رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال

Sheikh Sayed2019
1445/03/07 - 2023/09/22 15:26PM

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال

إعداد

الشيخ السيد طه أحمد

الحمد لله رب العالمين.. الذي وسعت رحمته كل شيء فقال تعالي }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ (157){ ]الأعراف[ 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كلي شيء قدير أرسل نبيه رحمة للعالمين فهداهم من ضلالة وعلمهم من جهالة وأخرجهم من ظلمات الجهل إلي نور العلم والإيمان فقال تعالي }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107){ ]الأنبياء[ .  

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) شملت رحمته البر والفاجر والقريب والبعيد والعدو والصديق فكان رحمة مهداه من الله عز وجل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): } يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ { .  ]المستدرك علي الصحيحين[ . 

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .. 

أما بعد : فيا أيها المؤمنون

لقد بلغت رحمة النبي (ﷺ) مبْلغاً عجيباً في الكمال والسعة، حيث شملت تلك الرحمة الناس جميعاً؛ الضعيف منهم والقوي، والعبد والسيد، والقريب والبعيد، والصاحب والعدو، بل امتدت شفقته ورحمته صلوات الله وسلامه عليه لتشمل الطير والحيوان، ولا عجب في ذلك فالذي أوجد وغرس في قلبه صلوات الله وسلامه عليه تلك الرحمة الشاملة هو ربه سبحانه الذي قال عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107)}]الأنبياء[

وقال تعالى: {فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ (159)} ]آل عمران[

وقال تعالى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128)} ]التوبة[

وقال هو عن نفسه (ﷺ): }أنا نبي الرحمة{ ]رواه مسلم[.

ويقول أنس رضي الله عنه: }كان رسول الله (ﷺ)  أحسن الناس خلقًا{ ]متفق عليه[.

يقول ابن تيمية: "الرسول (ﷺ) بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين؛ فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم واحتماله".

وإذا كان الناس بوجه عام بحاجة إلى الرحمة والرعاية، فالأطفال بوجه خاص في

 حاجة إلى الكثير من الحب والرحمة والشفقة بهم، وإن الإنسان لَيَعْجَبُ حقًّا من رؤية مواقف رحمته بالأطفال، ويزداد العجب عندما تنظر إلى حجم المسئوليات الملقاة على عاتقه، وهو يدير الدولة، ويقود الجيوش، ويحكم بين الناس، ويتفاوض مع الوفود، ويتعامل مع الأصحاب، ويشرف على كل صغيرة وكبيرة في حياة المسلمين، ويتلقى الوحي من رب العالمين، ويصل به إلى كل من يستطيع، حتى

 يرسل الرسائل إلى ملوك العالم وزعمائه يدعوهم إلى الإسلام!!

رجل بهذا الثقل من المسئولية، وهذا الحجم من التَّبِعات يهتم كثيرًا بل وكثيرًا جدًا بأطفال أمته، مهما كانوا بسطاء!

ولا يتأتَّى ذلك إلا من نبي! ثم إن العجب يزداد ويزداد حتى يبلغ الذروة عندما تعلم أن رحمته هذه كانت في بيئة لا يجدون فيها حقًّا لصغير، بل ويعتبرون أن رحمة الصغير لون من ألوان الضعف غير مقبول، حتى يفتخر الرجل بأنه لا يرحم أبناءه!

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: }قبّل رسول الله (ﷺ) الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالساً، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد، ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله (ﷺ) ثمّ قال: من لا يَرْحم لا يُرْحم{ ]رواه البخاري[.

إن الأقرع كان يظن أنه من الرجولة والفحولة أن يقسو القلب ويتحجر، حتى لا يرحم صغيرًا، ولا يُقَبِّل طفلاً، لكن رسول الله (ﷺ) رَدَّ عليه بالرد المفحم، ولم يكن ردًا خاصًا بموقفه فقط، إنما رد بقاعدة من القواعد الإسلامية الثابتة.. إنه قال له في إيجاز: }من لا يَرحم لا يُرحَم!{..

والمتأمل في سيرته ومواقفه (ﷺ) يجد أنه كان أرحم الناس بالأطفال، فعن أنس رضي الله عنه فال: }ما رأيتُ أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله (ﷺ){ ]رواه مسلم[.

