ذلك الله ربكم خطبة مختصرة عن العلم بالله للشيخ عبدالمحسن القاسم

عبدالرحمن اللهيبي
1438/07/16 - 2017/04/13 23:00PM
هذه خطبة عن العلم بالله للشيخ عبد المحسن القاسم إمام الحرم النبوي اختصرتها وتصرفت فيها قليلا





فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: شرفُ العلم بشرف المعلُوم، وأشرفُ العلوم وأزكاها العلمُ بالله، والحاجةُ إلى معرفة الله وتعظيمِه فوق كل الحاجات؛ بل هي أصلُ الضرورات - سبحانه جل في علاه ..كاملٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، تفرد بالخلق والمُلك والرِّزق والتدبير، خالقٌ ولا خالقَ معه، بديعُ السماوات والأرض، خلقَ فسوَّى وأحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه وهو الخلاَّقُ العليم، وكما بدأَ الخلقَ سيُعيدُه يوم القيامة وهو أهونُ عليه.
يأمرُ وينهَى، يخلُقُ ويرزُقُ، ويُعطِي ويمنَعُ، ويخفِضُ ويرفَعُ، ويُعزُّ ويُذلُّ، ويُحيِي ويُميت، يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ جميعُ الخلقِ تحت قهره ، وقلوبُ العباد ونواصِيهم بيدِه، وأزِمَّةُ الأمور معقُودةٌ بقضائِه وقدَره، والسماءُ والأرضُ قائمةٌ بأمره، ويُمسِكُ السماءَ أن تقعَ على الأرض إلا بإذنِه، ويُمسِكُ السماوات والأرضَ أن تزُولا.
جل في علاه كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ومن جُملة شُؤونه: يغفرُ ذنبًا، ويهدِي ضالاًّ، ويُفرِّجُ همًّا، ويجبُرُ كسرًا، ويُغنِي فقيرًا، ويُجيبُ دعوة، قال تعالى: وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [المؤمنون: 17].
أوامرُه مُتعاقبة، ومشيئتُه نافِذة، لا تتحرَّك ذرَّة في الكون إلا بإذنه، يخلقُ ما يشاءُ، ويفعلُ ما يُريد، وكان أمرُه قدَرًا مقدُورًا.
لا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا رادَّ لقضائِه، ولا دافعَ لمُراده، ولا مُبدِّل لكلماته.
يهدِي من يشاءُ فضلاً، ويُضلُّ من يشاءُ عدلاً، إذا أرادَ شيئًا فإنما يقولُ له: كُن، فيكون، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23].
كلامُه أحسنُ الكلام، لا بدايةَ لكلماته ولا نهايةَ لها، وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ
يعلمُ ما هو غائبٌ عنَّا وما هو شاهِد، ويعلمُ ما تُوسوِسُ به النفوسُ، وما تنطوِي عليه خبايا الصُّدور، ويعلمُ ما تحمِلُه الأُنثَى في البُطون، ومفاتِحُ الغيب لا يعلمُها إلا هو، وعلومُ الخلق كلِّهم كقطرةٍ من بحرِ علمِه، وما علمُهم إلا بمشيئتِه.
نقرَ عصفورٌ في البحر، فقال الخضِرُ لموسى - عليهما السلام -: "ما نقصَ علمي وعلمُك من علمِ الله إلا مثلَما نقصَ هذا العصفورُ من البحر"؛ رواه مسلم.
سمعُه وسِع جميع الأصوات، فلا تختلفُ عليه ولا تشتبِه. وبصرُه أحاطَ بجميع المرئيَّات، فأفعالُ العباد في ظُلمة الليل لا تخفَى عليه، وكلُّ أعمالهم هو لها بالمِرصاد. ولأن الخلقَ خلقُه فالحُكمُ له وحدَه، قال - سبحانه -: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ
وأحكامُه وحدودُه وتشريعاتُه خيرُ الأحكام، لا أحسنَ منه حُكمًا وهو خيرُ الحاكِمين، يحكمُ ولا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا يظلِمُ ربُّك أحدًا.
لا أرحمَ منه، هو أرحمُ الراحمين وخير الراحمين، أرحمُ من الوالِدة بولدِها، ورحمتُه وسِعَت كلَّ شيءٍ، له - سبحانه - مائةُ رحمةٍ، أنزلَ واحدةً يتراحَمُ الخلقُ فيما بينهم، وأمسكَ عنده تسعةً وتسعين جُزءًا.
كريمٌ لا أكرمَ منه، يُحبُّ الإحسانَ والعطاءَ لخلقه، يرزقُهم من فوقهم ومن تحتهم، فضلُه عظيمٌ، وخزائنُه لا تنفَد، قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ويدُه ملأى لا تغيضُها نفقة، سحَّاءُ الليلَ والنهار. قال - عليه الصلاة والسلام «أرأيتُم ما أُنفقَ مُنذ خُلقَ السماوات والأرض؛ فإنه لم ينقُص ما في يدِه»؛ رواه البخاري.
