رُؤيَةٌ.. شَرَفُ مَسْلكٍ وكَرَمُ نِهايَة 23 ــ 11 ــ 1445هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّها المُسْلِمُون: يَجِدُّ في السَّيْرِ مَنْ اسْتَبانَ لَهُ السَبِيْلُ. ويَمْضِيْ وَاثِقاً مَنْ إِلى الطَرِيْقِ هُدِي. مَنْ أَبْصَرَ غَايَتَهُ وعَرَفَ بُغْيَتَه، واطْمَأَنَ لِمَسْلَكِهِ وارتَضَى مُنْتَهاه.. جَدَّ في السَّيْرِ لا تَثْنِيْهِ ثانِيَةٌ.. عَنِ المَعالِي ولا تَقْعُدْ بِهِ الحِيَلُ.
وُضُوحُ الطَرِيْقِ وسُمُوُّ المَقْصِدِ، ونُبْلُ الهَدَفِ وجَلالُ الغَايَة. دَعائِمُ.. تَحْمِلُ صَاحِبَها على البَذْلِ والتَّضْحِيَةِ والمُثابَرَةِ والإِصْرار. ومَا جَدَّ في الطَّلَبِ مُتَرَدِّد، وما أَدْرَكَ كَرِيْمَ المكَاسِبِ خَوَّار. و(المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المؤْمِنِ الضَّعِيْف)
قَوِيٌّ فِيْ إِيْمانِهِ قَوِيٌّ في سَعْيِهِ، قَوِيٌّ في عَزْمِهِ قَوِيٌّ في ثَباتِه، قَوِيٌّ في إِرادَتِهِ قَوِيٌّ في صَبْرِه، قَوِيٌّ في صِدْقِهِ قَوِيٌّ في وَثَباتِه.
كَمْ مُبْصِرٍ لِفَضِيْلَةٍ.. أَقْعَدَهُ عَنْها ضَعْفُ إِرادَةٍ. وكَمْ مُبْصِرٍ لِفَضِيْلَةٍ.. أَعْجَزَهُ عنها وَهَنُ هِمَّة. وكَمْ مُبْصِرٍ لِفَضِيْلَةٍ.. حالَ بَيْنَهُ وبَيْنَها سُوءُ تَخْطِيْط.
ولَنْ يُدْرَكَ امْرؤٌ مَنازِلَ التَفَوُّقِ إِلا بِعَونٍ مِن اللهِ لَهُ وتَوْفِيْق. ومَنْ سَارَ في طَرِيْقٍ على غَيْرِ هِدايَة.. جَرْجَرَ أَذْيالَ الخَيْبَةِ حِيْنَ تَنْكَشِفُ النِّهايَة.
لَولا الهِدايَةُ.. لَما شَرُفَتْ للسَّاعِيْن غايَة. فاطُلْبِ هِدايَةَ مَنْ يَهْدِيْكَ للرَّشَدِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} دُلَّنا إِليهِ، أَرْشِدْنا إِليه، وَفِّقْنا للُزُومِهِ وثَبِّتْنا عليه.
كَمْ سائِرٍ على غَيْرِ هِدايَةٍ ذَهَبَ سَعْيُهُ هَباء. وكَمْ مُجْتَهِدٍ على غَيْرِ بَصِيْرَةٍ ذَهَبَتْ أَعْمالُهُ حَسْرَة {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} * مَنْ أَبْصَرَ طَرِيْقَ تَفَوُّقٍ فَلْيُشَمِّرْ في السَعِيْ فِيْه. ومَنْ لاحَت لَهُ مَنازِلُ شَرَفٍ فَلْيَجِدَّ في السَيْرِ إليها. وَلْيَصْطَحِبْ في السَّيْرِ إِخلاصاً وتَقوَى، وتَوَكُلاً وصَبْراً. ولْيَلْزَمْ السَّبِيْلَ.. وإِنْ تَكاثَرَتْ فيهِ العَقَبات. ولْيَثْبُتْ عليهِ.. وإِنْ تَنَكَّبَ عَنْهُ السَّائِرُون. فَطِرِيْقُ السُّؤْدَدِ مُكْلِفٌ، ومَقامُ القِمَّةِ دُونَهُ أَلَمُ الصُّعُود.
