رحمة الله تعالى ( خطبة جمعة )

محمد بن سليمان المهوس
1439/02/06 - 2017/10/26 15:29PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أَيُّها الْمُسْلِمونَ / يقولُ اللهُ تَعَالى : ))إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  ))
آيةٌ عظيمةٌ كَمْ سَعَى لِتحقيقها الْخُلّصُ مِنْ عِبَادِ اللهِ فامْتَثَلُوا أمرَ الله واجْتَنَبُوا نهيَهُ فكان لهُمُ النّصيبُ الوافِرُ من رحمة اللهِ تَعَالَى ؛ عَلّقُوا آمالَهُم بالحيّ القَيّوم ، وَرَجَوا مَنْ بِيَدِهِ مفاتيحَ الْخَزائن ، وَدَعَوا مَنْ بابُهُ مفْتُوحٌ لِمَنْ دَعَاه  (( إنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ  )) كَمْ  فتحَ المولى أبوابَ رحمَتِهِ للتائبينَ والعابدينَ ، وبَسَطَ فضْلَهُ وإحْسانَهُ للدّاعينَ والْمُتضرّعينَ ، فَمِنْهُ الْجُودُ لأنّه الْجَوَادُ ، وَمِنْهُ الْكَرَمُ لأنّه الكريمُ الّذي يُعطي عَبْدَهُ ما سَأَلَ وَمَا لَمْ يَسْأَل ! فَهُوَ ذو رحمةٍ واسعة ، وهو التوابُ الرحيم ، وَقَدْ  جاءَ في صحيح مُسلم عَنْ ‏ ‏سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ،‏ ‏قَالَ:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(‏ ‏إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ ‏ ‏طِبَاقَ ‏ ‏مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ)
فَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ : ابتلاءُ الخلق بالأوامر والنّواهي رَحْمَةً لَهُمْ وحَمِيّةً لاحاجة َ مِنْهُ إِلَيْهِمْ بِمَا أمرَهُم بِهِ ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ : أَنْ نَغَّصَ عَلَيْهِمُ الدُّنيا وكَدّرَها لِئَلا يَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَلا يَطْمَئِنُّوا إِلَيْها وَيَرْغَبُوا عَنِ النّعيم الْمُقيمِ في دارِهِ وجِواره .
وَمِنْ رَحْمَتِهِ: أنْ حذّرَهُمْ نفسَه ؛لِئَلا يَغْتَرُّوا به فيُعامِلُوهُ بِمَا لاتَحْسُنُ مُعاملتُهُ به.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ : أنْ أَنْزَلَ لَهُمْ كُتُباً ، وَأَرْسَلَ لَهُمْ رُسُلاً فافْتَرَقَ النّاسُ إلى فَرِيقَيْنِ ؛ مُؤْمِنُونَ ، وَكَافِرُونَ ، وَقَدْ أَمَرَ الْمُؤْمِنُونُ بِأَنْ يَفْرَحُوا بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، فَهُمْ يَتَقَلّبُونَ في نُورِ هُداهُ ، وَيَمْشُونَ بِهِ في النّاس، وَيَرَوْنَ غيرَهُم مُتَحَيِّراً في الظُّلُماتِ ، فَهُمْ أشدُّ النّاسِ فَرَحاً بِمَا آتاهُمْ ربُّهُم مِنَ الْهُدَى والرّحمةِ ، وغَيرُهُم جَمَعَ الْهَمَّ والْغَمَّ والْبَلاءِ والألَمَ وَالْقَلَقَ والاضْطِرابَ مَعَ الضَّلالِ وَالْحَيْرَةِ قال تعالى(( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))
وَمِنْ رَحْمَتِهِ: أنْ فَتَحَ ربُّنا أبْوابَهُ لِكُلِّ التّائِبينَ، وَشَمِلَتْ مَغْفِرَتُهُ وَرحْمَتُهُ  سُبْحانَه وتعالى لِكُلِّ ذُنُوبِ الْمُذْنِبينَ ، فَهُوَ القائِلُ (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  ))يَبْسُطُ يَدَهُ باللّيل لِيَتُوبَ مُسِيءُ النّهارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنّهار لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللّيل. وَهُوَ القائِلُ في الحديثِ القُدْسِي: ((يا عِبَادِي إِنَّكُم تُخْطِئُونَ بِاللّيلِ والنّهارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُوني أَغْفِرْ لَكُمْ )) رواهُ مُسْلم.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ : أنّه يُحِبُّ التّوابينَ ويُحِبُّ الْمُسْتَغْفِرينَ ، ويُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ ، وَتَأَمّلْ ما رواهُ مُسْلِم من حديث أنسِ بنِ مَالِكٍ – رَضِيَ الله ُعَنْـهُ – قالَ : قالَ رَسُولُ الله ِ- صَلّى الله ُعَلَيْهِ وَسَلّمَ : ( لَلهُ أشدُّ فرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِليْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كانَ على رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وعليْها طَعامُهُ وَشَرابُهُ فَأَيِسَ مِنْها ، فَأتَى شَجَرةً فاضطَجَعَ في ظَلَّها وقد أَيِسَ مِنْ راحِلَتِهِ ، فَبَيْنَما هُوَ كذلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأخَذَ بِخِطَامِها ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدِي وَأنا رَبُّكَ ، أخْطَأَ مِنْ شِدّةِ الفَرَحِ ) اللهُ أَكْبَرُ - عِباَدَ اللهِ- يَفْرَحُ ربُّنا هذا الفرحَ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ! فَمَا أَعْظَمَهُ وَمَا أَحْلَمَهُ وَمَا أَرْحَمَهُ مِنْ رَبّ !
فَا للّهُمَّ يا مَنْ وَسِعَتْ رَحمتُهُ كُلَّ شيءٍ ارْحَمْنا ، وتَجاوزْ عَنّا ، واغْفِرْ لنا يا ربّ العالمين .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِر اللهَ لِي ولَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فاسْتَغْفِرُوهُ إنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ : فَقَدْ  رَوى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ‏ ‏عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْـهُ ‏أَنَّهُ قَالَ ‏ :قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏- ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏- ‏بِسَبْيٍ ‏ ‏فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ ‏ ‏السَّبْيِ ‏ ‏تَبْتَغِي ‏ ‏إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي ‏ ‏السَّبْيِ ‏ ‏أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:((‏ أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ ‏طَارِحَةً ‏ ‏وَلَدَهَا فِي النَّارِ)) قُلْنَا : لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((‏لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ))
فَيَا عَبْدَ اللهِ اعْرِفْ عِزّةَ اللهِ في قَضائِهِ ، وَبِرّهُ في سِتْرِهِ ، وَحِلْمَهُ في إِمْهالِهِ ، وَفَضْلَهُ في مَغْفِرَتِه ورحمتهِ ، فَلِلّهِ عليكَ أَفْضالٌ وأَفْضال ، تُذْنِبُ الذّنْبَ فَتُقْبِلُ عليهِ فَيـُقـْبِلُ عليكَ أضعافَ إِقْبالِكَ عليه بالطّاعة ؛ لأنّه يُحِبُّ تَوْبَتَكَ وَيَفْرَحُ لها  ؛ بَلْ تَرْتـَكِبُ الذّنْبَ وَتـَفْعَلُهُ ! وهو يُحيطُكَ بِسِتْرِهِ أمَا والله لو شاء الله ُلَفَضَحكَ على رُؤوس الْخَلائقِ فَما جَلَسْتَ مَجْلِساً ولا حضرتَ مَجْمَعاً إلا عُيّرْتَ بذلكَ الذّنْبَ ! فاشْكُرْ ربّكَ إِذْ سَتَرَكَ ، وَأَقْبِلْ عليه إِذْ أَمْهَلَكَ ؛ فَلِلّهِ نَفَحَاتٌ ونفحات ، وَهُوَ القائلُ : (( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(( 
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال ))إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا((  وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا))
 رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه .
المرفقات

الله-تعالى-18

الله-تعالى-18

المشاهدات 7138 | التعليقات 0