لا تتعاظمُه حاجةٌ أن يُعطِيَها، ولو أن العبادَ أولَهم وآخرَهم، وإنسَهم وجنَّهم قامُوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوه، فأعطَى كلَّ واحدٍ مسألتَه، ما نقصَ ذلك مما عنده إلا كما ينقُصُ المخيَطُ إذا أُدخِل البحر.
عطاؤُه بلا منٍّ، سخَّر بحارًا، أجرَى أنهارًا، أدرَّ أرزاقًا، أعطَى عبادَه نعمًا كثيرةً وهم لم يسألُوه إياها، ومن كل ما سألُوه آتاهم، ويعرِضُ على عبادِه سُؤالَه فيقول لهم: «من يسألُني فأُعطِيَه».
وكلُّ خيرٍ فهو منه، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53].
وأوصلَ لكل مخلوقٍ رزقَه، فرزقَ الجنينَ في بطن أمِّه، والنملَ في جُحره، والطيرَ في جوِّ السماء، والحيتانَ في لُجَج الماء، وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ [العنكبوت: 60].
قريبٌ مُجيبٌ لا يرضَى أن تُرفعَ الحاجاتُ إلى غيره، ومن لم يسأَله يغضَب عليه، والمحرُومُ من طمِعَ بغير ربِّه..
ومع كل ذلك فإنه لا أحدَ أصبرُ على أذًى يسمعُه من الله، يُشرِكون به ويدَّعون له الولدَ، ثم هو يُعافِيهم ويرزُقهم.
حجابُه نورٌ لو كشفَه لأحرقَت سُبُحات وجهه ما انتهَى إليه بصرُه، كبيرٌ عظيمٌ جبَّار متينٌ، العزَّةُ إزارُه، والكبرياءُ رِداؤُه، قويٌّ لا ظهيرَ له، وعليٌّ لا مثيلَ له، كلُّ شيءٍ هالِكٌ إلا وجهَه، مُحيطٌ بكل شيءٍ ولا يُحيطُ به شيءٌ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103].
تكادُ السماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ، أي: يتشقَّقن خوفًا من عظمة الله، وإذا تكلَّم بالوحي أخذَت السماوات منه رَجفةٌ ورِعدةٌ شديدةٌ وصعِقَ أهلُ السماوات وخرُّوا لله سُجَّدًا.
وإذا انقضَى أمرُ الدنيا يرُجُّ الأرضَ رجًّا، ويدُكُّها دكًّا، ويُسيِّرُ الجبال سيرًا وينسِفُها نسفًا، وبنفخةٍ يفزَعُ الخلقُ، وبأُخرى يصعَقون، وبثالثةٍ يقومون للمحشَر.
وفَّق فضلاً منه وكرمًا أهلَ طاعته، وأثابَهم بعد توفيقه. شكورٌ يجزِي على القليل ويُجزِلُ على الكثير، الحسنةُ عنده بعشر أضعافها إلى أضعافٍ كثيرة، وأعدَّ لعباده في الجنة ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذنٌ سمِعَت، ولا خطرَ على قلبِ بشر،
ثم لا يزالُ يسترضِيهم فيقولُ: «هل رضِيتُم»، فيقولون: «وما لنا لا نرضَى وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقِك»، فيقول: «أنا أُعطيكُم أفضلَ من ذلك»، قالوا: «يا ربِّ! وأيُّ شيءٍ أفضلُ من ذلك؟»، فيقول: «أُحلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم بعدَه أبدًا»؛ رواه البخاري.
أيها المسلمون: هذا ربكم الله , أفلا يجبُ علينا أن نُحبَّ ربَّنا الذي هذه صفاتُه وأفعالُه، وأن نحمده ونُثنِي عليه ونُخلِصَ له العبادة، ومن عرفَ اللهَ اقتربَ منه وخضعَ له وذلَّ وأنِسَ به واطمأنَّ، ورجَا ثوابَه وخافَ عقابَه وأنزلَ به حاجاته، وتوكَّل عليه. أقول قولي...

الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون:
من أشركَ بالله غيرَه من المخلُوقين والأموات فقد تنقَّص ربَّ العالمين، وأساءَ به الظنَّ وسوَّى غيرَه به، والشركُ يُحبِطُ جميعَ الأعمال، ولا يغفِرُ الله لصاحبِه ولا يُدخِلُه الجنةَ، وفي النار من الخالدِين.
وهو أكبرُ فسادٍ في الأرض، وأصلُ كل بلاءٍ، ومجمعُ كل داءٍ، ضررُه عظيمٌ، وخطرُه وخيمٌ.
والمعاصِي شُؤمُها كبيرٌ، تجتمعُ على العبدِ فتُهلِكُه، وتحولُ بين المرء وبين قلبِه، وبقَدر ما يصغُرُ الذنبُ في العين يعظُمُ عند الله، ولا تنظرُ إلى صِغَر المعصيةِ، ولكن انظُر إلى عظمةِ من عصيتَ.
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ يا رب العالمين، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم وحِّد صفوفَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّقه للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.
المشاهدات 4787 | التعليقات 0