فكان(ﷺ) مع الأطفال أباً حنوناً، شفوقاً رحيماً، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي

، ومن ثم صنع من الأطفال والصغار رجالاً، وأنشأ منهم جيلاً مثاليًّا في إيمانه وأخلاقه ومعاملاته، ولمعت على يديه أسماء كثير من الأطفال الأبطال، كان لهم تأثيرهم الواضح في المجتمع الإسلامي الأول، مثل: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، ومعاذ بن جبل ،وزيد بن ثابت ،وأسامة بن زيد، ومعاذ بن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، وسمرة بن جندب ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وغيرهم رضوان الله عليهم، الذين كانوا على مر السنين نماذج مثالية

لأطفال المسلمين، بل لكبارهم.

وقد تجلّت رحمته وشفقته (ﷺ) بالأطفال في كثيرٍ من المظاهر والمواقف منها:

1ـ المحافظة على فطرة الطفل وأخلاقه:

يقول (ﷺ)  :}كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه{ ]متفق عليه[.

وعن عبدالله بن عامر قال: أتى رسول الله (ﷺ)  في بيتنا وأنا صبي، فذهبت أخرج

 لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله تعال أعطك. قال (ﷺ) :«ما أردت أن تعطيه» قالت: تمرًا. قال: }إما إنك لو لم تعطيه شيئًا كتبت عليك كذبة{ رواه أبو داود.

لذلك يوصي بتأديب الطفل منذ نعومة أظفاره ويعظم قيمة هذا العمل فيقول (ﷺ)  في طائفة من الأحاديث الجامعة

فيقول (ﷺ)  : }ما نحل والد ولدًا أفضل من أدب حسن{ ]رواه أبو داود[.

ويقول (ﷺ)  }أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم{ ]رواه ابن ماجه[.

روي الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم }يتبع الرجل يوم القيامة أمثال الجبال من الحسنات فيقول: يا رب أني هذا؟ فيقول باستغفار ولدك لك {.

روي الإمام أحمد وابن ماجة }أن الله عز وجل ليرفع للعبد درجته يوم القيامة في أعالي الجنة فيتساءل يا رب أنّي هذا؟ فيقول باستغفار ولدك لك{.

وقال رسول الله (ﷺ) : }إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له { ]رواه مسلم[.

2ـ إطالة الصلاة من أجل طفل :

ما رواه عبد الله بن شداد عن أبيه قال: }خرج علينا رسول الله (ﷺ) في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي (ﷺ) فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله (ﷺ) وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله (ﷺ) الصلاة، قال الناس يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله،

 حتى يقضي حاجته{ ]رواه أحمد[.

حيث أن رحمته (ﷺ) كانت تجعله يطيل أو يُقصِّر من صلاته بحسب ما يريح الأطفال!!

فنحن نراه في موقف عجيب يُطيل السجود في صلاة الجماعة على غير عادته

وذلك حتى لا يزعج طفلاً!

3ـ  تخفيف الصلاة من أجل طفل:

وعلى النقيض من هذا نجده يُسرع في صلاته في ظروف أخرى لكي يرحم طفلاً آخر.. يروي أنس بن مالك أن رسول الله (ﷺ) قال: }إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ{ [البخاري].

ها هو رسول الله (ﷺ) يُكَيِّف بلا تعنت ولا تشدد صلاته وصلاة المسلمين، لكي يرحم الطفل الصغير، وكذلك ليرحم أمَّه!

لقد كان رسول الله لا يصبر على بكاء طفل ولا على ألمه.. فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه :أنَّ رسول الله (ﷺ) كان يصليّ وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله (ﷺ) ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها{ ]رواه البخاري[.

قال ابن بطال: "ألا ترى حمل النبي (ﷺ) أُمَامَة ابنة أبى العاص على عنقه في الصلاة، والصلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها في الصلاة، وفي فعله عليه السلام ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغي الاقتداء به في رحمته صغار الولد وكبارهم والرفق بهم".

4ـ يلاعب الأطفال ويمازحهم ويسلم عليهم:

نجد رسول الله(ﷺ)  يفرغ من أوقاته ليلعب مع الأطفال، فهذا أسامة بن زيد يروي فيقول: كان رسول الله (ﷺ) يأخذني فيُقعِدني على فخذه ويُقعِد الحسنَ على فخذه الآخر ثم يضمهما، ثم يقول:}اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا { [البخاري].

ولم تكن مواقف اهتمامه ورحمته للأطفال بالمواقف العابرة التي تحدث على فترات متباعدة، بل كانت متكررة جدًا، لدرجة أن الأطفال كانوا دائمًا في استقباله إذا جاء من سفر ليلاعبهم ويداعبهم، وكأنه ليس أمامه من الهموم والمشاغل غيرهم!

يقول عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: }كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ: وَإِنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إِلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ قَالَ: فَأُدْخِلْنَا الْمَدِينَةَ ثَلاثَةً عَلَى دَابَّةٍ{ [مسلم].

