رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..!
HAMZAH HAMZAH
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعـــد :
فإن أصدقَ الحديث كتاب الله ، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا."يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب :70-71)
إخوة الاسلام : لقد عاش سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى مكة وحيدا شريدا، يبحث عن النصرة ، ويتطلع إلى الموآزرين، فلم يجد أمة تنصره، ولا قبيلة تؤازره ، وكان أصحابه مستضعفين مستذلين، تطالهم يد الباغي، وتنهشهم سهام الظالم، ومن نجا اليوم لم ينج غدا...!
وكان صلى الله عليه وسلم يتردد على وجوه القبائل وأحياء العرب، ويتلمس الموسم ليعرض عليهم دعوته، ويطلب منهم نصرته ويقول (من يؤويني حتى أبلغَ رسالة ربي )
وبعد مدة طويلة من الإبلاغ والنصح والبذل، قيّض الله له رجالا كراما، وأبطالا أشاوس فهموا قوله، وأذعنوا لخطابه، وأهمهم أمره...
وكان أول لقاء حصل في السنه الحادية عشر من البعثة، مع نفر من الخزرج وسمعوا القرآن، وطاب لهم الكلام، حيث كانت اليهود تخبرهم وتهددهم بخروج نبي يؤمنون به، ويقتلونهم عليه..!
فاستبشر هؤلاء النفر، وكانت ستَ نسمات من يثرب، تنشرح بهذا الخير، وتغتبط بهذا الذكر، وتحرص على الظفر به.
لا سيما وأن ثارات الجاهلية قد مزقتهم، وقتل شرفاؤهم، كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم بُعاث، يوما قدّمه الله لرسوله ، فقدم رسول الله وقد افترق ملَؤهم، وقُتلت سرواتُهم- سادتهم- وجُرحوا ، فقدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام ).
ووطّد الستة نفر، الأمرَ لرسول الله ، وواعدوه العام المقبل، فحضر منهم اثنا عشر رجلا، وبايعوه بيعة النساء كما قد جاء في الصحيح قال عبادة رضي الله عنه قال رسول الله: ( تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم بين أيديكم وأرجلِكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفّى منكم ، فأجره على الله، ومن أصاب شيئا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ) فبايعوه على ذلك.
ثم أرسل معهم مصعب بن عمير، سفير الإسلام، ليعلمهم ويقرئهم القرآن. وبالفعل مصعب في دعوته، وفي إيصال الخير للناس، وأسلم عليه رجالات من الأوس والخزرج.
وذاع خبر رسول الله فى سائر بيوت الأنصار، وتشوق الناس له وللنور الذى جاء ، فحضروا الموسم القادم، وهم يتذاكرون معاناة رسول الله في مكة، ووجوب استنقاذه من ذلك.
فحضر الأنصار في العقبة من (مِنى) ثلاثة وسبعون رجلا ، وامرأتان، فاجتمعوا في العقبة، فيما عرف بعد ذلك ببيعة العقبه الثانية، وكان ذلك، آخر أيام التشريق من الموسم .
فحضر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ، حضر ليستوثق لابن أخيه وكان أول من تكلم فقال كلاماً ملخصه:
(يا معشر الخزرج قد علمتم منا محمد ، وأنه فى عز ومنَعة من قومه، وقد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم ، فإن رأيتم أنكم وافون له فذلك لكم ، وإن أبيتم فهو فى منعه من قومه .
فقال الأنصار: قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله، وخذ لنفسك ولربك ما أحببت
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال : (أبايعكم على أن تمنعوني مما تَمنعون منه نساءكم وأبناءكم ) فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال ( والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أُزرَنا، فبايعنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأهل الحَلْقة،-أي السلاح- ورثناها كابراً عن كابر )..
فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله أبو الهيثم بن التيّهان فقال : يا رسول الله: إن بيننا وبين القوم حبالا وإنا قاطعوها، فهل عسيتَ إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك، وتدعنا؟ فتبسم رسول الله، ثم قال ( بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أُحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم ).
ثم تكلم العباس بن نضلة ( هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ؟! قالوا : نعم قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نَهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا، أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، على نَهكة الأموال ، وقتل الأشراف، فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة وقالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الاشراف، فما لنا بذلك يارسول الله ونحن وفّينا قال : الجنة ، قالوا : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه ).
ثم عقِبه تكلم أسعد بن زُرارة عندما قام الناس للبيعة ( رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب اليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الل، وأن إخراجه اليوم مفارقةُ العرب كافة، وقتلُ خياركم، وأن تَعضَكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فدعوه ، فهو أعذر لكم عند الله ) فقالوا له : يا أسعد ، أمِط عنا يدَك يا أسعد، فوالله لا نذرُ هذه البيعة ولا نستقيلها ).
ثم لما تمت البيعة، أمرهم رسول الله بإخراج اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم ، أشبه بالرؤوس والعرفاء.
فهل رأيتم يا مسلمون، كيف كانت هذه البيعة مصيرية خطيرة ، وماذا قالت الأنصار وماذا أظهروا من الحب والصدق والتفاني !!
قال تعالى (منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23).
أقول قولي هذا ......
الثانية