ذكرك أخاك بما يكره
عبدالله البصري
وَلأَنَّ الكَلِمَةَ السَّيِّئَةَ مِن أَخطَرِ الآفَاتِ الَّتي تَفتِكُ بِالمُجتَمَعَاتِ وَتُدَمِّرُ مَا بَينَ أَفرَادِهَا مِن علاقَاتٍ ، فَقَد جَاءَ الأَمرُ لِعِبَادِ اللهِ أَن يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم "
فَالَكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ الحَسَنَةُ لا يَجِدُ مَعَهَا الشَّيطَانُ مَجَالاً لِلإِفسَادِ بَينَ النَّاسِ أَو إِيغَارِ صُدُورِ بَعضِهِم عَلَى بَعضٍ ، وَمَا ظَفِرَ عَدُوُّ اللهِ مِنِ اثنَينِ بِثَغرَةٍ يَنفُذُ مِنهَا عَلَيهِمَا وَيَنزِغُ بَينَهُم فِيهَا بِمِثلِ الكَلِمَةِ الخَبِيثَةِ السَّيِّئَةِ ، مِن لِسَانِ قَاصِدٍ لِلشَّرِّ مُتَعَمِّدٍ لِلإِفسَادِ ، أَو آخَرَ غَافِلٍ عَنِ الخَيرِ وَالإِصلاحِ .
وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَن يَكُونَ مِنَ الإِيمَانِ أَن يَقُولَ المَرءُ حَسَنًا أَو يَسكُتَ عَن سَيِّئٍ ، في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَسكُتْ "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " يَا مَعشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلم يَدخُلِ الإِيمَانُ قَلبَهُ ، لا تَغتَابُوا المُسلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم ، فَإِنَّهُ مَن تَتَبَّعَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ ، وَمَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ وَلَو في جَوفِ بَيتِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بِقَومٍ لَهُم أَظفَارٌ مِن نُحَاسٍ ، يَخمِشُونَ وُجُوهَهُم وَصُدُورَهُم ، فَقُلتُ : مَن هَؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أَعرَاضِهِم "
وَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : قُلتُ لِلنَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حَسبُكَ مِن صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا ـ تَعنِي قَصِيرَةً ـ فَقَالَ : " لَقَد قُلتِ كَلِمَةً لَو مُزِجَت بِمَاءِ البَحرِ لَمَزَجَتْهُ " قَالَت : وَحَكَيتُ لَهُ إِنسَانًا . فَقَالَ : مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيتُ إِنسَانًا وَأَنَّ لي كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَعَن أَبي بَكرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : " بَينَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي وَرَجُلٌ عَلَى يَسَارِهِ ، فَإِذَا نَحنُ بِقَبرَينِ أَمَامَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ ، وَبَلَى ، فَأَيُّكُم يَأتِيني بِجَرِيدَةٍ ؟ " فَاستَبَقنَا فَسَبَقتُهُ فَأَتَيتُهُ بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا نِصفَينِ ، فَأَلقَى عَلَى ذَا القَبرِ قِطعَةً وَعَلَى ذَا القَبرِ قِطعَةً ، قَالَ : " إِنَّهُ يُهَوَّنُ عَلَيهِمَا مَا كَانَتَا رَطبَتَينِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلاَّ في الغِيبَةِ وَالبَولِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ ، وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِنَّ مِن أَربى الرِّبَا الاستِطَالَةَ في عِرضِ المُسلِمِ بِغَيرِ حَقٍّ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَنَاجَشُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَلا يَبِعْ بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا , المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ ، التَّقوَى هَاهُنَا ـ وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ ـ بِحَسبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَهَل ثَمَّةَ بَيَانٌ لِعِظَمِ حُرمَةِ عِرضِ المُسلِمِ أَعظَمُ مِن هَذَا البَيَانِ وَأَوضَحُ مِنهُ ؟!
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " خَمسٌ لَيسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ : الَشِّركُ بِاللهِ , وَقَتلُ النَّفسِ بِغَيرِ حَقٍّ , وَبَهتُ المُؤمِنِ , وَالفِرَارُ مِنَ الزَّحفِ , وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقتَطِعُ بها مَالاً بِغَيرِ حَقٍّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَن قَالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ أَسكَنَهُ اللهُ رَدغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخرُجَ مِمَّا قَالَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَرَدغَةُ الخَبَالِ هِيَ : عُصَارَةُ أَهلِ النَّارِ .