 [عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي: أول من وُلِدَ بأرض الحبشة من المسلمين لما هاجر أبواه إليها (1هـ- 80هـ)، وأتى البصرة والكوفة والشام، وكان كريما يُسمَّى بحر الجود، وللشعراء فيه مدائح.]

وتخيل هذا المشهد، وقائد الدولة يدخل مدينته، وهو يركب دابته وقد حمل طفلاً وأردف آخر خلفه!!

بل إنه عندما دخل مكة فاتحًا استُقْبِل أيضًا بالأطفال، فلم يمنعه الموقف المهيب، ولا الوضع العسكري الخطير، من أن يتلطف معهم، بل ويحملهم!

يقول عبد الله بن عباس: }لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ (ﷺ) مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ!{ [البخاري].

وكان من هديه (ﷺ) السلام على الصبيان، عن أنس رضي الله عنه أنه مر بصبيان فسلم عليهم، وقال: }كان النبي (ﷺ) يفعله{. ]متفق عليه[.

فكم سيكون للسلام على الصبي من أثر في نفسه إذا سلم عليه المعلم والمربي!! وكم سيورث من الحب لذلك المعلم والإصغاء لنصحه وتوجيهه!!

5ـ الاهتمام بمشاعرهم واهتماماتهم:

انظر إلى رحمته (ﷺ) وهو يواسي طفلاً لموت طائر صغير كان يلعب به!

يقول أنس بن مالك كان النبي (ﷺ) يدخل على أم سُلَيْم ، ولها ابن من أبي طلحة يُكَنَّى أبا عمير، وكان يمازحه، فدخل عليه فرآه حزينًا، فقال: "ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟!" فقالوا: مات نُغْرُه الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: }أبَا عُمَيْر، مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟{ [البخاري].

 [أم سُلَيْم اسمها سهلة، ويقال: الغُمَيْصاء. كانت تحت مالك بن النضر أبي أنس بن

مالك في الجاهلية. فولدت له أنس بن مالك، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها، ثم تزوجت بعده أبو طلحة الأنصاري، وتوفيت في حدود 40هـ في خلافة معاوية.]

ونُغْرُه [طائر صغير يشبه العصفور منقاره أحمر]

إنه لا يسخر من مشاعره، ولا يُسفِّه حزنه، بل يشاركه ويضاحكه، فإذا علمت أن هذا الطفل الصغير ما هو إلا أَخٌ لخادم يخدم رسول الله (ﷺ) اطَّلعت على قدر الرحمة والتواضع الذين كانا في قلبه (ﷺ).

وكان يراعي مشاعر الأطفال ولا يقلل من شأنهم ، فعن سهل بن سعد أن رسول الله (ﷺ) أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وفي رواية: أصغر القوم، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: }أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فتله رسول الله (ﷺ) في يده{.] رواه مسلم[

الله أكبر، النبي يستأذن غلامًا صغيرًا، وقد ورد أنه ابن عباس رضي الله عنهما، ومع ذلك لا يُؤثر بنصيبه من النبي (ﷺ) أحدًا، ويقف النبي (ﷺ) عند رغبة الغلام، كم لهذا من أثر في نفس هذا الغلام من إشعاره أنه رجل، وأنه يُستأذن، وأن له

 قيمته وأهميته في المجتمع !!

6ـ يكتشف مواهبهم ولا يكلفهم فوق طاقتهم:

وكان من رحمته بالأطفال أنه لا يكلفهم ما لا يطيقون، وقد جاءه أطفالٌ يوم أُحُدٍ يريدون الخروج معه للقتال فرَدَّهم لصغر سنهم، وكان منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، وأسيد بن ظهير، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وسعد بن حبة، وغيرهم.

وكان يكتشف مواهب الأطفال ويعطيهم فرصتهم ، فهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه خرج لينضم إلي جيش المسلمين وهو ليس بمكلف بعد لكن الرسول الرحيم بأمته رفض زيد وقال لا زلت صغيرا يا بني.

عاد الطفل حزينا إلي بيته يبكي  !! لماذا البكاء ؟  لأن رسول الله (ﷺ) منعه من

الجهاد ، لكن الأم المربية العاقلة قالت لا تحزن تستطيع أن تخدم الإسلام بصورة أخري، كانت خدمة الإسلام هي هدفه وطموحه ، قالت له أنت تُحسن الكتابة وتحفظ كثيرا من سور القرآن ، تستطيع أن تخدم الإسلام في هذا المجال ، فذهبت به إلي رسول الله (ﷺ) وأوصاه أن يتعلم اللغة السريانية .

