رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ).
عِبَادَ اللهِ: فِتْنَةُ النِّسَاءِ مِنْ أَشَدِّ الفِتَنِ؛ بَلْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ]
وَمَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الفِتْنَةِ؛ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا: مُرَاقَبَةُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَخَشْيِتُهُ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَالخَوفُ مِنْهُ تَعَالَى وَرَجَاؤُهُ؛ وَحُبُّهُ وَتَعْظِيمُهُ.
وَإِذَا امْتَلَأَ قَلْبُ العَبْدِ بِهَذَا؛ كَانَ أَعْظَمَ بَاعِثٍ لِفِعْلِ الطَّاعَاتِ
وَأَكْبَرَ زَاجِرٍ عَنِ ارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ، وَأَقْرَبَ سَبَبٍ لِلْفَوزِ بِالثَّوَابِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ العِقَابِ.
وَلَقَدْ قَصَّ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا حَصَلَ لِنَبِيِّهِ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ؛ فَقَالَ: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } [ يوسف 23 ]
أَنْوَاعٌ مِنَ الابْتِلَاءِ؛ كَانَ يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلَامُ شَابًّا، وَكَانَ فِي بَلَدِ غُرْبَةٍ، وَدَعَتْهُ المَرْأَةُ إِلَى نَفْسِهَا، وَفِي بَيْتِهَا، وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ، وَتَهَيَّأَتْ لَهُ، وَكَانَتْ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَدَّدَتْهُ بِالسِّجْنِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ.
فَحَفِظَ اللهُ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَنَجَّاهُ مِنْ هَذَا البَلَاءِ وَصَرَفَ عَنْهُ هَذَا الكَيْدَ؛ وَمَنْ حَفِظَ اللهَ حَفِظَهُ اللهُ.
فَيَا مَنْ تَعَرَّضْتَ لِفِتْنَةٍ؛ اِعْتَبِرْ بِقِصَّةِ هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ.
يَا مَنْ تَهَيَّأَتْ لَكَ المَعْصِيَةُ، يَا مَنْ تَمَكَّنْتَ مِنَ الحَرَامَ؛ تَذَكَّرْ مَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ مِنَ الخَيْرَاتِ إِنِ اتَّقَيْتَهُ وَتَرَكْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَمَا تَوَعَّدَكَ بِهِ إِنْ تَجَرَّأْتَ عَلَى حُدُودِهِ وَخَالَفْتَ أَوَامِرَهُ.
تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: { فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى، وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }[النازعات 37 - 41]
تَذَكَّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن 46]
تَذَكَّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ: { إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً...}[ الإنسان 10-12]
إِذَا تَمَكَّنْتَ مِنَ الحَرَامَ؛ أَيًّا كَانَ هَذَا الحَرَامُ؛ فَتَذَكَّرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَهَاكَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَرَاكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيكَ؛ قَالَ تَعَالَى: { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }[الأنعام 15]
تَذَكَّرْ أَنَّكَ سَتُلَاقِي رَبَّكَ جَلَّ وَعَلَا بِخَيرِ أَعْمَالِكَ وَشَرِّهَا تَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ، وَأَظَلَّنَا فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - وَأَطِيعُوهُ، وَحَاذِرُوا غَضَبَهُ وَلَا تَعْصُوهُ.
عِبَادَ اللهِ: إِذَا تَيَسَّرَتْ سُبُلُ المَعَاصِي، وَدَعَتْ إِلَيْهَا المُغْرِيَاتِ، وَقَادَ إِلَيْهَا الشَّيْطَانُ وَالنَّفْسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ.
إِذَا خَلَا العَبْدُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، وَاخْتَفَى عَنْ أَنْظَارِ خَلْقِ اللهِ، فَإِنَّ الخَالِقَ جَلَّ وَعَلَا يَسْمَعُ وَيَرَى، وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس 61]
ثُمَّ إِنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ سَيَجِدُ أَعْمَالَهُ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا، قَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة 7-8 ]
وَقَالَ تَعَالَى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [ آل عمران 30]
وَقَالَ تَعَالَى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء 47]
اللهُمَّ يَسِّرْ حِسَابَنَا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيْمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ أَظِلَّنَا فِي ظِلِّكَ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّكَ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1731527079_5 رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ.pdf
1731527097_5 رَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ.docx