ذِكْرُ الآخِرَةِ.. واسْتِثْمارُ العَشْر 27 ــ 11 ــ 1444هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أيها المسلمون: حَياةُ المرءِ في الدُّنْياَ عُبُورٌ، وطِيْبُ العَيْشِ في دارِ الخُلُودِ. هَناءُ المرءِ في الدُّنياَ قَلِيْلٌ، وعَيْشُ الأُنْسِ في دارِ النَّعِيْمِ.
أَرْقَى الناسِ فِكْرَاً، وأَوْسَعُهُمْ فِقْهاً، وأَرْجَحُهُم عَقْلاً.. مَنْ أَنارَ اللهُ لَهُ بَصِيْرَتَه.. فأراهُ الحَياةَ عَلى حَقِيْقَتِها.. أَراهُ الدُّنْيا بِحَقارَتِها، وأَراهُ الآخِرَةَ بَعَظَمَتِها، فَعامَلَ كُلَّ دارٍ مِنْهُما بِما تَسْتَحِقّ، وبَذَلَ لِكل دارٍ مِنْهُما عَلى قَدْرِ مُقامِهِ فيها {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} عَنِ المُسْتَوْرِدِ بنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا الدُّنْيَا فِيْ الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَـجْعَلُ أَحَدَكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ ــ أَيْ في البَحْرِ ــ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجع!» رواه مسلم قَطْرَةُ ماءٍ عَلِقَتْ في أَصْبُعٍ.. أَتُقابِلُ بِحارَ الأَرضِ كُلَّهَا جَمِيْعاً؟! {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}
حَياةٌ دَنِيْئَةٌ هِيَ دُنْيا، يُمَتَّعُ المرءُ فيها قَليلاً ثُمَّ يَرْحَل. بَقاؤُهُ فيها لا يَطُول، وسُرُورُهُ فيها لا يَدُوم، ومُتْعَتُهُ فيها لا تَثْبُتْ.
فُرَصُ المرءِ في دُنْياهُ قَدْ تَتَكَرَّرْ، لَكِّنَّما فُرْصَةُ الحَياةِ فيها لَنْ تَتَكَرَّر. فَبانْقْضَاءِ حَياةِ المَرْءِ.. تَنْقَضِيْ أَمامَهُ كُلُّ الفُرَصْ. تُطْوَى مِنَ الدُّنْيا صَحائِفُه، ويَنْتَهِيْ مِنْها خَبَرُه، ويَزُولُ مِنْها أَثَرُه. يَنْتَقِلُ مِنْها إِلى دَارِ الجَزاءَ، ويَنْقَلِبُ عَنْها إِلى دارِ الحِسابْ. ليَرَى بَعْدَ المَوتِ ما قَدْ كانَ قَدَّمْ، ولِيُجازَى يَومَ القيامَةِ بما قَدْ كانَ عَمِلْ. في الحَدِيْثِ القُدْسِيِّ قالَ رَبُّنا تَعالى : «يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» رواه مسلم * إِنْها فُرْصَةُ الحَيَاةِ.. مَنْ غَنِمَها سَعِدَ سَعادَةً أَبَدِيَّة، وَمَنْ أَضاعَها شَقِيَ شَقاوَةً سَرْمَدِيَّة. ولَنْ يَغْتَنِمَ دُنْياهُ مَنْ بِزُخْرُفِها اغْتَرَّ، ولَنْ يَسْتَثْمِرَها مَنْ بِمَتَاعِها افْتُتِنْ. لَنْ يَسْتَثْمِرَ الدُّنْيا.. مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْبٌ للآخِرَةِ ذَاكِرْ، ولَنْ يَجْعَلَها مَطِيَّةَ سَبْقٍ.. مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ باللهِ واليَومِ الآخِر.