 يقول زيد بن ثابت: قال لي رسول الله(ﷺ) : "أتحسن السريانية؟" قلت: لا. قال: "فتعلمها فإنه تأتينا كتب". قال فتعلمتها في سبعة عشر يومًا.

قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهى أن يَطَّلِع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول (ﷺ)!!.

7ـ تعليم الطفل وتأديبه:

اهتم النبي (ﷺ) بتعليم الصغار وتأديبهم ما داموا مميزين، فدعاهم إلى الإسلام منذ صغرهم ، فدعا (ﷺ) عليًّا للإسلام وهو ابن عشر سنين، ويقول ابن عباس رضي الله: كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ (ﷺ) يومًا قال يا غلامُ ، }إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ { ]رواه الترمذي[، وابن عباس رضي الله عنهما عمره إذ ذاك كان قبل البلوغ؛ لأن الغلام يطلق على الصبي من الفطام إلى البلوغ، ومع ذلك علمه النبي (ﷺ) هذه الكلمات العظيمة.

كان يُشفق عليهم في تربيتهم وتعليمهم ويتغافل عن بعض أخطائهم ، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنها قال: كنت غلامًا في حجر النبي (ﷺ)  وكانت يدي تطيش

في الصحفة فقال لي رسول الله (ﷺ) }يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك. قال: فما زالت تلك طعمتي{ ]متفق عليه[

وهكذا التعليم في رفق وشفقة، ما زجره وما نهره، بل بكل رفق (يا غلام سم الله) ولهذا استفاد من هذا الأدب: «فما زالت تلك طعمتي».

كيف لا وقد أمره الله تعالى بالصبر في تعامله مه أهله وأولاده في تعليمهم أعظم قيمة في الإسلام وهي الصلاة ، فقال تعالى }وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى(132){[طه].

ما إن نزلت هذه الآية إلا وقد وقف النبي (ﷺ) على خيمة ابنته فاطمة وزوجها على رضي الله عنهما ينادى "الصلاة الصلاة " في كل صلاة.

ولأن الخطأ وارد دائما من الكبير فما بالك بالصغير فالخطأ منه متكرر فيحكي سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول }ولقد خدمت رسول الله (ﷺ)  عشر سنين ما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا» ]متفق عليه[.

وأنس رضي الله عنه بدأ في خدمة النبي (ﷺ) وهو غلام عمره عشر سنين فهل

 يتصور أن غلامًا عمره عشر سنين لا يخطئ؟ ولكنه الخلق الكريم والصفح الجميل عما يمكن الصفح عنه.

8ـ منهج النبي (ﷺ) في تأديب الطفل :

ولقد وضع النبي (ﷺ) منهجا في تربية الولد وتأديبه ، فعلينا أن نقتدي برسول الله (ﷺ) في الأخذ بهذا المنهج حتي تؤتي التربية ثمارها وهذه الخطوات كما يلي:

أـ معالجة الخطأ بالتوجيه المباشر كما فعل مع عمرو بن سلمة .

ب ـ معالجة الخطأ بالعتاب:

روي الطبراني عن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: }بعثتني أمي إلى رسول الله (ﷺ) بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر{. (أي يا غادر).

ج ـ معالجة الخطأ بالزجر:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله (ﷺ) }كخ.. كخ.. ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة{ ]أخرجه البخاري ومسلم[.

د ـ معالجة الخطأ بالقدوة العملية:

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (ﷺ)  مرَّ بغلام يسلخ شاةً ما يُحسن، فقال له

 رسول الله (ﷺ) }تنح حتى أريك فأدخل يده بين الجلد والعظم.. فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ { ]أخرجه أبو داوود[،

فبدأ النبي (ﷺ) في تعليمه أولاً ولم يعنفه.

هـ ـ  معالجة الخطأ بالمحاولة والتكرار:

روي أبو داود والترمذي عن كلدة ابن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي (ﷺ) فدخلت عليه، ولم أسلم فقال النبي (ﷺ)}ارجع فقل السلام عليكم أأدخل {.

وـ معالجة الخطأ بالتخويف:

ولا بأس بإظهار السوط ونحوه هيبةً وزجرًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ﷺ) }أمر بتعليق السوط في البيت{ وذلك حتى يراه أهل البيت فإنه أدب لهم.

ز ـ معالجة الخطأ بشد الأذن:

وهذه أول عقوبة جسدية للطفل، إذ بهذا يتعرف علي ألم المخالفة وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه واستحق عليه شد أذنه، فعن عبد الله بن يسر المازني رضي الله عنه قال: }بعثتني أمي إلى رسول الله (ﷺ) بقِطْف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئتُ أخذ بأذني وقال: يا غُدر{. (أي يا غادر).

