ذكرى الهجرة النبوية

سالم بن محمد الغيلي
1441/01/14 - 2019/09/13 23:16PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً , اشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته والوهيته واسمائه وصفاته.

واشهد أن نبينا وقدوتنا محمد بن عبدالله المصطفى الأمين أعظم الخلق أجمعين صلى عليه الله وسلم ما أسفر نهار وما أظلم ليل. 

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

    • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

    عباد الله:

    ها نحن على ابواب عام جديد الله اعلم بما فيه لكننا نسأل البر الرحيم أن  يجعله عام خير وبركة ويسر وستر وأمن وأمان وسلامة وإسلام, نسأله عز وجل أن يجعله عام نصر وتمكين للمسلمين وأن يجعله عام هزيمة ونقص على اعداء الدين المتربصين

     نسألك اللهم خير هذا العام وخير مافيه ونعوذ بك من شره وشر مافيه.

    العام الهجري تاريخنا وعزنا وفخرنا ونصرنا , العام الهجري ذكرياتنا مع محمد حبيبنا صلى الله عليه وسلم, التاريخ الهجري تاريخ الاسلام , تاريخ الحرية من اعباء الجاهلية , تاريخ الفتح , تاريخ الطهارة والعفة, وتاريخ نعتز به ولا نعتز بالتاريخ الميلادي تاريخ النصارى واليهود والمنافقين, تاريخ الغريب المجهول الذي افتتن به الكثير من المسلمين, التاريخ الميلادي كما يزعمون انظروا إلى بعض مدن المسلمين كيف يحتفلون به كيف يُهنئون لبعضهم ويشعلون المدن أضواءً ورقصاً وغناءً واختلاطاً , التاريخ الميلادي الذي تجده من بعض الشباب معلق على سياراتهم وملابسهم ودفاترهم .

    إن تاريخنا يغنينا عن تاريخهم , التاريخ الهجري احداثاً ودروساً وعِبراً وسيرة لأعظم مخلوق في هذا الكون محمد صلى الله عليه وسلم, إن الرباط بمحمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق و أوثق من روابط وتواريخ ملفقة لا تعدوا كلمات باللسان واحاديث في المناسبات , إن التاريخ الهجري يحكي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة , يحكي ميلاد الأمة ,وانتصار الحق ,والثبات على المبادئ ,وبذل التضحيات.

    إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر عندما أُخرج من بلده واختفى في غار ثور إنما هو ثبات على العقيدة وفِرار بالدين وتحد للكافرين .

     فقد كان صلى الله عليه وسلم في مكة بين أهله وعشيرته وفي بلده أحب البلدان إليه , ثم اختاره الله ليكون نبياً رسولاً إلى الناس كافة إلى الجن والأنس, وكان قومه يعبدون الحجر والخشب ويشربون الخمر ويئدون البنات , فبُعث صلى الله عليه وسلم في هذه الاجواء المظلمة فعندما أراد أن يضيء لهم الطريق وينقذهم من الهلاك والعار والنار انقلبوا عليه واستنكروا دينه وقالوا: ماهذا الدين ؟ من أين جاء به؟ }أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ{  ]سورة ص:5[, قالوا: إنه ساحر , إنه شاعر , إنه مجنون.

    وقول كفار مكة لو ترجمناه لغة عصرنا اليوم لوجدنا كفار اليوم ومنافقي اليوم يقولون كما قال اسلافهم لكن بعبارة أخرى : الارهاب الاسلامي( ارهاب ), ويقولون دين تخلف ورجعية وهمجية وتقيْد للحرية وظلم للمرأة , يقولون: دين جامد ومتحجر قديم , ولكن نبينا هو قدوتنا صلى الله عليه وسلم عندما رأى المنكرون ورأى المعادون خرج بدينه , هاجر برسالته ضحى من أجل مبدئه ولو في ذلك من الصعاب ماكان , ما أغراه اغراؤهم عندما أرادوا أن يجعلوه صلى الله عليه وسلم ملكاً.. عليهم ويزوجوه ماشاء من بناتهم ويعطوه ما شاء من املاكهم مقابل ترك الدين, فما كانت تلك الاغراءات تساوي عنده شيء.

    هذا درب عظيم من دروب الهجرة الثبات على المبدأ على الدين على الاسلام الذي رضيه الله لنا وأمرنا به وشرعه لنا درس لمن تركوا دينهم من أجل المستهزئين أو من أجل مقطع جوال أو من أجل صورة أو من أجل قناة أو من أجل رفيق سوء أو من أجل مال أو جاه أو وظيفة , إن الدين ليس بالخيار وليس بالأهواء وليس بالمزاج إنه شرع الله وأمر الله واختيار الله , ومن تمسك به فاز بالجنة ومن تركه فله النار} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ{ ]سورة المائدة:3[

