رأس العلم: خشية الله جل جلاله..فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
الفريق العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد:
فلكل شيءٍ رأس, ورأس الشيء: أعلاه, وأساسه, وقوامه, فرأس الإسلام: الشهادتان, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ( إن شئت حدثتك برأس هذا الأمر, وقوام هذا الدين, وذروة السنام ) قال: قلتُ: بلى, فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله..) [أخرجه الإمام أحمد ]
فلكلّ شيء رأس, ورأس العلم: خشية الله جل جلاله.
قال الله عز وجل: { ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور } [فاطر:28] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به, لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم, القدير, العليم, الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم, والعلم به أكمل, كانت الخشية له أعظم وأكثر.
فالعلم ليس مبناه على الكثرة والقلة, ولكن على الخشية, فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث, ولكن العلم عن كثرة الخشية.
قيل للشعبي: أيها العالم! فقال: إنما العالم من يخشى الله.
وقال الحسن البصري رحمه الله: الفقيه من يخشى الله عز وجل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: أصل العلم خشية الله تعالى.
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أصل العلم خشية الله تعالى, والخشية هي: الخوف المبني على العلم والتعظيم, ولهذا قال تعالى: { إنما يخشي الله من عباده العلماء } [فاطر:28] فالإنسان إذا عَلِمَ الله عز وجل حقَّ العلم, وعرفهُ حقَّ المعرفة, فلا بُدَّ أن تقع في قلبه خشية الله, لأنه إذا علم ذلك عَلِمَ عن ربٍّ عظيم, قويٍّ, قاهرٍ, عالمٍ بما يُسرُّ ويُخفي الإنسان, فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل, أتمَّ قيام.
فثمرة العلم: خشية الله عز وجل, ومن كان مستحضراً لخشية الله في طلبه للعلم ظهر ذلك عليه في أشياء, منها:
• أن يعمل بعلمه: عقيدةً, وعبادةً, وأخلاقاً, وآداباً, ومعاملةً, ومن عمل بما علم فالناس يقتدون به, فعن الأعمش قال: كانوا يتعلمون من الفقيه كل شيءٍ حتى في لباسه ونعليه.
وقيل لابن المبارك: أين تريد ؟ قال: إلى البصرة, فقيل له: من بقي؟ فقال: ابن عون آخذ من أخلاقه, آخذُ من آدابه.
• أن يكون زاهداً في الدنيا مقبلاً على الآخرة, قال المروذي: قيل لأبي عبدالله: قيل لابن المبارك: كيف تعرف العالم الصادق؟ قال: الذي يزهد في الدنيا, ويقبل على آخرته. فقال أبو عبدالله: نعم هكذا يريد أن يكون.
وقال عبدالله بن أحمد: حدثني أبي: سمعت سفيان يقول: ما ازداد رجل علماً فازداد من الدنيا قرباً إلا ازداد من الله بعداً.
• أن يبتعد عن حب الظهور والشهرة, قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبَّ الشهرة.
• أن يكون صدره رحباً في مواطن الخلاف, وأن يتجنب التنازع الذي يؤدي إلى النزاع والخصام وبث الفرقة وذهاب القوة, قال الله سبحانه وتعالى { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } [الأنفال:46]
• أن يكون محترماً للعلماء, عارفاً لهم فضلهم وشرفهم, ومكانتهم في الأمة, وأنهم غير معصومين من الخطأ, ولكن هذا الخطأ لا يبرر اغتيابهم والحط من قدرهم, بل يعتذر لهم وينبهم إلى ما وقع منهم بأحسن طريقة وأفضل عبارة.
والشيطان قد يصور غيبة العلماء على أن ذلك من النصيحة, وهي في الحقيقة سوء ظن, وإشفاء غيظ, فينبغي الحذر منها.
• أن يكون داعياً إلى الله عز وجل بحكمة في كل مناسبة تسنح له, فهو يدعو إلى الله بلسانه وقلمه وسمته ومعاملته وأخلاقه.
• ألا يتبع أخطاء الآخرين, ولا يفرح بزلة صدرت من إخوانه, فضلاً أن يستغل هذه الزلة ليقدح في من صدرت منه, والشيطان له مداخل خفية في هذا, ينبغي التنبه لها.
• أنه لا يضمر الحسد للناس, فضلاً أن يكون ذلك لإخوانه من طلاب العلم, والحسد كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله لا يخلو منه جسد, لكن طالب العلم الذي يخشي الله جل جلاله حق خشيته يجاهد نفسه ويدعو ربه أن يصرفه عنه
• أنه لا يفتى بغير علم, ويقاوم فتنة حب الظهور في القنوات الفضائية, وشبكة الإنترنت, والمواقع الإلكترونية, والاجتماعية, وغيرها, ومن صدق أعانه الله.
• أنه متواضع لا يحتقر أحداً, ولا يتطاول بسوء الأدب على أيِّ أحد صغيراً كان أو كبيراً, ويقبل الحق ممن جاء به ولو كان أقل منه منزلة, ولا يحقر من دونه في العلم, ولا يحسد من فوقه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: آفة العلم: الكبر.
• أنه متجنب للجدال والمراء, لأنهما يغلقان طريق الصواب, ويحملان الإنسان على الكلام انتصاراً لنفسه, إضافة إنهما يجلبان العداوة والشحناء.
ومن خشي الله جل جلاله في طلبه في العلم, فليبشر بكل خير, فسيحبه الناس, ويكرموه, ويعظموه, وسيكون له هيبة عندهم, قال سفيان بن عيينة: لو أن أهل العلم طلبوه لما عند الله لهابهُمُ الناسُ, ولكن طلبوا به الدنيا فهانوا على الناس.
وسوف يرى أن لعلمه تأثيراً نافعاً على الناس, فعن عمر بن ذرٍّ أنه قال لوالده: يا أبي! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاءُ, وإذا وعظهم غيرك لا يبكون ؟ فقال: يا بني, ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة, وفقك الله لرشدك آمين.
وإن مما يعين طالب العلم على أن يكون طلبه للعلم خشيةً لله جل جلاله أموراً, منها:
• أن يكون طلبه للعلم لله عز وجل, فعن ابن المبارك رحمه الله قال: ما من شيءٍ أفضل من طلب العلم لله, وما من شيءٍ أبغض إلى الله من طلب العلم لغير الله.
والأمر ليس يسير, فيحتاج طالب العلم إلى مجاهدة نفسه, قال الإمام الثوري رحمه الله: ما عالجتُ شيئاً أشدَّ عليَّ من نيّتي فإنها تتقلبُ عليَّ.
• أن يقرأ في سير السلف الصالح فمن نظر في سيرهم زاحمهم وتأدب بأخلاقهم.
• أن يقرأ في الكتب التي تحث على التحلي بمحاسن الآداب, ومكارم الأخلاق, والهدي الصالح, والسمت الحسن, ومن أفضل ما ينصح به في هذا كتاب " حلية طالب العلم " للعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد, مع الشرح القيم له للعلامة محمد بن صالح العثيمين, رحمهما الله.
• أن يقرأ في الكتب التي توضح مداخل الشيطان على الإنسان, ومنها: كتاب الإمام ابن الجوزي رحمه الله " تلبيس إبليس " فقد ذكر مداخل خفية للشيطان على من يطلبون العلم, ينبغي التنبه لها, وأخذ الحذر منها.
نسأل الله الكريم أن يرزقنا الهدى والسداد, ويقينا شر أنفسنا, وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, ويهب لنا من لدنه رحمه إنه هو الوهاب.