رحلة الركب الميمون ، دروس وهدايات 1 للشيخ شايع الغبيشي
موسى السلامي
الركب الميمون دروس وهدايات1
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [آل عمران : 102]. (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [النساء : 1]. ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) أما بعد:-
عباد الله، اليوم نحن على موعد مع الركب الميمون:
طر بالفؤاد إلى النبي وصحبه واسمع جميل حديثهم عن حجه
خرج الحبيب فلا تسل عن ركبه الكل يطمع أن يفوز بقربه
فانظر يميناً أو شمالاً تزدهي جمعٌ غفير يستدل بهديه
وإذا نظرت أمامه أو خلفه عجباً ترى من حبهم لحديثه
فاصغ السماع لمن روى أخباره تسقي الفوائد من المعين وعذبه
هيا بنا عباد الله نقتطف بعض أخبار الركب الميمون ركب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في العظيمة إلى بيت الحرام لنقف على بعض الدروس والهدايات
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «اغْتَسِلِي، وَ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» رواه مسلم وفي ذلك دروس وهدايات منها:
1/ حرص النبي صلى الله على صحابته حيث أخبرهم بأن حاج ليحفزهم على الحج ومرافقته.
2/ محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم حرصهم على مرافقته حتى هذه المرأة التي في آخر أيام حملها، دفعها الشوق على أن تخرج حاجة رغم ما تعانيه تضع حملها في ميقات ذي الحليفة ومع ذلك تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا تفعل لتظفر بمرافقته رضي الله عنها وأرضاها، ما أحوجنا عباد إلى أن نربي أنفسنا ونساءنا على حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب سنته وهديه في زمن يجهد الأعداء إلى حرق الأجيال ذكور وإناثاً عن سنته وهديه وإشغالهم بالتافهين والتافهات من مشاهير السوشل ميديا وشغلهم بالملذات والشهوات، والله المستعان.
ويكمل أنس رضي الله عنه المسيرة فيقول: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما ..." رواه البخاري
وعنه رضي الله عنه قال: حج النبي صلى الله عليه و سلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال: (اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني
وعن جابر رضي الله عنه قال: (...فأهل بالتوحيد «لبيك اللهم، لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك» رواه مسلم
وفي ذلك من الدروس:
1/ عظم مكانة الذكر في العبادات وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم فإنما شرعت عبادة الحج قال صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل" رواه الإمام أحمد
2/ مشروعية التحميد والتسبيح والتكبير للحاج بعد الإحرام وركوبه وسيلة نقله، في ذلك حث لنا على التحميد والتسبيح والتكبير فهي من أعظم الأذكار ينبغي للعبد ملازمتها واللهج بها ويكون لسانه رطباً بها.
3/ لهج النبي صلى الله عليه وسلم بالتلبية وفي التلبية تربية للنفس على تلبية نداء الله والاستجابة له والانقياد لأمره جل وعلا رغبة وحباً، والعزيمة الصادقة على التوبة والأوبة إليه سبحانه، وفي ذلك تمام السعادة والأنس والحياة الحقيقة، قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
4/تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ها هوى يركب على رحل رث وهو ما يوضع على ظهر الدابة وقطيفة بالية أمام الحشود العظيم التي رافقته في حجة
5/ خوف النبي صلى الله عليه وسلم من الرياء وحرصه على الإخلاص وهو درس عظيم لكل مسلم أ، يجاهد نفسه على الإخلاص في سائر أعماله وأن يسأل الله جل وعلا أن يجنبه الرياء والسمة كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به» رواه مسلم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله واشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد : عباد الله يصف لنا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه موكب حجاج بيت الله من الصحابة الذي حرصوا على مرافقة النبي صلى الله عله وسلم فيقول: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ
وفي ذلك دروس منها:
1/حرص الصحابة على مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبتهم له، كانت الأعين ترمقه بشوق المحب لتستن بسنة وتتأسى به وهو يقول لهم :"خذوا عني مناسككم" والسعد يفرف على قلوبهم والملائكة تسجل كل خطوة يخطونها برفقة حبيبهم صلى الله عليه وسلم فما أعظم القائد وما أعظم الأتباع.
2/ في ذلك درس لنا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم ونحب سنته نتأسى بها، ونتعرف على سيرته وأخباره وتمتلأ القلوب شوقاً للقياه.
ويكمل المسيرة ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فيقول: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَقَالَ: «أَيُّ وَادٍ هَذَا؟» فَقَالُوا: وَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي» قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ، فَقَالَ: «أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟» قَالُوا: هَرْشَى فَقَالَ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا» رواه مسلم
وفي ذلك دروس منها:
1/ حرص النبي صلى الله عليه وسلم إلى تذكير أمته بسير الأنبياء ومحبتهم والتأسي بهم.
2/ وفي ذلك بيان لعظمة هذه الأمة وأنها امتداد لمن سبقها من الأمم وأن الإسلام هو الدين الحق الذي دان به كل الأنبياء من قبل.
ويروي لنا ابن عباس رضيى الله عنهما أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ بِالرَّوْحَاءِ َركْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟»، فَقَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: فَمَنْ أَنْتُمْ؟، قَالُوا: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَزِعَتِ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» رواه أبوداود وصححه الألباني وفي ذلك دروس منها:
1/ تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على معرفة أصحابه فقد توقف لذلك الركب وبادرهم بالسؤال وعرف بنفسه، وانصت للمرأة وأجاب سؤالها وصدق الله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} لقلم: 4
2/ حرص نساء الصحابة على الخير وتعلم العلم والسؤال عما أشكل عليهم.
وفي الخطبة القادمة نستكمل رحلة الركب الميمون بإذن الله تعالى
وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله …
المرفقات
1656038984_الركب الميمون دروس وهدايات 1.docx
1656038999_الركب الميمون دروس وهدايات 1.pdf