    تأملوا واقع امتنا كأنها فريسة تنهشها الكلاب من جميع الجهات ؛ وما ذلك إلا بسبب عدم ثباتنا على ديننا بسبب خجلنا أمام أكلة الخنازير, بسبب ترفنا وانبهارنا بما عليه حضارة العري.. والخمر واللواط والسحاق والاختلاط, هان الدين علينا فهُنَّا على الله }وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ{  ]سورة الحج:18[ , تركنا ديننا أو تركت الأمة دينها إلا من رحم الله فسلط الله علينا بني الاحمر والاصفر, يقتلون ويُشرِدون ويحتلون ويدمرون ويسرقون وينهبون ويستهزؤون ويسخرون ويستبيحون وينتهكون , ورضي الله عن عمر قال: (نحن أمَّة أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره، أذلَّنا الله) , والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت هو واصحابه ثبتوا لأنهم على الحق, الحق معهم, هم أهل الحق , وكلفهم ذلك الثبات ترك الدنيا كلها والخروج بالحق الذي معهم, فكم في ذلك من العِبر , كم في ذلك من الدروس لمن يتراجع ويتقهقر وينهزم ويُلحد.

    اللهم ثبتنا على الدين واجعلنا من اتباع سيد المرسلين , اللهم احشرنا في زمرته واسقنا من حوضه الشريف شربة لا نضمأ بعدها أبداً.

    اللهم إنا نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فيك حق جهاده.

    أقول ماتسمعون...

    الخطبة الثانية:

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين.

    عباد الله:

    عندما كان صلى الله عليه وسلم في غار جبل ثور ومعه صاحبه ورفيق دربه أبو بكر رضي الله عنه لحقه المشركون حتى وصلوا باب الغار , فخاف أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم, قال: (قُلتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَنَا في الغَارِ: لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ما ظَنُّكَ يا أبَا بَكْرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا.) صحيح البخاري ,}إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ{ ]سورة التوبة:40[

    ومن كان الله معه فمن يغلبه ومن يقهره ومن يصل إليه , وكانت بنت أبي بكر رضي الله عنها تصل إليهم بالماء والغذاء طيلة مكوثهم في الغار, تواصل وترابط وتكاتف فقدته بعض بيوتنا واسرنا ففي هذا الزمن لم يخرجوا من بيوتهم وهم مهددون بالقتل والطرد والتشريد ومع ذلك لم يخرجوا انشغل كثير من نساء المسلمين اليوم بتبيض البشرة وتلوين الشعر والنفخ بالإبر ولبس العاري وبالسناب شات وزفة العريس أمام النساء والسفر بلا محرم والخروج من بيت الزوجة وبإلغاء القوامة.

    وصل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة استقبله الانصار وضيفوه هو واصحابه واحتفوا بهم و أووهم ونصروهم ووقفوا بمالهم ورجالهم وسيوفهم معه صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى في ذلك الموقف العظيم: }وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ{ ]سورة الحشر:9 [, مبدأ الأخوة الذي ضاع اليوم عند الكثير :} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ { ]سورة الحجرات:10[,}وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ{ ]سورة التوبة:71[ , لا يفرقهم فقر ولا غِنى ,ولا صحة ولا سقم, اخوة وليس مثل أخوة اليوم عند البعض استغنى بما في جيبه وبما في رصيده , ماله ورصيده هو أخوه وعمه وخاله, وأقاربه إن قابلهم فلا بأس وإن غاب عنهم وانقطع لا يهم, كما نرى ونسمع اليوم عند الكثير .

    وفي درس آخر من دروس هجرة النبي صل الله عليه سلم أنه عندما كاد يستقر في المدينة النبوية إذ بالكافرين يجهزون جيشاً لغزوهِ ويلحقون بهِ , وغزوه وحاربوه وقتلوا من اصحابه وأرادوا إبادته ودينه وما جاء به, لكنه ثبت ثبوت الجبال الشامخة فنصره الله وأيده وكان معه , وهذا المبدأ وهذا الدرس يجب أن نَعِيهِ فلن يتركنا اعداء الدين , لن يتركونا يوماً ما مهما تنازلنا مهما تبعنا مهما أُعْجِبنا مهما اعطينا ؛لأن المسألة دين قضية عقيدة , الله تعالى يفضح نواياهم : }وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ{ ]سورة البقرة:120[,}وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ, قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ, فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {  ]سورة البقرة:135,137[.

    إن ديننا نجاتنا, ومبادئنا فلاحنا , وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم دليلنا وتاريخنا ومجدنا , نحن بحاجة في هذا الزمن اكثر مما سبق أن نثبت على ما ثبت عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه ومن تبعهم بإحسان , وإذا ثبتنا اعزنا الله ونصرنا الله ولن تستطيع أمة أو دولة مهما كانت أن تتغلب علينا.

    ثبتنا الله وإياكم على دينه وعلى هدْي نبيه صلى الله عليه وسلم .

    وصلوا وسلموا..

    والله أعلم

    جامع القو 6/1/1438هـ

    جامع القو 11/1/1440هـ

    جامع النور 29/12/1440هـ

    المشاهدات 624 | التعليقات 0