رِحْلَةُ المَوُتِ (الجمعة 1442/6/9ه ـ)

يوسف العوض
1442/06/06 - 2021/01/19 05:45AM

الخطبة الأولى:

أيُّها المُؤمنونَ: يَقولُ اللهُ تَعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فالموت حقيقةٌ أبديةٌ لا يُستثنى منها أحدٌ، فهو سيفٌ مسلَّطٌ على رقابِ العبادِ لا ينجو منه أحدٌ، وكلُّ إنسانٍ ينتظرُ أجلَه، قال تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.

وهذه الحقيقةُ القاطعةُ مُسَلَّمةٌ لا شكَّ ولا ريبَ فيها، ويَتساوى فيها الناسُ جميعاً، الأنبياءُ وغيرُهم، الصالحون والفاسدون، المؤمنون والكافرون، قالَ اللهُ تعالى مخاطباً محمَّداً صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.

وسيَقبضُ ملكُ الموتِ روحَ كلِّ إنسانٍ عندَ انتهاءِ أجلهِ، بغضِ النَّظرِ عن مكانِه ومكانتِه، قال تعالى:{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.

 أيُّها المُؤمنونَ: فالمطلوبُ من المسلمِ الاستعدادُ لرحلةِ الموتِ، فهي رحلةٌ باتجاهٍ واحدٍ لا رجعةَ فيها، وهذا يوجب على المسلمِ الاستعدادَ الدائمَ لها ، وتَرقُّبَ الموتِ في أيِّ لحظةٍ، قال اللهُ تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ}اليقينُ هو الموتُ والدليلُ على أنَّ اليقينَ هو الموتُ قولُه تعالى إخباراً عن أهلِ النَّارِ أنَّهم قالوا:{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ}.

وعَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(يَا طَارِقُ، اسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ) رواه الحاكم وصَححه.

أيُّها المُؤمنونَ: وممَّا يُعينُ على ذلك الاستعدادِ تذكّرُ الموتِ بكثرةٍ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الألباني حسن صحيح.

وعن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ذاتَ يومٍ لأصحابه :(اسْتحْيُوا من الله حَقَّ الْحَياءِ، قالوا:إنَّا نستحي من الله يا نبي الله، والحمد لله، قال:ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء؛ فليحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى، وليحْفَظ الْبَطْنَ ومَا حَوى،وليذْكْرَ المَوتَ والبلى، وَمنْ أرادَ الآخِرَةَ تَرَك زِينَةَ الحياة الدُّنيا، فَمنْ فَعلَ ذِلكَ, فَقَدِ اسْتَحْيا من اللَّه حقَّ الحياءِ) رواه أحمد والترمذي وقال الألباني: حسن.

ووردَ في الأثرِعن عبدِالله بن مسعود رضي اللهُ عنه أنَّه قال:(كفى بالموتِ واعظاً وكفى باليقينِ غنىً وكفى بالعبادة شغلاً) وقال أبو الدَّرداء رضي الله عنه:(من أكثر ذكرَ الموتِ قلَّ حسدهُ وقلَّ فرحهُ).

أيُّها المُؤمنون : ومن الأمورِ التي تذكّرُ بالموتِ زيارةُ القبورِ، فإنَّ الزائرَ للقبورَ يتعظُ بذلك ويتذكّرُ أنَّ حالَه سيصيرُ كحالِ أصحابِ القبورِ، فعن بريدةَ رضي اللهُ عنه أن النَّبيَ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:(إنِّي كنتُ قد نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فزُورُوها فإنَّها تُذكّركُم الآخرةَ ولتزدْكم زيارتُها خيراً فمن أراد أن يزورُ فليزرْ ولا تقولوا هُجْراً) رواه مسلم.وقوله “ولا تقولوا هُجْراً” أي كلاماً باطلاً.

وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا ، فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ ، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ ، وَلا تَقُولُوا هُجْرًا) رواه أحمد والحاكم، وسنده حسن كما قال الألباني.

 

الخطبة الثانية:

أيُّها المُؤمنونَ: وبما أنَّ الموتَ قد يفجأ العبدَ في أيَّةِ لحظةٍ، فواجبٌ عليه أنْ يكونَ مستعداً له بالتوبةِ والإستغفارِ والأعمالِ الصالحةِ والإلتزامِ بشرعِ اللهِ في حياتِه كلِها، ومجانبةِ الموبقاتِ وسائرِ المحرماتِ، وأنْ يكتبَ وصيتَه لبيانِ ما له على النِّاسِ ، وما للنِّاس عليه من حقوقٍ ، فعن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سمعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال:(ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شَيْءٌ يوصى فيه يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ قال عبدُ الله بن عُمَرَ:ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي)رواه البُخاري ومُسلم.

المشاهدات 1236 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا