ذِكْرُ اللهِ

عبدالعزيز بن محمد
1446/04/28 - 2024/10/31 10:54AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: تَتَّسِعُ الحَيَاةُ وَتَضِيْقُ، وَيَلِيْنُ العَيْشُ وَيَقْسُوْ، وَتَضْحَكُ الأَيَّامُ وتَعْبُسُ، وَتَتَقَلَّبْ الدُّنْيَا وتَسْتَقِرّ، فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمُ لَنَا، وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ.

وَمَعَ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاةِ وتَلوُّنِها، يَظَلُّ القَلْبُ باضْطِرابٍ تَتَنازَعُهُ هُمُومٌ وتتلاعَبُ بِهِ أَوْهَام. الخَوْفُ يَضْعِفُهُ، وَالشَّوْقُ يَهُزُّهُ، والفَرَحُ يُبْطِرُه.  ولا يُرسِيْ دَعَائمَ القَلْبِ إِلا إيمانٌ باللهِ رَاسِخٌ، وَتَوْحِيْدٌ للهِ خَالِصٌ، وَعَمَلٌ للهِ صَالح.  فَإِنْ خَوَى القَلْبُ مِنْ هَذِهِ مَاجَتْ بِهِ أَمواجُ الشَّدائِدِ، وَهَاجَتْ بِه رياحُ الشَّهَوَات. واضْطَرَبَتْ بِهِ أَعاصِيْرُ الفِتَنِ، وزَلْزَلَتْ كِيانَهُ تَقَلُّبَاتِ الحَيَاة. وقَلْبٌ حَلَّتْ بِهِ الطُمأَنِيْنَةُ لَنْ يَضْطَرِب، وقَلْبٌ أَحاطَتْ بِهِ السَّكِيْنَةُ لَنْ يَتَزَلْزَل.

القَلِبُ قَائِدُ الجَوارِحِ وآمِرُها. صَلاحُ القَلْبِ صَلاحٌ للجَسَدْ، وفَسادُ القَلْبِ فَسادٌ للدِّيْن، وفي الحَدِيْثِ: (أَلا وَإنَّ فِيْ الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهْيَ القَلْبُ) متفق عليه

والقَلْبُ ظَمْآنٌ وَلَنْ يُرْوِيَ ظَمَأهُ إِلا الإِيْمَان، والقَلْبُ مُظْلِمٌ وَلَنْ يُزِيلُ ظُلْمَتَهُ إِلا القُرْآنُ، والقَلْبُ مُسْتَوْحِشٌ وَلَنْ يُؤْنِسَهُ إِلا ذِكْرُ اللهِ في كُلِ آن.

ذِكرُ اللهِ لِلْقَلْبِ سُلْوَةٌ وَطُمَأَنِيْنَة، وَصِلةٌ بِاللهِ وَسَكِيْنَة {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ذِكْرُ اللهِ حِصْنٌ حَصِيْن، وَحِرْزٌ مَتِيْنُ.

في الشَّدَائِدِ ذِكْرُ اللهِ لِلْمَرْءِ عَوْنٌ.  وفي النَّوَازِلِ ذِكْرُ اللهِ للمرءِ ثَبَات {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

ذِكْرُ اللهِ مَدَدٌ وتأَيِيْد، ونَشاطٌ وعَزِيْمَة، وجَسارَةٌ وإِقْدَام. قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ مُوْسَى عليه السلام {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (وَلا تَنِيَا فِيْ ذِكْرِيْ) لا تَفْتُرا عَن ذِكْرِي، أَقِيْمَا عَلَى الذِّكْرِ لا تَفْتُرا. ولازماهُ دَوماً لا تَغْفَلا، فَإنَّ الذِكْرَ لِقُلُوْبِكُمْا قُوْتٌ، ولِقُواكُمْا قُوَّةٌ، ولِخُطاكُما ثَبَاتٌ، ولِطَرِيْقِكُما نُور.

ذِكْرُ اللهِ مَنْزِلَةٌ مِنْ أَكْرَمِ مَنازِلِ العُبُودِيَّة، ومَرْتَبَةٌ مَنْ أَرْفَعِ مَراتِبِ الإِحْسَانِ. فَمْنْ ذَكَرَ اللهَ ذَكَرَهُ اللهُ، ومَنْ ذَكَرَ اللهَ أَحَبَّهُ اللهُ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}

يُقْبِلُ الليلُ وَيُدْبِر، ويُظْلِمُ الكَوْنُ ويُسْفِر، وقُلُوبُ المُقَرَّبِيْنَ تَرْفُلُ في رِياضِ الذَّاكِرِين حَيَاتُهُم بالذِّكْرِ مَعْمُوْرَة، وأَرواحُهُم بِه مَسْرورَة، لَمْ يُشْغِلْهُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ شَاغِلْ، ولَمْ يَصْرِفْهُمْ عن ذِكْرِ اللهِ صَارِف {يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 

في مَعِيَّةِ اللهِ وحِفْظِه، وفي وَلايَتِهِ وتأَييدِه. أَحَبَّهُم اللهُ وأَحَبُّوه، دَعاهُم إِلى الإِكْثارِ مِنْ ذِكْرِهِ فلَبَّوْهُ وأَجابُوه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}

وَمَنْ أَحَبَّ شَيئاً أَنِسَ بِذِكْرِه، وَمَنْ أَحَبَّ شَيئاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِه.  واللهُ مَعَ الذَّاكِرِيْن، في الحديثِ القُدْسِيّ قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ : «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في مَلأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» متفق عَلَيْهِ

سَبَقَ المُفَرِّدُون. ومَنْ سَبَقَ إِلى اللهِ فَازْ، ومَنْ سَبَقَ إلى اللهِ أَدْرَكَ، عَنْ أَبي هُريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ»رواه مسلم سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، وأَكْرِمِ بِهِ مِنْ سَبْق.  سَبَقُوا إِلى أَعْلَى المَنازِلِ وأَرْفَعِ الدَّرَجات. رَضْيَ اللهُ عَنْهُم وأَرْضَاهُم {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّك َتَرْضَىٰ}

ذِكْرُ اللهِ زَادٌ مِنَ الحَسَناتِ تَثُقُلُ بِهِ المَوازِيْن، مُيَسَّرٌ للمَرْءِ في كُلِّ وَقْتٍ، مُهَيأٌ لَهُ في كُلِّ حِيْن، لا يُعِيْقُ عَنْ شُغْلٍ، ولا يْقعِدُ عَنْ كَسْبٍ، ولا يَصْرِفُ عَن تِجارَة. بَلْ هُوَ أَشْرَفُ شُغْلٍ، وأَكْرَمُ كَسْبٍ، وأَرْبَحُ تِجَارَة.  عَن أَبِيْ هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيْزَانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ» متفق عليه

وأَمامَ هذا الحَدِيْثَ تُرْفَعُ أَعلامُ المَحْرُومِيْن. لِسَانٌ لا يَفْتُرُ عَنِ الكَلامِ في كُلِّ أَمْرٍ، ولا يُقْصِرُ عَنْ الخَوْضِ في كُلِّ شأَنٍ، ولَكِنَّهُ عَنْ أَيْسَرِ الذِّكْرِ مِنْ الغَافِلِيْن.

وأَعْظَمُ الذّْكْرِ قُرآنٌ يُتْلى، فَمَا تَقَرَّبَ عَبْدٌ إِلى اللهِ بِمِثلِ تِلاوَةِ كَلامِه.  والصَّلاةُ مِنْ أَجَلِّ العِبادَاتِ، ومَا شُرِعَتِ الصَّلاةُ إِلا لِذِكْرِ الله، تَكْبِيْرٌ للهِ وَتَحْمِيْد،وَتَعْظِيْمٌ لَهُ وَتَوْحِيْد، وتَسْبِيحٌ لَهُ وتَمْجِيْد. ذِكرٌ للهِ بالقَلْبِ وباللسان، وبالجوارِحِ وَبِالأَرْكَان، قَيامٌ ورُكُوعٌ وسُجودُ واطْمئنان، تَفَكُرٌ وتَدَبُّرٌ وَخُشُوعٌ وقُرْآنْ. فَمَا حَوَتْ عِبادَةٌ مِنْ الذِكْرِ ما حَوَتْهُ الصَّلاة {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}

وَذِكْرُ اللهِ في أَدْبارِ الصَلَواتِ، حَسَناتٌ إِثْرَ حَسَنات. وَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِفُقَراءِ المُهاجِرِين: (أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكُوْنُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟) قَالُوْا: بَلَى، يَا رَسولُ اللهِ قالَ: (تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً) رواه مسلم كَمْ ضَيَّعَ المَحْرُومُ مَنْ فَضْلٍ.. وكَمْ فَرَّطَ المغبونُ بالحَسَنات.

{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} بارك الله لي ولكم..


الخطبة الثانية

 

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ ولي الصالحينَ، وأَشْهدُ أَن محمداً عبده ورسوله أصدق الذاكِرِين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ..

أما بعد فاتقوا الله عباد الله.. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.

أيها المسلمون: ذِكْرُ اللهِ حَيَاةٌ..

والغَافِلُونَ كَمَنْ في اللَّحْدِ قَدْ وُسِدُوا ** والذَّاكِرُوْنَ هُمُ الأَحْياءُ ما مَاتُوا

عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» رواه البخاري ومسلم

ذِكْرُ اللهِ كَنْزٌ، فَلَئِنْ سَلَبَتْ كُنوزُ الدُّنيا عُقولاً، فَلَكُنُوزُ الذِّكْرِ أَبْقَى وأَكْبَر {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} ذِكْرُ اللهِ كَنْزٌ، فَمَا الدُّنْيَا وَمَا قُصُورُها؟ وَمَا الدُّنْيَا وما مَرَاكِبُها؟ وَمَا الدُّنيا وما أَمْوَالُها؟ وَمَا الدُّنيا وثَرَواتُها؟ ما الدُّنيا وَزَخارِفُها؟  ما الدُّنيا ومَنَاصِبُها؟ ما الدُّنيا وما مَلَكُوا؟  فَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرْ، عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ» رواه مسلم {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله: (وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}مَنْزِلَةُ الذِّكْرِ وَهِيَ مَنْزِلَةُ الْقَوْمِ الْكُبْرَى الَّتِي مِنْهَا يَتَزَوَّدُونَ وَفِيهَا يَتَّجِرُونَ، وَإِلَيْهَا دَائِمًا يَتَرَدَّدُونَ، وَالذِّكْرُ مَنْشُورُ الْوِلَايَةِ الَّذِي مِنْ أُعْطِيَهُ اتَّصَلَ، وَمَنْ مُنِعَهُ عُزِلَ، وَهُوَ قُوتُ قُلُوبِ الْقَوْمِ الَّذِي مَتَى فَارَقَهَا صَارَتِ الْأَجْسَادُ لَهَا قُبُورًا، وَعِمَارَةُ دِيَارِهِمُ الَّتِي إِذَا تَعَطَّلَتْ عَنْهُ صَارَتْ بُورًا، وَهُوَ سِلَاحُهُمُ الَّذِي يُقَاتِلُونَ بِهِ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ، وَمَاؤُهُمُ الَّذِي يُطْفِئُونَ بِهِ الْتِهَابَ الطَّرِيقِ، وَدَوَاءُ أَسْقَامِهِمُ الَّذِي مَتَى فَارَقَهُمُ انْتَكَسَتْ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، وَالسَّبَبُ الْوَاصِلُ وَالْعَلَاقَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَلَّامِ الْغُيُوبِ.

إِذَا مَرِضْنَا تَدَاوِينَا بِذِكْرِكُمُ ** فَنَتْرُكُ الذِّكْرَ أَحْيَانًا فَنَنْتَكِسُ

بِهِ يَسْتَدْفِعُونَ الْآفَاتِ، وَيَسْتَكْشِفُونَ الْكُرُبَاتِ، وَتَهُونُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْمُصِيبَاتُ، إِذَا أَظَلَّهُمُ الْبَلَاءُ ــ فإِلى الذِّكْرِ ــ مَلْجَؤُهُمْ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمُ النَّوَازِلُ فَإِلَيْهِ مَفْزَعَهُمْ. فَهُوَ رِيَاضُ جَنَّتِهِمُ الَّتِي فِيهَا يَتَقَلَّبُونَ، وَرُءُوسُ أَمْوَالِ سَعَادَتِهِمُ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ. ــ الذِّكْرُ ــ يَدَعُ الْقَلْبَ الْحَزِينَ ضَاحِكًا مَسْرُورًا، وَيُوصِّلُ الذَّاكِرَ إِلَى الْمَذْكُورِ، بَلْ يَدَعُ الذَّاكِرَــ عِنْدَ رَبِهِ ــ مَذْكُورًا) ا.هـ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}

وإِذا أَراد اللهُ بِعَبدٍ خَيْراً أَعانَهُ على لُزُومِ الذِّكْرِ. فَلا يَغْفَلُ ولا يَنْسَى، ولا يعَجَزُ ولا يَكْسَلْ، أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ مُعاذٍ رضي الله عنه وَقالَ لَه: (يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عبادَتِك(  رواه أبو داود

مَنْ اسْتَحْكَمَتْ مِنْهُ الغَفْلَةُ أَحاطَتْ بِهِ الشَّياطِيْن، ومَنْ اسْتَحْوَذَ عَلِيْهِ الشَّيْطانُ أَنْساهُ ذِكْرَ الله {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}

 اللهم أعنا على ذكرك وشكرك..

المرفقات

1730361256_ذِكْرُ الله 29 ــ 4ــ 1436هـ.docx

المشاهدات 595 | التعليقات 0