* عَاقِلٌ.. مَنْ لَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ أَنْ يَعِيْشَ بِلا غايَة. وغَايَةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُدْرِكَ مَحَبَّةَ اللهِ، وأَنْ يَنالَ رِضا اللهِ، وأَنْ يَبْلُغَ جَنَّةَ الله. وكُلُّ غايَةٍ في الحَياةِ.. مَا لَمْ تُفْضِ إِلى تِلْكَ الغَايَةِ فَهِيَ وبَال.
وغَاياتُ العِبادِ تَتَبايَن، ومَطَالِبُهُم في شَتَّى المَشارِب.. فَطالِبُ عِلْمٍ، وطالِبُ مالٍ، وطالِبُ جَاهٍ، وطَالِبُ تِجارَة. مَطالِبُ في الحَياةِ لا حَصْرَ لَها. ولِكُلِّ امرئٍ ما طَلَبْ. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا}
* يَقِفُ العَاقِلُ على عَتَبَاتِ الحَياةِ يَسْتَبْصِرُ طَرِيْقَه. يَتأَمَلُ في العَواقِبِ ويُتَفَكَّرُ. يَتَأَمَلُ.. كَيْفَ يَنْتَقِي مِن الأَهدافِ أَفْضَلَها. وكَيْفَ يُحَقِّقُ مِنَ الغَاياتِ أَكْمَلَها، وكَيْفَ يَبْلُغُ مِنَ المَطالِبِ أَسْماها. ثُمَّ يَتأَمَل.. كَيْفَ يَشُقُّ إِليها طَرِيْقَهُ، وكَيْفَ يُتْقِنُ إِليها سَعْيَهُ تَخْطِيْطَهُ. يُدْرِكُ العَاقِلُ.. أَنَّ سَعْياً إلى غَايَةٍ بِلا تَخْطِيْط.. قَدْ يُؤَخِرُ الوُصُولَ إِليها، وقَدْ يُضْعِفُ نَتَائِجَها، وقَدْ يَقْطَعُ المَرءَ دُوْنَها.
وكُلُّ مَنْ رامَ مِنْ المَطالِبِ أَمْراً.. فَلْيعْلَمْ أَنَّ للنَجاحِ جَناحانِ: (اسْتِخارَةٌ واسْتِشارَة) يَسْتَخِيْرُ المُسْلِمُ رَبَّهُ.. يَطْلُبُهُ أَنْ يَخْتارَ لَهُ مِن الأُمُورِ ما هُوَ أَصْلَح. فَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِليه، ويَسْتَمِدُّ العَونَ مِنه، ويَعْتَمِدُ فيهِ عَلَيْه. رَاضِياً بِحُكْمِهِ مُطْمَئِناً لِتَدْبِيْرِه. وللاسْتِخارةِ صَلاةٌ مَشْرُوعَةٌ ولَها دُعاءُ مَخْصُوصٌ.
ويَسْتَشِيْرُ في الأَمْرِ مَنْ كانَ أَمِيْناً ناصِحاً، خَبِيْراً عارِفاً. يَسْتَشِيْرُ مَنْ لَهُ رأَيٌ وبَصِيْرَةٌ، وعَقْلٌ وحِكْمَة. يَسْتَشيْرُ مَنْ خَبَرَ الأُمُورَ وخاضَ التَّجارُبَ وعَرَفَ السَّبُل. (ومَنْ اسْتَشَارَ أَهْلَ العُقُوْلِ، أَدْرَكَ المأَمُوْل) وجِماعُ الأَمِرِينِ في آية: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
* أَكْمَلُ السَّاعِيْنَ سَعْياً.. مَنْ صَحَّ لَهُ رأَيُهُ وصَفَتْ رُؤْيَتُه، وجَدَّ في بَذْلِهِ وشَرُفَتْ غايَتُه. يرْكَبُ للنَّجاحِ كُلَّ وَسِيْلَةٍ، ويَبْذلُ لِبُلُوغِهِ كُلَّ سَبب.
