ذنوب القدمين
مالك البوم
جئت إلى بيت الله تحملك هذه القدم | معجزة صغيرة تحمل جسمك الثقيل، تعمل على توازنك تثبتك لكي لا تقع يمنة أو يسرة، عظام صغيرة وأوتار مشدودة ومفاصل مرنة ترفعك وتحركك دون أن تبذل جهداً في تحريكها. أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
تأمل إلى ما يلمس بطن قدمك هل هي نار تحرق جلدك أم جليد تنزلق عليه أم صخوراً تدمي قدميك كلا بل هي أرض مبسوطة مهيأة تمشي عليها بتوازن عجيب فاحمد الله ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)
تخيل حياتك بلا هذه القدم فلا تنقل ولا عمل بلا مساعدة ولا قدرة على ممارسة الحياة اليومية
تذكر من شلت أطرافه هل تتخيل أن تكون حياتك مثله والله قادر على ذلك في لحظة ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾
فسبحان الله العلي يعطيك القدم لتسعى بها في أرضه وأنت تتكبر بمشيتك على خلقه ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ اسمع هذه القصة من النبي بيْنَما رَجُلٌ يَجُرُّ إزارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ من الكبر، خُسِفَ به، فَهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَومِ القِيامَةِ. أي غاصَت به الأرْضُ وسيظل ينزل فيها إلى يوم القيامة
أهكذا تشكر نعمة ربك؟ أن تمشي بآلاء الله إلى معصية الله؟ تسير هذه النعمة إلى أماكن لهو محرمة و إلى خلوة مدمرة وتسافر لارتكاب المعصية ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ ، والقلبُ يتمنى ويشتهي ، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه
كيف لقدمك التي سجدت لله في المحراب أن تسعى للنميمة بين الأصحاب قال لا يدخل الجنة نمام وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قبرينِ فقال: ( إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ ثمَّ قال: بلى أمَّا أحدُهما فكان يسعى بالنَّميمةِ وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستنزِهُ مِن بولِه ) ثمَّ أخَذ عودًا فكسَره باثنينِ ثمَّ غرَز كلَّ واحدٍ منهما على قبرٍ ثمَّ قال: ( لعلَّه يُخفَّفُ عنهما العذابُ ما لم ييبَسا )
كيف لتلك القدم التي خلقها الجبار القوي أن تساعد الظلمة والفجار وفي الحديث الضعيف نرويه بالمعنى أن من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من ملة الإسلام (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
كيف لقدمٍ أكرمها الله بالمشي إلى المساجد في يوم الجمعة، أن تتثاقل عن نداء الله لها بحي على الصلاة؟ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: “الصلاة على وقتها“، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: “برُّ الوالدين”، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ.
فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون“
تلك القدم التي فرطت في حي على الصلاة وركنت إلى الدنيا ستهرب من حي على الجهاد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَوَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾
سبحانك اللهم وبحمدك
فتح الله لك تجارة رابحة رأس مالها هو جهد قدمك صحح نيتك وغير وجهتك
اجعلها تحملك إلى بيت الله تزيد المسافة فيزيد الربح لا تركب سيارتك والمسجد قريب واشتري الخطوات مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خُطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيَّةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً. إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
هل تريد لقدمك أن تثبت يوم تزل الأقدام في النار؟ استخدمها اليوم في المشي لإنجاز خدمة لأرملة، أو زيارة مريض، أو الصلح بين متخاصمين وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ
﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرِضتُ فلم تعدني - (تَزُرْني) - قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرِض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك، فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي))
القدم التي تتسخ بالغبار وهي تسعى في سبيل الله (جهاداً، أو دعوة، أو طلباً للرزق الحلال، أو خدمة للدين)، حرّم الله جلدها على النار. "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.
تلك الخطوات التي تمشيها لزيارة أمك، أو أبيك، أو قريب لك، هي خطوات في سعة الرزق وطول العمر. "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.
يا عبد الله ختاما تذكر أن القدم التي لا تعرف الطريق إلى الله اليوم، ستضل الطريق على الصراط غداً. وأن كل خطوة يخطوها الإنسان تترك أثراً في الأرض يُكتب، وأثراً في الصحيفة يُحفظ ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ اللهم ثبت أقدامنا على الصراط، ولا تجعلنا ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا."
لقد رأينا بعين اليقين أن الشعوب والأمم التي تثبت أقدامها على الإيمان، وتقدّم أبناءها في سبيل الله، تجني الثمار ولو بعد حين.
إن الفرحة الغامرة التي نشهدها اليوم بتحرير بلدٍ عزيز وعودة الحرية لأهله، لم تأتِ إلا ببركة: أقدام ثبتت في أرض المعركة. وسعت إلى الرباط والشهادة.
إن هذا النصر الذي يسره الله لأهل تلك الديار المباركة هو دليل على أن الله ينصر من ينصره، ويثبت من يثبت. فكما أن خطوات الصبر والجهاد قادت إلى هذا اليوم السعيد، فإن خطوات الكسل والتثاقل تقود إلى الخذلان. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾
المرفقات
1765474683_ذنوب القدمين.pdf
1765474686_ذنوب القدمين.docx
مالك البوم
عضو نشطإن كنت خطيباً في الأردن فلنتساعد على كتابة الخطبة الموحدة من خلال هذه المجموعة :
https://www.facebook.com/share/p/19ZzmEGD6w/
الخطبة الموحدة - الأردن ( اسم الصفحة )
تعديل التعليق