ح ـ معالجة الخطأ بالضرب:

روي أبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله (ﷺ) قال: }مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ{.

والضرب ليس عليه إطلاقه للمربي ولكن له شروط وضوابط ، ولقد وضع النبي (ﷺ) شروطا للضرب وهي:

1 - أن يكون ابتداء الضرب في سن العاشرة.

2 - أقصى الضربات عشر.

وإن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية العشر ضربات؛ فَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّهُ سَمِعَ النبيَّ (ﷺ) يَقُولُ:}لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ{. ]مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[.

3 - لا يضرب الوجه أوالرأس أو الفرج.

4 - أن يكون مفرقًا معتدلاً بحيث لا يحدث عاهةً ولا يُكسر، وقد كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للضارب: "لا ترفع إبطك" أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغي أن يكون مبرحًا أي موجعا.

5 - يحذر الغضب الذي يخرجه عن حد الاعتدال.

6 - يتجنب السب والشتم البذيء.

7 - إذا ذكر الطفل ربه، يرفع يده عنه، عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): }إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم{ ]أخرجه الترمذي[، وكذلك الأمر بالنسبة للصبي.

8 - لا يصح التحريق بالنار لورود النهي عنه.

9ـ الاهتمام بالبنات :

ولأن اهتمام الآباء والأمهات بالبنين دون البنات فأوصي النبي (ﷺ) بالبنات والاهتمام بتربيتهن وحسن التعامل معهن ، وكان رسول الله (ﷺ) يُولي أهمية خاصة لرعاية البنات، وذلك لعلمه أن قلوب الناس تميل بشكل أكبر للذكور من الأولاد، وخاصة في هذه البيئة العربية، فكان يُعظِّم جدًا من أجر الذي يربيهنَّ..

قال رسول الله (ﷺ): }مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ{ [مسلم].

10ـ الاهتمام بالأطفال اليتامى :

هذه كانت رحمته بالأطفال.. وإذا كانت كل هذه الرحمة بعموم الأطفال، فلا شك أن رعايته للأطفال اليتامى كانت أعظم وأشد..

فمن أقواله وهو يشجع المسلمين على رعاية اليتامى.. قال رسول الله (ﷺ): }أنَا وكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى{ [البخاري].

وقال رسول الله (ﷺ) أيضًا: }مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ{ [رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد].

وأتى رجل إلى النبي (ﷺ) يشكو قسوة قلبه، قال رسول الله: }أَتُحِبُ أنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وتُدْرِكَ حَاجَتِكَ؟ ارْحَمْ اليَتِيمَ، وامْسَحْ رَأسَه، وأَطْعِمْه مِنْ طَعَامِكَ يَلِنْ قَلْبُكَ، وتُدْرِكَ حَاجَتِكَ{ [الطبراني].

ويحذر رسول الله (ﷺ) من ظلم اليتامى، أو استغلال ضعفهم، وأكل أموالهم، فيقول: }اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ{ [البخاري].

بل إنه يفكر في مستقبل اليتيم بصورة عملية، ويخشى على ماله أن تأكله الزكاة، أو

يقل نتيجة اختلاف القيمة مع مرور الزمان، فيقول (ﷺ) في رحمة ظاهرة: }ألا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ، فَليتَّجِر فِيه، ولا يَتْرُكْه حَتى تَأكُلُه الصَدَقَةُ{ [الترمذي].

11ـ الاهتمام بأطفال غير المسلمين:

بلغت رحمته (ﷺ) بأطفال غير المسلمين مبلغاً عظيماً فكان حريصاً على دعوتهم ونجاتهم من النار، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: }كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ (ﷺ) ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ (ﷺ) يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ (ﷺ) ، فَخَرَجَ النبيُّ (ﷺ) وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّار{ ] رواه البخاري[

فما أحوجنا إلى أن نقتدي برسول الله (ﷺ) في تعاملنا مع أولادنا والأطفال عامة حتى نُخرج جيلاً سوياً معتدلاً ينهض بدينه ووطنه من أمثال علي وأسامة بن زيد ومعاذ بن جبل وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً

أسأل الله العظيم أن يُصلح لنا ولكم الذرية، وأن يحفظ أولادنا من كل مكروه وسوء، وأن يُجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

انتهت بفضل الله وتوفيقه.

.

   
 
 
 
 
 
المرفقات

1695385579_رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال.pdf

1695385587_رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال.docx

المشاهدات 1488 | التعليقات 0