* ذِكْرُ الآخِرَةِ.. أَعْظَمُ ما طُهِّرَتْ بِهِ القُلُوبْ، وَأَكْرَمُ ما زُكِّيَتْ بِهِ النُّفُوس، وأَنْفَعُ ما هُذِّبَتْ بِهِ الجَوارِح. * ذِكْرُ الآخِرَةِ.. يُعِيْنُ المرءَ عَلى عَمَلِ الصالِحاتِ، ويَكُفُّهُ عَن مُقارَفَةِ السَّيئاتِ. * ذِكْرُ الآخِرَةِ.. يحْمِيْ العَبْدَ مِن اقْتِحامِ المَظالِم، ويَقِيْهِ مِنْ بَخْسِ الحُقوقِ، ويَنأَى بِه عَنْ سَيءِ الأَخلاق. * ذِكْرُ الآخِرَةِ.. يَرْتَقِيْ بالعَبدِ إِلى أَرْقَى مَقاماتِ الفَضْلِ، ويَعْلُو بِه إِلى أَسْمَى مَعانِيْ العُبُودِيَّة، ويَنْهَضُ بِهِ إِلى أَسْبَقِ صُفُوفِ المُحْسِنِيْن. أَثْنَى اللهُ على ثُلَّةٍ مِنْ أَنْبِيائِه {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار} أَخْلَصْناهُم: اصْطَفَيْناهُم بأَعظَمِ الخَصائِصِ وأَنْفَعِها {ذِكْرَى الدَّارِ} جَعَلْنَا ذِكْرَى الدَّارِ الآخِرَةِ يَمْلأُ قُلُوبَهُم، والعَمَلَ لَها صَفْوَةَ أَوْقاتِهِم، والإِخْلاصَ وَالمُرَاقَبَةَ للّهِ وَصْفَهُمُ الدَّائِم. فَهُمْ لِطَلَبِ الآخِرَةِ فِي جِدٍّ، وهُمْ لِطَلَبِ الفَوزِ فيها في اجْتِهاد.
* ذِكْرُ الآخِرَةِ.. ما عُمِرَ بِهِ قَلْبٌ إِلا اسْتَقام، وما امْتَلأَ بِهِ قَلْبٌ إِلا صَلُحْ. قَلْبٌ يؤْمِنُ بالله واليَومِ الآخِر.. قَلْبٌ مُسْتَجِيْبٌ لِلْوَعْظِ، مُمْتَثِلٌ للأَمْرِ، وَقَّافٌ عِندَ الحُدُود {ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} {وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} * ذِكْرُ اليَومِ الآخِرِ.. يَقْتَلِعُ مِنْ النُّفُوسِ كُلَّ شُحٍّ، ويَنْتَزِعُ مِنْها كُلَّ عُدْوانٍ، ويُزِلُ عَنْها كُلَّ صَلَف: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ) رواه البخاري ومسلم لَكِنَّما قَلْبٌ لَيْسَ فِيهِ للآخِرَةِ وَزْنٌ.. فَلَنْ يَسْتَجِيْبَ لِوَعْظٍ، ولَنْ يسْتَقِيمَ لِذِكْرٍ، ولَنْ يَعْمَلَ بِهُدَى {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} * ذِكْرُ اليَومِ الآخِر.. طَاقَةٌ بِها المرءُ يَنْطَلِقُ في عَمَلِ الصَّالِحات، وبِها يَتَقَوَّى على فِعْلِ الواجِبات، وبِها يُشَمِّرُ في التَّزَوُّدِ مِن القُرُبات. لَمَّا غَابَ ذِكْرُ اليَومِ الآخِرِ عَنْ قُلُوبِ المُنافِقِينَ.. عَقَرَهُمُ الكَسَلُ، وبَطَّأَ بِهِمُ القُعُود، وساءَ مِنْهُمُ العَمَلُ {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}
* وَأَعْظَمْ الناسِ اسْتِمْساكاً بِهَدِيْ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قامَ ذِكْرُ الآخِرَةِ في قَلْبِهِ، يَتَذَكَّرُ لِقاءَ اللهِ، ويَتَذَكَّرُ وُقُوفَهُ بَينَ يَدَيْهِ، ويَسْتَحْضِرُ مَواقِفَ الحَشْرِ والحِسابِ، والفَصْلِ والجَزاءَ، يَسْتَحْضِرُ مَشاهِدَ فَوزِ المؤْمِنِينَ في ذَلِكَ اليَومِ، ويَسْتَحْضِرُ مَشاهِدَ حَسْرَةِ المُفَرِّطِين فِيه. فَما يَنْفَكُ مُقْتَدِياً بهدي الرَّسوْلِ صلى الله عليه وسلم عَلَّهُ بِزُمْرَتِهِ يَلْحَق {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