لَهُ رُؤيَةٌ ثاقِبَةٌ ولَهُ إِليها حُسْنُ تَدْبِيْر. يَعْتَمِدُ عَلى اللهِ فيما يَأَتِي ويَذَرْ. فَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخُطُوها مُؤَيَدَةٌ بالسَّدَادِ، وكُلُّ قَرارٍ يَتَّخِذُهُ مُكَلَّلٌ بالتَوفِيْق. إِنْ تَعَثَّرَ يَوماً لَمْ يَيْأَسْ، وإِنْ تَفَوَّقَ يَوماً لَمْ يَخْتال. مُعْتَرِفٌ لِرَبِهِ بالفَضْلِ، مَفْتَقِرُ إِليه في كُلِّ حال.
* لَهُ في حَياتِهِ رُؤْيَةٌ.. قَدْ رَسَمَ لَهُ فيها خَارِطَةَ طَرِيْق. فَما لَهُ في العَبَثِ قَرِيْنٌ، وما لَهُ في الفَوْضَى صَدِيْق. لُهُ رُؤْيَةٌ في تَزكِيَةِ النَّفْسِ وبِنَائِها، ولَهُ رُؤْيَةٌ في صَلاحِ الأُسْرةِ تَرْبِيَتِها، ولَهُ رُؤْيَةٌ في كَسْبِ المالِ وإِدارَتِه. ولَهُ في كُلِّ مَسْلَكٍ مِنَ المَسالِكِ رُؤْيَةٌ وتَخْطِيْط. مَنْهَجٌ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيْعَةُ وأَقَرَّتْه، ونَهَتْ عَنْ ضِدِّهْ ورَفَضَتْه {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
* وَصَاحِبُ الحَدِيْقَةِ جَاءَنا عَنْ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ خَبَرُه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ــ أَي في أَرَضْ مُرْتَفِعَةٍ صَلْبَةٍ ــ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ ــ أَي: مَسِيْلٌ يَنْحَدِرُ مِنْهُ الماءُ ــ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ؛ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ ـــ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ ـــ فَقَالَ لَهُ: لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ؛ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ؛ لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ ــ أَيْ ما كُنْتَ تَعْمَلُ في مَزْرَعَتِكَ حَتَى كانَ لَكَ هذا ـــ قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَهُ في خَراجِها رُؤْيَةٌ وحُسْنُ تَدْبِيْر. فَحَفِظَ للحَدِيْقَةِ حَقَّها، وحَفِظَ للعِيالِ حَقَّهُم، وحَفِظَ للآخِرَةِ نَصِيْبَه {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} باركَ اللهُ لي ولكم..
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: رُؤْيَةٌ يَرْسُمُها المَرءُ لِنَفْسِهِ.. ثُمَّ لا يَجْتَهِدُ في تَحْقِيْقِها، تَتَلاشَى في أَمَانِيْ العَابِثِيْن. وعلى قَدْرِ القُدُرَاتِ تُرْسَمُ الرُؤَى، وعَلى قَدْرِ المُقَوِّماتِ تَعْلُو صُرُوحُها. وكُلَّما كَانَتْ القُدُرَاتُ أَعْلَى.. كَانَت الفُرَصُ أَجَلّْ. وكُلَّما كَانَتِ المُقَوِماتُ أَقْوَى كَانَت النَتَائِجُ أَكْمَل.
وفي بِلادِنا ــ حَماها اللهُ ــ.. أَسْبابُ التَفَوُّقِ ظَاهِرَةٌ، وأَسْبابُ التَمْكِيْنِ جَلِيَّة. في بِلادِنا ــ حَماها اللهُ ــ.. دَعائِمُ بِها تَعْلُو مَكانَتُها، ويُشْرِقُ تارِيْخُها، وتَزْدَهِرُ حَضارَتُها.