لِنَفسِيَ أَبكِي لَستُ أَبكِي لِغَيرِهَا
لِنَفسِيَ مِن نَفسِي عَنِ النَّاسِ شَاغِلُ
المشاهدات 5382 | التعليقات 9
وجزاك المولى خيرًا أبا البراء ووفقنا وإياك وجميع الإخوة لما يرضيه عنا وأورثنا جنة النعيم .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
فصل :
وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظه ضائعة بأن لا يتكلم إلاّ فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه ، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها ربح أو فائدة أم لا ؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها ، وإن كان فيها ربح نظر هل تفوته بها كلمة هي أربح منها ؟ فلا يضيعها بهذه .
وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى .
قال يحيى بن معاذ : " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها " فانظر الرجل حين يتكلم ، فإن لسانه يغترف لك به مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه أي كما تطعم بلسانك فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك .
وفي حديث أنس المرفوع : " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال : " الفم والفرج " قال : الترمذي حديث حسن صحيح .
وقد سأل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره صلى الله عليه وسلم برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قال : بلى يا رسول الله . فأخذ بلسان نفسه ثم قال : " كف عليك هذا " فقال : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوهم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه حتى يري الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يزل بالكلمة الواحدة بين المشرق والمغرب وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراضه الأحياء والأموات ولا يبالى ما يقول .
وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال رجل والله لا يغفر الله لفلان " فقال الله عز وجل : من ذا الذي يتألى علي أني لا أغفر لفلان ؟ قد غفرت له وأحبطت عملك " فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله .
وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك ثم قال أبو هريرة : " تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته " إلخ ... وهو كلام نفيس رحم الله قائله .
والله إنها لمصيبة عظيمة على كثير منا ، حين تجد أحدنا ينتفض جلده ويهتز شعره لو عرض عليه مال من الحرام يسير ؛ لأنه لا يريد أن يأكل لأحد حقًّا ، فما بالنا لا نتورع عن حقوق الناس في أعراضهم ؟ أليس حقهم في العرض كحقهم في المال والدم ؟
إنه اللسان ، عدو للإنسان ، كلمة منه ترفعه ، وأخرى تخفضه ، وما ند منه فقلما يستدرك .
ولعل الإقلال من الكلام مما يحمي من كثير من آفات اللسان ، ومن كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه فالنار أولى به .
كما أن التناصح لو بُسِطَ فيما بيننا ، وجَعَلَ كل واحد منا من إخوانه رقيبًا عليه ، يلحظ كلماته ، وينبهه على كل خطأ ، أقول : لو فعلنا ذلك لقل فيما لا يعنينا كلامنا ، ولاتزنت عباراتنا .
كما أن معرفة النفس على حقيقتها والتبصر في عيوب الذات تجعل الإنسان يتواضع ، ويقصر بصره على التفكر في عيوبه لإيجاد الحل لها .
فنسأل الله أن يبصرنا بحقيقة أنفسنا ، ويعيننا على حبس ألسنتنا عما لا فائدة فيه ، فإنه ليس شيء أحق بطول سجن من لسان .
ونفع بك الاسلام والمسلمين.
وإياك جزى الله خيرًا .
يظهر ـ أخي ناصر ـ أن هذه هي أول مشاركة لك ، فلعلها تتبع بمشاركات أخرى نافعة ، فإخوانك في حاجة إلى الكلمة الطيبة ، والكلمة الطيبة صدقة .
فمرحبًا بك وأهلاً وسهلاً ، وجعلك الله ناصرًا للدين .
وفي انتظار مشاركاتك وتعليقاتك .
كانت أول مشاركه.. وهذه ثانيه مشاركه..
لقد أبليت مجالس الناس في هذا الزمن بالغيبه والقيل والقال..ومما لا فائده فيه إلا تحمل الآثام
نسأل الله العفو والعافيه..
أكرر شكري وتقديري لك بارك الله فيكم
[align=justify]
وجزاك الله الفردوس الأعلى ، وجمعنا ومن نحب بنبينا والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا .
[/align]
أبو البراء
الله يجزاك الجنّة يا شيخ عبدالله ...
تعديل التعليق