* مَنْ قامَ ذِكْرُ الآخِرَةِ في قَلْبِه.. اسْتَقامَ لَهُ المِيْزان، وصَحَّتْ لَهُ الرُّؤْيَة، وانْشَرَحَ لَهُ الصَّدْر، وثَبَتَتْ لَهُ القَدَمْ. * مَنْ قامَ ذِكْرُ الآخِرَةِ في قَلْبِه.. أَدْرَكَ أَن دَارَ الدُّنْيا كَدَارِ إِيْجار.. ولَيْسَ لِلْمُسْتَأَجِرِ في دارِ الأُجْرَةِ قَرَار.. مُكْثُهُ فِي دارِ الأُجْرَةِ مُؤَقَّتْ، وبَقاؤُهُ فيها مُحَدَّدْ، وعِمارَتُهُ لَها هَدَرْ. وأَدْرَكَ أَنَّ الآخِرَةَ هِيَ دارُ المُلْكِ.. والمُلْكُ فِيها مُؤَبَّد، والنَّعِيْمُ فِيْها مُخَلَّد، الفَرَحُ فيها لا يَزُول {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} * مَنْ قامَ ذِكْرُ الآخِرَةِ في قَلْبِه.. لَمْ يَطُلْ عَلَى الدُّنْيا أَسَفُه، ولَمْ يَشْتَدَّ عَلَيْها حِرْصُهُ، ولَمْ يَتَقَطَعَ قَلْبُهُ عَليها حَسَرَات. يُدْرِكُ أَنَّ النَّاسَ في دُنْياهُم يَتَفاضَلُون.. فَهَذَا غَنيٌّ وَهَذَا فَقِيْر، وَهَذَا شَرِيْفٌ وَهَذَا حَقِير، وهَذا مأَمورٌ وهَذا أَميْر. ويُدْرِكُ أَنَّ التَّفاضُلَ الحَقَّ هُوَ تَفَاضُلُ الآخِرَةِ.. فَهُو الأَتَمُّ وهُوَ الأَبْقَى، وهُوَ الأَهَمُّ وهُو الأَكْرَم {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} بارك الله لي ولكم
الخُطْبَةُ الثانِية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحينَ، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: الآخِرَةُ حَقٌّ.. وما الدُّنْيا إِلا جِسْرُ عُبُورٍ إِلى الآخِرَة {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
كُلُّ لَحْظَةٍ يَمُرُّ بِها العَبْدُ في هَذِهِ الحَيَاةِ.. فَإِنَّما هِيَ فُرْصَةٌ للتَّزَوُّد للآخِرَة {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} الحَياةُ كُلُها فُرَص، وأَعْظَمُ فُرَصِ الحَياةِ.. عَمَلٌ صالِحٌ في مَوَاسِمِ المُضاعَفَة.. كُنُوزٌ مِن الحَسَناتِ تُرْصَدُ في الصُّحُف، ومَضاعَفَةٌ للأُجُورِ تُثَقَّلَ بها الموَازِين. * أَيامُ المُضاعَفَةِ أَيامُ أَهْلِ الآخِرَة.. فِيها يَتَضاعَفُ جُهُدُهُم، وفِيها يعْظُمُ بَذْلُهُم، وفِيها يَتَواصَلُ عَمَلُهُم. لَحَظاتُ أَيام المُضاعَفَةِ أَثْمَنُ اللحَظات، وساعَاتُها أَكْرَمُ السَّاعاتْ. لا مَجالَ فِيها للتَّفْرِيطِ ولا للإِضَاعَة. ولا للتَّسْويِفِ ولا للكَسَل. * وأَعْظَمُ أَيامِ المُضاعَفَةِ.. أَيَّامُ العَشْرِ الأُوْلَى مِنْ شَهرِ ذِي الحِجَّة، عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأيَّامِ العَشْرِ» قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ ولا الجهادُ في سَبِيْلِ اللهِ ؟ قَالَ: «وَلا الجِهَادُ في سَبِيْلِ اللهِ إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِه فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ» رواه البخاري وإِذا أَحَبَّ اللهُ عَمَلاً ضاعَفُ الثوابَ لِصاحِبِه. وَمَنْ أَبْصَرَ مَضاعَفَةَ الأَرباحِ.. هَانَتْ عليهِ مُكابَدَةُ التِّجارَةْ. ومَنْ تَذَكَّرَ قُرْبَ الرَّحِيْلِ.. سَارَعَ في العَمَل. (مَا مِنْ أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأيَّامِ العَشْرِ) والعَمَلُ الصَّالحُ مَيْدَانٌ فَسِيْحٌ، وَسَاحَةٌ وَاسِعَةٌ. وأَعْظَمُ العَمَلِ الصَّالِحِ.. قِيَامُ العَبْدِ بِما افْتَرَضَهُ اللهُ عَلَيْه. وَمَنْ فَرَّطَ في الفَرائِضِ.. فَقَدْ فَرَّطَ في رأَسِ المالِ. ومَنْ فَرَّطَ في رَأَسُ المالِ أَنَّى لَهُ أَنْ يَرْبَح. أَداءٌ لِلْفَرَائِضِ وقِيامٌ بالواجِبات.. ثُمَّ مُسابَقَةٌ في شَتَّى مَيادِينِ الفَضْلِ من النوافِلِ والسُّنَنِ والمُسْتَحَبّات. ذاكَ طَريقُ السَّابِقِين، في الحَدِيْثِ القُدْسِيِّ قالَ رَبُنا سُبحانَه: «وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» رواه البخاري
والعَمَلُ الصَّالِحُ لا حَصْرَ لَه.. فَكُلُّ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرْضاه مِن الأَعمال والأَقوالِ الظاهِرَةِ والباطِنة، فَهُوَ عَمَلٌ صالِح.. ولا يَكُونُ العَمَلُ صَالِحاً.. إِلا بالإِخلاصِ للهِ فيهِ، والمُتابَعةِ لِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّ عَمَلٍ غابَ عَنهُ الإِخلاصُ فَهو هَباء. وكُلُّ عَمَلٍ ليسَ لَه من الوَحي دَليلٌ.. فَهو مَرْدُود. وأَعظَمُ ما اخْتُصَّتْ بِهِ أَيامُ العَشْر مِنْ أَعْمال.. حَجُّ بَيْتِ اللهِ الحَرام. حَرامٌ على المُسْتَطِيْعِ أَنْ يُفَرِّطَ في أَداءِ فَرْضِه {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
وأَعْظَمُ الثَّوابِ لِمَنْ بالحَجِّ لَبَّى، وأَعظَمُ الثَوابِ لِمَنْ عِنَدَ اللهِ قُبِل «مَنْ حَجَّ، فلَمْ يَرْفُثْ، وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ» متفق عليه «والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه * والأُضْحِيةُ سُنَّةٌ مِن آكَدِ السُّنَنِ لِغَيْرِ الحاجِّ، وهِيَ مِن أَعظَمِ الأَعمالِ الصَّالحَةِ في هَذِهِ الأَيامِ العَشْر. قَالَ ابنُ عُثَيْمِينٍ رحمه الله: (الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلقَادِرِ عَلَيْهَا، فَيُضَحِّيْ المُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ(
إِنَّ أَغْبَنَ الناسِ مَنْ قَضَى حَياتَهُ مُفَرِطاً في الواجِباتِ، مُسْتَهِيناً بالصالحاتِ، مُقْتَرِفاً للمُحَرَّماتْ. يَرِدُ الآخِرَةَ خَائِباً {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار
المرفقات
1686818630_ذِكْرُ الآخِرَةِ.. واسْتِثْمارُ العَشْر 27 ــ 11 ــ 1444هـ.docx
تركي العتيبي
من اوعظ الخطب المؤثرة اتعبت من بعدك ياشيخ
تعديل التعليق