ربما أدركت رمضان ،، 1443/8/29ه

يوسف العوض
1443/08/27 - 2022/03/30 05:09AM

اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى


اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي زَيَّنَ قُلُوبَ أَوْلِيَائِهِ بِأَنْوَارِ اَلْوِفَاقِ ، وَسَقَى أَسْرَارَ أَحِبَّائِهِ شَرَابًا لَذِيذَ اَلْمَذَاقِ ، وَأَلْزَمَ قُلُوبَ اَلْخَائِفِينَ اَلْوَجَلَ وَالْإِشْفَاقَ ، فَلَا يَعْلَمُ اَلْإِنْسَانُ فِي أَيِّ اَلدَّوَاوِينِ كُتَبَ وَلَا فِي أَيِّ اَلْفَرِيقَيْنِ يُسَاقُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ اَلْمَلِكُ وَلَهُ اَلْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ ، إِلَهٌ عَزِّ مِنْ اِعْتَزَّ بِهِ فَلَا يُضَامُ ، وَذَلَّ مِنْ تَكَبَّرَ عَنْ أَمْرِهِ وَلَقِيَ اَلْآثَامَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهْ وَرَسُولُهُ ، وَصَفَّيُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَمِنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ ، وَتَمَسَّكَ بِسَنَتِهِ ، وَاقْتَدَى بِهَدْيهِ ، وَاتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ ، وَنَحْنُ مَعَهُمْ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ .
 

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : نَحَنُ اليَومَ نَقِفُ مَعَ حَدِيثٍ ثَابِتٍ مِنْ أَحَادِيثِ اَلْمُصْطَفَى صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونُرِيدُ مِنْ هَذِهِ اَلْوَقْفَةِ أَنْ نَعْرِفَ مِقْدَارَ اَلْخَيْرِ اَلَّذِي نَحْصُلُ عَلَيْهِ بِإِدْرَاكِنَا لِشَهْرِ رَمَضَانَ مَعَ صِيَامِهِ وَصَلَاتِنَا أَلَّفَ وَثَمَانٍ مِئَةِ صَلَاةٍ بِمُرُورِ سَنَةٍ عَلَيْنَا ، حَتَّى نَسْتَقْبِلَ شَهْرَ اَلصَّوْمِ اِسْتِقْبَالَ اَلْمُسْتَبْشِرِينَ بِهِ اَلْعَالَمَيْنِ بِمِنَّةِ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ بِإِدْرَاكِهِ وَصَوْمِهِ حَتَّى لَا تَفْتُرُ أَلْسِنَتُنَا مِنْ شُكْرِ اَللَّهِ عَلَى هَذِهِ اَلْمِنَّةِ ، فَمِنْ اَلنَّاسِ مِنْ هُوَ فِي قَبْرِهِ ، لَا يَسْتَطِيعُ زِيَادَةَ حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَمِنْ اَلنَّاسِ مِنْ هُوَ فِي اَلدُّنْيَا لَكِنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ بِذُنُوبِهِ وَبِجُلَسَائِهِ اَلَّذِينَ يَدُلُّونَهُ عَلَى اَلشَّرِّ وَيَرْغَبُونَهُ فِيهِ وَيُبْعَدُونَهُ عَنْ اَلْخَيْرِ وَيُزَهِّدُونَهُ فِيهِ ، جَاءَ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ رَضِي اللهُ عَنهُ قَالَ : أنَّ رَجُلَيْنِ من بَلِيٍّ قَدِما على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وكان إِسْلامُهُما جَمِيعًا فكانَ أحدُهُما أَشَدَّ اجْتِهادًا مِنَ الآخَرِ فَغَزَا المُجْتَهِدُ مِنْهُما فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بعدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قال طلحةُ فَرأيْتُ في المنامِ بَيْنا أنا عندَ بابِ الجنةِ إذا أنا بِهما فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الجنةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُما ثُمَّ خرجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رجعَ إِلَيَّ فقال ارْجِعْ فإنَّكَ لمْ يَأْنِ لكَ بَعْدُ فَأصبحَ طلحةُ يُحَدِّثُ بهِ الناسَ فَعَجِبُوا لِذلكَ فَبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ فقال من أَيِّ ذلكَ تَعْجَبُونَ فَقَالوا يا رسولَ اللهِ هذا كان أَشَدَّ الرجلَيْنِ اجْتِهادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، ودخلَ هذا الآخِرُ الجنةَ قبلَهُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَليسَ قد مَكَثَ هذا بعدَهُ سَنَةً قالوا بلى قال وأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصامَ وصلَّى كذا وكذا من سَجْدَةٍ في السَّنَةِ قالوا : بلى قال: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فما بينَهُما أَبْعَدُ مِمَّا بين السَّماءِ والأرضِ .


أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : طولُ العُمُرِ مع حُسْنِ العَملِ مِن أسبابِ الفلاحِ والتَّفاضُلِ بين النَّاسِ، والله سُبحانَه وتعالى يُعْطي المُجتهِدَ على قَدْرِ اجتهادِه ، وهَذَا اَلْحَدِيثُ فِي اَلْوَاقِعِ شَرْحٌ تَارِيخِيٌّ وَاقِعِيٌّ لحَديثِ "خيرُ النَّاسِ مَن طال عُمرُه وحسُنَ عمَلُه "وامَّا حديثُ طَلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه فيُخْبِرُ : "أنَّ رجُلينِ مِن بَلِيٍّ" وهم فَرعٌ مِن بني عُذْرةَ، وبنو عُذرةَ هم قَبيلةٌ كانتْ تَسكُنُ في وادي القُرى قُربَ المدينةِ، وكانُوا يَدينُونَ باليَهودِيَّةِ قَبلَ الإسلامِ وَفَدَا على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُشهِرَينِ لإسلامِهما في وقتٍ واحدٍ فكان أحدُهما أشدَّ اجتهادًا مِن الآخرِ في العِبادةِ وأعمالِ البِرِّ فخرَجَ في الغَزوِ والجهادِ فاسْتُشْهِدَ ثمَّ مكَثَ الآخَرُ بَعدَه سَنةً ثمَّ تُوُفِّيَ ، قال طَلحةُ رضِيَ اللهُ عنه فرأيْتُ في المنامِ بَينَا أنا عِندَ بابِ الجنَّةِ من الخارجِ إذا أنا بالرَّجُلينِ واقفَينِ عند بابِ الجنَّةِ فخرَجَ ملَكٌ مِن الملائكةِ من الجنَّةِ فسمَحَ بالدُّخولِ للَّذي مات أخيرًا قبلَ الَّذي مات شَهيدًا ثمَّ خرَجَ فأذِنَ للَّذي اسْتُشْهِدَ فأدخَلَه بعد صاحِبِه ثمَّ رجَعَ المَلَكُ إلى طَلحةَ مُخاطِبًا إيَّاه فقال: ارجِعْ فإنَّه لم يحضُرْك أجَلُك لتدخُلَها فأصبَحَ طَلحةُ مِن لَيلتِه الَّتي رأى بها تلك الرُّؤيا يُحَدِّثُ به النَّاسَ فتعجَّبُوا لدُخولِ الآخِرِ قبلَ الأوَّلِ وقد مات شهيدًا فعلِمَ بها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وتعجَّبَ النَّاسُ لحالِهما فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مِن أيِّ ذلك تعجَبونَ ؟! فقالوا: يا رسولَ اللهِ هذا كان أشدَّ الرَّجُلينِ اجتهادًا ثمَّ اسْتُشْهِدَ ودخَلَ هذا الآخِرُ الجنَّةَ قبلَه !! فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : أليسَ قد مكَثَ هذا بَعدَه سَنةً ؟! فعُمِّرَ وعاش بعدَ صاحبِه عامًا ، قالوا: بلى ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : وأدرَكَ رمضانَ فصامَ ؟! وصَلَّى كذا وكذا من سَجدةٍ في السَّنةِ ؟! قالوا: بلى ،  قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : فما بينهما أبعدُ ممَّا بين السَّماءِ والأرضِ ، وفي روايةِ أحمدَ : " قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لطَلحةَ : وما أنكَرْتَ مِن ذلك ؟! ليس أحدٌ أفضلَ عند اللهِ مِن مُؤمنٍ يُعَمَّرُ في الإسلامِ لتَسبيحِةٍ وتَكبيرِةٍ وتَهليلِةٍ " وفي رَوَايةِِ الِإمامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِ حُسْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ طَلْحَة بْنْ عُبَيْدْ اَللَّهْ : فَرَأَيْتُ اَلْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ قَبْلَ اَلشَّهِيدِ فَتَعَجَّبَتُ لِذَلِكَ فَأَصْبَحَتُ فَذَكَرَتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذُكِرَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانْ !! وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةُ صَلَاةِ سَنَةٍ " ،،

