صحة الحديث لاعتبار في المتن دون الطعن في الرواة.
ولكنه العقل حينما يتجاوز حدود العقل.
ثم أين الموضوعية في مناقشة الحديث، والحكم عليه، وهو (الأكاديمي) الذي يفترض أن يتصف بالبحث العلمي واحترام التخصص والموضوعية؟!
لقد انطلق في رد الحديث منطلقًا عاطفيًا انهزاميًا، فالحكم على الحديث بالرد بناء على تخيل موقف حقيقي أو غير حقيقي ((أتخيّل نفسي في هذا العالم، الذي جاءت رسالة الإسلام لأهليه جميعًا، أتخيل نفسي واقفاً في نادٍ، عظيم حضوره، كثيرة أعراق الجالسين فيه، متنوعة ثقافاتهم، أتخيّل نفسي، وأنا أحدثهم بهذا الحديث، ثم أتفحص ردود أفعالهم، وأستجلي تمعّر وجوههم، مما ننسبه نحن إلى الإسلام في عصر، أضحى الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، يؤمن أن عقل الإنسان خلاصة محيطه، وثمرة عصره، وزبدة ظروفه! وليس مخلوقاً على صيغة، لا يُمكنه تغييرها، ولا تعديل صفاتها! حين أتخيل نفسي في هذا الموقف أقول: مسكين هذا الإسلام! الذي رُبطت صورته بذاكرة أفراد مع محبتنا لهم، وتقديرنا إياهم من البشر، يخطئون، ويصيبون، ينسون ويغفلون!)).
لقد بدأ كلامه بهذا المنطق العاطفي في رد حديث رسول الله r، المتفق عليه، ثم ختمه بهذا المنطق العاطفي حينما استشهد بدمعة أمه -متعها الله بالصحة والعافية- وأنا أشك في روايته عن أمه؛ لأن عجائز بريدة أشد منه تعظيمًا لوحي الله Y وكلام رسوله r وصحابته y، ولربما كانت دمعة أمه تحسرًا على ولدها وسوء فهمه وتعامله مع حديث رسوله r. وشكي في روايته ليس بأعظم شأنًا من شكه في رواية الصحابة y لحديث رسول الله r، وإذا كان يرى أن الصحابة يكون فيهم من آثار الجاهلية ما يجعلهم يتفوهون بهذا الحديث وينسبونه إلى رسول الله r، فهو من البشر الذين يعتريهم النسيان والغفلة والعاطفة والخطأ ونقص العقل والدين والتأثر بالبيئة وتقليد الآخرين ما يجعلهم ينسون أو يبالغون أو يخطئون أو يتقولون على غيرهم.
ولو كان الاستدلال على رد الحديث سائغًا بدمعات الأمهات وكلامهن، لجعلت كلام أمي -متعها الله بالصحة والعافية- ردًّا على الكاتب ودليلاً على صحة الحديث، فمرارًا أسمعها تقول تعليقًا على بعض المواقف: (صِدَق الرسول r، النساء ناقصات عقل ودين).
لو كان الكلام لواحد من سائر البشر لما قبل رده بهذا المنطق العاطفي، فكيف مع كلام رسول الله r الذي هو وحي من الله Y: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)؟!
إن كلام رسول الله r يتناول حقيقة الخلقة التي خلق الله U عليها المرأة (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)، والله U أعلم بخلقه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير). ويستشهد النبي r على ذلك بشواهد لنقصان العقل والدين، أقر بها عجائز الصحابة رضي الله عنهن.
وكان ينبغي على الكاتب حتى يكون موضوعيًا أن يستكشف حقيقة ما قاله النبي r، إن كان لا يؤمن إلا بالحقائق التي يقف عليها، لا التي تنقل إليه ولو قالها رسول الله r. كان عليه أن يستكشف تركيبة الأنثى العضوية والنفسية والعقلية، ويطلع على الدراسات العلمية حولها، ثم بعد ذلك يحكم، إن كان يصف نفسه بالموضوعية والعلمية في الرد.
أما أن يرد حديث رسول الله r استحياء من قوم لا يؤمنون برسول الله r ولا برسالته، وربما لا يؤمنون بربه Y، فهذا رد غير موضوعي مبني على انهزامية مقيتة.
إن الذين يرد الكاتب كلام رسول الله r لأجلهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بالنبي r، أفنتبرأ منهما حياء منهم أن نخالفهم؟!
إن الذين يستحيي منهم الكاتب أن يؤمن بحديث رسول الله r وهو الحق، لا يقبلون كثيرًا مما في القرآن والسنة، أفنرده؟!
إن منهم من لا يقبل أن يبعث الناس بعد موتهم، ويستنكرونه بعقولهم، ويقولون كما قال الله عن سلفهم: (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ . لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)، فهل سننكر البعث بعد الموت، ونصف الصحابة والتابعين بأنهم هم الذين اختلقوا الآيات والأحاديث التي دلت عليه في كلام الله U وكلام رسوله r؟!
وهل نشكك في نصوص الحدود جلدًا ورجمًا وقتلاً؛ لأن ثقافة الغرب لا ترتضيها، ووجوههم تتمعر منها؟!
وهل نحتاج كلما أردنا التزام حكم من أحكام الدين، أو التسليم بحديث من أحاديث سيد المرسلين أن نجمع الأقوام وننظر في وجوههم، أو نعرضه على الأمهات وننظر في عيونهن، فإن تمعرت الوجوه ودمعت العيون رددناه، وإن انبسطت قبلناه؟!!!
وهل سنخضع طرائقنا في السياسة والاجتماع التي لا يرتضيها الغرب والشرق بمثل هذه المعايير؟!!! وهل... وهل ... وهل...؟؟؟!!!
إنها منهجية عاطفية غير موضوعية ولا علمية في تناول حديث رسول الله r ورده، مبنية على انهزامية نفسية أمام العقل الغربي المنحرف الذي جعله الكاتب معيارًا للحكم على ديننا وأخبار نبينا r. وبنى الكاتب على هذه المنهجية الانهزامية رد حديث أجمعت الأمة على صحته وقبوله، ورد خبر الوحي الذي ثبت بيقين وجاء بلسان الرسول الأمين كرد خبر الوحي في القرآن العظيم. وإذا كان ابن عباس رضي الله عنهما قال لأصحابه وهو يحتج لمتعة الحج بسنة الرسول r، وهم يحاجونه في إفراد أبي بكر وعمر، وهما من هما، قال: ((يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر)) إذا كان يقول لهم ذلك وهم لا ينكرون سنة رسول الله r، فما بالكم بمن يرد كلام رسول الله r، ويتهم أصحابه y، ويحتج عليهم بآراء الغرب وموقفهم من الإسلام وأحكامه وأخباره، ويحتج بأفهام المستشرقين منهم ومن تمسك بأذيالهم من العصرانيين.
كما بنى الكاتب على هذه المنهجية الانهزامية الدعوة إلى تغيير منهج المحدثين في الحكم على الأحاديث صحة وضعفًا، مكررًا ما قاله المستشرقون والعصرانيون من قبله.
وإذا كان الكاتب يدعي الاستقلالية في الرأي والفهم ونبذ التقليد فما باله يجعل مواقف الناس المتخيلة وتمعر وجوههم ودمعات عيونهم معيارًا لاتخاذ الرأي والحكم على الحديث. وما باله في آرائه وأحكامه يجتر ما قاله العصرانيون من غير تحقيق علمي ولا موضوعي. وما باله في فهمه ينظر من خلال عيون الآخرين ونظرهم وفهمهم.
أي استقلالية وموضوعية وعلمية هذه؟!
وقد أساء الكاتب الفهم لكلام رسول الله r، فمن الذي قال: إن العقل هو الذاكرة؟! ولم يقله النبي r، ولا يفهم من قوله. والعقل له عمليات كثيرة، منها التذكر ومنها غيره، والنبي r إنما عبر بنقص العقل، لا ذهابه، واستشهد النبي r على نقصان عقلها بشيء تؤمن به المرأة المخاطبة، وهو أن شهادتها نصف شهادة الرجل، كما قال الله U: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)، وما جعلت شهادتها كذلك إلا لنقص عقلي يعتريها بدلالة حديث رسول الله r. فهل سنشكك أيضًا في الآية؟!
ولما كان الرجل أرجح عقلاً من المرأة وأعظم تحملاً للمسئولية وأقوى في تنفيذ أوامر الله ورسوله جعلت الولاية عليها والقوامة للرجل، وقد قال الله U: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، وقال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَة)، ومنعت النساء من زيارة القبور، وأمرن بالقرار في البيوت إلا لحاجة، ولم يجعل لهن الولاية، ولم يؤمرن بالجهاد.
كما عبر النبي r بنقصان الدين لا ذهابه، وفسر نقصان الدين بأنها تمكث الأيام أثناء حيضتها تدع الصلاة، وتفطر في رمضان، فهذا نقص من حيث الكمية في مقدار الأعمال الصالحات لا من حيث الكيفية، وليست هي مؤاخذة بذلك؛ فهذه طبيعتها التي فطرها الله عليها وهو العليم الحكيم، قال النووي في شرح صحيح مسلم: ((الطاعات تسمى إيمانًا ودينًا، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به، كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر. وقد يكون على وجه لا إثم فيه، كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما يجب عليه لعذر. وقد يكون على وجه هو مكلف به كترك الحائض الصلاة والصوم.
فان قيل: فإن كانت معذورة فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض -وإن كانت لا تقضيها- كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له فى مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات التى كان يفعلها في صحته وحضره؟
فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب. والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة فى زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت ويترك في وقت، غير ناو الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه، والله اعلم))، وقال ابن عثيمين في فتاوى العقيدة من موقعه: ((لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عنه من هذا الوجه)).
ثم كيف فهم الكاتب أن الحديث ازدراء للمرأة وتعيير لها؟! بينما هو إخبار عن خلقة الله لهن، في سياق أمر النساء بالتصدق؛ تكفيرًا عما يحصل منهن من كثرة الخطايا، ككثرة اللعن وكفران العشير الناشئ عن قلة صبرهن وسرعة ضجرهن، وجاء الخبر في سياق التعجب من هذه الخلقة التي يحصل منها كثرة اللعن وكفران العشير ومع ذلك يكون معها ذهاب لب الرجل الحازم.
إنني أدعو الكاتب -بصرني الله وإياه بالحق- أن يتقي الله U ويتوب إليه ويستغفره مما تجرأ به على وحي الله وكلام رسوله وصحابته وأئمة المحدثين، غفر الله لي وله، وجنبني وإياه الهوى والإعجاب بالنفس والرأي، وقد جاء في الحديث: "ثلاث مهلكات : شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
ولولا حق الكاتب علي زمالة وجيرة، ولولا ما أعرفه عنه من الديانة وسلامة النية من قصد التلبيس والقدح في الدين، لقلت ما لم أقل.
أسأل الله أن يريني وإياه الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه: يوسف العليوي
المشاهدات 1547 | التعليقات 0