في بِلادِنا هَبَطَ الوَحِيُ، وَفي بِلادِنا انْطَلَقَتِ الرِسَالَةُ. وفي بِلادِنا نَزَلَ القُرآنُ.. فَمَنْ يُجارِيِ بِلاداً اصْطَفاها اللهُ بِذلك. ومَنْ كَانَ القُرآنُ لَهُ إِماماً.. عَزَّ وارْتَفَعَ ومُكِّنَ وَسَاد. ومَنْ كانَ الرَّسُولُ لَهُ هادِياً.. هُدِيَ وَرَشَدَ وتَقَدَّمَ وقَاد.
في بِلادِنا قِبْلَةُ الإِسْلام.. مَكَةُ مَهْوَى الأَفْئِدَةِ.
فِيْ بِلادِنا مَعْقِلُ الإِسْلامِ.. المَدِيْنةُ دارُ الهِجْرَةِ.
وفِيهِما أَشْرَفُ مَسْجِدَيِن.. وإِنَّ الإِسلامَ لَيأَرِزُ بين المَسْجِدَيْن. عَنْ عَبدِاللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الإسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بَدَأَ، وَهو يَأْرِزُ بيْنَ المَسْجِدَيْنِ، كما تَأْرِزُ الحَيَّةُ في جُحْرِهَا) رواه مسلم أَيْ : يَجْتَمِعُ الإِسْلامُ ويُنْضَمُّ بَيَنَ المَسْجِدَيْنِ. كَما تَجْتَمِعُ الحَيَّةُ وتَنْضَمُّ إِلى جُحْرِها.
في بِلادِنا ــ حَماها اللهُ ــ يُؤَدَى رُكْنٌ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ.. فَلا يُؤَدَى الرُّكْنُ في بَلَدٍ سِواه {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ..}
* إِلى بِلادِنا.. تَهْفُوا قُلُوبٌ، وتَتَوقُ أَنْفُسٌ، وتَشْتاقُ أَرْواح. مَلايينُ المُسْلِمِيْنَ قَد أَنْفَقُوا في سَبِيلِ الحَجِّ أَموالَهُم، وأَجْهَدُوا أَبْدانَهُم، وأَثْقَلُوا مَراكِبَهُم.
قَصَدُوا بِلاداً.. أَدْرَكُوا أَنها دَارُ الإِسلامِ الأَولى. مِنْها أَشْرَقَتْ شَمْسُهُ ومِنْها شَعَّ ضِيَاه. يَرَونَ في أَهِلِها أَهلاً للقُدْوَةِ. ويَرَونَ في أَهِلِها أَهلاً للصَّفاءَ.
حَقٌّ عَلِيْنا أَنْ نَكَونَ لَهُم خَيْرَ أَهْلٍ، وحَقٌّ عَلينا أَنْ نَكَونَ لَهُم خَيْرَ سَنَد. نُعَلِّمُ جَاهِلَهُم، ونُبَصِّرُ حائِرَهُم. نُقِيْمُ عَقِيْدَةَ مَنْ في عَقِيْدَتِهِ خَلل. ونُصْلِحُ مَنْهَجَ مَنْ في مَنْهَجِهِ دَخَل. لِيَعُودَوا مِنْ الحَجِّ إِلى الحَقِّ دُعاةٌ. وليَرْجِعُوا مِنهُ إلى الهدايةِ هُداة.
شَرَفُ لِبِلادِنا.. أَنْ تَكُونَ لَها في ذلكَ أَكْمَلُ رُؤْيَةٍ. وأَنْ يَكُونَ لَها في ذلك أَعلى رايَة.
شَرَفٌ للعامِلِينَ الباذِلين المُخْلَصِين.. شَرَفٌ لَهُم وزُلْفَى عِنْدَ رَبِّ العَالَمِين.
رَفَعَ اللهُ للعامِلينَ قَدْرَهُم، وتَقَبَلَ سَعْيَهُم، وأَبْقَى أَثَرَهُم.. وضاعَفَ ثوابَهم..
المرفقات
1717070272_رُؤيَةٌ.. شَرَفُ مَسْلكٍ وكَرَمُ نِهايَة 23 ــ 11 ــ 1445هـ.docx