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : ذلك فضْلُ طولِ العُمرِ وزِيادةِ العَملِ مع الإحسانِ فلا يَزالُ المُسلمُ يأتي بالحَسَنِ من الأعمالِ وتُدَّخَرُ له حَتى يَدخلَ الجنَّةَ ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ طَالَتْ أَعْمَارُهُمْ وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ
 

اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ
 

اَلْحَمْد لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ، أَمَّا بُعْدٌ :


أيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ : شَهْرُ رَمَضَان جَوَاهِرُ ثَمِينَةٌ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ اَلْجَوَاهِرِ ، وَاَلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ قِيمَةَ اَلْجَوَاهِرِ يُقَصِّرُونَ فِي حَقِّهَا ، وَيَتَحَسَّرُونَ عَلَى عَدَمِ اَلِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا بَعْدُ وَلَاتَ سَاعَةِ مَنْدَمٍ وهَا هُوَ رَمَضَانُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ، وَقَدْ تدْرِكْونَ مَا أَدْرَكَ صَاحِبُنا في الحديثِ ، فَسَبَقَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ صَاحِبَهُ اَلَّذِي اُسْتُشْهِدَ قَبْلَهُ ، فَسَابَقُواَ ، فَإِنَّ عُمُرَ اَلْمُؤَمَّنِ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا خَيْرًا !

يَا مَرْحَبًا بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ فَإِنَّهَا سُوَيْعَاتٌ تَمْضِي ، تَمْتَلِئَ بَعْدَهَا اَلْأَمْعَاءُ ، وَتَرْتَوِي اَالْحَنَاجَرُ وَيُثْبِت اَلْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ ،، يَا مَرْحَبًا بِقِرَاءَةِ اَلْقُرْآنِ ، ضِمَادِ اَلْقُلُوبِ اَلْمَجْرُوحَةِ ، وَسَلْوَى اَلنُّفُوسِ اَلْمَحْزُونَةِ ، وَجِبَالٍ مِنْ اَلْحَسَنَاتِ ، وَلَا أَقُولُ أَلَمُ حَرْفٌ ، وَإِنَّمَا أَلَّفَ حَرْفٌ ، وَلَامَ حَرْفٌ ، وَمِيمُ حَرْف ،، يَا مَرْحَبًا بِالْقِيَامِ وَالتَّرَاوِيحِ ، أَقْدَامٌ تَنْتَصِبُ لِلَّهِ ، وَقُلُوبٌ تُنِيخُ مَطَايَاهَا بِبَابِهِ ، لَحَظَاتٌ مِنْ اَلتَّعَبِ اَللَّذِيذِ تَمْضِي ، وَأَجْرٌ عَظِيمٌ يَبْقَى ،، يَا مَرْحَبًا بِالصَّدَقَاتِ ، وَإِطْعَامِ اَلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ، فَهَذَا اَلَّذِي يَبْقَى ، فَلَيْسَ لِلْأَكْفَانِ جُيُوبٌ ، وَالصَّدَقَةُ هِيَ اَلطَّرِيقَةُ اَلْوَحِيدَةُ لِإِرْسَالِ  أَمْوَالِنَا إِلَى اَلْآخِرَةِ ،،

اَللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ وَأَعَنَّا فِيهِ عَلَى اَلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَسَائِرِ اَلْأَعْمَالِ وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنْ اَلْمَقْبُولِينَ .
 

المرفقات

1648616908_نعمة رمضان.pdf

المشاهدات 1203 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا